صفحتي ( غريب الامارات )

خرج أهل الحي جميعا إلى الشوارع يبحثون عن ولدين من اهل الحي خرجا منذ ساعات واختفت آثارهم، من قبل العصر تحديدا، الجميع ما بين مهرول وراجل ومنتعل وحافي ينادون... يا نبيل يا نشأت... أصوات صغار وكبار رجال ونساء،لم يدعوا سكة ولا زقاق حتى حُفَر المجاري نزلوا فيها وقد كانت جديدة لم تجرِ فيها النجاسة بعد.
في هذا الوقت كان الولدان يمشيان بهدوء مستمتعين بالشجر والبقر على جانب الطريق لمسافة تزيد على الكيلومترين بقليل، وهذه مسافة طويلة إذا علمنا أنّ أعمارَهما لم تتجاوز الخمس سنين، المهم أنهوا مشوارهم ذهابا وإيابا دون التفكير بما أحدثوه من قلق وهرج ومرج جراء اختفائهم، بل ولم يكتروا بأصوات تنبيهات سيارات الشرطة المشتركة في عملية البحث، وأخيرا عادوا، وكان استقبالا حافلا:-
نزل نشأت هاربا إلى السيل الذي يشق المنطقة بمائه ، ولحقه أبوه(الأخرس) حتى أمسكه وأجلسه وسقاه ماءً وهدأ من روعه.
أما السيد نبيل المحترم فجرى مسرعا نحو أبيه ليريه قرشا أعطاه إياه أحد المارة وبكل براءة دون النظر الى ما حوله ، فما كان من أبيه الا أنْ صفعه قبل أنْ يمسك به الناس ثم مشى به إلى البيت الذي كانت تقف على بابه أمُّه ببكائها المرير، ثم كان مصيره جثة مربوطة على سريره الصغير إلى أن فكت قيده إحدى بنات الحي التي كانت معجبة بشعره الذهبي
أيها الأحباب أتعجبون مما سمعتم؟!
والله الذي برأ النسمة وفلق الحبةَ إنهُ لحَقٌّ ما أسطره لكم
نبيل ونشأت لم يكونا من أبناء الثراء والجاه، فلا الوالد من أعيان المنطقة ولا من أصحاب التجارات ولا من الملاك لرؤوس الأموال،
ببساطة تدعوكم للدهشة، والد نبيل كان يعمل صباغا ، وبلهجة أهل الحي (طرِّيش)
ووالد نشأت يعمل حلاقا غير أنه لا يتقن عمل الختان كما هو عمل الحلاقين في ذلك الزمان.
إذن ما الذي حرك كل هذه الجموع للبحث عن الولدين الضائعين؟؟؟
إنه المحبة الخالصة، والمودة الصافية، والجيرة الحقة، إنها القلوبً الخالية من الحسد والحقد والغل، يا الله أرجعني إلى ذلك الزمان فالشوق نار كاوية.

في زمن البركات والخيرات، كانت الولادة، يوم كان الناس يتعاملون مع بعضهم بحقيقة الحب،وحقيقة الود،يوم كانت القلوب بيضاء نقية كالثلج، كانت الولادة.
في منطقة ضاربة في القدم، تغفو على سفح جبل أشم، يتعب أهل الحي بشموخه ويرهقهم صعودا،،،
ويجاوره على الجانب الآخر محطة الخط الحديدي الحجازي للقطار، وقد سميت المنطقة تبعا لذلك ب(المحطة) ، وهي تتبع العاصمة العريقة فيلادلفيا أو ربة عمون أو عمّان وتبعد عنها مسافة ميلين تقريبا.
أحبابي الكرام
أحاول أن لا أذكر في سطوري إلا أحداثا ومعلومات تفيد في تحديد معالم شخصيتي وما كان لها تأثيرا في مسار حياتي.
كان يسكن المحطة خليط من المسلمين والنصارى على حد سواء، يعيشون بهدوء وسكينة ويعرفون حقوق الجوار كلاهما، وفي فلب المنطق يقوم المسجد والكنيسة!!!

