استشارات تربوية أسرية اجتماعية estshrat for you
كي تظهر لك جميع المنتديات والمواضيع
و حتى تعم الفائدة
حتى تستفيد وتفيد غيرك
بادر للتسجيل بالمنتدى
وشكرا لك

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

استشارات تربوية أسرية اجتماعية estshrat for you
كي تظهر لك جميع المنتديات والمواضيع
و حتى تعم الفائدة
حتى تستفيد وتفيد غيرك
بادر للتسجيل بالمنتدى
وشكرا لك
استشارات تربوية أسرية اجتماعية estshrat for you
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» قصة قصيرة
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت ديسمبر 16, 2023 6:53 pm من طرف Admin

» الناجحون
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت ديسمبر 16, 2023 6:51 pm من طرف Admin

» فَوَيلٌ ثُمَّ وَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ - لِقَاضِي الأرْضِ مِنْ قَاضِي السَّ
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت أغسطس 19, 2023 4:41 am من طرف Admin

» لا شيء ينبت هنا بدون جذور
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت أغسطس 19, 2023 4:40 am من طرف Admin

» يحكى أن
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت أغسطس 19, 2023 4:34 am من طرف Admin

» المفتاح السحري الأساسي للإمساك بخيوط الحل لأية مشكلة
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Icon_minitimeالأربعاء أغسطس 02, 2023 2:43 am من طرف Admin

» شارك الفيديو لطفا
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Icon_minitimeالخميس نوفمبر 03, 2022 6:11 pm من طرف Admin

»  ( ١.٩$ ) بليون دولار .. وتزوجت سائقه ...
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Icon_minitimeالخميس أغسطس 11, 2022 1:20 pm من طرف Admin

» مشكلة وحل (1) الخجل
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Icon_minitimeالجمعة أغسطس 05, 2022 4:56 am من طرف Admin

» لحل اية مشكلة / اساسيات
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Icon_minitimeالجمعة أغسطس 05, 2022 3:25 am من طرف Admin

» زوجات وأزواج يعترفون: هذا أطرف مقلب حصل معنا!
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Icon_minitimeالجمعة أغسطس 05, 2022 3:19 am من طرف Admin

» إنهم أغلى ما في الحياة ، وليسوا بحجارة
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Icon_minitimeالجمعة أغسطس 05, 2022 3:15 am من طرف Admin

» الحكي بيناتنا
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد يوليو 31, 2022 3:56 pm من طرف Admin

» كيف نتعرف على الشخصية الصعبة
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد يوليو 31, 2022 3:06 pm من طرف Admin

»  ليس مهماً أن تدخل الحمير الجامعة، المهم هو ألا تخرج منها بشهادة جامعي
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Icon_minitimeالثلاثاء فبراير 09, 2021 3:35 am من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
د محمد سردار رحمه الله - 3791
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_rcapالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Voting_barالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_lcap 
الاستشاري - 2664
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_rcapالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Voting_barالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_lcap 
غريب الامارات - 1632
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_rcapالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Voting_barالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_lcap 
شام - 1616
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_rcapالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Voting_barالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_lcap 
Admin - 1570
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_rcapالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Voting_barالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_lcap 
ام المجد - 1508
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_rcapالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Voting_barالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_lcap 
المتميز - 883
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_rcapالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Voting_barالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_lcap 
ود - 759
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_rcapالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Voting_barالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_lcap 
شيماء الشام - 733
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_rcapالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Voting_barالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_lcap 
المتمردة - 499
البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_rcapالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Voting_barالبيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Vote_lcap 

أهلا بكم
دعمكم لهذا المنتدى يكون بتبادل الفائدة وابداء الرأي نتمنى أن نتشرف بكم كأعضاء واستشاريين - بوجودكم سيكون المنتدى أجمل
لوحة ترحيب
أهلا بك من جديد يا زائرآخر زيارة لك كانت في الخميس يناير 01, 1970
آخر عضو مسجل زمرد١١فمرحبا بكم


1

https://www.jamalaltaweel.com/
أهلا بكم
دعمكم لهذا المنتدى يكون بتبادل الفائدة وابداء الرأي نتمنى أن نتشرف بكم كأعضاء واستشاريين - بوجودكم سيكون المنتدى أجمل
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان

    جديد الاعلانات feedburner
    http://feeds.feehttp://feeds.feedburner.com/akbarmontadacom/Bwkxdburner.com/akbarmontadacom/Bwkx

    البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    3 مشترك

    صفحة 2 من اصل 2 الصفحة السابقة  1, 2

    اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الأحد فبراير 21, 2010 10:17 pm

    تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :


    قصص واقعية من الإمارات تنشر كل أحد في ملحق دنيا الذي يصدر عن جريدة الاتحاد الإماراتية .

    للصحفية أو الكاتبة .. سعاد جواد .



    صحيح القصص بتكون منقولة .. بس للفائدة .

    ومثل ما مكتوب .. هي قصص واقعية .
    المتميز
    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    ذكر عدد المساهمات : 883
    العمر : 54
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008
    السٌّمعَة : 22

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل


    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 10:01 pm


    |--*¨®️¨*--| حُـــكم مـــــــــــــــــــــــــؤبد .. |--*¨®️¨*--|


    هو شاب في الثامنة عشرة من عمره، تعرف على فتاة روسية
    شقراء ناصعة البياض، أحبها بقوة وانقاد وراءوها انقياداً كاملاً بلا أدنى
    تفكير· كانت متزوجة من رجل من جنسيتها ولكنها كانت على خلاف مستمر معه
    وتفكر بالخلاص منه لتبقى على حريتها· استخدمت الشاب العاشق لتحقيق غرضها،
    فقامت بالتخطيط معه لقتل الزوج، ثم نفذت الجريمة وهي معتقدة بأن لا أحد
    يمكن أن يكشفها أبداً، ولكن عدالة السماء هي التي أدت إلى كشف الجريمة وتم
    الحكم على تلك المرأة وعشيقها الشاب المواطن بالسجن المؤبد ·


    فما هي حال أسرة الشاب؟ وما هو وضعه بعد أن خسر مستقبله وحياته وأصبح
    سجيناً بين أربعة جدران؟ انه الإختيار الصعب الذي اختاره لنفسه، فليذق إذن
    ما جنته يداه على نفسه وعلى عائلته كلها·
    عندما تعرف عليها، سلبت لبه وأطارت صوابه· هي امرأة جميلة بشكل غير معقول،
    وهو إنسان بعيد عن جادة الخوف من الله· لقد تعود على سكة الحرام فهو يقضي
    معظم أوقاته يرتع في ساحاتها ويغتنم الفرص السانحة لتجربة كافة أنواع
    المحرمات المطروحة في أسواق الرذيلة ·


    منذ أن بلغ الخامسة عشرة من عمره صار لديه مجموعة من أصدقاء السوء
    يساعدونه على تنفيذ أفكاره البشعة· هو ولد مدلل، قلب أمه متعلق به بشكل
    غير اعتيادي، لأنه البكر وقرة العين، الغالي الذي جاء بعد إنتظار عدة
    سنوات· صحيح انها ولدت بعده خمسة من الأولاد والبنات، إلا انه كان يحتل
    مساحة في القلب لا ينازعه عليها أحد· ما يطلبه يجده بسهولة، وما يتمناه
    يحصل عليه على الرغم من أن عائلته ليست غنية، فوالده إنسان بسيط لا يملك
    الكثير ·


    كان والده يحبه أيضاً ولكنه كان يخاف عليه من كثرة التدليل، فهو ولد مندفع
    يرمي بنفسه نحو الخطر دون لحظة تفكير، يركض لاهثاً وراء المتع المحرمة
    ويتلذذ بالممنوعات منذ نعومة أظفاره، يدخن ويشرب الخمر ويقود السيارة بدون
    رخصة، ويفعل أشياء كثيرة تؤدي به في النهاية إلى الهلاك ·


    عملية تحكم
    كانت تربية هذا الولد عملية شاقة· فبصعوبة استطاع والداه ان يتحكما به،
    حتى لا يترك الدراسة ويكمل الثانوية، ولكنه لم يدخل الجامعة وفضل أن يعمل
    بتلك الشهادة فقط ·

    قام والداه بتزويجه وهو في هذا السن المبكر من أجل أن يبتعد عن الحرام
    ويكتفي بما لديه من حلال طيب· أراد والده ان يسبر غور اندفاعه بهذا الزواج
    بوضعه أمام المسؤولية خصوصاً وانه تعهد له بالإلتزام وترك المنكرات· ولكن
    للأسف فإنه بعد الزواج بستة أشهر فقط عاد الى دروب الشيطان وتعرف على هذه
    المرأة الغريبة وأقام علاقة محرمة معها وهو يعلم بأنها امرأة متزوجة وتقيم
    مع زوجها، ثم قام بتطليق زوجته بناء على رغبتها وإرضاء لها لأنها كانت
    تغار عليه من زوجته·
    هي انسانة خبيثة أدركت مدى تأثيرها على ذلك الشاب الطائش، فأقنعته بأنها
    تحبه حباً جنونياً، وانها لن تستطيع العيش بدونه· فطلق زوجته المسكينة
    التي لا ذنب لها وتفرغ لتلك الغريبة التي قادته إلى السجن والدمار ·

    طلبت منه أن يستأجر لها بيتاً خاصاً يلتقيان فيه بعيداً عن الرقباء،
    يتناولان فيه المسكرات والمخدرات ويمارسان الخطيئة، ففعل ما أرادت لأنه لا
    يستطيع أن يرفض لها طلباً ·


    الزوج المخدوع

    كانت علاقة تلك المرأة بزوجها متوترة جداً، فبعد أن أحضرها معه إلى هنا
    أذهلتها الحياة المرفهة وأحبت أن تعيش على راحتها في البلد، تتمتع بحريتها
    كما تشاء، فدبت الخلافات بينهما وصار يهددها بالتسفير من البلد لأنها على
    كفالته وهو يعمل مهندساً بإحدى الشركات الخاصة· عندها خططت للتعرف على شاب
    مواطن يضمن لها البقاء الشرعي في البلد· بسهولة بالغة حصلت على ما تريد
    وأصبح ذلك التعس كالخاتم بين يديها· كان على استعداد تام للذهاب معها إلى
    بلدها والإرتباط بها والعودة معاً بعد أن تحصل على طلاقها ·

    لقد خططت لكل شيء ولكن الزوج علم بنواياها الخبيثة، فقرر ان يسفرها ولا
    يطلقها لتحقيق ما تريد، لذلك اقترحت على عشيقها الشاب أن يساعدها على
    التخلص من زوجها ليتسنى لهما العيش سوياً· كان الشاب خاضعاً لها بشكل
    جنوني فوافقها على ما أرادت وشاركها في جريمتها البشعة ·

    قامت المرأة بإعداد مادة مخدرة وضعتها للزوج في العصير وقدمتها له بعد أن
    تناولا الطعام معاً وأوهمته بأنها لازالت تحبه وهي نادمة على أخطائها التي
    اقترفتها بحقه· صدقها زوجها وشرب كأس العصير ثم غاب عن الوعي تماماً· فتحت
    الباب وأدخلت صديقها الشاب وطلبت منه أن يقوم بطعن الزوج في قلبه· كان
    الشاب خائفاً مرتجفاً، فلم يتمكن من طعنه بشكل مناسب فأخذت السكين من يده
    وطعنته في أماكن متعددة من جسده فمات تحت تأثير تلك الطعنات· ثم قاما بلف
    الجثة وربطها جيداً وحملاها معاً إلى السيارة وانطلقا إلى أرض خالية ثم
    حفرا حفرة عميقة ألقيا فيها تلك الجثة الضخمة وغطياها بالتراب، واعتقدا
    بأن الأمور سارت كلها على أحسن حال وأن جريمتهما ستبقى مختفية عن الأنظار،
    ولكن عدالة السماء كشفت تلك الجريمة بشكل غير متوقع ·


    كشف الجريمة

    بعد أن نفذت العملية عاد الشاب إلى منزله، فكان منهاراً بشكل غير طبيعي،
    حاول أن ينام فلم يقدر فخرج من بيته وذهب إلى الوكر الخاص وتناول المسكر
    والمخدر ثم عاد الى منزله لينام نوماً مؤلماً تخللته كوابيس· انتابته حالة
    من الحمى والهذيان فصار يروي حكايته أمام أهله وهو لا يدري ما يقول· عرف
    الوالد بأن ابنه شارك في جريمة بشعة، وان حياته انتهت وأن مستقبله قد ضاع
    تماماً، فبقي حائراً هل يبلغ عنه، أم يسكت؟

    توسلت الأم زوجها أن لا يفعل شيئاً، فربما أصيب الولد بنوع من الهلوسة من
    تأثير المخدرات، وهو يقول أشياء غير حقيقية· توسلت الأم زوجها أن لا
    يحرمها من ولدها لمجرد الشك، فاضطر الأب للسكوت، ومنع ابنه من الخروج من
    المنزل حتى بعد ان تحسنت حالته·

    اعتقدت المرأة بأن عشيقها الشاب قد انهار واعترف بالجريمة لأنه غاب عنها
    واختفى فجأة ولم يعد يتردد عليها في وكرهما ولم يعد يرد على اتصالاتها
    المتكررة له· أحست بالخطر وصارت تخطط لإلباسه التهمة لتخرج هي منها
    كالشعرة من العجينة كما يقولون·

    كان للقتيل صديق من نفس الجنسية وهو على اطلاع كامل بجميع الخلافات بين
    الرجل وزوجته، وعرف أيضاً بأنها تخونه وانها تخطط للخلاص منه· قام ذلك
    الصديق بإبلاغ الشرطة عن اختفاء صديقه المفاجئ واتهم زوجته بأنها ربما قد
    دبرت شيئاً للتخلص منه ·

    قامت الشرطة بإستجواب المرأة فاعتقدت بأن من قام بالتبليغ عنها هو عشيقها
    الشاب، فاعترفت بأنه هو من دبر الجريمة وهو من قام بتنفيذها· هنا استطاعت
    الشرطة معرفة ما حصل للزوج بالاستعانة بالمعلومات التي اعترفت بها الزوجة،
    ثم قاموا بالبحث عن الشاب وتوصلوا إليه بسهولة ·

    عندما جاءت الشرطة لتلقي القبض على الشاب اعتقدت الأم بأن زوجها هو الذي
    قام بالتبليغ عن ولده، فاصيبت بصدمة كبيرة أدت إلى إصابتها بالشلل ·


    الإنهيار التام

    تم إيقاف المتهمين على ذمة التحقيق لمدة سنتين حتى تم إصدار الحكم بحقهما
    وهو السجن المؤبد لكليهما، المرأة بتهمة القتل العمد والشاب بالمشاركة
    بالجريمة·
    أثرت تلك الحادثة في أسرة الشاب تأثيراً سلبياً كبيراً· فالأم باتت
    مشلولة، وتم فسخ خطبة الأخت الكبرى بعد أن تراجع خطيبها عن الإرتباط
    بشقيقة مجرم· الأهل والجيران كلهم قاطعوا العائلة، وازدادت أزمة الوالد
    ولم يستطع تحمل ما حدث لعائلته فأصيب بأزمة قلبية مات على أثرها·
    لم تكن جريمة ذلك الشاب عقاباً له وحده وانما انعكست آثارها على جميع
    أفراد أسرته، هو نادم ندماً كبيراً الآن، ولكن للأسف فإن ندمه لن يفيده
    بشيء ·



    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    عدد المساهمات : 883
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 10:08 pm


    ~*¤ô§ô¤*~ الرائحة الممــــــــــيزة .. ~*¤ô§ô¤*~



    عندما فكرت بالزواج والاستقرار، فاتحت والدي ووالدتي ففرحا
    وشجعاني على المضي قدما نحو حالة الاستقرار واستكمال نصف الدين كما
    يقولون، وبالطبع فإنني وكلت موضوع اختيار العروس إلى الوالدة وشقيقاتي
    المتزوجات ·
    بعد بحث وتقصي تم اختيار العروس المناسبة من وجهة نظرهن، فهي من بنات إحدى
    العائلات المعروفة، وهي تتميز بخفة الروح وطيبة القلب ودماثة الأخلاق،
    وبما أن عائلتها محافظة بعض الشيء فلم يسمح لي برؤيتها فاعتمدت على حسن
    اختيارهن ولم أشأ حتى أن أطلب صورتها ثقة بذلك الاختيار ·
    تمت جميع الخطوات من خطبة وعقد قران وتم تحديد العرس· وبالطبع فإنني قمت
    بالاقتراض من البنك مبلغا ضخما لتغطية كافة النفقات، مما أثر على الراتب
    القليل الذي استلمه، فأنا موظف بسيط أحمل شهادة الدبلوم التقني· وبالنسبة
    لمنحة صندوق الزواج فإنها تتأخر كثيرا وتتطلب الصبر الطويل·
    عموما ·· كل شيء يهون أمام الرغبة الحقيقية في الاستقرار وتكوين أسرة هانئة وسعيدة·
    كلما اقترب موعد العرس كلما ضاقت دائرة الديون حول رقبتي ، فالطلبات كثيرة
    لا أول لها ولا آخر، ونفوس الحريم مفتوحة على الشراء واقتناء ما يلزم وما
    لا يلزم لإظهار الأسرة بمستوى مادي أعلى من مستواها الحقيقي ··· وهذا
    بالطبع من دواعي ( الخقة ) التي تتميز بها حريمنا بشكل خاص وبلا منازع·
    عموما ··· فإنني سكت ولم أعترض لأنني كلما فتحت فمي لأقول شيئا ، صرخت
    الوالدة بوجهي قائلة : من يريد الزواج عليه أن ينفق ··· فلسنا أقل من
    عائلة فلان وعلتان، ألم تكن أعراسهم مكلفة ؟ أنت لست أقل منهم·
    أعود للرضا والسكوت وأصبر نفسي، فالجميع هنا يدفعون ما أدفع ويتحملون مثلي أوزار التكاليف التي تفرضها حريم الأسرة وليس رجالها·