أرجو المعذرة لأني مضطر للتوقف لاستقبال أختي وعيالها

كان يسكن المحطة خليط من المسلمين والنصارى على حد سواء، يعيشون بهدوء وسكينة ويعرفون حقوق الجوار كلاهما، وفي قلب المنطقة يقوم المسجد والكنيسة!!!
**********
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:-
{ فالتقطهُ آلُ فرعونَ ليكونَ لهمْ عدواً وحزَنا إنَّ فرعونَ وهامانَ وجنودَهُما كانوا خاطئين }
كان يقوم على شئون الكنيسة قسيس أمريكي صار بينه وبين أهل الحي ألفة خصوصا أنه كان يتكلم بلهجتهم العامية بطلاقة وكان يدعى (أبو بِلي) ، كان شعلة نشاط في دعوته لدينه الباطل والقائم على عقيدة التثليث(الآب والإبن والروح القدس) مع مناداة نبي الله عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، مع مناداتهم إياه بالرب يسوع أو بابن الله- تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- وغير هذا وذاك من الضلال.
التقطني أنا وبعض صبيان الحي بغفلة عن أهلينا العوام، وأدخلنا الكنيسة وبدأنا ندرس الانجيل يوميا في غرفة صغيرة خلف الكنيسة ونحضر محاضرات في القاعة الكبرى واحيانا نرى فلما سينمائيا على شاشة بيضاء كبيرة في آخر القاعة الكبرى لنرى من خلاله صلبَ السيد المسيح بزعمهم وخروجه من قبره وجهاده وأخلاقه والكثير الكثير، وكل ذلك بتشجيع ومكافئات نقدية وألعاب جميلة وثمينة وحلويات كلها مما لا يستطيع أهلنا شراءها لنا إلا في الأعياد أحيانا.
ولم تكن جهود الراهبات معي إلا استكمالا لما بدأه والدي رحمه الله تعالى وسامحه وغفر له، حيث أنه نذر بأن يعمّدَ مولوده الأول في الكنيسة وذلك بسبب موت توأم أولاد قبل ولادتي، وتم التعميد الذي هو عبارة عن مراسيم دخول النصرانية ، ولا يهمنا التفاصيل والمصطلحات هنا.
وعلاقتي بالنصارى كانت على كافة الأصعدة ، بدءً بالجيران وعلاقة الجيرة مرورا بالأصحاب، ثم المرضعة والتي جعلت لي أخوة وأخوات نصارى بالرضاع، وما يتبع ذلك من مشاوير ورحلات معهم، إلى أن أصل معكم الى المحطة القادمة وهي عملي بالصيدلية التي يقوم عليها نصارى وتبشيريين، وكان ذلك عند وصولي للصف الخامس ابتدائي، أي في بداية السبعينيات.

أخذني والدي إلى الصيدلية كما أسلفت وأنا في الصف الخامس الإبتدائي، ولم يكن هدفه المال من وراء عملي بل إبعادي عن الشارع لكثرة مشاكلي ومشاكساتي مع أقراني، وصارت خطواتي محصورة ما بين المدرسة والصيدلية والبيت سوى يوم الأحد عطلة الصيدلية حيث كنت أحيانا أرافق والدي لمساعدته في عمل الصبغ والدهان مما أكسبني خبرة في هذا المجال استفدت منها مستقبلا.
أكسبني عملي في الصيدلية فهما لعلم الأدوية وقدرة على التعامل مع الناس والجرأة على مواجهة المشاكل والاعتماد على النفس في كثير من أمور حياتي، حيث كان عملي يقتضي أن أبيع الدواء وأصرفه من خلال قراءة وصفة الطبيب والذهاب إلى مستودعات الأدوية لإحضار النواقص من أماكن متفرقة من العاصمة عمّان وهذا كان يتطلب مني جهدا يفوق حجمي وسنوات عمري.
يتبع إن شاء الله تعالى >>>>

صفحتى هذة فكرة مبدعة لانها تضع امامنا خبرات سنين فى لحظات معدودة بكل ما فيها من سلبيات وايجابيات . وعندما نصل لنهاية الصفحة نرى جمال الخبرة وما تتركة فى صاحبها من قيول عند الله سبحانة وتعالى .

اخونا ابو عمر حياك الله
انها حياه حقيقيه علي هيئة قصه فتمهل علي نهايتها ...واملئها بكال التفاصيل الصغيره المتواجده حتما في ثنايا الذاكره
فهي ومثلها عبق من الماضي الجميل والذي يبدوا ظاهرا بين السطور
مع خالص تحياتي

شيخنا الفاضل
انتظر باقي التفاصيل بشوق
واصل من فضلك

عندما كنت في الأول الإعدادي أو الصف السابع أخذني والدي عليه رحمة الله ،وطلب مني مرافقته إلى دكان صاحبهِ الحج عزمي-حفظه الله- وجلست أمامه ليعيدَ علي صفةَ الصلاة والوضوء، وصار والدي بعدها يسألني عن صلاتي كلما رآني وكان هذا من تأثير صاحبهِ الرجل الصالح (ولا زال على قيد الحياة وعلى تواصل معه)
وأذكر ولا أنسى موقفا محفورا في ذاكرتي رغم ضعفها الحالي، يوم كنت مع والدي في مكان الوضوء في مسجد حينا حيث وقف رجل يكلم والدي ويثني علي لأنني أصلي ويتأسف على أولاده الذين لا يصلون رغم وجود متجرهم مقابل باب المسجد،،، فما كان من والدي إلا أن جلس على درج بجانب الميضأة وأخذ يبكي ويحمد الله تعالى ويدعو الله أن ينفعه بي بعد مماته،، وهاأنذا لا أنساه هو ووالدتي في كل صلاة في سجودي وأتحرى أوقات الإجابة، فرحم الله والديّ وغفر لهما ، اللهم آمين.
والآن أستميحكم عذرا للعودة إلى الوراء بضع سنوات وبالتحديد إلى ما قبل سنة 1967 وهي سنة دخول اليهود لبيت المقدس، فكَّ الله أسرَه ورزقنا شهادةً على أعتابه.
كثيرا ما كان أبي يصطحبني معه لزيارة عمتي وأقاربي في القدس الشريف، حيث نركب الحافلة القديمة والتي لها وجهٌ كوجه الخروف(يعني لها بوز) والمسافة بين عمّان والقدس 80 كيلومتر(فقط لا غير يا حبايب) ويا لها من رحلة ممتعة ، وخاصة أحاديث الناس البريئة والعفوية والتي تتكلم عن مشاكلهم اليومية ومناسباتهم، إضافة إلى جمال الطريق الطويل والمليء بالحدائق الغناء والبساتين والخمائل على الجانبين، ولا عجب فهي امتداد للأرض المباركة،وكلما اقتربنا من المسجد الأقصى نزداد قربا من البركات والخيرات ،بل نشعر بالسكينة والطمأنينة وهذا بشهادة الكثير من زوار الأقصى والقدس الشريف عموما.
والله يا أحبابي كلما تذكرت لعبي في زقاق القدس، وعلى بلاط منطقة الأقصى ولعبي في مكان الوضوء ، تغلبني الدمعات ويثور الشوق الكامن كأنه نار تكوي كبدي،أسأل الله أن يعيدنا إليه فاتحين.
يتبع >>>>>