    الدخول المحرج

    انتهت الاستعدادات وبدأت حفلة العرس ، وجاء موعد دخولي إلى القاعة والجلوس
    على الكوشة إلى جانب عروسي التي لم أكن قد شاهدتها من قبل · دخلت بخطوات
    سريعة وعيون الحريم تبحلق بي وكأنني مخلوق جاء من الفضاء· إنها لحظات
    ثقيلة وصعبة تمنيت لو أنها تلغى أو تمحى من مراسيم الأعراس، لا أدري من
    الذي شرعها أو فرضها، فماذا سيحدث لو أن العرس يقتصر على دخول العروس ثم
    خروجها لوحدها إلى سيارة العريس وينتهي الأمر ؟ فما الحاجة إلى هذا
    الاستعراض السخيف الذي جعلني أتصبب عرقا مع أن القاعة باردة· عموما فقد
    فكرت بأنه لا فائدة من الاعتراض والأفضل أن أستمر بخطواتي السريعة نحو
    الكوشة متحاشيا تلك العيون الفاحصة والمسلطة علي·
    لم أنتبه لعدد درجات السلم الذي يرفع الكوشة عن أرض القاعة، تعثرت وكدت أن
    أسقط ولكني تداركت الأمر بسرعة واستعدت توازني قبل أن أصبح مهزلة لجيش
    العيون التي تلاحقني· وصلت أخيرا إلى الكرسي المخصص لي وبعد أن استعدت
    أنفاسي نظرت إلى عروسي ولأول مرة·
    صدمت ···ما هذه المخلوقة التي تجلس إلى جانبي؟ هل هذه هي زوجتي التي سأعيش
    معها كل سنين عمري؟ هل هذا يعقل؟ مستحيل! لماذا كذبوا علي؟ لماذا امتدحوها
    أمامي؟ قالوا إنها تتميز بالجمال والرقة والعذوبة؟ أين الجمال؟ وأين الرقة
    ؟ وجه كبير مليء بالكتل اللحمية ··· أنف عريض ومسطح ··· عيون خالية من
    الجاذبية ·· ·شفاه عريضة ، جسد غير متناسق ··· هل هذه هي عروسي؟ فكرت
    بالهرب من أحد الأبواب الجانبية القريبة من الكوشة، ولكني تراجعت خوفا من
    أن تصاب أمي بسكتة قلبية إن أحرجتها بهذا الشكل، صرت ارتجف من شدة الغيظ
    وصار العرق يتصبب من جميع أجزاء جسدي حتى انتهت التمثيلية وخرجنا إلى
    السيارة المخصصة لنقلنا إلى المنزل·
    لم أتحدث معها بكلمة واحدة ··· فماذا أقول لها ؟ هي ليست مذنبة ··· الذنب هو ذنب والدتي وشقيقاتي سامحهن الله ·
    أوصلت عروسي إلى المنزل وأدخلتها الغرفة ثم تركتها وخرجت· كنت بحاجة للتنفس في الهواء الطلق، كنت أشعر بالاختناق·
    تمشيت على ساحل البحر وأنا أفكر بهذه البلوى التي ابتليت بها، مستحيل أن
    أتقبل مثل هذه المرأة في حياتي ··· إنها لا تشبه الصورة التي رسمتها
    لشريكتي· لمت نفسي لأنني لم أصر على رؤيتها الرؤية الشرعية التي أجازها
    الدين حتى يؤدم بين القلوب ويكون الزواج صحيحا بلا مفاجآت مهلكة·



    المواجهة

    قبل موعد أذان الفجر عدت للبيت فوجدت الجميع بانتظاري وهم مستغربين خروجي
    في مثل هذه الليلة· قلت لهم بصراحة: هذه المرأة لا تعجبني، ولا يمكن أن
    أتقبلها كزوجة·
    شهق الجميع من المفاجأة، ثم بذلوا جهودا مضنية لإقناعي بتغيير موقفي ولكني
    لم أتراجع عن عودتها لمنزل أهلها بأقرب وقت· توسلت أمي لإبقائها لمدة
    بسيطة منعا للفضائح فقبلت بشرط ألا يجمعني بها مكان واحد ·
    لم أعط لنفسي أية فرصة لمعرفة شخصية الفتاة، طباعها، أفكارها، سلوكها، كل
    ما كان يهمني هو شكلها فقط وكانت هذه هي غلطتي الكبرى بحق نفسي وبحق هذه
    المسكينة التي لا ذنب لها في كل ما حدث·
    بعد أسابيع طلقتها فهاج كل من حولي ووصفوني بأنواع الصفات السيئة فلم
    أكترث لهم وعدت لحياة العزوبية من جديد وأنا غير نادم على خسارتي المادية
    وسوء السمعة الذي سحبته ورائي·
    مرت خمس سنوات أتممت خلالها دفع كل ما علي من ديون، وقد نسي الناس قصتي
    وتغيرت مواقفهم نحوي، وعاد الأهل في إلحاحهم علي بالزواج وعدم البقاء
    وحيدا بلا زوجة وأطفال وحياة أسرية أقضي معها بقية العمر · كان حديثهم
    منطقيا قادني إلى التفكير بتكرار التجربة مرة أخرى خصوصا وأنني قد استعدت
    توازني المادي· لذلك قررت إعادة المحاولة من جديد ، وبالطبع فإنني لم أطلب
    المساعدة من أمي لأنها لازالت غاضبة من موقفي وقد حلفت ألا تتدخل في موضوع
    زواجي مرة أخرى لما سببته لها من إحراج كبير مع تلك العائلة· قررت
    الاعتماد على نفسي وعلى أصدقائي المقربين مشترطا رؤية الفتاة قبل البدء
    بالأمور الرسمية· أحد زملاء العمل تحمس لموضوعي بشكل واضح وصار يحدثني عن
    المواصفات التي يجب أن تتوفر في شريكة العمر وعن ضرورة التأكد من تلك
    المواصفات فالاختيار هو أصعب العقبات التي ترافق عملية الارتباط· سألته عن
    تلك المواصفات التي يقصدها، بما أنه قد سبق له الزواج ولديه تجربة ناجحة،
    فقال لي: الأمر الأول هو أن تكون الفتاة جميلة تنشرح النفس لرؤيتها ،
    ثانيا أن تكون سيدة منزل تعرف كيف تعد الطعام بنفسها لزوجها وأولادها وألا
    تعتمد على الخادمة، ثالثا أن تكون لطيفة المعشر مبتسمة لا تعرف النكد
    وليست لديها طلبات كثيرة حتى لا تحمل الرجل فوق طاقته ··· يا سلام ···عز
    الطلب ··· ولكن أين تتوفر مثل هذه الفتاة ؟ قال بحماسة واضحة : ولا يهمك
    سأكلف زوجتي بالبحث عنها وتأكد بأنك ستوفق إليها بإذن الله ·
    مرت أسابيع قليلة وأنا في انتظار مقلق استعجل صديقي لأعرف ماذا فعلت
    زوجته، وقد كان يلاحظ لهفتي فيردد ··· أصبر ··· الصبر خير· ثم جاءني بعدها
    يبشرني بأن زوجته قد عثرت على الفتاة المطلوبة وأنها رتبت مع أهلها موعدا
    لزيارتي لهم ولرؤيتها الرؤية الشرعية التي اشترطتها من قبل·



    تجربة جديدة

    تهندمت وتعطرت وبدوت بأحسن حال، ثم ذهبت للموعد المحدد، قابلت والدها فرحب
    بي ترحيبا طيبا ثم جاءت البنت لتسلم علي فوجدتها غاية في الرقة والجمال
    والأدب، جلست معنا لدقائق ثم استأذنت وانصرفت· تحمست كثيرا بعد رؤيتها
    وفاتحت والدها برغبتي في الارتباط بها، رحب الوالد وطلب مني مهلة للرد،
    بالطبع سيتم خلال تلك المدة السؤال والاستفسار عني وعن أحوالي· بعد
    أسبوعين أتصل بي صديقي ليزف إلي النبأ السعيد بالموفقة على ذلك الزواج·
    بدأت الاستعدادات اللازمة للعرس، ولم يكن الأمر معسرا كما حدث في زواجي
    الأول لأنني أعطيتهم مبلغا محددا وأخليت مسؤوليتي من جميع الالتزامات
    والتفصيلات، وكان في ذلك القرار راحة مادية ومعنوية لي· جاء موعد العرس
    وحانت لحظة دخولي إلى قاعة العرس لرؤية العروس· تلك اللحظات التي لا أحبها
    أبدا، عموما فقد كانت هذه المرة أخف وطأة من الأولى بعد أن أصبحت لي خبرة
    في هذا الموضوع· دخلت إلى عروسي فوجدتها بغاية الروعة والجمال فشكرت ربي
    على هذه النعمة·
    بعد الزواج بأشهر تيقنت بأن زوجتي سيدة منزل من الطراز الأول ··· تحب
    العناية ببيتها وتحب أن تطهو الطعام بيدها، ولا تحب وجود الخادمة· كل ذلك
    جميل وطيب ولكن! هذه الإنسانة تعتني بكل شيء إلا نفسها ··· إنها تقضي معظم
    وقتها في المطبخ والتنظيف فتكون رائحتها غير طيبة· رائحتها مزيج من
    إفرازات العرق والطبخ، وهي لا تستحم بعد المطبخ بحجة شعورها بالتعب· فتدخل
    سريرها وتلك الروائح التي لا تطاق تفوح منها· حتى إذا فكرت بأخذها معي إلى
    زيارة الأهل فإنها لا تغير ملابسها وتلبس العباءة فوق ثيابها الوسخة، ولا
    تبالي بإلحاحي عليها بتغيير تلك الملابس ووضع بعض العطور· صار جميع الأهل
    يغلقون أنوفهم إذا دخلت عليهم· وأنا بالطبع أبقى في حالة إحراج شديد حتى
    كرهت الخروج معها إلى أي مكان·
    نبهتها عدة مرات إلى هذا الخطأ الذي يقف حائلا بيني وبينها، حاولت أن تغير
    أسلوبها ولكن الرائحة الكريهة لم تشأ مغادرتها، فالملابس المعلقة في
    الخزانة وأجواء الغرفة والأثاث كله صار مغلفا بتلك الرائحة الكريهة التي
    صارت تبعدني عن منزلي وتنفرني منه ومنها ·
    تولدت بداخلي حاسة غريبة هي ملاحقة كل من تنبعث منها رائحة العطر والبخور
    ثم ما ألبث أن أتذكر بأن ما أفعله هو حرام فأستغفر ربي· قررت مع نفسي
    بأنني يجب أن أفكر بالزواج مرة أخرى لكي لا أقع في الحرام·


    مفاجأة غير متوقعة

    كنت في زيارة لمنزل أختي، جلست وأنا غارق في أفكاري وكانت نفسيتي متعبة ،
    استأذنتني أختي لأن لديها ضيفة ستودعها ثم تعود إلي· سمعت أصواتا عند
    الباب قبلات وسلام، ثم انصرفت المرأة فجاءت أختي واصطحبتني إلى المجلس·
    كانت رائحة البخور والعطر تملأ المكان، سألت أختي مستفسرا: ما هذه الرائحة
    الجميلة؟ ، قالت : إنها فلانه ما أن تدخل البيت حتى يمتلئ المكان برائحتها
    المميزة ··· فلانة! من هي فلانة؟ ذلك الاسم ليس غريبا علي ؟! نظرت أختي
    إلي باستغراب وقالت: هل نسيتها؟ إنها تلك الإنسانة التعيسة التي طلقتها
    دون سبب· ماذا؟ ماذا تقولين؟ هل هذا معقول؟ يا إلهي! إنه درس إلهي لتأديبي
    ··· لقد رفضت الفتاة وطلقتها لمجرد أن شكلها لم يعجبني ولم أعط نفسي
    الفرصة لمعرفة حسناتها وميزاتها· خجلت من نفسي وسألت أختي ··· لماذا
    تزورك؟ قالت: لقد ارتبطت بي بصداقة قوية على الرغم من كل ما حدث ، إنها
    مسكينة ···حظها قليل مع أنها بنت ناس ولديها صفات رائعة ·
    اتخذت قراري في الحال وأخبرت أختي بأنني أخطأت في تطليقها وأنني سأتزوجها
    من جديد لأكفر عن خطئي بحقها· جاءني الرد سريعا بالموافقة، فأخبرت زوجتي
    بقراري فانهارت وبكت واتهمتني بالظلم لأنها لم تقصر معي في شيء وأنها
    تتفانى في خدمتي ليل نهار · قلت لها : أنا لم أردك خادمة في بيتي ···
    أردتك زوجة تعتني بنفسها وبنظافتها، أردت أن أستنشق العبير الجميل منك·
    لقد أخبرتك وحذرتك مرارا ولكن كل ذلك لم ينفع معك فماذا يفيدني جمالك وأنا
    لا أستطيع التمتع به مع تلك الرائحة العجيبة التي صارت جدارا يفصل بيني
    وبينك ·

    بكت وتألمت ولكنها عادت للرضا وانهمكت مرة أخرى في حركة لا تكل ولا تمل
    وهي تعتني ببيتها ومطبخها وتعد وجبات الطعام المتعددة لنا ولجميع الجيران
    والمعارف· أما أنا فوجدت السعادة الحقيقية مع زوجتي الأولى التي تعرف كيف
    تكون أنثى حقيقية لشدة اهتمامها بي وبنفسها· فهي التي تتابعني بمكالماتها
    المليئة بالشوق واللهفة، وهي التي تستقبلني بحرارة كلما عدت من عملي وبنفس
    الشوق تودعني وبالعطر والبخور تلف المكان فأشعر وكأنني في حلم جميل لا
    أريد له أن ينتهي ·

    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    عدد المساهمات : 883
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 10:14 pm


    |--*¨®️¨*--| صحوت أخــــــــــــــــــيراً .. |--*¨®️¨*--|


    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    سعاد جواد:

    كنت بحاجة لمثل هذا الموقف الصعب لأصحو من غفوتي؟ موقف شائك امتزج فيه
    الغش والكذب من جانبي والكثير من العبث من جانب ذلك الشاب الغريب، انه لا
    يدري بانه يتحدث مع امرأة متزوجة ولها ثلاثة أطفال، فهو قد أحب أختي،
    واستطعت ان اخدعه وأجعله يعتقد بانني انا هي، موقف غريب كشف لي حقيقة ذلك
    الشاب، وكشف لي حقيقتي أيضاً، الوضع السخيف الذي وضعت فيه نفسي كان هو
    السبب في إنقاذ أختي من براثن ذلك الماكر، ولحسن حظي فقد صحوت أخيراً·
    نعم، لقد افقت على حقيقة حياتي التي اعيشها، على تفكيري العقيم، على رغبتي
    في إنهاء حياتي، كدت ان أقدم على عمل يخلدني في نار جهم بمنتهى الجدارة
    والاستحقاق·· يا الهي، كم انا غبية· لا أدري من هو الجاني الحقيقي في
    قضيتي·· هل هو أبي؟ ذلك الانسان القاسي الذي كان يعاملني بمنتهى الوحشية؟
    أم هي أمي تلك الانسانة الضعيفة السلبية والتي لم تحاول يوماً ان تدافع
    عني وقد كنت بالنسبة لها مجرد عبء ثقيل تفكر في التخلص منه بأسرع وقت؟ أم
    ان الجاني الحقيقي هو نفسي التي تتمرد باستمرار ولا تتقبل الأمر الواقع
    ولا تتعايش معه؟ والله لا أدري· حكايتي معقدة بعض الشيء ولكنها ليست
    غريبة، انها تتكرر باستمرار في اماكن كثيرة، زواج فاشل ثمرته ثلاثة أطفال،
    ربما تتساءلون· لماذا اعتبره فاشلاً على الرغم من عدم حدوث الطلاق لحد
    الآن؟ صدقوني لا أدري لم يستمر هذا الزواج على الرغم من الفشل الذي يحيط
    به من جميع الجوانب·

    بيئة قاسية

    والدي رجل غني، انعم الله عليه بالكثير من الخير والنعمة، ولكنه انسان
    بخيل، غليظ القلب، خشن الطباع· كان يضربنا انا وأخوتي باستمرار ولاتفه
    الأسباب، نحن خمسة، ثلاثة أولاد يكبرونني وبنت واحدة تصغرني بثلاث سنين·
    ذاق اخوتي الثلاثة مر العذاب على يد والدي حتى تركوا له المنزل ورحلوا
    بعيداً عنا، لم يكملوا تعليمهم وتعلقوا بأذيال العمل المرهق في مناطق
    بعيدة لينجوا بأنفسهم من جوره وظلمه وأهاناته بعد ان رحل اخوتي لم يبق
    سوانا انا واختي، فتفرغ الوالد لكرهنا وتحقيرنا وضربنا لكل صغيرة وكبيرة،
    كان لأمي نصيب لا بأس به من الضرب على الرغم من كونها مطيعة ولا تطلب
    شيئاً، وتحاول إرضاءه بأي شكل· كنت أحب أجواء المدرسة، أجد فيها ما افتقده
    في بيتي، الحب، الاهتمام، الإلفة، كنت متعلقة بزميلاتي ومعلماتي بشكل
    كبير، كنت متفوقة وموهوبة، أشارك بأنشطة كثيرة، الكل يحبني، كنت اتمنى ان
    لا ينتهي اليوم الدراسي أبداً، فلا أريد العودة إلى بيتي الكئيب من جديد،
    كنت اصبر نفسي وانا في البيت على أمل ان تشرق شمس الغد فاذهب إلى المدرسة
    لاقضي فيها ساعات ملؤها السعادة والفرح· كنت احلم ان أنهي دراستي وان أعمل
    ويكون لي راتب، وان اختار شريك حياتي بعقل ناضج وإدراك كامل، ولكن والدي
    أراد غير ذلك، لقد وأد أحلامي كلها عندما قرر تزويجي، كنت في السادسة عشرة
    من عمري، ولست مهيأة للزواج في ذلك السن المبكر، ماذا أفعل؟ فقد طرق الباب
    رجل سيئ الحظ يريد الارتباط بي، فلم تنفع توسلاتي وبكائي أمام وحشية
    الوالد وضربه لي وتوسل أمي، فرضخت أخيراً وانتقلت إلى زنزانتي الجديدة·

    تزوجت رجلاً لا أدري هل هو ضحيتي أم انا ضحيته؟ لم احبه، على الرغم من
    طيبته وحبه لي، لم اتقبله يوماً، لم ابتسم له، ولم ارض عنه، فصارت علاقتنا
    الزوجية مبنية على مبدأ الاغتصاب المستمر· أنجبت اطفالي الثلاثة وانا في
    أسوأ حال من التوتر والإرهاق النفسي، فكرت يوماً ان اتصالح مع حياتي
    الزوجية، فطلبت منه ان يسمح لي بإكمال تعليمي، فرفض بحجة ان اطفالي صغار
    وهم بحاجة لوجودي معهم، لا أدري ماذا يشكل ذلك الوجود وانا لا اكترث لهم،
    أبعدهم عني قدر المستطاع وانغلق على نفسي في دوامة يأس وإحباط· لم اجد لي
    متنفساً سوى الورق والأقلام، فصرت أرسم وجوهاً مشوهة تحيطها الأشواك
    والدبابيس، ولوحات مخيفة مرعبة لم تعجب احداً أبداً· تركت الرسم وبدأت
    بكتابة الروايات، والقصص والأشعار، كلما تائهة ضائعة كلها تدور حول محور
    واحد وكأنها دوامات مجنونة لا تنتهي·