من الأحداث التي كان لها أثرا بالغا في حياتي وبصمات أليمة في ذاكرتي، أحداث أيلول الأسود، وهي الحرب التي قامت بين الجيش الأردني والفدائيين ، ولست هنا محللا سياسيا لأبين أسباب هذه الأحداث والحق مع من ولصالح من، ولكنني أتذكر أمورا حصلت مع صبي كان في العاشرة من عمره كان ينام بجوار الأموات أياما وليالي، ولا خيار له ولأهله وجيرانه إلا الجلوس وسط رعب الموقف وشدة رائحة الموت التي بقيت في أنفه سنوات طوال.وكيف ينسى منظر ميت تأكل منه القطط في الشارع وهو يعرف أنه أحد جيرانه، وآخر مفتوح الرأس ومخه على الحائط المجاور بقيت آثاره سنوات، وكيف ينسى يوم أن أوقفه الجندي هو وجميع ذكور الحي بجانب حائط البيت وهو يصوب إليهم رشاشه ليقضي عليهم على مرأى من النساء والأطفال لولا عناية الله ليقضي أمرا كان مفعولا،،وكيف ينسى ما حصل لوالده يوم تم اعتقاله هو وجميع رجال الحي وما تعرضوا له من الضرب المبرح ثم رجع الينا بعد عشرين يوما وقد فقدنا الأمل برجوعه،وكانت آثار الضرب بادية عليه وخلفت له تعبا في القلب أقعده عن العمل بقية حياته وهو في الستين من عمره.
سامحوني على هذه الفقرة التي أزعجتكم، وأكتفي بما سبق عن هذه الأحداث، وإن رأى السيد الاستشاري حذف هذه الفقرة فلا مانع عندي

اللهم آمين , رحلة جميلة وذكريات مخملية لحياة تظهر فيها خشونة الحياة , ولكن تبقى القلوب النقية أنعم من خشونة الحياة .
ما أجمل أن نبدأ , وعليك أن تكثر من التفاصيل فهي تأخذنا في رحلتك , لنمشي حفاة على أرضية المسجد الأقصى والأرض المباركة
سنعود وكم أتمنى أن اصلي في المسجد الأقصى والحياة في قلبي
تزامنت مع طرح الورقة الجديدة , فأعدتها للتعديل .
تلك الأحداث التي مررت بها ومشوار الدم ورائحة الموت قاسية على صبي صغير , وقاسية على رجل كبير , قدر الله وله الحمد . وما حدث ليس ببعيد على أحد طالما هناك ظلم في الحياة نسأل الله أن يرفعه عنا .
لا باس يا صديقي فكلنا سنلتقي ولن يضيع عند الله حق . ولكن صعبة حياتنا .

سيدي الفاضل ابو عمر ..
كلنا آذان صاغية لقراءة تفاصيل التفاصيل ...فلا تحرمنا ودعنا نشاركك ذكرياتك ..ونستفيد من قصة كفاحك

تسلسل رائع واحداث هامة ارجو ان لا يحذف منها شيء فقد اعادتني هذه الذكريات لتلك الايام العصيبة التي اختلطت فيها روعة الحياة البسيطة والقلوب الطيبة بقسوة الحروب والصراعات السياسية
ننتظر المزيد من كنزك المدفون يا شيخنا الفاضل

أجل أليست هذه حياتنا مهما كانت , لا حذف من فضلكم . أنت رأيت ونحن اصابنا الحزن والهم فأنتم منا ونحن منكم .
ألم اقل لك أننا نتحدث نفس اللغة ونفهم بعضنا . كنت أحس بذلك
ما أسعدني يا أخي , بأن اقول لك تعال نركض حافيين , فلن يكون هناك أحن على قدمينا من تراب القدس الشريف .

للاسترسال
اقترح عدم المقاطعة وترك المداخلات لتنتهي القصة

مجرد اقتراح

لا نستطيع صبراً وحين يأتي دورك سنقاطعك كي تستمر وتكمل , هيا أستعد
ولكن هذه ليست مقاطعات يا غالي بل هي اقرب ما تكون إلى محبة , ولكم الراي . وسالتزم بما ترونه .