    قرار النهاية

    لم اجد في كل ما قمت به متنفساً حقيقياً يخفف من درجة الاحساس المر
    بالرتابة والموت، ففكرت بان يكون موتي حقيقياً، فما دامت الأحاسيس كلها
    ميتة فلماذا يبقى الجسد حياً؟ هكذا فكرت وقررت ان أنهي حياتي باسرع وقت
    ممكن· صرت أفكر باسهل الطرق التي تضمن لي الموت السريع بلا ألم، فلم أعد
    احتمل المزيد من المعاناة، بالطبع لم يكن الأمر سهلاً أبداً، فالموت
    السريع وبلا ألم يحدث في الأفلام فقط وليس في الحقيقة· وأنا في وسط تلك
    الدوامة المحزنة رن الهاتف·· من المتصل يا ترى؟ وفي مثل هذا الوقت؟ ذلك
    الجهاز الميت طوال الوقت، كيف عادت له الحياة؟ لا احد يكلف نفسه مشقة
    الاتصال بي، فمن يا ترى ذلك الذي يلح رنينه بهذا الشكل؟ شدني الفضول
    لمعرفة آخر مخلوق سأتحدث معه قبل موتي، ترى من سيكون له ذلك الشرف؟ انه
    رقم غريب، ضغطت على الزر فجاءني صوت دافئ جميل احدث زلزلة في كياني كله·
    صوت مليء بالغموظ والغرابة، على الرغم من حرارته، إلا انه تسلل إلى أعماقي
    فاصابني بالبرد والارتجاف· الو·· ارجوك ردي علي·· انا اتلهف لسماع صوتك،
    لا تحرميني منه، لم استطع ان اتحدث، اردت لذلك الصوت الاستمرار بتأثيره
    الساحر الذي اعادني للحياة من جديد· لماذا انت ساكته؟ تكلمي ارجوك· اجبته
    بصوت يشبه اللهاث، وهل تعرفني؟ أجاب: اعرفك اكثر مما اعرف نفسي، انت الحلم
    الذي انتظرته طويلاً· قلت له: يبدو انك اخطأت بالرقم، قال: كيف اخطئ وانت
    من اعطاني هذا الرقم، هل نسيتي؟ عندها تذكرت بان اختي كانت قد اخبرتني
    بقصة شاب يلاحقها بنظراته باستمرار، وقد احست بالانجذاب نحوه، لذلك فقد
    تجرأت واعطته رقم هاتفي انا، لانها لا تملك هاتفاً، وتوسلت إلي ان اسمح
    لها بالمبيت عندي الليلة لتتحدث معه، رفضت فكرتها ووبختها على تصرفها غير
    المسؤول، ولم اسمح لها بالمبيت في بيتي لانني كنت اخطط لنهايتي في هذه
    الليلة التي يبيت فيها زوجي خارج المنزل بحكم عمله· لا أدري كيف نسيت هذا
    الأمر كله ولم أعره الاهتمام·

    رواية جميلة

    اقنعت نفسي بان التحدث مع هذا الشاب هو أقل جرماً من فكرة الانتحار، فسمحت
    له بالاستمرار في محادثتي في الأوقات التي حددتها له أثناء عدم وجود زوجي·
    لا أدري لم اعجبتني الفكرة كلها وبقيت مستمرة في ايهامه بانني نفس الفتاة
    التي كان متعلقاً بها ولم أخبره بانها اختي، بصراحة كنت اشعر وكأنني غريق
    وجد قشته التي يريد ان يتعلق بها من أجل النجاة، فكانت حكايته مثل رواية
    جديدة فرضت نفسها علي وهي رواية تنبض بالحياة والاحاسيس المنعشة· تواصلت
    معه في الحديث، يوماً بعد يوم دون ان اخبر اختي، وصرت اتغير من الداخل،
    شعرت وكأنني أولد من جديد، نسيت بانني زوجة وأم لثلاثة اطفال، عدت لكوني
    مراهقة تترنح خدراً لكلماته العذبة الساحرة· بصراحة كانت كلماته اكثر من
    رائعة، كنت احلق معها في سماء السعادة والفرح، وكلما تذكرت حقيقتي والكذبة
    التي اخدع بها نفسي عدت لحزني وألمي، فهذا الشاب يتحدث مع فتاة اخرى هي
    اختي، فإلى متى ساستمر في خداعه وخداع نفسي وخداع اختي؟ شعرت بالغيره
    الشديدة منها، انها أفضل حظاً مني، فها هي تبلغ الثامنة عشرة من عمرها ولم
    يجبرها والدي على ترك الدراسة ولم تقنعها أمي بالزواج، ربما لانه لم يتقدم
    احد لطلب يدها، وإلا لكانت لاقت نفس مصيري بكل تأكيد، لديها فرصة لتعيش
    قصة حب رائعة مثل هذه، ولكن·· كيف يمكن ان تعيشها؟ انها شبه سجينة، لا
    يسمح لها بالخروج أو استخدام الهاتف، حتى عندما تذهب إلى المدرسة، فإن أمي
    تخرج معها في انتظار الباص ولا تعود إلا إذا تأكدت من جلوسها فيه، وعند
    عودتها من المدرسة فانها تقف في انتظارها، حتى هذا الشاب الذي احبها، لم
    يستطع ان يتحدث معها على الرغم من محاولاته المستميتة ومتابعته لها طوال
    الوقت، ولولا جرأتها في كتابة رقم هاتفي والقاءه من نافذة الباص لما
    استطاع ان يجد وسيلة للتحدث معها· انها متضايقة لانها تعتقد بانه قد تخلى
    عنها، فلم يعد يقف بسيارته في انتظارها عندما تذهب إلى المدرسة، وهو أيضاً
    لم يحاول الاتصال بها، وانا صرت انصحها بنسيانه لانه من الصعب عليها ان
    تعيش قصة حب وهي تحت الحراسة المشددة طوال الوقت· على الرغم من وخزات
    الضمير التي بقيت تلاحقني، إلا انني لم اكشف لها عن الحقيقة، واستأثرت به
    لنفسي·

    الخطوة التالية

    بعد مدة من ذلك الحديث الهاتفي احس الشاب بمدى التشاؤم الذي يخيم على
    أفكاري، فصار يشجعني على رؤية الحياة بشكل مختلف والتمتع بكل ما لدي فيها،
    فلم افهم مقصده ولم احس يوماً بان لدي اشياء تستحق التمتع· مرت فترة كافية
    وانتهت جاذبية الكلمات وصارت مكررة وعلى وتيرة مملة، فاخبرته بذلك فتشجع
    وطلب مني ان نخطو الخطوة التالية حتى لا تضيع الكلمات الجميلة وتعود
    لرونقها الدافئ، اعتقدت بانه سيفاتحني برغبته في الارتباط وهيأت نفسي لكشف
    الحقيقة، فلو كان صادقاً في مشاعره لقدر كل شيء واعطاه حقه، فاذا تمسك بي
    فانا على استعداد لفعل المستحيل من أجل الحصول على الحرية للارتباط به،
    وان حدث انه تمسك بحبه لاختي لشجعته على ذلك ولضحيت من أجلها، فما هي
    خطوته التالية يا ترى؟ انها على غير ما توقعته، فقد بدأ يلح علي لنلتقي،
    فاستغربت لذلك وسألته عن السبب· فقال لي باننا يجب ان نغترف من ينابيع
    السعادة الحقيقية معاً، هنا صدمتني الحقيقة المرة، هذا الانسان يهدف إلى
    التمتع فقط، وهو غير جاد في عواطفه، انه صياد ماهر يعرف كيف يختار فرائسه
    من بين الحواجز والحدود، مسكينة اختي، لو كانت هي المتحدثة معه لصدقته
    ولانجرفت بتياره الذي سيؤدي بها إلى الهلاك· هنا افقت من غفوتي وعرفت
    الحقيقة، ان الحب الذي اعتقدت بانني قد حرمت منه ما هو إلا عبث وأوهام
    يستخدمها مثل هؤلاء الشباب للوصول إلى غاياتهم الدنيئة فقط· للمرة
    الأخيرة، حاولت اختباره، فقلت له: سأعطيك فرصة لإثبات حسن نيتك، والتقدم
    للارتباط بي بعيداً عن العبث، فرد علي بمنتهى الوقاحة قائلاً: لست اؤمن
    بالزواج، انه قيد ثقيل يقيد الناس بلا فائدة، انه يقتل الحب والمشاعر
    الجميلة ألا تدركين ذلك، فالمرأة لن تحب زوجها ولن تعشقه مهما فعل، وكذلك
    الرجل· انه محق·· فهذا الرجل الذي تقدم وتزوجني دون لف أو دوران ودون عبث،
    لم أشعر بحبه وقيمته، ولو كان يلهو ويعبث لكنت اسيرة عشقه وحبه، انه أمر
    عجيب، لماذا لا نعرف قيمة ما اعطانا الله إلا بعد ان نمر بتجارب قاسية؟
    احمد ربي اني افقت من غفوتي وعرفت بان لي زوجاً طيباً يستحق الحب واطفال
    رائعين يستحقون الاهتمام، مزقت تلك الصفحة الطائشة من حياتي وبدأت أحيا من
    جديد·

    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    عدد المساهمات : 883
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 10:19 pm



    |--*¨®️¨*--| " أبـــــا " .. بيـــــت |--*¨®️¨*--|



    سعاد جواد:

    الأفكار المفترسة تنهشني، ذئاب الحقد تعوي في أعماقي، تدعوني إلى طريق
    الحرام· انها تكبر كل يوم وتنمو كلما مضى يوم جديد في حياتي التعسة، وكلما
    زادت معاناتي زاد صوت الشر وارتفع بقوة·
    يا الهي··· كم أشعر بالظلم! هل استحق ما اعانيه؟ يا رب أنا مظلومة وليس لي
    سواك· إبعد هذا الصوت من رأسي· الشيطان يستغل ضعفي ويوسوس لي بأفكاره
    الخبيثة التي تتردد باستمرار· أنت غير ملامة··· الإنسان يجبر على سلوك
    الرذيلة،عندما يفقد قدرته على الاحتمال··· عندما تكون ظروفه أقوى منه···
    عندما لا يرحمه المجتمع··· ماذا يفعل؟ هل تقبلين أن تتمرغ كرامتك في الوحل
    من أجل المال؟ يمكنك الحصول على المال بطرق سهلة فلماذا تترددين؟ ولماذا
    تخافين؟·
    هذا الشيطان اللعين لا يكتفي بتوزيع مثل هذه الأفكار على مساحة يومي كله
    وإنما يعيد لي مشهداً أكرهه بشدة، مشهد وقوفي أمام صاحب المنزل وهو ينتصب
    أمامي صارخاً ومهدداً ومطالباً بدفع الايجار، ورأسي مطأطئة··· وصوتي
    مختنق، اتوسل إليه أن يمهلني حتى اتدبر الأمر· يضرب يداً بيد، وهو يعلم
    جيداً أنني لا أستطيع تدبير الأمر، فيقول: اسمعي··· لقد صبرت عليكم
    كثيراً· لا تبكي أمامي ولا تشتكي، فكلنا فقراء··· ما ذنبي أنا؟ أريد حقي·
    لديّ مسؤوليات··· ألا تفهمين؟ ولتعلمي جيداً بأن مبلغ الايجار قد ارتفع
    ولم يعد كما كان سابقاً، خمسة وعشرون ألفاً فقط··· في العقد الجديد سيكون
    خمسة وثلاثين ألفاً، فهل أنت مستعدة لدفع مثل هذا المبلغ؟ انصحكم أن
    تتركوا هذا المنزل وتبحثوا عن مكان رخيص يناسب امكانياتكم، ولن أصبر عليكم
    أنت واخوتك أكثر مما صبرت، فلكل شيء حد، هل فهمت قصدي؟
    ثم يدير ظهره راجعاً وهو يسب ويلعن الساعة التي أجر لنا فيها هذا المنزل·
    تنهمر دموعي مثل السيل الجارف، فهذا الذي يسميه بيتاً ليس سوى ملحق صغير
    يتكون من غرفة واحدة وصالة ضيقة، فأين أجد مكاناً أصغر من هذا وأبعد منه؟
    يا الهي! ألا يحس بنا أحد؟ ألا يفكر بنا أحد؟ ألا ينقذنا أحد؟ لسنا غرباء
    على هذه الأرض، فنحن أبناؤها، وكل ذرة من أجسادنا فيها من مائها وترابها،
    فهل يعقل أن نعاني كل هذه المعاناة لأننا لا نملك شبراً عليها؟

    صراع لا ينتهي

    روحي تفور ويصعد الدم إلى رأسي ويكاد يخرج من عيني، عليّ أن أفعل شيئاً·
    يجب أن اتصرف· يجب أن أجد حلاً· الوقت يمضي وموعد نهاية عقد الايجار
    يقترب··· ماذا أفعل؟ الشيطان يدعوني لطريق الانحراف، وهو مفتوح أمامي على
    مصراعيه، فتاة شابة في الثامنة والعشرين من العمر، لماذا لا تنبذ كل هذه
    المعاناة وتخطو خطوة واحدة لتحصل على كل ما تريد؟ لن يلومها أحد···
    المجتمع هو الذي ظلمها وهو الذي يتحمل الأثم كله·
    لعنة الله على أبليس وأفكاره اللعينة مثله· لن أرضى لنفسي ذلاً أكبر وأقسى
    من الذل الذي اعانيه بسبب الفقر والحرمان، لن أعيش حياتي وأنا أكره نفسي
    واحتقرها· السقوط لا يرتكبه إنسان سوي شريف، ولن أنسى نصائح جدتي الطيبة،
    بطاعة الله والابتعاد عن الحرام وعن طرق الشيطان· قيم كثيرة زرعتها في
    أعماقي لا يمكنني التخلي عنها مهما وصلت حالتي، فماذا أفعل إذن؟
    شمرت عن ساعد الجهد والاجتهاد وخرجت للمطالبة بحقي في الحصول على سكن
    حكومي· قصدت الدوائر الحكومية المسؤولة عن سكن المواطنين، قدمت الطلبات،
    فسقطت في ظلمة الأدراج بلا رجعة، وكلما اتصلت للسؤال عنها قيل لي··· سيأتي
    دورك··· انتظري··· اصبري ان شاء الله يصير خير، كلمات كثيرة تعبت من
    سماعها حتى بت مقتنعة بأن هذا الباب لا يأتي منه الفرج أبداً·
    اتصلت بإحدى الصحف المحلية وحكيت لهم حكايتنا أنا وأخوتي، اسرعوا إلينا،
    قاموا بتصوير البيت، واطلعوا بأنفسهم على وضعنا المادي السيىء، تم نشر
    الموضوع فتبعته ضجة كبيرة وردود أفعال كثيرة، أناس يتصلون ويتساءلون، هل
    هذا معقول؟ مواطنة تعاني كل هذه المعاناة مع أخويها دون أن تجد حلاً؟ هل
    هذا يعقل؟ نعم يا أهل الخير··· كل ما نشر كان صحيحاً مئة بالمئة، فماذا
    ستفعلون؟ لا شيء··· ابتعدت الأصوات وبهتت الاتصالات ونسي الأمر وكأن شيئاً
    لم يكن· لم يعد هناك من يكترث لهذه الإنسانة التي تتمرغ على جمر الحاجة·
    امرأة محسنة اتصلت، هي الوحيدة التي أثمر اتصالها عن موقف إنساني نبيل،
    تفضلت مشكورة بدفع ايجار سنة كاملة··· اسكتت ذئاب الخوف لفترة لا بأس بها،
    ولكن··· ما أن اقترب موعد نهاية العقد حتى عادت تلك الذئاب من جديد وصارت
    تنهش أعصابي وتدمرني وتقتلني في اليوم ألف مرة·
    ماذا أفعل ومن أين أدبر الايجار اللعين؟ واذا تركنا هذا المنزل···الى أين
    سنذهب؟ وفي أي مكان نعيش؟ تساؤلات تعذبني بقوة فلا استطيع أن أجد لها
    جواباً شافياً·

    ها هي حكايتنا

    عشنا أيتاماً أنا وأخواي، ذقنا الحرمان منذ طفولتنا بعد أن تسلط الداء
    الخبيث على أمي وأبي وجدتي فسلمهم للموت واحداً تلو الآخر· توفي والدي
    وأنا في الثانية عشرة من عمري بعد أن نهش السرطان امعاءه· تركنا نحن
    الثلاثة أيتاماً··· أخي الكبير الذي ولد معاقاً، وأنا وأخي الأصغر· ثم لحق
    الداء بأمي وانتشر في صدرها، ولم تنفعها العمليات التي أجريت لها، ولم
    تسعفها العلاجات والاشعاعات الكيماوية، فرحلت هي الأخرى وتركتنا لجدتي
    التي لم يبق لنا سواها في هذه الدنيا· وما أن كبرنا قليلاً حتى مرضت هي
    الأخرى بنفس الداء الذي هاجمها في حنجرتها فبقيت تعاني الآلام التي لا
    تطاق· كنت خائفة من رحيلها هي الأخرى فتركت دراستي وتفرغت للعناية بها،
    معاناة قاسية وسنين مؤلمة مرت عليّ وأنا أحاول جهدي استبقاءها بعيداً عن
    الموت· أخذتها إلى مستشفيات خاصة بعد أن أخبروني في المستشفيات الحكومية
    أن لا أمل في شفائها، اقترضت المال كي يعملوا لها عملية على يد أحد
    الاخصائيين الأجانب، وكنت اتشبث بالأمل كي لا ترحل عنا هي الأخرى ولكن لم
    أستطع أبعاد شبح الموت عنها فأخذها لترتاح في عالم بعيد عن شقاء الدنيا
    وآلامها وبقيت أنا وأخوتي لوحدنا·
    لم أترك الحزن يدمر حياتنا وقررت تحمل المسؤولية، فما ذنب أخوتي اذا لم
    افعل؟ صرت لهما الأم والأب والأخت، اعتنيت بأخي المعاق وساندت أخي الأصغر
    كي لا يضيع·
    أحرقت الأحزان وأشعلت شمعة الفرح والسعادة من لا شيء· تحديت الفقر، تحديت
    اليتم، تحديت كل الظروف من حولي وجعلت بيتنا سعيداً بأحاديث مفرحة اخترعها
    من أجل اسعاد أخوي بأي شكل·
    بلغ أخي الصغير الثامنة عشرة من عمره والتحق بالعمل العسكري في العاصمة،
    وصار يغيب عنا معظم أيام الاسبوع ويأتينا في نهايته فتمتلىء حياتنا
    بالبهجة والآمال الحلوة التي نحلم بتحقيقها في يوم من الأيام·
    ما يتقاضاه أخي صار يتوزع على الديون والقرض البنكي الذي أخذناه في فترة
    علاج الجدة ودفع الايجار المتأخر علينا، ولسد قسط السيارة التي تأخذه إلى
    عمله، ولمصاريفه الخاصة، فلا يتبق إلا القليل الذي لا يكفي لسد الايجار،
    فاختفت الفرحة بعمله وظهر شبح الايجار المخيف الذي دفعني للتفكير بأية
    وسيلة أعين بها أخي·
    بحثت عن عمل ولم أحصل عليه بسهولة، فماذا يمكن لفتاة ليس لديها شهادة ان تعمل؟ لقد تركت الدراسة في المرحلة الابتدائية، فماذا أفعل؟

    محاولات أخرى

    قررت العودة لمراجعة الجهات الحكومية المختصة بمنح سكن للمواطنين فوجدت
    الوعود والكلمات نفسها لا تتغير والموضوع يتطلب انتظاراً عقيماً لا أمل
    فيه·
    تلك المراجعات كانت تتطلب مني مصاريف كثيرة، فأنا أقيم في إمارة قريبة من
    إمارتي لأن الايجارات فيها أرخص، وبالطبع فإن التنقل بين الإمارتين يتطلب
    مبلغاً ضخماً بالنسبة لي، فكلما كنت أركب سيارة الأجرة، أجلس وعيني على
    العداد، وضربات قلبي تتسارع مع تكاته· انه جهاز عديم الرحمة يتحرك بسرعة
    ويحرق قلبي وأعصابي وكل ما في جيبي، وعندما يصل إلى مبلغ معين هو كل ما
    أملك، اطلب من سائق سيارة الأجرة التوقف، فأنزل وأكمل مشواري مشياً على
    الأقدام·
    اتطلع في وجوه الناس، هل كلهم مثلي فقراء ومتعبون؟ أنظر إلى الفلل الكبيرة
    الفخمة، يالسعادة من يعيش بداخلها، ليت لي مكاناً بسيطاً يظللني أنا
    وأخوتي، يكون ملكاً خالصاً لنا، لا يطردنا أحد منه، ولا يطالبنا أحد
    بالإيجار· ليتنا نملك غرفة واحدة نقضي فيها حياتنا بأمان بلا خوف وبلا
    تفكير وقلق· هل هذا حلم خيالي؟ هل هو شيء يصعب تحقيقه؟ والله لا أدري·
    قصدت إحدى الجمعيات الخيرية فقاموا بدراسة لحالتنا دراسة مستفيضة ثم قرروا
    صرف مبلغ خمسائة درهم كمعونة شهرية لنا، والله لست بحاجة لأي مبلغ··· أنا
    مستعدة أن اجوع وأن ابقى في ثيابي القديمة أعواما متواصلة، ومستعدة لأي
    شيء ولتحمل كل ما يمكن أن اتحمله، فقط أريد سكناً يؤوينا أنا وأخويّ·

    سؤال حائر

    لمذا لا تتزوجي؟ سؤال يكرره الكثيرون عليّ باستمرار· الزواج يوفر لك
    الاستقرار، يكون في حياتك رجل يعينك وينهي مشاكلك· فأقول لهم: وهل يعقل أن
    اترك أخويّ؟ أخي المسكين المعاق الذي ليس له في هذه الدنيا سواي، لا أحد
    يعتني به، كيف اتخلى عنه؟
    سيضيع إن فعلت، فهل يعقل أن أكون أنانية وأفكر بنفسي وسعادتي ولا أفكر به؟
    ثم ان أخي الثاني لازال صغيراً، هو في العشرين من عمره، لم يقف على قدميه
    بعد، لم يتزوج وكيف يتزوج وهو لا يملك المال الكافي وليس لديه سكن؟ هل
    اتركه هو الآخر وأبحث لنفسي عن الاستقرار بعيداً عن المشاكل؟ لقد نشأنا
    نحن الثلاثة معاً، ذقنا اليتم، ذقنا الجوع والحاجة معاً وارتبطنا برباط
    المحبة والاخلاص، وهذه نعمة نحمد الله عليها، لذلك فإنني لن أفكر بالزواج
    والتخلي عن أخوتي حتى لو اقتضى الأمر بقائي عانساً مدى الحياة·

    محاولة أخيرة

    نصحني الناس بالاتصال بالمسؤولين الكبار لحل مشكلتي· حصلت على بعض أرقام
    الهواتف، اتصلت وتحدثت مع بعض الموظفين العاملين لديهم فاعتذروا بحجة أن
    المسؤولين لديهم انشغالات كثيرة ووعدوني بأنهم سيتصلوا بي قريباً، فانتظرت
    ولم يتصل أحد، فعدت للاتصال بهم من جديد فسمعت نفس الاعتذارات، فأيقنت بأن
    الأمر لن يصل إلى أسماع المسؤولين وسيبقى بعيداً عنهم·
    أخيراً قررت اللجوء إلى هذا الباب، فقد اخبرني البعض بأنه باب مفتوح لكل
    الهموم، فالله أمرنا بأخذ الأسباب ولربما كان في نشر حكايتي سبباً في حل
    أزمتي ومشكلتي الخانقة·

    تساؤلات بسيطة

    ماذا لو تم بناء مساكن بسيطة بتكاليف قليلة ومساحة معقولة تغطي احتياجات
    الفقراء من ذوي الدخل المحدود، فتوزع حسب الأسبقية بلا تدخلات أو واسطات
    بعيداً عن أصحاب النفوس المصابة بالفجع والتي تسيطر على كل شيء ولا تفكر
    بغيرها ولا ترحم·
    لا نريد بيوتاً ضخمة ولا نريد مساحات شاسعة ولا نريد قروضاً نعجز عن
    سدادها، فالأرض التي نحصل عليها تحتاج للمال حتى تبنى ونحن لا نملك ذلك
    المال، كل ما نحتاج اليه هو بيت صغير ومعقول بلا أية ديون أو قروض· ماذا
    لو تم بناء شقق يستعين بها أمثالنا على مصاعب الحياة والايجارات
    المرتفعة؟، نحن فئة ضعيفة مغلوبة على أمرها والدنيا من حولنا تشتعل بلهيب
    الغلاء الذي لا يرحم، فكيف نقي أنفسنا جحيمه؟ إن المستقبل أمامنا مجهول
    ومخيف·
    لسنا حالة نادرة أو خاصة وإنما يوجد من أمثالنا الكثير، ولو تمت دراسة
    أحوال الناس لعرفت حقائق عجيبة وغريبة لا يمكن ان تصدق· عموماً··· أرجو أن
    لا أكون قد أطلت عليكم بهذياني، فما كتبت القصة لأتفلسف عليكم فكل ما
    أريده هو بيت··· يا جماعة افهموني·· أبا بيت·


    عدل سابقا من قبل المتميز في الإثنين فبراير 22, 2010 10:32 pm عدل 1 مرات

    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    عدد المساهمات : 883
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 10:27 pm


    ][®️][^][®️][ بعيداً عن التجبر .. ][®️][^][®️][



    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    سعاد جواد:

    كان زواجي الأول عبارة عن صفقة تم عقدها بين زوجي ووالدي، وكنت مجرد طفلة
    في الثامنة عشرة من العمر، أبهرتني الهدايا والسيارة الفاخرة والمجوهرات
    فاعتقدت أنني أسعد إنسانة على هذه الأرض· ولكن بعد رحلة شهر العسل التي
    قضيتها في جولة رائعة لم أكن أحلم بها تكشفت لي الحقائق كلها، فزوجي
    تزوجني ليؤدب زوجته التي يعشقها فتعود لرشدها وتترك عنادها وتعود إليه،
    وبالفعل فقد تحقق له ما أراد· جاءتنا تلك المرأة وهي في كامل زينتها
    وكأنها ذاهبة إلى عرس· كانت جميلة جدا· صعقت عندما رأيتها، إنها أجمل مني
    وأنضج· بدوت أمامها كطفلة بلهاء لا أجيد التحدث والتصرف·

    ارتباك شديد

    جلست أمامي ونظرت إلي من عليائها وقالت أأنت زوجته الجديدة ؟ بدوت متلعثمة
    لا أدري ماذا أفعل؟، قلت لها بارتباك شديد: لم أكن أعلم أنه متزوج من
    امرأة جميلة بهذا الشكل· أدارت وجهها نحوي وقالت بازدراء: بل تعرفين أنت
    وأهلك كل شيء ولكن أمثالكم يبيعون أنفسهم بالمال· إحمر وجهي غضبا، انعقد
    لساني لفترة، ثم فكرت بأنني إن لم أرد عليها فإن النار ستأكلني فأجبتها
    بعد صمت طويل: أنا لم أخطف زوجك، لم أكن أعرفه ولم أسمع به من قبل، ولكن
    النصيب· أسكتتني بإشارة من يدها وقالت: لقد تركته لأؤدبه فقام هو بتأديبي،
    لقد تعادلنا وسيعود إلي وأنت ستكونين الخاسرة في جميع الأحوال، ثم تركتني
    وانصرفت·
    بعد أن خرجت من بيتي بكيت كثيرا، خصوصا وأن زوجي كان يختبئ خلف الباب
    ليسمع ما يدور بيننا، وعندما ذهبت فتح الباب وهو سعيد ومنتش بما حققه من
    انتصار· لم يكترث لدموعي وجرح كرامتي وكل ما كان يهمه هو النظر إلى الهاتف
    وترقب اتصالها لتبلغه بأنها راضية عنه وأنها عادت إلى منزلها مرة أخرى·
    وفعلا فقد تم له ما أراد واتصلت به واعتذرت منه وطلبت منه العودة إلى
    بيته· فما كان منه إلا أن أخبرني بأن أحمل أمتعتي التي لم يتسن لي ترتيبها
    في بيت الزوجية وأعود لمنزل أهلي، ووعدني بأنه سيعوضني ماديا عن كل ما
    لحقني بسبب هذا الزواج· هكذا بكل بساطة تم اللعب بي كورقة تافهة تم
    الاستعانة بها لفترة ثم الاستغناء عنها بعد أن إنتهت الحاجة إليها·
    تورمت عيناي من البكاء ولكنني تماسكت بعد أن شعرت بأن والدي مرض من شدة
    تأنيب الضمير، فخشيت أن أخسره وأخسر كل شيء· استعدت نفسي وقررت ان أنسى كل
    شيء وسألتحق بالجامعة لألحق بزميلاتي اللاتي سبقنني إليها· وعلى كل حال
    فقد حصل والدي على مبلغ لا بأس به يستعين به على تسديد ديونه التي عجز عن
    تسديدها بعد إحالته إلى التقاعد·

    زواج ثان

    مرت أربع سنوات، كنت منهمكة خلالها في الدراسة وقد أبعدت فكرة الزواج عن
    رأسي تقريبا لأنني أصبحت مطلقة وهذا اللقب كفيل بإبعاد الراغبين في
    الزواج· لكنني فوجئت يوما بوالدتي وهي تدخل علي مستبشرة، أخبرتني بأن هناك
    خاطبا يريد الارتباط بي· أكفهر وجهي واظلم قلبي، تملكني الخوف من أن تتكرر
    المأساة وأكون أداة جديدة يلعب بها رجل آخر لقضاء مصلحة ما·
    شعرت أمي بما يعتلج في صدري فطمأنتني إلى أن الأمر مختلف هذه المرة،
    فالخاطب هو شاب وسيم لم يسبق له الزواج· ما الذي يدعوه إذن للارتباط
    بامرأة مطلقة ؟ لابد أن في الأمر سرا لا أعرفه، والأفضل أن لا أرفض وأحاول
    أن أكسب الوقت لأعرف أكثر عن الأسباب التي جاء من أجلها لخطبتي أنا
    بالذات·
    طلبت أن تطول فترة الخطبة· وبعد محادثات هاتفية ولقاءات عائلية بيننا
    تأكدت من أنه شاب لطيف وطيب ودمث الأخلاق ولا يعيبه شيء، فقلت في نفسي:
    الأفضل أن أترك تجربتي الماضية وراء ظهري فقد عوضني الله خيرا بعد تلك
    التجربة الفاشلة التي مررت بها·
    بدأت أستعد لزواجي الجديد بعد أن أنهيت دراستي الجامعية بحسب الاتفاق الذي
    تم بيننا، وكلما اقترب موعد العرس كنت أشعر بالخوف أكثر وأكثر، فهل سيتغير
    معي ؟ وهل سيتخلى عني؟·
    تزوجنا وقضينا شهر العسل ولم يحدث ما توقعته، بل العكس فإنني وجدت بأنه
    كان إنسانا رائعا بمعنى الكلمة· لذلك أحببته بكل ما في الكلمة من معنى
    وتفانيت في إسعاده، ومساعدته في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا· كان يعتذر مني
    لأن راتبه لا يكفي لسد جميع احتياجات الأسرة فوضعت راتبي تحت تصرفه، ألسنا
    نكمل بعضنا البعض؟

    نعم ···ولكن

    أنجبت ثلاثة أطفال وانشغلت بهم، ولكني لم أنس لحظة واحدة الاهتمام بنفسي
    وبزوجي الذي تطور في مجال عمله وتدرج في المناصب حتى أصبح مسؤولا كبيرا،
    وبالطبع فإن زيادة راتبه انعكست على حياتنا كلها، فانتقلنا إلى فيلا جميلة
    وراقية قمنا بشرائها وتأثيثها بأحسن الأثاث، كما أصبح لدينا خادمتان بدلا
    من واحدة· فشكرت ربي على هذه النعم وتفانيت أكثر وأكثر بالعناية بزوجي
    وأولادي·
    مرت عشر سنوات وأنا في سعادة لا توصف ولكن لاحظت بأن زوجي بدأ يتغير في
    الفترة الأخيرة، فقد صار يغيب عن المنزل بحجة العمل والمجاملات التي
    يقتضيها المنصب، وازدادت سفراته فصار يقضي أسابيع طويلة بحجة الارتباطات
    والمسؤوليات التي توكل إليه· وعندما يعود بعد غياب طويل فإنه لا يبدي شوقا
    أو لهفة لنا أنا وأولاده ويتحجج دائما بالتعب والإرهاق·
    حاولت أن أتكيف مع هذا الوضع الجديد إلا أن الوساوس كانت تملأ رأسي
    باستمرار فتمنع عني النوم والراحة· كيف أتأكد من أن زوجي مشغول فعلا بعمله
    كما يدعي وأنه ليس على علاقة بامرأة أخرى ؟ إنه أمر صعب علي لأنني لم
    أتعود أن أبحث في أشيائه أو أن أراقبه وأتتبع خطواته· كنت أثق به ولم أترك
    مجالا للشك لدخول قلبي ونفسي، ولكن الوضع الجديد الذي فرض نفسه على حياتنا
    يدعوني للتأكد·
    قررت أن أغير أسلوبي وأن أبدأ حملة بحث ومتابعة كي أصل إلى ما يريحني· قمت
    بتفتيش أشيائه كلها، الأوراق، الحقائب ذات الأرقام السرية، الجاكيتات·
    بحثت بدقة ولم أعثر على شيء· عندها قررت متابعته والمشي وراءه حتى أتيقن
    من عدم خيانته لي·
    خرج في مساء أحد الأيام بعد أن اعتنى بلباسه عناية فائقة وتعطر وتبخر
    وانطلق بسيارته الجديدة· خرجت وراءه، وبالطبع فإن الازدحام الخانق الذي
    ملأ الشوارع لم يعطني فرصة لمتابعته فضاع مني وسط الزحام وعلقت في الشارع
    وبصعوبة شديدة عدت لمنزلي وأنا حائرة ماذا أفعل وكيف أتصرف؟

    رجل آخر

    قررت الذهاب إلى مكان عمله والتعرف على بعض الموظفات العاملات تحت إدارته
    لمعرفة ما يدور من أحاديث عنه، فلربما وصلت إلى الحقيقة عن طريقهن·
    لم يكن صعبا الوصول إلى ذلك الهدف، فبعد زيارة بسيطة لأحد المكاتب تعرفت
    على موظفة يبدو من شكلها أنها ثرثارة تتحدث بكل سهولة دون أن أحتاج لجهد
    كبير لجرجرتها في الكلام· سألتها عن مديرها وكأنني قد جئت باحثة عن عمل
    لديهم ففاجأتني بقولها: إنه رجل لئيم وخبيث، يصعب التعامل معه، وأن جميع
    من في المؤسسة لا يطيقونه· قلت لها مستغربة: ولكن هذه الصفات لا تناسب
    مظهره، إنه وسيم ولطيف· قالت: من قال لك ذلك ؟ الوسامة لا تمت إليه بصلة
    وهو بعيد كل البعد عن الطيبة· إنه كالذئب تماما، ينظر إليك بنظراته الحادة
    فتموتين رعبا وخوفا منه، بصراحة أنصحك بعدم التفكير بالعمل في مؤسستنا،
    فمثل هذا المدير لا يرحم الموظفين، خصوصا الجدد منهم·
    لم أصدق نفسي هذه المرأة تتكلم عن زوجي ؟ هل هذا معقول ؟ إنه طيب وغاية في
    الإنسانية هل ما أسمعه حقيقي ؟ سألتها عن اسمه لأتأكد من أنها تعني الشخص
    نفسه، فأكدت لي بأن الأسم صحيح، فسألتها مرة أخرى، وهل هو ممن يقيمون
    العلاقات مع النساء؟ قالت: ومن هي تلك الغبية التي تفكر بإنسان مثل هذا ؟
    إنه ممقوت من قبل الجميع، وهو ليس من النوع الذي يكترث للنساء، إنه تركيبة
    غريبة، أعان الله زوجته عليه·
    لم أصدق كل ما سمعته، وقلت في نفسي: إن هذه المرأة ثرثارة، وهي ربما تكرهه
    لموقف حدث بينهما، وربما هي تنتقم لنفسها منه عن طريق تشويه سمعته·
    أردت أن أعرف رأي شخص آخر غيرها فذهبت إلى أحد المسؤولين في المكتب المختص
    بالتوظيف، فاستدرجته بالكلام ونقلت إليه ما تحدثت به تلك الموظفة دون أن
    أذكر اسمها، فاكفهر وجهه وأطلق كلمة شتم في زوجي ثم قال: مثل هذا الإنسان
    لا يستحق إلا هذه الكلمة، إنه إنسان ظالم لا يتق الله فيمن يعملون تحت
    إمرته·
    تعجبت لما سمعت، كنت ذاهبة للبحث عن أسرار زوجي وعلاقاته مع النساء
    فاكتشفت الوجه الآخر الذي يعرفه الناس به فتعجبت، كيف يمكن لإنسان أن يكون
    له مثل تلك الشخصيتين المتناقضتين، فطوال العشر سنين التي مضت من زواجنا
    ما وجدت منه إلا الطيبة وجمال الشخصية وجميع الصفات الحسنة، وهاأنذا أكتشف
    بأنه يعيش بشخصية أخرى خارج بيته، فكيف يمكنني استيعاب مثل هذا الوضع؟

    الخيانة والطلاق

    ركبت سيارتي بنية العودة إلى البيت، رن الهاتف فوجدت رقم زوجي·· غريبة! هو
    لم يتعود الاتصال بي في الفترة الأخيرة· ترى هل عرف بوجودي في مكان عمله ؟
    إنه موقف محرج ماذا أقول له لو سألني: ماذا تفعلين ؟ ولماذا تتجسسين علي ؟
    تغلبت على ارتباكي ورددت على مكالمته فأخبرني بأنه سيتغدى خارج المنزل·
    عاودني الإحساس بالشك فقررت العودة إلى نفس المكان ومراقبة سيارته
    ومتابعتها لأتأكد من المكان الذي سيذهب إليه·
    حالفني الحظ هذه المرة واستطعت ملاحقة السيارة بسهولة· فقد كانت الشوارع
    شبه خالية· الغريب أنه لم يذهب إلى أحد المطاعم أو الفنادق وإنما ذهب إلى
    بناية سكنية، ركن سيارته ودخل إلى تلك البناية، فتبعته بسرعة حتى لا
    تفوتني معرفة الطابق الذي صعد إليه، طلبت مصعدا آخر وصعدت وراءه بنفس
    الطابق وانتظرت هناك بتوتر شديد، توجد شقتان فقط في هذا الطابق، فهل أضرب
    الجرس لأتأكد من كل شيء، أم أنتظره حتى يخرج ؟ أم ماذا أفعل؟
    انتظرت قليلا فقطع ترددي خروج عائلة من إحدى الشقتين، إذن فهو في الشقة
    الثانية· وقفت أمام الباب وأنا ارتعد من شدة الانفعال، ضربت الجرس فلم
    يفتح الباب، ضربت الجرس مرة أخرى ولا أحد يرد علي، ثم وضعت يدي على الجرس
    ولم أرفعها حتى فتح الباب فظهرت امرأة، دفعتها من أمامي ودخلت· بحثت عنه
    في كل مكان فلم أجده، فاعتقدت بأنني أخطأت الطابق ولكن نظرة المرأة هي
    التي جعلتني أتيقن من أنها تعرف عن ماذا أبحث، إنها تبتسم بسخرية وكبرياء
    وهي تنظر إلي من طرف عينها·
    تلك النظرة ذكرتني بنفس الموقف الذي مر علي في زواجي الأول، نفس النظرة
    الحقيرة، كنت وقتها صغيرة وضعيفة، لم أكن قادرة على مواجهتها، أما الآن
    فلست كذلك· أنا في موقع القوة، هي أخذت مني زوجي فلتســتحي من نفســـــها
    ولتنكسر عينها·
    واجهتها، قلت لها: هل أنت زوجته أم عشيقته ؟ قالت لي بنفس الكبرياء: بل
    زوجته، صعقت وتزلزل كياني كله، ولكني تماسكت· كم أكره هذه المواقف·
    قلت لها: أين هو؟ قالت أبحثي عنه في أحد الدواليب، أو تحت السرير·
    لم أشأ أن أرى زوجي وحبيبي وهو في وضع شائن ومهين، لذلك قررت أن أتركه لها
    وأعود الى بيتي· يكفيني كل ما سمعته عنه وكل ما عرفته، فهذا الإنسان أحقر
    من أن يكون زوجي؟
    عدت الى بيتي وكل شيء بداخلي متصدع، روحي، قلبي، نفسي، كل أجزائي انهارت وتوجعت·
    أغلقت باب غرفتي وبكيت كبركان ثار أخرج كل ما في جوفه· مرت أيام ولم يعد
    إلى المنزل ولم يتصل ولم يرد على اتصالاتي، فبعثت له ''بمسج'' أطالبه فيه
    بالطلاق فأرسل لي ''مسجا'' آخر يقول فيه: أنت طالق·
    كان ذلك ''المسج'' قاسيا ومؤلما على الرغم من أنني أنا التي طلبت الطلاق
    ولكني لم أتوقع أن يصل به الحال إلى تطليقي بهذه الطريقة الغريبة· لم
    أستطع أن أخبر أهلي ولا أولادي بكل ما حدث بيني وبين زوجي، وقررت الانتظار
    حتى نهاية مدة العدة قبل أن أعلن للجميع نبأ الطلاق· كنت أفكر كثيرا بحال
    أولادي، والتأثير النفسي السيء الذي سيتركه هذا الأمر عليهم وكنت حائرة·