يا جماعة الخير
يا أهلي ويا ناسي
لقد غمرتُموني بوابلِ مودتِّكُم
وأسبغْتُمْ عليّ بردةَ عطفِكُم
ودفعتموني دفعا لأمْرٍ لمْ أخرجْهُ منْ جُعْبتي قبلَ اليوم وهي سنواتُ عمري وأسرار حياتي
وسأكملُ وأستفيضُ ولنْ أخْفي إلا ما لا ينبغي نشرُهُ حفاظا على مشاعرِكُم الرقيقة
فتابعوني يا حبايب

بانتظار
ديوانك
تاريخك
نضالك
وكل ذكرياتك
التي ستبقى
شاهدة على تاريخك

كان والدي – عليه رحمة الله تعالى – كتلة من الحنان والعطف،كان يفرح لفرحي ويحزن لحزني بل ويبكي لبكائي،،، وإذا كان هذا حال والدي فكيف كان حال أمي التي حملتني وأرضعتني وسهرت الليالي فوق رأسي (رَبِّ ارْحَمْهُما كمَا ربّياني صَغيرا )
في إحدى ليالي الشتاء القارس ولما أبلغ الخامسة من عمري بعد، كنتُ في جلسةِ سمرٍ مع أهلي بجانبِ الموقدِ ( الصوبيا ) وفوقَها إبريقُ الشاي يغلي ماؤُه، وبحركةٍ مني غير مقصودة انقلبَ الإبريقُ على حجري،والتفاصيل عندكم، المهمّ حَمَلني الحنونُ وصار يدور في الحي باحثا عن دهونٍ يعالجُ ويخفف آلامَ الحرق ودموعُهُ على خديه، ولم يرجعْ إلا بعد أنْ قام بعلاجي وغفوت على كتفه، وهذه واحدة من العشرات الدالة على حنانه علي خاصة وعلى أخواتي عموما. والحديث عن حنان أمي لا يتسع المجال لسرده ولذا أكتفي بمواصلة الدعاء لهما بالمغفرة والرحمة.
يوم أن بلغت السابعة عشرة كنت قد وصلت إلى الأول الثانوي(العاشر)، في تلك السنة أصيب والدي بجلطة وبالتالي لزمه شلل نصفي وقد بلغ التاسعة والستين من عمره،وبحسبة بسيطة سنعرف أنه من مواليد 1908م أيام الحكم العثماني لبلاد الشام،ولا زلت أحتفظ بشهادة ميلاده العثمانية الصادرة من القدس بالاضافة لجواز سفره أيضا والصادر في عام 1934م من القدس الشريف أيضا.
بقي والدي يعاني من مرضه قرابة الشهرين، ويبكي كلما سمع الأذان لأنه لا يستطيع الوصول للمسجد وهو الذي كان يفتح المسجد يوميا لصلاة الصبح ويذهب لإحضار إمام المسجد الضرير من بيته، وعرفت كم كان والدي محبوبا من أهل المنطقة والأقارب سواء في عمان أو القدس ، عرفت هذا من كثرة العائدين والزائرين لوالدي المريض.
واقتربت اللحظة الفاصلة في حياتي، يوم أن انتقل والدي بعربة الاسعاف للمشفى قبل وفاته بخمسة أيام، كنت خلالها أتناوم مع أمي في خدمة والدي ،فأمي تذهب صباحا وحتى العصر لتعود لأخواتي، وأنا أذهب مساء بعد دوام الصيدلية لأبقى معه طوال الليل إلى السادسة صباحا، ثم انطلق مشيا وجريا إلى مدرستي من المستشفى الرابض على أعلى جبال عمان إلى المحطة وهي وادٍ بين عدة جبال، والمسافة تقارب الخمسة كيلومترات.
وفي اللحظة الحاسمة رن جرس الهاتف وأنا في الصيدلية مساءً وقبيل ذهابي للمستشفى، وما أن أجابني الهاتف بكلمة مستشفى حتى صرخت بالكلمة دون وعي، فخطف السماعة من يدي الصيدلي ثم أرسلني فورا لأمر لم يكن يريد منه سوى خروجي من المكان ريثما ينهي المكالمة، ورجعت، وهذه المرة أرسلني لدعوة صديق والدي الرجل الصالح الحاج عزمي، فدعوته وأنا أحس وأعي ما يجري دون أن أتكلم أو أسأل، ثم طلب مني دعوة والدتي فذهبت، وبادرتني بالسؤال:- (أبوك صارلو إشي)
- مش عارف يمه(وأنا أمسك دموعي بأهدابي)
ودخلنا الصيدلية وأمي تتهادى بيني وبين أخي الأصغر متثاقلين الخطى، وبدأ صاحب والدي الكلام
يتبع>>>>>>>

ليتك يا شيخنا لم تتوقف عند هذا المقطع الرهيب
فقد اغرورقت عيناي بالدموع وكاد قلبي يتقطع لان المشهد يشبه تماما مشهد دخول امي المستشفى بالرمق الاخير ولحظة سماع الخبر الصاعقة ... لقد اعدت لي الصورة كاملة وباحاسيسها المؤلمة !!!

ان قصة حياتك الرائعة باحداثها المؤثرة واسلوب سردها الشيق تحاكي احداثا كثيرة لدي ولدى الكثير من الناس لذلك فاني على يقين انها ستكون محط اعجاب واهتمام الكثير يا شيخنا الفاضل وسيكون فيها العبرة والفائدة الكبيرة باذن الله تعالى

أخواتي الفاضلات أم المجد والمن والسلوى
أحبابي الكرام جميعا
كلما فترتْ همّتي وبدأ يجفُّ قلمي وتتعبُ ذاكرتي، إذا بكمْ تشعلونَ وتوقدونَ وتبعثونَ كلَّ ما فترَ وجَفَّ وتعبَ
شكرا لكم
ولأجلكمْ سأضعُ مشاعري وأحاسيسي وأسرارَ روحي على طبقِ الأخوة السامية، لكمْ أنتمْ ، وحقوقُ الطبعِ لكمْ أنتمْ أيها الطيبون
يتبع >>>>>>

الله يقويك ويطول بعمرك
ويكتبلنا انا واياك واعضاء المنتدى نصلي بالاقصى

هناك أمور قد نعتقد أنها لنا ولكن في الحقيقة , ليس هناك من أمر خاص , فلا بد أن لنا شريك في كل ما نفعل في هذه الحياة , وحتى لو فردياً فلا بد أن له إنعكاس على آخر. فحقيقة الحياة أنه ليس من شيء لن يعرفه أحد . بقي أن ندرك , أن من يمنحنا الطيب من روحه , إنما هو ذلك الشخص الذي عاش حياته في شفافية , وكانت جدران بيته ترحاب وحب للجميع , والأهم أن سقفه رَحمة الله , وتراه دائماً تلك المخلوقات التي تحلق ومن يحلق يسمو . أما أنت سيدي فتؤكد عراقة البيت الذي نحيا به , وجذور الأجداد المشرفة .
قولوا للياسمين أن يستمر بالإزهار