    عودة الزوج الضال

    بعد مضي شهر واحد على الطلاق، عاد زوجي إلى البيت وكانت حالته مزرية، طلب
    مني أن نتحدث فأعطيته تلك الفرصة فأخبرني بأنه طلق الأخرى وأنها مجرد نزوة
    عابرة في حياته، طلب مني مسامحته وعدم تقويض أركان أسرتنا بسبب ذلك الخطأ·

    أخبرته بصراحة بأنه قد سقط من عيني وأعلمته بالبغض الذي تركه لدى موظفيه
    لمعاملته اللا إنسانية لهم، واجهته بكل ما قالوه عنه· صدمته تلك الحقائق
    وبدا ضعيفا خائرا ذليلا· لا يدري ما يفعل، صعب علي فهو أولا وآخرا زوجي،
    حبيبي، والد أبنائي، سامحته شرط أن يتغير ويعود لإنسانيته بعيدا عن التجبر
    والظلم·


    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    عدد المساهمات : 883
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 10:36 pm


    >> أمـــــــام المِـــــــــــرآة .. <<


    سعاد جواد:

    إنها تقف أمام المرآة ساعات طويلة بلا ملل، لا أدري لم هي معجبة بشكلها
    إلى هذا الحد؟ تدلل نفسها بنفسها، فلا أحد يكترث لها· بعد أن تنظر في
    المرآة طويلا وتقوم بحركات مختلفة تردد: فديتني ··· ما أحلاني· أمرها
    عجيب، لم تفلح في دراستها، وقد أعادت السنة الثانوية الأخيرة بسبب رسوبها
    في الدور الثاني ثم نجحت بمعدل بسيط لم يساعدها على دخول الجامعة·
    إنها أختي الوحيدة، وأنا أحبها، ولكنها تتصرف بشكل يثير توتري باستمرار·
    لا تحب المذاكرة وبمجرد أن تمسك كتابا تبدأ بالضجر والتأفف، وكأن هموم
    الدنيا حطت على رأسها، وسرعان ما تلقيه بعيدا عنها وتعود إلى متعتها
    المفضلة وهي الوقوف أمام المرآة·
    ترفع شعرها وتعقصه، تفكه وتربطه، ثم ترسم عيونها بالكحل والظلال حتى تبدو
    مثل الشيطان، ثم تبدأ بطلاء وجهها بالأصباغ المختلفة ثم تعاود التغني
    بجمالها وهي معجبة بنفسها إعجابا لا حدود له· بعد ذلك تنظر إلي بدلع
    لتستفزني وهي تقول: انظري إليّ··· ألست جميلة؟ وبالطبع فإنني أكون مستغرقة
    في مذاكرتي لأنني أدرس في السنة الجامعية الثانية ولا وقت لدي أضيعه معها·
    معظم وقتي أقضيه في الجامعة وعندما أعود فإنني لا أجد وقتا كافيا لإتمام
    واجباتي، فالمواد كلها صعبة وتحتاج مني إلى الجد والتركيز، وكيف يتم ذلك
    وأنا مضطرة للتعايش مع أختي التي تختلف عني اختلافا جذريا·
    عندما تجدني منهمكة في مذاكرتي وغير مكترثة لها، تفعل أمورا كثيرة
    لاستفزازي واستثارتي، فهي تستهزئ بي وبجديتي وتحاول إقناعي بوجهة نظرها
    قائلة: نحن خلقنا لنعيش معززات مكرمات في منزل الزوجية· لم نخلق لمثل هذا
    الهراء· أحاول إقناعها بأنني أرغب في الحصول على الشهادة لأنها ستكون
    سلاحي الذي أخبئه لتقلبات الزمن· وإنني أحب العلم وأشعر بأنني سأخدم
    مجتمعي بمهنة الصيدلة التي أدرسها، فتسكتني قائلة: أرجوك لا تتمادي في
    محاضراتك المملة··· فأنا لا أفكر مثلما تفكرين·
    تعود للانهماك بأمورها السخيفة فتقوم بطلاء أظافرها، ثم تفتح دولاب
    الملابس وتبدأ بحشو جسدها في ثياب كلها أصغر من حجمها، فهي تحب الملابس
    الضيقة، حتى أن معظم الثياب التي تشتريها تتمزق عليها بعد اللبسة الأولى،
    ولا أدري لم لا تريح نفسها بلباس واسع خصوصا في البيت·
    هوايتها الثانية هي الخروج للتنزه، ففي كل ساعة تخطر على بالها فكرة جديدة
    تقترحها علينا للذهاب إلى هذا المكان أو ذاك، وبالطبع فإن كل خططها تلقى
    المعارضة من أمي التي تعود من عملها منهكة ولا تحب الخروج من المنزل إلا
    في الإجازات·
    عندما ترفض أمي مقترحاتها تتذمر وتردد كلمات كثيرة مللنا من سماعها، ثم
    تبدأ هوايتها الثالثة وهي اللجوء إلى الهاتف والتحدث المتواصل مع
    صديقاتها· أحاديث سخيفة مملة لا أول لها ولا آخر·

    شعور مؤلم

    كنت أحيانا أشعر بالظلم لأنني مضطرة للتفرج على هذه المهزلة اليومية، فأنا
    أشاركها نفس الغرفة ولا مفر لي من التعايش مع هذا الوضع المزعج·
    على فكرة··· نسيت أن أذكر إحدى هواياتها الهامة في حياتها· إنها الأكل···
    ففمها لا يمل من المضغ ولا يخلو أبدا· مكسرات، تشيبس، حلويات· تفتح
    الثلاجة ولا تسأل لمن هذا الطعام بل تنهشه بلا تفكير، فلا أحد يحق له
    إخفاء وجبة طعام، خصوصا إذا كانت من أحد مطاعمها المفضلة، البيتزا،
    والهامبرغر·
    أما من الناحية الدينية فهي تصلي فروضها في آخر لحظة قبل انتهاء الوقت،
    ولا تصلي إلا إذا تم تذكيرها لمرات متعددة بقرب فوات الوقت، ومعظم صلواتها
    قضاء·
    كنت أدعو ربي بصدق أن تتزوج بسرعة مع أنها أصغر مني، لأنها تعيش بلا هدف·
    فلا دراسة جامعية ولا عمل، حلمها الوحيد الذي تسعى إليه هو الحصول على ابن
    الحلال الذي يحقق لها رغباتها المتعددة التي عجزت أسرتنا عن تحقيقها·
    أتمنى من كل قلبي أن يتحقق حلمها الوحيد فتتزوج وتذهب بعيدا عني· ولكن
    يبدو أن هذا الحلم لن يكون قريبا لأنها مازالت في الثامنة عشرة من عمرها·
    تردد دائما بأن أمي تفرق بيننا، أنا وهي، مدعية بأنها تحبني أكثر منها،
    وبالطبع فإن ذلك لم يكن صحيحا، لأن أمي تحبنا نحن الاثنتين بنفس القدر،
    ولكنها غير راضية عن تصرفات أختي وطريقة تفكيرها، وهي تنتقدها باستمرار
    بسبب عدم اهتمامها بالمذاكرة، وبسبب إلحاحها الكبير للحصول على أشياء
    كثيرة ترهق ميزانية الأسرة، فهي تحب التسوق والتنزه والسفر، وبالطبع فإن
    في كل ذلك تكاليف كثيرة لا تطيقها أمي·

    المواجهة الحادة

    في أحد الأيام حدثت بيني وبينها مشادة كلامية حادة فأسمعتها رأيي فيها
    بصراحة· أخبرتها بأنها إنسانة فاشلة تعيش بلا هدف، والأفضل لها أن تفكر
    بطريقة أكثر فاعلية فلا تشكل عبئا على والدتنا المسكينة التي تتحمل
    نفقاتنا لوحدها بعد أن طلقها والدنا وتزوج غيرها ولم يعد يسأل عنا، لا من
    قريب ولا من بعيد·
    أمنا المسكينة تتحمل صعوبات وضغوطات كثيرة لتؤمن لنا احتياجاتنا، وعلينا أن نكون جادتين في مساعدتها وعدم تحميلها أكثر من طاقتها·
    نظرت إليّ أختي نظرة حزينة وقد تأثرت بكل كلمة قلتها لها وقالت: ماذا
    تقترحين عليّ أن أفعل؟ قلت لها: كوني جادة وابحثي عن عمل واشغلي به نفسك
    بدلا من الوقوف أمام المرآة والتحدث الممل في الهاتف وتناول الطعام طوال
    الوقت· فمن يضمن لك مجيء الخاطب بعد عام أو عامين أو أكثر، إن انتظارك
    للزواج سيطول كثيرا إن أصبح هو شغلك الشاغل في الحياة، انسي هذا الأمر
    وابحثي عن عمل·
    دمعت عيناها من صراحتي وقالت: أين سأجد العمل؟ قلت لها: إن خالتي تملك
    محلا لخياطة وبيع العباءات، اطلبي منها أن توظفك لديها فهي لن تعارض تلك
    الفكرة وسترحب بها· قالت: اخبريها أنت وسأطبق ما ترينه مناسبا· قالت تلك
    الكلمات ثم انصرفت إلى شأنها·
    أعرف أنني كنت قاسية عليها، ولكن كان لابد من تلك القسوة لتصحو وتستيقظ من خدرها وتفعل شيئا لصالحها·
    كان تفكيرها جادا هذه المرة، فقد تحدثت بنفسها مع خالتي وأبدت رغبتها في
    العمل عندها فرحبت خالتي بالفكرة وبدأت أختي مرحلة جديدة من حياتها·

    حياة مختلفة

    العمل في المحل ليس سهلا، عليها أن تنهض بشكل مبكر وتبقى طوال اليوم هناك،
    تتلقى اتصالات الزبائن وتأخذ المقاسات وتكتب الفواتير· أرادت أن تتراجع عن
    الفكرة ولكنها خشيت أن نتهمها بالفشل في كل شيء فواصلت عملها بنشاط وحيوية
    وصارت تلتقط الزبونات باسلوبها اللطيف ووسائلها الجيدة في الإقناع
    والتأثير عليهن· حاولت أن تكسر قاعدة الفشل التي لازمتها في سنين الدراسة
    وارتسمت على وجهها علامات السعادة والرضا· وبالطبع فهي لم تنس أبدا هدفها
    الرئيسي الذي تسعى إليه بجدية وهو البحث عن ابن الحلال الذي يخلصها من
    مشقة العمل ويريحها في بيت الزوجية·
    راحت تبحث عن أم أو أخت لشاب مناسب من بين زبوناتها، وبالطبع فإن معظم
    الزبونات كن من الشابات المتزوجات أو غير المتزوجات، ولم يكن من السهل
    إفهامهن بأن الموظفة التي يتعاملن معها تبحث عن ابن الحلال·
    المحل الذي كانت تعمل فيه يقع في أحد مراكز التسوق وقد شاهدت نماذج مختلفة
    من الشباب المختلفين في الأصول والأجناس والمستويات المادية· حاول البعض
    منهم استدراجها بهدف التسلية وإقامة العلاقات التي لا هدف لها، ولكنها
    كانت ذكية تعرف ما تريد· رفضت تلك العروض وبقيت تنتظر·
    بعد سنة واحدة من عملها أحست بأنها متورطة، ذلك لأن حلمها أصبح شبه مستحيل، فمن يفكر بالارتباط بفتاة تعمل بائعة؟
    ولأنها لا تحب أن تعمل، وكل ما تحلم به هو أن تكون زوجة لرجل يضمن لها
    عيشا مريحا في بيت مستقل، تصحو من نومها متى شاءت وتتصل به ليسمعها كلاما
    جميلا وفي المساء يأخذها إلى التنزه في مراكز التسوق والمطاعم والأسواق،
    ولا يبخل عليها ويدللها فتنجب له البنات والبنين··· تركت العمل وجلست في
    البيت مرة أخرى·
    شعرت بالغيظ الشديد منها وصرت أتعامل معها بعصبية شديدة· حاولت أن
    تستميلني للتعاطف معها والاقتناع بوجهة نظرها، ولكني فكرت بمدى المضايقة
    التي ستسببها لي وهي تمارس هواياتها البغيضة المزعجة لي في الوقوف أمام
    المرآة والتغني بجمالها، وفي التحدث الطويل المزعج عبر الهاتف، وفي الجلوس
    أمام شاشة التلفاز والتهام الأطعمة بلا تفكير·
    حاولت أن تغير من سلوكها كي لا تغضبني، فصارت تفتعل السكينة، تمسك كتابا
    أو مجلة، تضغط على نفسها كي تقرأ قليلا، ولكنها تقلب الصفحات بسرعة ثم
    تبدأ بالتثاؤب وتترك ما بيدها وتنام·
    أجبرت نفسها على تغيير نظام النوم، حيث صارت تنام في فترات مذاكرتي، وتصحو
    عندما أذهب للنوم، فتغلق علي باب الغرفة وتجلس في الصالة أمام التلفاز،
    تضع إلى جانبها الهاتف وفي حضنها صينية الطعام· بقيت لفترة على هذا الحال
    الذي لم يعجب الوالدة، فنهرتها ومنعتها عن السهر طوال الليل، فعادت
    لنظامها القديم بعد أن نسيت الموضوع كله·
    لم تعد تكترث لي، وعادت لممارسة هواياتها كلها دون أن تعطيني وقتا للمذاكرة أو الراحة، فماذا أفعل؟

    البحث عن حل

    قررت مفاتحة خالتي في هذه المعاناة التي تسببها لي أختي، فخالتي هي أقرب
    الناس إلى نفسي، وهي تملك الحكمة والعقل الراجح، أستأنس برأيها وأحب
    نصائحها وكلماتها· أخبرتها بكل ما تفعله أختي ومدى تأثير ما تقوم به علي،
    فابتسمت وقالت: يا ابنتي··· إن تواجدكما معا أنت وأختك هو تواجد مؤقت،
    ستشتاقين إليها كثيرا في المستقبل، فهي ستكبر وتنضج وتتغير وستتزوج وتكون
    لها أسرة تنشغل بها· وأنت أيضا ستكون لك مشاغلك وحياتك الخاصة، ستشتاقين
    لها وتتذكرين كل ما كانت تقوم به، وما تعتبرينه الآن مضايقة كبيرة لا صبر
    لك عليها، ستضحكين منه لاحقاً··· وسيصبح كل الذي تحسينه نحو أختك مجرد
    ذكريات تبتسمين عندما تمر بخاطرك· الزمن يا ابنتي يغير الأحوال ولا شيء
    يبقى على حاله أبدا، وكلما مرت السنين فإننا ننسى آلامها ومتاعبها ونتذكر
    فقط ما هو جميل فيها·
    سكتت خالتي وبقيت سارحة والابتسامة مرتسمة على وجهها، فسألتها: بماذا تفكرين يا خالتي؟
    قالت: تذكرت حياتنا أنا وأمك عندما كنا في نفس عمركما أنت وأختك· كانت أمك
    المدللة عند والدتي وكنت أتضايق كثيرا منها لأنها تفضلها عني في أشياء
    كثيرة·
    كنت اعتقد بأنني لا أحبها بسبب ذلك التفضيل، ولكن بعد مرور الزمن أدركت
    بأنني أحب أختي حبا عميقا وكبيرا يجعلني قلقة عليها باستمرار، أفكر بها
    كما أفكر بنفسي، أفرح لفرحها وأحزن لحزنها· أنت أيضا سيكون هذا إحساسك نحو
    أختك في المستقبل فاصبري على ما تفعله معك، فلكل إنسان طبيعة وشخصية ميزها
    الله بهما، فلربما تكون أختك زوجة ناجحة وربة بيت ممتازة مادامت لا تملك
    مواهب في اكتساب العلم والتحصيل الدراسي·
    أعجبتني كلمات خالتي، وصرت أنظر لأختي بعين الحب والتفهم، وأراها وهي تقف
    أمام المرآة تدلل نفسها··· فأبتسم من قلبي، تستغرب هي وتحاول استفزازي
    ولكني ابتسم لها وأعود للاستغراق في المذاكرة التي أحبها·
    أحمد ربي كثيرا أن ميولي غير ميول أختي وأن رغباتي غير رغباتها وإلا لكنت الآن أتنافس معها على المرآة الوحيدة الموجودة في غرفتنا·



    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    عدد المساهمات : 883
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 11:05 pm