ودخلنا الصيدلية وأمي بيني وبين أخي الأصغر متثاقلين الخطى، وبدأ صاحب والدي الكلام:-
- يا أختي الموت حق علينا جميعا وإنا لله وإنا إليه راجعون، واللي خلّف ما مات، والبركة بالأولاد وإن شاء الله فيهم الخير والعوض....
وتكلم بكلام كثير هو والصيدلي مما يقال في مثل هذا الموقف، ثم رجعنا إلى كوخنا، أجل ، كوخنا المليء بالمحبة والطيب، رجعنا بأنفس منكسرة، وما أن جلسنا حتى بادرت أمي قائلا:-
- يا أمي أبوي ارتاح من همّ الدنيا ونكدها وراح إلى الرحمن الرحيم وما عند الله خير له مما عندنا ولولا ألم الفراق لفرحت له....نسأل الله الصبر الجميل....
طبعا ليس بيدي أن أوقف سيل الدمع المنهمر على خدود الغالية والتي أصبحت للمرة الثانية أرملة(وهذه قصة أخرى)، وغافلتً أمي وخرجتً إلى أفضل صديقاتها من الجيران الطيبين واستدعيتهم لمواساة أمي ريثما أقوم بعمل ترتيبات الجنازة والدفن من خلال اتصالاتي مع أقربِ المقربين من والدي، ولم أنمْ طيلة الليل باكيا في زاويةٍ من البيت وبالتحديد تحت شجرتي الليمون اللتين كان والدي يخصّهما برعايته، وكنتُ حريصا على إخفاء عبراتي أمام الحنونة المسكينة حتى لا تنهار هي وأخواتي اللواتي صرن أيتاما في ليلة وضحاها وعلي أن ألبسَ بردة والدي وأبسطَ لهن جناح الأبوة الوارف، وهذا ما كان.
كانت جنازة مشهودة، حضرتُ غسل والدي وتكفينه في البيت وفي غرفة نومهِ تحديدا، ولمّا انتهى التجهيز دعوتً أمي لتودعه وعندها خاطبتْهُ بجملة في موقفٍ حفِرَ في ذاكرتي كالنقش في الحجر:-
-- لمين تركتنا يا حنون
-- راحَ المرزوق وبقي الرازق يا أختي (بادرها بالجواب الحاج عزمي)
كان جوابه صارخا في كياني وكيان أمي وصداه يتردد إلى هذه اللحظة التي أكتب فيها، وكم كان لها أثرا بالغا في طمأنينة أمي وباقي أخواتي.
في اليوم الثاني للدفن ذهبتُ للمدرسة فأرجعني المدير للبيت بعد مواساتي وطلب مني لزوم البيت لاستقبال المعزين. وانقضتْ أيام العزاء واجتمعت العائلةُ الكريمة- أقصد قبيلتي- لبحث موضوع عائلتي الصغيرة واستقروا على خروجي من المدرسة لأجد عملا آخر يمكنني من القيام بمصاريف البيت، ورجعت بهذا القرار إلى أمي التي علاها الغضب وقالت بالحرف الواحد:-
-- يا بني ، هل كان أبوك يعمل قبل وفاته؟!!
-- لا يا أمي ( فهو مريض بالقلب)
-- طيب من وين كنا نصرف وناكل ونشرب ونلبس؟
-- من الله الرزاق
-- إذن الرزاق حي لا يموت ولا تنسَ يا بني كلمة الحج عزمي
- صحيح يا يمه لكن بدي آخذ بالأسباب
- اسمع يا نبيل لو تركت المدرسة لا تدخل هالبيت...انتهى
رحم الله أمي وغفر لها وجزاها عني خير ما يجزى والدة عن ولدها
يتبع>>>>>>

كانت عائلتي مكونة من ست أخوات وولدين، قبلي بنتان وبعدي أربعة، أخي كان يصغرني بأربع سنوات، وأختي الصغرى تصغرني بتسع سنوات، وبدأ مشوار الأبوة على درب حياتي يفرض نفسه على حركاتي وتصرفاتي.
أخي سبق وأن ترك المدرسة من الصف السادس الإبتدائي وعمل في النجارة، وكان هذا قبل وفاة والدي بسنين، وهو إلى هذه اللحظة يشعر بالندم والحسرة على تركه المدرسة- إي والله- رغم أنه يحمل خبرات في مجال عمله يستطيع أن يكسب الذهب الخالص لكن... دائما تقف امامه عقبة ترك المدرسة حاجزا متعبا لأعصابه في كثير من المواقف وتحول دون تقدمه أو ارتفاعه في ميادين العمل ( وهذا للعبرة ).
أما أنا فصرت أعمل بمهنة والدي بجاني الصيدلية والمدرسة، وكان أصحاب والدي يأتون لي بالعمل مثل صبغ البيوت والمحلات والمدارس مستعينا ببعض أصحابي، والأمور تسير على خير ما يرام، والحياة بدأت تضحك لنا من جديد، ولا أذكر أني أنا وأخواتي كنا نشعر بألم اليتم أو مرارة الفقر ولله الحمد والمنة، رغم بيتنا القديم، وآهٍ على بيتنا الجميل.
كان بيتنا من بقايا حي الضباط الإنجليز، بل حينا يسمى بحي الضباط، كان مبنيا من الطين والتبن، وسقفه من التنك(الزينكو) مما يجعل المطر يعزف على أوتاره أعذب الألحان
وكان هذا الكوخ موئلا للجيران شتاءً طلبا للدفء حول موقد الحطب...
يتبع<<<<<