    ][ من المســـــــــــــــؤول .. ][




    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    طرقات خفيفة على باب غرفتي أعلنت تردد صاحبها· كنت قد رجعت
    للتو من عملي وبالكاد أغلقت باب غرفتي علي· عاد الطارق يدق بابي من جديد
    بذات الخفة ونفس التردد· قلت: تفضل·
    فتح الباب ببطء ثم تبينت أن والدتي هي صاحبة الطرقات لكنها كانت مترددة في
    الدخول وعلى وجهها قلق واضح· قلت: خير إن شاء الله يا أمي··· أقلقتني''·
    دلفت إلى الغرفة بدون أن تقول شيئاً· أغلقت الباب وجلست قبالتي على السرير
    تتجنب النظر في عيني· أقلقني منظرها· أعدت السؤال: ''خير إن شاء الله''·
    أمسكت بيدي محاولة إخراج الكلمات من حلقها··· أفزعتني طريقتها، فقد عاشرت
    أمي ما يزيد على الثلاثين عاماً ولا أذكر أنني رأيتها بهكذا حالة· توسلتها
    أن تتكلم··· أخيراً قالت: ابنتي العزيزة··· أنا أعلم أنك ابنة بارة عاقلة
    قنوعة راضية بما قسم الله لك· وأدرك جيداً بأنك مؤمنة أنه لو كان لك نصيب
    لتتزوجي لتزوجتٍ ولو وقفت كل الدنيا في وجهك''·
    ماذا تعني أمي بتلك الكلمات؟! ومنذ متى أصبحت تتحدث بهذه الصراحة؟! ولم
    تتكلم بهذا وهي تعلم جيداً بأن ذلك يؤذيني؟! وهل أيقنت أخيراً بأنها هي
    وأبي وضعوا آلاف العقبات دون تزويجي لذا جاءت تعتذر؟!
    أردفت أمي قائلة: اسمعي يا ابنتي··· لقد تقدم لأختك شاب لا يمكن رفضه· شاب
    رائع بكل المعايير· خلوق، متدين، ابن عائلة ومقتدر، وبصراحة تحدثت مع
    والدك ووافق على الموضوع··· فما رأيك أنتِ؟·
    أحسست بثقل الدمعة التي تجمعت في عيني وأبت لكبريائي أن تسيل· قلت: على
    أساس أنكم لا تقبلون بتزويجنا ونحن لازلنا على مقاعد الدراسة··· وما زال
    أمام أختي أكثر من سنتين لتتخرج من الجامعة!· قالت: ''بصراحة، لا نريد أن
    نكرر ذات الغلطة''·
    سكتت برهة كأنها لا تريد أن تخوض في التفاصيل أكثر متجنبة النظر إلى عيني·
    ثم قالت: أختك أيضاً وافقت وإن تسهلت الأمور فسيكون كتب الكتاب قريباً إن
    شاء الله··· كوني مستعدة''· قالت كلماتها تلك وأسرعت بالخروج من الغرفة
    تهرب بملامح وجهها عني··· أما أنا فتركتني خلفها منقبضة القلب·

    موجات الألم

    أحسست بقسوة كلماتها رغم كل محاولاتها إظهار حنانها·· أحسست بأن كلماتها
    كانت كضربات سياط متلاحقة لا ترحم·· إذن كنت أنا فأرة التجارب·· وبعد كل
    هذا العمر جئتم لكي تهدونني صك العنوسة مجاناً·· وأنتم تعلمون جيداً كيف
    ينظر مجتمعنا لمن تتجاوز الثلاثين من عمرها دون زواج بل وكيف ينظرون إلى
    من يتجاوزها الزواج إلى من تليها خصوصاً وإن كانت في هذا العمر·· لست
    أعترض على قضاء الله تعالى، بل أعترض وأستغرب من هذا الانقلاب المفاجئ··
    فطوال سنوات دراستي تقدم لي خطاب من أفضل الشباب، وكنتم ترفضون بحجة إتمام
    دراستي·· وبعد التخرج أيضاً كانت حجتكم أنه لا بد لي من أن ''أعيش حياتي''
    و''أعمل'' قبل أن أتزوج·· وأنتم تعلمون جيداً أنني لا أرغب بالعمل، إلا
    أنني خرجت إليه مرغمة كي أساعد في مصاريف البيت الذي أهمله والدي برغم
    ثرائه، والذي كنت أحسب أن وظيفته الوحيدة تجاهي هو أن يغلق بابي أمام
    الخطاب بقوله: ''لا·· هي ما زالت صغيرة!!''·· وهكذا انفرط عقد شبابي وأنا
    أنتظر ذلك الوقت المناسب من وجهة نظركم لكي توافقوا على تزويجي·· وبدأ عدد
    الخطاب يتناقص تدريجياً حتى لم يعد يطرق بابي طارق·· وتحول الجميع من بابي
    إلى أبواب أخواتي اللاتي تصغرني أكبرهن بأكثر من عشر سنوات·· والآن لم يعد
    قانوناً أن تنتظروا إتمام الدراسة أو العمل·· والآن تخافون عليهن أن
    يصيبهن ما أصابني من عنوسة وقهر·· والآن أيقنتم أن ما جنته يداكم تجاهي
    كان خطأً·· والآن لا يمكنكم رفض هذا القادم لأنه قد لا يتقدم لأختي أفضل
    منه·· سبحان الله!!!

    تلك حياتنا

    كان أبي دائم السفر والترحال بحكم عمله·· لذا لم يكن يقيم عندنا كثيراً
    ولم يكن بيننا ذلك الارتباط العاطفي أو المعنوي المفترض أن يكون بين الأب
    وأولاده·· وكانت أمي هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عنا·· وربما لشعورها بثقل
    تلك المسؤولية صارت تعاملنا بتسلط كبير·· فالممنوعات كثيرة·· والمحظورات
    أكثر·· وصرت أحلم باليوم الذي أنطلق فيه بعيداً عن سياج هذا البيت إلى
    أسوار بيت جميل صغير دافئ يحتضنني مع زوج يحبني ويحميني وأبناء أربيهم بما
    يرضي الله - عز وجل- ويسلونني ما بقي لي من عمر·· لكن هذا لم يتحقق·· بل
    ويبدو أنه لن يتحقق أبداً··
    جاء اليوم الذي كنت أخشاه·· فاليوم يوم زفاف أختي إلى عريسها·· كنت قد
    عاهدت نفسي أن تضبط كل انفعالاتها وأن تكتم دموع الحسرات والحزن·· كنت أحب
    أختي هذه حباً كبيراً·· والله كنت أتمنى لها السعادة من كل قلبي·· لكنني
    كنت أرثي لحالي وأعلم بأن عرسها هذا يعني قتلاً لآخر روح للأمل لدي·· فأنا
    اليوم سأحمل لقب العانس بجدارة·· العانس التي ينبذها المجتمع بطريقة
    قاسية·· العانس التي ينظر لها الآخرون على أنها بائر وبأنه لو كان فيها
    خير لما تجاوزها الخاطبون·· العانس التي لا بد لها وأن تتجرع في اليوم
    آلاف المرات مرارة الأسئلة السخيفة الممزوجة بسخرية قاتلة: مدام أم آنسة؟
    كم صار لديك من الأولاد؟ كم عمرك؟ لم لم تتزوجي بعد؟ ألا يتقدم إليك أحد؟
    إذن لماذا أنت مضربة عن الزواج؟
    وفي الحفل كان الجميع حريصاً على مراقبة كل تحركاتي·· فإذا ما انزويت
    لأعدل زينتي سمعت همسات ولمزات خبيثة وضحكات تشير إلى أنني انزويت لأبكي!!
    يا إلهي!! ألا يرحمون يأسي؟!! ألا يتركوني في حالي؟!! سبحان الله·· كم
    يستلذ البعض بالصيد في المياه العكرة··
    عدنا إلى البيت بعد أن انتهى ذلك الحفل الذي كان رائعاً بكل المعايير··
    فأختي كانت في قمة جمالها وتألقها وسعادتها وهي تجلس إلى جوار زوجها الذي
    بدا هو الآخر سعيداً أيما سعادة·· وقد التقيت بزميلات الدراسة وكل منهن
    كانت تصطحب أطفالها الذين بدأ بعضهم في الدخول إلى المدارس·· أما أنا··
    آآآآه وألف آه! كل آه أقولها تحرق أنفاسي حرقاً·· تقطعني·· تمزقني·· حتى
    آخر آمالي انساب من بين يدي انسياب الماء·· ألقيت بنفسي الجريحة على سريري
    واحتضنت وسادتي وأغرقتها بدموع كسيرة لم تطفئ شيئاً من حرقة صدري·· ولا
    أدري كم من الساعات أمضيت على هذه الحال حتى أشفق علي النوم واستسلمت له··


    آخر من يعلم

    بعد ذلك اليوم تزوجت أخواتي تباعاً·· كان الموضوع صعباً على والدتي في أول
    مرة·· وبعدها لم تعد تكترث بمشاعري أو تهتم بإعلامي إلا بعد أن يرتبوا كل
    شيء·· ربما اعتقدَت أنني فقدت الإحساس·· لكنني أبداً ما فقدته·· ففي كل
    حفلة زفاف أحضرها كانت تتجدد لدي مشاعر الحسرة وأنا أنظر إلى العروس في
    فستانها الأبيض الملائكي·· شيء آخر قد تغير في حياتي·· أبي الذي كنا
    بالكاد نعرفه هاجمته أمراض الكبر·· فترك أعماله ولزم فراشه·· ولأنه كما
    ذكرت لم يكن يرتبط بنا عاطفياً فقد أهمله الجميع·· إلا أنا·· فقد حباني
    الباري بحنان فياض·· ولأنني حرمت من نعمة الزوج ونعمة الولد فقد أفرغت على
    والدي جرعات حناني الكبير·· كان ينظر إلي وأنا أسهر الليالي إلى جواره
    وأهب في مواعيد دوائه لكي أعطيه إياه بيدي فينظر إلي ودموع في عينيه لا
    أدري إن كانت دموع شفقة أو ندم·· المهم أنني لم أكن أفارقه إلا للذهاب
    لعملي·· فقد أصبح هو كل دنيتي وحياتي·· وفي اليوم الذي غادرنا فيه كانت
    آخر كلماته لي: ''سامحيني يا ابنتي فقد ظلمتك''·· بعدها فاضت روحه إلى
    بارئها وسط دموعي ودموع إخوتي وأمي·· وتجرعت آلامي من جديد ولملمت بقايا
    الأمل المسكوب وسجلت انكساراً آخر في تاريخ انكساراتي··
    وفي عرس آخر أخواتي كنت قد بدوت كأمها، فقد تراكمت علي الأحزان وتسلل
    الشعر الأبيض إلى رأسي وانهارت قوة الاحتمال لدي ولم يعد هناك داعٍ من
    المكابرة أو المداراة، فالكل كان يقرأ خطوط الحزن العميق في لمحات عيوني
    وحركاتي وانقباضاتي·· وهكذا انقضى العرس وعاد كل إلى بيته وعدت أنا إلى
    حجرتي التي أجتر فيها كل يوم مرارة أيام حياتي··

    أين مكاني؟

    توفيت أمي بعد ذلك بسنين·· ومرة أخرى تجرعت مزيداً من الألم والعذاب بعد
    أن أصبحت في هذه الدنيا وحيدة أقاسي مرارة الوحدة والتشرد·· فلم أعد
    أستطيع السكن وحدي لغلاء المعيشة فاضطررت إلى الإقامة في بيوت أخواتي
    تباعاً·· كنت أشعر بأنني عالة على الجميع·· فلا مكان لي في بيت إحداهن··
    فالكل مشغول والكل لديه أطفال والكل لديه خصوصيات·· أما أنا فلا انشغال
    ولا خصوصية كما يقولون·· لذا فقد كنت أعمل طوال النهار خارجاً وفي الليل
    تخرج أخواتي مع أزواجهن ويوكلن لي مهمة الاعتناء بأطفالهن·· لم أكن أكره
    ذلك بل بالعكس·· فقد كان حبي للأطفال عميقاً·· لكنني كم تمنيت أن يكون لي
    واحد! لكن هذا لم يحصل·· بل ما حصل هو أن حياتي ما عادت مستقرة أبداً··
    في يوم من الأيام وقد كنت أبيت في بيت أختي التي تليني مباشرة عدت من عملي
    مرهقة·· تبعتني أختي إلى الغرفة التي كانت تخصصها لي كلما جئتها للمبيت··
    قالت: ''عندي لك خبر رائع''·· قلت: ''خير إن شاء الله''·· قالت: ''أكيد
    خير·· تقدم لك رجل للزواج''·· ياه·· نظرت إليها نظرة الجريح الساخر من
    الأحزان ولم أعلق·· قالت: ''ألن تسألي عنه؟'' قلت: ''لا يهمني·· فقد مضى
    عهد الزواج، ولم يعد له بهجة·· ولم يعد في العمر بقية''·· قالت: ''حرام
    عليك·· لا تستبقي الأحداث ولا تحملي نفسك أكثر مما تحتمل·· اسمعي·· هو
    زميل قديم لوالد زوجي·· أرمل ولديه أبناء·· يعاني من الوحدة بعد أن تزوج
    أبناؤه ومن بعض الأمراض و··'' قاطعتها: ''ويحتاج ممرضة تواسيه في عجزه
    ومرضه وكبره·· أليس كذلك؟؟ ألهذا الحد صرت عالة على الجميع وأصبحتم جميعاً
    تريدون التخلص مني؟ ألست أقوم على خدمتكم وخدمة أبنائكم؟ اسمعي·· سأخرج
    محاولة إيجاد مأوى لي حتى وإن كان مأوى العجزة والمسنين·· وإن وجدت مكاناً
    سأعود مساءً لآخذ حاجياتي وأرحل''·· قلت كلماتي تلك مندفعة نحو باب الشقة
    تتبعني أختي ذاهلة تحاول تهدئتي إلا أن محاولاتها لم تفلح، فقد خرجت فعلاً
    وركبت سيارتي منطلقة بسرعة لكنني لا أدري إلى أين·· مسكينة أختي·· أفرغت
    في وجهها كل الشحنات المكتومة في قلبي منذ سنين·· لا أدري لم فعلت ذلك وهي
    لا ذنب لها·· بل بالعكس هي آوتني وأشركتني في حياتها وبيتها وأطفالها وقد
    ظنت بسؤالها ذلك أنها قد تنهي معاناتي لكنها كانت كمن داس جرحي بحذاء أسود
    ثقيل فانفجرت في وجهها كل الآهات··
    همت على وجهي في الطرقات وأنا أفكر·· غلطة من هذه؟ هل هي غلطة والديّ
    -رحمهما الله- اللذين وقفا عائقاً أمام كل من جاءني خاطباً بحجج واهية··
    أم هي غلطة المجتمع الذي يعتبر كل ''مختلف'' منبوذاً ويعامله ككائن غريب··
    أم هي غلطتي أنا لأنني لم أستطع خلال كل تلك السنين أن أتعايش مع العنوسة
    وأتكيف معها ومع وحدتي وحسرتي ولم أستطع مقاومة غرائز الأمومة لدي؟؟
    لا أدري·· كما أنني لا أدري إلى أين أرحل···

    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    عدد المساهمات : 883
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 11:06 pm


    (( الترتيب الثاني .. ))


    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





    سعاد جواد ..

    هل يعقل هذا؟ الزمن يلف ويدور وأبقى أنا كما أنا، الثانية في الترتيب! يا إلهي! هل أنا واهمة أم أن هذا هو قدري؟
    منذ أن وعيت على هذه الدنيا وأنا أجد نفسي الثانية في الترتيب· فأختي جاءت
    قبلي وكانت قد استحوذت على اهتمام أمي وأبي· هي البكر، ولها الأولوية
    دائما، الكل يخاف على مشاعرها، الكل يحسب لها ألف حساب· الهدايا التي
    يحضرونها تعرض عليها أولا لتختار ما يعجبها ثم يترك لي الخيار الثاني·
    الملابس والطعام وجميع الأشياء، هي تختار وأنا علي أن أقتنع بالباقي· حتى
    لو رفضت، فلا أحد يكترث، ولا أحد يتحسر على بكائي، أو يحاول إرضائي·
    يتركونني أبكي على راحتي ثم بعد أن أتعب من كثرة البكاء أرضى بنصيبي
    وأسكت·
    أحيانا يزعجهم بكائي ورفضي فيتهمونني بأنني مزعجة لا يعجبني العجب· تمنيت
    لو أنني أختار أولا ما يعجبني على ان يكون الشيء الذي لا أريده لها، عندها
    سيسمعون زعيقها ونحيبها، فهل سيقولون عنها إنها مزعجة ولا يعجبها العجب؟
    بالطبع لا··· فأنا الثانية وهي الأولى في كل شيء·
    كبرت أختي وأصبحت لها اهتمامات غير الألعاب· دخلت مرحلة المراهقة، وأنا
    لازلت طفلة، فهل أصبح الاختيار لي في تلك المرحلة؟ كلا لم أتمتع بذلك
    الوضع الفريد إذ أنجبت أمي طفلا ذكرا، فأستحوذ على الاهتمام والهدايا
    والإنفاق وكل شيء· أما أنا فبقيت في القائمة الثانية التي لا يكترث لها
    أحد·

    حياة أخرى

    كنت في العاشرة من عمري، عندما اشتعلت نيران الغل بداخلي تجاه هذا الوضع
    غير العادل في أسرتي· كرهت حياتي معهم وتمنيت أن يكون لي بيت آخر أكون
    الوحيدة فيه بلا منازع أو منافس يأخذ الاختيارات الأولى ويحتكرها لنفسه···
    وحيدة لا يفرض علي ما يرفضه غيري·
    فكرت كثيرا··· كيف السبيل إلى ذلك الحلم الغريب؟ كانت لي جدة طيبة القلب
    تحبني كثيرا وهي تعيش مع جدي لوحدهما· فقلت لنفسي: هذا هو المكان المناسب
    لواحدة مثلي··· في بيت جدي سألقى الاهتمام الأول والأخير بلا منافس·
    تحدثت مع جدتي في الأمر فباركت الفكرة ورحبت بها كما توقعت، ولكن أمي وأبي
    فوجئوا بطلبي وصعقوا به، كيف تفضلين العيش بعيدا عن عائلتك، أنت فعلا فتاة
    غريبة الأطوار، لا بل أنت معقدة· نعم أنا معقدة، هل يعجبكم هذا؟ أريد أن
    أعيش مع جدتي وجدي، أحبهما كثيرا وأتألم لأنهما يعيشان وحيدين بلا أنيس·
    بعد جدل ونقاش وتردد، تمت أخيرا الموافقة على انتقالي للعيش في بيت جدي·
    وكم كانت سعادتي كبيرة عندما علمت بأنهما قد خصصا لي غرفة خاصة بي وجهزاها
    بكل ما احتاج إليه، إذن فقد تحقق حلمي أخيرا، وسأكون أميرة ذلك المنزل بلا
    منافس·
    السعادة لا تكتمل، فبالرغم من توحدي في منزل جدي إلا أن الاهتمام كان في
    طريق آخر، فكل ما يهم جدتي هو العناية بشؤون جدي المريض ومراقبته
    باستمرار، والحديث بينهما لا ينتهي وأنا لا أشكل في هذا الوضع إلا جانبا
    بسيطا من حياتهما· شعرت بأنني أشكل عبئا عليهما عندما أطلب أشياء فيعجزان
    عن توفيرها لي· يا لغبائي، حرمت نفسي من هدايا كثيرة كان والدي يشتريها
    لنا باستمرار، وأطعمة طيبة كانت تحضرها لنا أمي بين فترة وأخرى، ولم أعد
    أتمتع بالذهاب إلى المطاعم وأماكن الألعاب بصحبة والديّ· كم أنا غبية
    وتعيسة وأنا آكل طعاما خاصا يصنع للمرضى بلا نكهة ولا طعم·
    كنت أفكر بالتراجع عن قراري ولكن هذا غير وارد، فالانتقال من مدرسة إلى
    أخرى يتطلب إجراءات كثيرة لا تتم بسهولة، وقد هددني والدي بعدم التراجع
    إلا بعد اكتمال العام الدراسي، لذلك فقد صبرت على ما أوقعت نفسي فيه وبقيت
    أعد الأيام كي ينتهي هذا العام وأعود لبيتي·

    منافس جديد

    ما زاد الطين بلة هو اضطرار خالتي للسفر بغرض العلاج وقد تركت ابنتها عند
    بيت جدي هي الأخرى، فساء الوضع أكثر مما هو سيء، لأن ابنة خالتي هذه دلوعة
    جدا وقد استطاعت بحركات الدلع أن تستحوذ على اهتمام جدتي فأعطتها الكثير
    من الاهتمام والرعاية والدلال، أما أنا فعدت للصف الثاني كما أنا دائما·
    فساءت حالتي النفسية وأصبحت كئيبة ومنعزلة·
    جدتي أعلنت بأنها لا تريدني في منزلها لأنها خائفة على صحتي بسبب عدم
    إقبالي على الطعام، ولأنني طفلة غير عادية لا أحب اللعب واللهو كما تفعل
    بنت خالتي التي صارت تملأ البيت مرحا وعبثا وشقاوة· هذا ما قالته جدتي،
    وقد آذاني قولها، فأنا لا أجد نفسي معقدة، وأجد ابنة خالتي هذه بمنتهى
    السخافة والعبط· كل ما لديها هو شيء من الحيل لجذب الجدة واكتساب
    اهتمامها، حتى أنها أثرت عليها تأثيرا شديدا جعلها تردد باستمرار هذه
    العبارة الغريبة: ما شاء الله عليها فلانه··· أخاف عليها من الحسد··· إنها
    طفلة نادرة·
    تقول ذلك وتنظر إلي بطرف عينها، كأنها تقارنها بي ولا تجد وجها للشبه أو المقارنة، إن هذا ليس عدلا ولا إنصافا بحقي·

    العقدة المتأصلة


    كبرت وكبر معي ذلك الهاجس، لقد خلقت لأكون الثانية في جميع الأولويات، وقد
    تراكمت المواقف في حياتي لتؤكد هذا الهاجس، فكلما دخلت صفا أجلسوني في
    المقعد الثاني، وأسمي يأتي دائما في الترتيب الثاني، كذلك معدلي هو دائما
    الثاني· إذن هذا هو نصيبي في الدنيا، الترتيب الثاني فقط·
    عندما وصلت للمرحلة الجامعية، شعرت لفترة بميل أحدهم لملاحقتي· كنت أتغاضى
    عن نظراته ومتابعته لي باستمرار، فلست من النوع الذي يقيم العلاقات
    العاطفية التي غالبا ما تسيء لسمعة الفتاة وتؤذي مشاعرها إذا لم يكن الطرف
    الآخر جادا، وقلما يتواجد الشاب الجاد الذي ينوي الخير· عموما، لم ألتفت
    له مع أني كنت مستغربة لمواصلته في متابعتي على الرغم من أنني لم أعطه أية
    إشارات تدل على الرضا والتشجيع·
    بعد مدة طويلة من الملاحقة أخذني الفضول للتحدث مع هذا الإنسان، فتشجعت
    واتصلت به· أخبرني بأنه لا يريد العبث وأن قصده شريف وهو فقط يريد أن
    يتأكد من رضاي وقبولي له، سألته بلا وعي مني··· هل أنا الفتاة الأولى في
    حياتك؟ سكت طويلا ثم أجاب: بصراحة لست الأولى··· وتوجد أخرى قبلك··· ولكن
    الأمر قد انتهى بيننا وإلى الأبد··· صدقيني· أقفلت الخط وألغيت رقم الهاتف
    وتجاهلت ذلك الإنسان حتى مل وتعب من ملاحقتي·
    هل هذا معقول؟ حتى في الحب والزواج أكون أنا الثانية؟ ما هذا الحظ؟ لن أقبل بمثل هذا الشيء أبدا·
    أكملت دراستي الجامعية وتوظفت، أتدرون ما هي وظيفتي؟ مساعدة لرئيسة القسم·
    هل تعرفون ما معنى هذا؟ إنه الترتيب الثاني، فهل تصدقون ما يحدث؟
    أردت أن أرفض هذه الوظيفة فأتهموني بالجنون فأنا مجرد خريجة جديدة، وليس
    عاديا أن أحصل على مثل هذا المنصب· فقلت في نفسي: يجب أن لا أضيع الفرصة
    من يدي، فالوظائف ليست سهلة في هذا الزمن· فبدأت معاناتي وعذابي في مجال
    العمل· أنا أتعب وأجهد نفسي ولرئيسة القسم الشكر والتقدير· أنا أقضي يومي
    كله منهمكة في إعداد الدراسات والتحضير لكل صغيرة وكبيرة، وهي تحضر
    المؤتمرات وتأخذ حيز الاهتمام لوحدها· ويا ويلي إذا أخطأت في شيء، فالدنيا
    كلها ستنقلب على رأسي جحيما مرا لا يطاق·
    قررت ترك العمل والجلوس في المنزل، لست بحاجة للمال· الوضع المهين الذي عانيت منه شيء لا يمكن التعايش معه، سأبحث عن عمل آخر·

    حتى في الزواج


    في تلك الفترة تقدم أحدهم لخطبتي وكان مطلقا فرفضته، لأنني لا أريد المرتبة الثانية في الزواج أيضا، فهذا الشيء صار يدمرني بقوة·
    مرت سنتان كئيبتان وأنا بلا عمل أو هدف، عندها قررت أن أقتنع بهذا الترتيب
    المكتوب على جبيني وفي كل نواحي حياتي· قررت أن أرضى بأي عمل حتى لو تأكدت
    فيه هواجسي وكنت الثانية، وقررت الرضا بأي خاطب حتى لو كنت الزوجة
    الثانية، فالتعايش مع هذه الفكرة أفضل من الجلوس في المنزل بلا هدف·
    بعد بحث طويل وجدت عملا في أحد البنوك، قسم للسيدات لا توجد فيه سوى موظفة
    واحدة، وبالطبع فأنا الثانية، لا يهم، المهم أن أعمل· الموظفة الأخرى أقدم
    مني، الكل يعرفها، الكل يحبها، وأنا موظفة جديدة لا أحظى بأي اهتمام أو
    تقدير· عموما،هذا ما يجب أن أتقبله أيضا، لأنني قررت أن أتغلب على هاجسي
    وأن أطوع نفسي للرضا بما قسمه الله لي·
    حاولت كسب صداقة زميلتي فكان لي ما أردت، فأصبحت تلك الزميلة أعز الناس
    إلى نفسي، وقد ساعدتني كثيرا على تعلم كل ما كان ينقصني، فوجدت بأنني
    سعيدة ومرتاحة البال، ففكرت بأنني كنت مخطئة طوال الوقت في طريقة تفكيري،
    فالرضا بما يقسم لنا هو السر في سعادتنا، سواء أكانت لنا الأولويات أم
    كانت لغيرنا، المهم أن نرضى ونسعد بما لدينا·
    هذه الفكرة أنعشتني وأبعدت عني التعاسة والكآبة التي لازمتني سنين طويلة·

    الأمر الواقع


    لم استغرب أبدا عندما تقدم لخطبتي أحد زملائي في العمل وهو متزوج من امرأة
    أخرى· زميلتي كانت متفاجئة··· هل هذا يعقل؟ ترضين به وهو متزوج؟ قلت لها:
    هذا هو نصيبي وأنا أعرفه جيدا فلماذا أرفض؟ بقيت مستغربة لا تفهم ما
    أقصده·
    أهلي أيضا استغربوا لموقفي، قالوا: جاءك رجل مطلق ورفضته، كيف تقبلين برجل
    متزوج؟ قلت لهم: التفسير المناسب لهذا هو أنني محبوسة في الرقم اثنين، لست
    أنا من فعل ذلك··· القدر هو الذي حبسني في هذا الرقم وأنا راضية بما قدر
    لي·
    بعد أن تزوجت، صرت أبحث عن مكامن السعادة المخبأة في هذا الزواج، فوجدت
    الكثير· فزوجي إنسان رائع وطيب بكل معنى الكلمة، وزوجته لا تقل عنه في حسن
    الخلق، وقد كانا متفقين على أن يتزوج من أخرى بسبب عدم قدرتها على
    الإنجاب، فقررت أن أكسب صديقة أخرى وأن أجعل حياتي سعيدة كما فعلت في
    عملي· رضيت أن نسكن سويا، واتفقت معها على الصداقة وعدم إثارة المشاكل
    فوجدتها متجاوبة معي وسعيدة جدا بأفكاري·
    سرعان ما أصبحنا كيانا جميلا لا يفترق، أنا وهو وهي، الكل مستغرب، لا أحد
    يصدق· نأكل معا، ونتنزه معا ونقضي أوقاتنا كلها سويا بسعادة ومرح·
    كنت متوجسة وخائفة بسبب تأخر الحمل بعد أن مرت سنة كاملة على زواجي ولم
    يحدث ما ننتظره نحن الثلاثة بفارغ الصبر، طفل يملأ حياتنا بالأمل والفرح·
    كنت أتساءل، ترى هل إذا كتب لي عدم القدرة على الإنجاب، هل سيفكر زوجي
    بالزواج من ثالثة؟ هذا ما لم يكن واردا في أفكاري، تجرأت يوما وسألته،
    فضحك وقال: لا تسلم الجرة في كل مرة، فإذا أكرمني الله بزوجتين طيبتين
    وطمعت في الثالثة فسأجني على نفسي وعليكما· الأفضل أن أرضى بنصيبي واقتنع
    بما كتبه الله لي، فحياتنا سعيدة ولا أريد أن أعكرها، وسأبقى أدعو ربي أن
    يمنحني طفلا منكما·
    بعد سنة وثلاثة أشهر حدث الحمل، وكانت مفاجأة سعيدة لثلاثتنا، ذهبنا على
    إثرها للاعتمار في مكة المكرمة شكرا لله· وكم كانت فرحتنا ونحن نهيئ لهذا
    الصغير القادم أشياءه وحاجاته، وأنا في غمرة فرحي وسعادتي، طلبت من زوجي
    وشريكتي أن ننتبه جميعا لعدم التفضيل بين الأطفال أثناء التربية، فهذا من
    شأنه أن يولد العقد النفسية لدى الصغار، فالكبار لا يعلمون مدى حساسية هذا
    الطفل أو ذاك وقد أوصانا نبينا عليه الصلاة والسلام بالعدل بين أولادنا
    حتى بالقبلة، فإذا قبلنا أحدهم يجب أن لا ننسى الآخر والا فإنه سيتأذى
    وسيشعر بأن أهله يفضلون أخاه عليه وأنه ليس في الترتيب الأول من ناحية
    الحب والاهتمام وإنما هو في الترتيب الثاني كما حصل لي·


    المتميز
    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    ذكر عدد المساهمات : 883
    العمر : 54
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008
    السٌّمعَة : 22

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 11:07 pm


    ][][ السحابة الثقيلة .. ][][


    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



    سعاد جواد:

    كانت والدتي امرأة مختلفة، لا مثيل لها، تتميز بشخصية قوية، أعجبت
    الكثيرين، واستغرب لها الكثيرون· كانت كالفرس الأصيلة الجامحة، لم يستطع
    أحد تطويعها وترويضها مع بقية الركب في زمانها·
    كانت تدخل مجلس الرجال في منزلهم وتتحدث بلا حرج عن قناعاتها، تؤيدهم مرة
    وتعارضهم مرات فلا يملكوا إلا الإعجاب بهذا التفرد الذي تميزت به منذ أن
    كانت في التاسعة من عمرها· دخلت المدرسة ولم تقبل بالكتّاب كأقرانها،
    أرادت أن تحصل على شهادة، كانت أحلامها كبيرة تفوق زمانها بمراحل· عندما
    بلغت الخامسة عشرة، أخرجها والدها من المدرسة وقرر تزويجها لابن عمها الذي
    كان يحبها بجنون·

    زواج بالقسر

    رفضت وفعلت المستحيل كي تؤثر على والدها ولكنه أصر على قراره فتزوجت وهي مرغمة·
    لم يكن سهلاً أبدا على ذلك الزوج العاشق أن يكسب قلبها أو رضاها· فعل كل
    المستحيلات، ولكنها بقيت متمردة لا ترضاه لنفسها، حتى اضطر والدها للتدخل
    فأقنعها بالمنطق والعقل والحكمة· فلا توجد فتاة بنت عائلة محترمة تفشل في
    زواجها وتخرب بيتها بالطلاق· هذه الكلمة مرفوعة من قواميسهم بشكل نهائي،
    والأفضل لها أن تكون عاقلة وتحاول أن تتكيف مع زوجها· تظاهرت بأنها مقتنعة
    بكلام أبيها ولكنها بقيت متمنعة أمام زوجها لا تمكنه من نفسها إلا بإذلاله
    بشكل غير عادي·
    أراد أن يكسر كبريائها فتزوج عليها، أحضر لها ضرة تغيظها وتحرك فيها مشاعر
    الغيرة، ولكنها لم تكترث وبقيت ترفضه وتمرغ حبه لها بطين الرفض والتمنع·
    لم تنجب منه سوى ولد واحد هو أنا، أنجبتني فقط لحاجتها لما يشغل وقتها، كي
    تضع لحياتها اهتماما وهدفا يسعدها·

    حكمة وبلاغة

    تمر السنين وأكبر بين أحضان عقلها وحكمتها وذكائها غير العادي· علمتني
    الصلابة، علمتني القوة، علمتني عدم الخضوع لأوامر القهر والغلبة· ماذا
    أقول؟ لقد علمتني الكثير· شجعتني على اكتساب العلم وخوض مجالات جديدة لم
    يتجرأ الآخرون على خوضها في الفن والأدب·
    كانت تردد دائما بأن الإنسان الذي يقلد غيره إنسان تقليدي غير مبدع،
    والأفضل أن يبتكر لنفسه طرقا جديدة ويبحث عن أبواب لم يدخلها أحد قبله·
    الأفضل أن يكون الإنسان رائدا في حياته·
    لا أدري هل كانت محقة في آرائها أم هي تعيش حالة نادرة لا تودي بصاحبها
    إلا إلى القلق والتعب؟ فهذا القفز الذي تفكر به ربما يؤدي إلى الكسر
    والأذى· عموما فالسنين تمر وأنا بين يديها غير قادر على استيعاب دروسها
    التي لم تكن تناسب نفسيتي التواقة للاستقرار والرضا بالنصيب·
    كلما مرت السنين كلما ازداد والدي بعدا عنها بعد أن يئس من تقبلها له
    فتركنا أنا وهي وتفرغ لبيته الآخر وهو مرغم، وبالطبع فإنه لم يقصر معنا
    ماديا على الرغم من علمه بأن والدتي قد ورثت المال عن والدها ولديها الخير
    الكثير·
    الصفة الغريبة الأخرى في والدتي هي أنها تحب السفر بشكل غير طبيعي· فلا
    يكاد يمر عام واحد إلا وأجدنا أنا وهي ومجموعة من النساء الملازمات لها
    واللاتي تعودت الإنفاق عليهن، لأنها تؤوي لبيتها كل من ترميها ظروف الحياة
    القاسية بلا مأوى، فتجعلها واحدة من الأسرة، تتمتع بكافة الحقوق وكأنها
    أختها أو أمها أو خالتها أو عمتها، وهي تناديهن بهذه الألقاب كل بحسب
    عمرها· كل هذه الأسرة الكبيرة تحزم الحقائب للسفر إلى هذا البلد أو ذاك،
    فهي تؤمن بأن السفر هو العلاج الوحيد لجميع المشاكل والضغوط النفسية التي
    يعاني منها الإنسان·
    من كثرة أسفارها أصبح لديها العديد من الأسر الصديقة في هذا البلد أو ذاك،
    تتصل بهم وتسأل عنهم وترسل لهم الهدايا والمساعدات النقدية، وتحل لهم
    مشاكلهم المادية والمعنوية، وتستقبلهم في بيتها كلما جاءوا لزيارة الدولة·

    عندما أنهيت دراستي وتوظفت قامت بتزويجي فأخذت زوجتي معي إلى العاصمة حيث
    مقر عملي فأخليت لها عناء التفكير والقلق عليّ وأرحت نفسي من كثرة الأسفار
    التي جعلتني أشعر بنوع من عدم الاستقرار·

    أنشطة واسعة

    بعد تركي المنزل توسعت أنشطتها وازدادت أسفارها وازداد عدد أصدقائها في
    بلدان العالم المختلفة· أيضا فقد ازداد عدد زوارها من مختلف الأماكن· ثم
    صارت تتعاطف مع بعض تلك الأسر الفقيرة وتسمح لهم بالسكن معها في ملاحق
    صغيرة بنتها في منزلها· وشيئا فشيئا امتلأ المنزل بتلك العائلات المختلفة
    الجنسيات حتى أنني أصبحت أشعر بالغربة عندما أزورها، فأجد بيتنا وقد تحول
    إلى فندق يسكنه الغرباء· حتى أنها لم تبق لنفسها إلا غرفة واحدة وصالة
    ضيقة تستقبل بها ضيوفها من الأقرباء والأهل·
    حاولت أن أفهمها بأن لكل شيء حد، ولكنها لا تكترث لي، ولا تدع مجالا لأي
    شخص ينصحها بأن ما تفعله يلغي خصوصيتها ويؤثر على راحتها وتواصلها معي أنا
    ولدها ومع زوجتي وأولادي الذين هم أحفادها· فكيف يعقل أن نزورها أو نفكر
    بالمبيت عندها وهي حتى لا تملك مكانا كافيا لنومها؟ فحتى غرفتها الوحيدة،
    ملأتها بالنساء المقربات لديها، فأين مكاننا في بيتها؟
    أجدها سعيدة بكل ما تفعله وأتمنى أن لا أزعجها بملاحظاتي ورأيي ولكني أخاف عليها من كل تلك الوجوه الغريبة التي تحيط بها·
    كنت في زيارة لها أنا وزوجتي وأولادي، وبالطبع فإن الضيق كان باديا علينا
    ونحن ندخل الى بيت مليء بالغرباء نبحث بين الوجوه المتعددة عن وجه أمي،
    بصعوبة نجد مكانا ننفرد فيه معها، وبصعوبة تتفرغ للتحدث إلينا·

    سحابة الغم

    خرجت من عندها وأنا أشعر بالهم، وسحابة التفكير والقلق كانت تجثم فوق
    صدري· كان الوقت باكرا فاقترحت زوجتي الذهاب لأحد مراكز التسوق· تمشينا
    هناك وجال بصري بين الوجوه· الشيء العجيب هو أنني أحسست بالغربة، نعم···
    تخيلت أنني في بلد آخر غير بلدي· ربما كنت مسافرا وأنا لا أدري· طردت من
    رأسي التخيلات وأعدت البحث بين الوجوه عن أهل بلدي··· أين هم؟ أتمنى رؤية
    واحد منهم وسط هذه الحشود· عادت لي التهيؤات وتذكرت بيت أمي، إنها مقارنة
    غريبة، فهل أنا محق في وساوسي؟
    دخلت زوجتي أحد المحلات لتشتري بعض الحاجيات· جلست لأستريح على أحد
    الكراسي الموزعة في الممر الرئيسي في المركز، قررت أن أمارس لعبة قديمة
    كنت ألعبها وأنا صبي، أنظر إلى الذين يمرون من أمامي وأحاول اكتشاف جنسية
    المار من خلال شكله أو ثيابه، وأحسب عدد الجنسيات الموجودة في المكان·
    عجزت عن العد، فالجنسيات مختلفة وكثيرة، وبصراحة فإنني على الرغم من كثرة
    أسفاري فإنني لم أحزر كنه جنسية البعض منهم·
    الوجوه مختلفة والأشكال والملابس مختلفة ولا أحد يستطيع أن يتكهن بدقة مهما بلغت فراسته·
    جلس بالقرب مني رجل تبدو عليه ملامح خليجية، يلبس الدشداسة والغترة على
    طريقة ذلك البلد· بدأ الرجل بالسلام فسلمت عليه بحرارة، فقد أزاح عني
    الشعور بالكآبة وهو يحاول أن يفتح آفاق الحديث معي·
    تحدثنا عن التسوق ورغبة الحريم التي لا يمكن إشباعها في هذا الجانب وعدم
    شعورهن بالتعب على الرغم من الساعات الطويلة التي يقضينها في التجول
    والشراء· ثم تحدثنا عن الجو وغيره من الأحاديث العامة، ثم فاجأني الرجل
    بقوله: هل تصدق؟ أنك أول مواطن أشاهده منذ وصولي إلى الدولة قبل أربعة
    أيام؟
    عدت من جديد لأفكاري· إذا كانت هذه هي نظرة الزوار لبلدنا، إذن يحق لي أن أفكر وأن أقلق لكل ما يدور من حولي·
    أخرجني صوت محدثي من دوامة الأفكار وهو يقول: بعد خروجنا من المطار، وفي
    طريقنا إلى الفندق، كنت أنظر يمنة ويسرة ومن كل الجهات، لأبحث عن وجه
    مواطن فلم أجد إلا بصعوبة! ثم دخلنا الفندق شعرت بأنني لن أجد ذلك المواطن
    أبدا وسط كل تلك الوجوه الأجنبية· فهل يمكنك أن تفسر لي ما يحدث؟
    قلت له: لا تزعج نفسك بالأسئلة··· فأنا نفسي لا أملك الرد عليها·

    حكاية الجمل

    في طريق العودة حكيت لزوجتي ذلك الحديث الذي دار بيني وبين الرجل، فابتسمت
    وذكرتني بقصة كنت قد حكيتها لها في الماضي عن الأعرابي والجمل، آه تلك
    القصة! كم هي تشبه ما يحدث حاليا في بيت أمي وفي الوطن· بسرعة اتصلت بأمي
    لأحكي لها تلك القصة، قلت لها: اسمعي هذه الحكاية يا أمي وحاولي تفسيرها
    بذكائك المعهود: كان لأعرابي جمل واحد، يضع على ظهره خيمته الصغيرة
    ومتاعه، في ليلة باردة وممطرة نصب الأعرابي خيمته وجلس في وسطها محتميا
    بها، مد الجمل رأسه إلى داخل الخيمة فقال الأعرابي في نفسه: ما الضرر في
    أن يدخل هذا الجمل المسكين رأسه في خيمتي؟ الوضع في الخارج صعب وخيمتي
    تكفي لدخول رأس الجمل·
    بعد فترة بسيطة دفع الجمل نصف جسده إلى داخل الخيمة، فلم يغضب الأعرابي
    وقال في نفسه: الرحمة حلوة··· إنه مخلوق مسكين يريد أن يتمتع بالدفء الذي
    أتمتع به، ما الضرر في أن يحشر نصف جسده في خيمتي؟ نام الإعرابي ولم يفكر
    كثيرا بالأمر، فما كان من الجمل إلا أن أدخل جسده كله إلى داخل الخيمة·
    استيقظ الإعرابي مذعورا بعد أن بلله المطر ليجد نفسه خارج الخيمة التي لم
    تعد تتسع إلا للجمل·
    استغربت أمي من حكايتي وحاولت أن تعرف قصدي من روايتها، فقلت لها: أنت
    امرأة ذكية وحكيمة فكري بمغزاها جيدا، وتصرفي قبل أن يبللك المطر وأنت
    خارج خيمتك فلا تملكي الرجوع إلى داخلها عندما لا يكون لك مكان فيها·
    أغلقت الخط وأنا أتمنى أن لا تسيء والدتي فهمي فأنا ولدها وأحبها حبا لا يوصف ولا أريد لها أن تتأذى، فأذيتها هي أذيتي أنا شخصيا·
    ألست محقا إذاً في أفكاري المتعبة التي تدور فوق رأسي كسحابة ثقيلة لا أدري ماذا تخبئ؟
    المتميز
    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    ذكر عدد المساهمات : 883
    العمر : 54
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008
    السٌّمعَة : 22

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 11:08 pm


    :::_ الحوار المفقود _:::


    سعاد جواد

    قولوا لي من هو المريض نفسيا؟ أنا أم
    أمي؟ إن ربي يأمرني بطاعتها هي ووالدي فهما جنتي وناري، ولكن أليس هناك
    نوع من البر والإحساس بالمسؤولية تجاهنا نحن الأبناء أو البنات؟ ألا توجد
    طريقة نستطيع بها توصيل رسالتنا إلى ذوينا؟ نتحدث معهم بصراحة ودون مجاملة
    أو لف ودوران، نقول لهم: يا أيها الآباء ويا أيتها الأمهات، إنكم مسؤولون
    أمام الله عنا· ونحن أمانة أودعها الخالق في أعناقكم، فاحفظوها واتقوا
    الله في تلك الأمانة·
    وليسأل الآباء والأمهات أنفسهم هذا السؤال المهم: هل نحن صالحون لهذا
    الدور الخطير؟ وهل نؤديه على الوجه الصحيح؟ هل نحتاج إلى تغيير أنفسنا من
    أجل أولادنا؟ أم نفرض عليهم أسلوبنا وكل تعقيداتنا فرضا فقط لأنهم أضعف
    منا ونحن مسيطرون عليهم؟
    يقولون بأنني معقدة وانعزالية، هل يعرفون السبب الرئيسي في بعدي عنهم؟ إنهم هم أنفسهم، أمي وأبي·
    إنني أبتعد عنهم كردة فعل طبيعية لتراكمات سابقة تكومت على بعضها البعض
    لسنين طويلة· الطفولة، المراهقة وسنين الدراسة··· الفترة الجامعية، ثم بعد
    أن تخرجت وتوظفت، سلسلة معاناة مؤلمة سببها الرئيسي أمي وأبي·
    أنا إنسانة حساسة، أتأثر بسهولة ولا أستطيع نسيان المواقف التي تجرح فيها
    مشاعري· هكذا خلقت· لست مثل غيري، إنهم لا يفهمون هذا كله···لا يفهمون أن
    تصرفاتهم معي هي التي جعلتني أبتعد عنهم وأبدو كإنسانة معقدة· أتجنبهم كي
    لا أتلقى المزيد من جرح المشاعر، ولأنني أعرف بأنهم لن يفهموا قصدي أبدا،
    وأنهم لن يفسروا قولي إلا بالشكل الذي يعجبهم· لذلك فأنا أفضل الابتعاد
    عنهم قدر الإمكان· فهل أنا معقدة كما يقولون أم أن أسرتي فيها خطأ رئيسي
    من الصعب التحدث عنه بصراحة؟

    شخصيات متناقضة

    والدي رجل جامعي، مستواه المادي جيد، وهو على الرغم من حسناته الكثيرة
    وطيبته إنسان متقلب المزاج· ساعة نجده لطيفا وأخرى نجده عصبيا لا يمكن
    التفاهم معه· يتأثر برأي أمي تأثرا شديدا ويوافقها على جميع آرائها حتى لو
    كانت مخطئة، وهو يبرر لها كل ما تفعله من تصرفات غريبة· لا يحاول التأثير
    عليها ويتركها تتصرف كما تشاء حتى حولت حياتنا إلى جحيم وهو مؤيد لها
    تماما في كل ما تفعله· فإذا غضبت هي، غضب معها دون أن يعرف السبب·
    وإليكم أحد المشاهد في حياتنا العائلية قبل فترة بسيطة وقد كنت طالبة
    جامعية: زارتني إحدى الصديقات، ومن الطبيعي أن أدخل الصديقة إلى غرفتي
    ونغلق الباب كي نتحدث براحتنا· انتهت الزيارة وخرجت الصديقة، فنادتني أمي
    لأذهب إليها فوجدتها غاضبة· تساءلت، ما الذي أغضبك يا أمي؟ فردت علي
    قائلة: لماذا أطالت صديقتك البقاء؟ أليس لديها من يسأل عنها؟ ولماذا لا
    تجلسان معي؟ لماذا تأخذينها إلى غرفتك؟ عن أي شيء تتحدثان؟
    دخل والدي واستمع لبعض تساؤلات أمي فأيدها وغضب مني غضبا شديدا وكأنني
    ارتكبت خطأ لا يمكن أن يغتفر· لم يعطياني حق الدفاع عن نفسي فرحت أبكي
    وكلما زاد بكائي، زاد صراخهما وتوبيخهما لي· أنا مقتنعة بأنني لم أرتكب أي
    خطأ أستحق أن أعاتب عليه· إنها مجرد زيارة لصديقة، جلسنا معا وتحدثنا
    أحاديث بريئة لا شيء فيها·
    كنت أتمنى لو أن والدي يحاول أن يخفف عني أو يأخذ بخاطري، ولكنه لا يفعل
    وإنما يهدد ويتوعد بسبب انعزالي وعدم رغبتي في الجلوس معهما· لا أدري
    لماذا يسيء الظن بي، مع أنني لم يسبق لي أن أخطأت خطأ أستحق عليه مثل هذا
    الموقف··· يتهمني بأنني لا أحب أهلي ويؤكد هذا الأمر مرارا وتكرارا وفي كل
    مناسبة حتى صرت فعلا لا أحبهم ولا أستطيع التأقلم معهم·
    من ناحية أخرى فأنا لا أنكر بأن والدي حنون وطيب، لا يجبرنا على اتخاذ
    القرار إذا لم نكن مقتنعين فيه وينصحنا بخوض التجارب لنتعلم، ولكنه ينقلب
    رأسا على عقب متأثرا بأمي، فينسى كل شيء ويتحول إلى إنسان عصبي لإرضائها
    فقط·
    عندما يزورنا بعض الأهل ونجلس معهم لمجاملتهم وقضاء الوقت الطيب المرح
    معهم، أضع يدي على قلبي، فأنا أعلم جيدا بأن والدي سيقدم لهم فقرة تسليهم،
    وما هي تلك الفقرة؟ إنها استعراض لأخطائنا وهفواتنا، ثم يبدأ بالانتقاص
    منا وانتقادنا أمامهم مما يؤدي الى شعوري أنا بالذات بالإحراج الشديد،
    لذلك فإنني أبتعد عن المشاركة في مثل هذه الجلسات التي تحرجني· أما إخوتي
    فإنهم لا يكترثون كثيرا لهذا الأمر ولا يتأثرون به·


    شخصية عجيبة


    أمي إنسانة عنيفة قاسية لا تحب شيئاً اسمه التفاهم· رأيها هو الصواب دائما
    ولا مجال لتغييره· لا تحب أن يعارضها أحد· تقول شيئا ثم تفعل عكسه· لديها
    شك مرضي متأصل في أعماقها· تفسر أي حركة، أي تصرف على أن له قصد سيء· لا
    تحترم أبي ولا تحترمنا، لسانها ينطق بكلمات الشتم والسباب بشكل دائم·
    تفكر دائما بأننا عندما نكون في غرفنا نرتكب الأخطاء، وقد فكرت بأن تضع
    كاميرات في الغرف حتى تتسنى لها المراقبة بشكل مستمر· هي تبحث عن الخطأ،
    أي خطأ حتى تبدأ بالسب والعراك والمعاقبة وتحويل المنزل الى حالة من
    التوتر· متعة امي الوحيدة هي خلق المشاكل والعداوات بيننا· فهي تستمتع عند
    حدوث المقاطعة بيننا، فتخبر أخي مثلا بأنني قد قلت عنه كذا وكذا فيغضب مني
    ويقاطعني، وعندما أسألها عن سبب إعراضه عني تخبرني بأنه حاقد علي لأنني
    أفضل منه وتختلق كلاما قاله عني كي توغر صدري ضده، فنقاطع بعضنا لمدة ثم
    نجلس لنتحدث فنكتشف ما فعلته أمنا بنا·

    سلبية مطلقة



    أستغرب كثيرا من سلبية والدي معها، فهي لا تحترمه أمامنا او أمام الآخرين
    وقد تعودت على سبه وشتمه دون أن يوقفها عند حدها، ولو فعل منذ البداية لما
    تمادت معه وكأنها هي رب الأسرة وسيدها، لا هو· حياتنا تحولت إلى جحيم، فهي
    لا تكترث لعيد أو مناسبة أو فرح··· كل الأوقات لديها تستحق الشجار والسب·
    خالي يقول بأنها تعرضت في طفولتها لضغط نفسي وعدم استقرار عائلي· وهو
    ينصحها دائما بزيارة الطبيب النفسي· عمي قاطعنا عندما سمعها تسب أمه بلا
    سبب· والدي هو الوحيد الذي لا يجد فيما تفعله أي غرابة، فالكل على خطأ
    بالنسبة له وهي المحقة الوحيدة·
    أختي التي تصغرني بثلاث سنوات تأثرت بشخصية أمي وأصبحت نسخة عنها، لا
    تحترم من هو أكبر منها وهي لا تتقبل النقد ولا تعترف بخطئها، على الرغم من
    أنها تزوجت وهي حامل، وعلاقتها بزوجها علاقة متوترة جدا، تجادله وترفع
    صوتها لتوبيخه···
    عندما كنا صغارا أنا وإخوتي كنا نلعب معا وكنا نمثل تمثيليات نسجلها على
    الفيديو· معظم أحداث تلك التمثيليات تدور حول الزوجة العصبية التي تهين
    زوجها وتتعارك معه· فقد كانت تلك الصورة مطبوعة بدواخلنا عن العلاقة
    الزوجية وواقع أسرتنا·
    منذ طفولتي كنت أحب الاعتماد على نفسي، في لبس ملابسي وتمشيط شعري وترتيب
    سريري، كذلك كنت أحافظ على أغراضي وأرتبها بشكل جيد· كما كنت شاطرة في
    المذاكرة، أحب الصمت والهدوء، وأفضل التفرج على كل ما يحدث دون أن أشارك
    فيه· أما عندما بلغت سن المراهقة، فقد حدثت لي تغيرات تقتضيها المرحلة
    فازدادت حساسيتي وصرت أصاب بالاكتئاب وأفضل العزلة على الاختلاط بأهلي·
    عندما كبر أخي صارت أمي تعامله معاملة خاصة، تدللـه وتعطيه الحق في التحكم
    بنا وفي معاقبتنا فنشأ صراع جديد بينه وبيننا نحن شقيقاته مما جعلنا نكرهه
    ونتحاشاه· ولكن عندما كان صغيرا لا حول له ولا قوة وكان في المرحلة
    الإعدادية فإنها جرحت كرامته جرحا بليغا لازلت أذكره· ففي أحد الأيام جاءت
    لتوقظه للذهاب الى المدرسة فقال لها بأنه مريض وينوي التغيب عن المدرسة،
    فماذا فعلت به؟ صارت تسبه وتشتمه وتدعو عليه بالهلاك، ثم تفت على وجهه مما
    جعله يشعر بالخزي والمهانة، وهو في مرحلة المراهقة، وفي طور النضوج· وقد
    كان بأشد الحاجة للإحساس بالعزة والكرامة التي تزرعها الأم في نفوس
    أبنائها بدلا من ذلك التصرف الذي حط من كرامته وزعزع كبرياءه· الغريب هو
    أنه نسي كل ذلك وهي أيضا نسيت ما فعلته به وصارت تعامله بطريقة مختلفة
    الهدف منها هو الاستفادة من قوته الجسدية لإلحاق الأذى بنا نحن البنات
    الضعيفات·

    أمنيات ضائعة

    كم كنت أتمنى لو أنها تجلس معي، لنتحدث بود وحميمية وكأنها صديقتي
    المقربة، تحفظ أسراري وتتقبل أفكاري· كنت أخاف إن نطقت أمامها وأخبرتها
    بموقف معين أو خطأ غير مقصود حدث مني، أن تعايرني به وتذكرني بأنني مخطئة
    وتكبر الخطأ أكبر مما هو عليه لتحط من شأني قدر الإمكان فيراني إخوتي
    بموقف الضعف والإذلال، فتضعف علاقتي معهم وأجلس لوحدي طوال الوقت منعزلة
    وكئيبة·
    الغريب هو أنهم مروا بنفس ما مررت به طوال فترة الطفولة والمراهقة إلا
    أنهم لا يتذكرون شيئا· فبمجرد أن تنتهي المشكلة ينسونها ولا تبقى في
    أذهانهم، أما أنا، فإنني أتذكر كل ما حصل بشكل تفصيلي متعب فأزداد بعدا
    عنها وعنهم، وتزداد عزلتي يوما بعد يوم·
    أبي يعتقد أنني أحب الجلوس لوحدي لأنني أخبئ أسرارا عنهم، وأنني ربما كنت
    قد فعلت شيئا خاطئا جعلني معقدة بهذا الشكل· لم يحاول يوما أن يجلس معي
    ويحدثني بحنان وعطف فلربما استطاع أن يفهمني·
    في المرحلة الثانوية كنت أنا وأخواتي في نفس المدرسة· هل تصدقون بأنني لا
    أتذكر بأن أمي نصحتنا برعاية بعضنا البعض· ولم أتذكر يوما بأنها أوصت
    أختنا الكبرى بالسؤال عنا أو رعايتنا· كانت تفعل عكس ذلك· جعلت إحدى
    أخواتي جاسوسة على الأخريات· صارت تعطيها النقود والهدايا كي تنقل لها كل
    ما كنا نفعله لتسلي نفسها بالسخرية منا إذا تمت معاقبتنا في المدرسة أو
    تعرضنا لأي موقف محرج هناك·
    عندما كنت أحضر بعض صديقاتي معي إلى المنزل، كنت أتعرض للإحراج الشديد،
    لأن أمي تسبني أمامهن وتسبهن أيضا بدون سبب، لذلك فقد كرهت أن أكوّن
    الصداقات وأتعمق بها· فصارت تعايرني بأنني مكروهة، لا أحد يحبني، تكرر ذلك
    باستمرار حتى علمته لأخواتي فصرن يرددن نفس الكلام الجارح عني· هذه
    المواقف جعلتني أبتعد عن أخواتي وأتجنبهن قدر الإمكان كي لا أتعرض للمزيد
    من الكلام المؤذي·
    دخلت الجامعة وأنا مبتعدة كل البعد عن أهلي، وأصبحت لي صديقات مقربات إلى
    قلبي أتحدث إليهن بصراحة فأتحرر من كل قيودي النفسية، ولكن يا ويلي إن
    جاءت إحداهن لزيارتي وجلسنا معا في غرفتي· كنت أتعرض عندها لشتى المواقف
    المحرجة التي تسببها لي أمي· ولكن الصديقات كن متفهمات ولم يتأثرن، وكن
    يخففن عني·
    أنهيت دراستي الجامعية وتوظفت وأصبح لي كياني المتكامل في الاعتماد على
    نفسي، وكنت أعتقد بأن أسلوبها سيتغير، ولكن للأسف فإنها بقيت تعاملني بنفس
    الأسلوب··· الشك، الاتهام، عدم الثقة، عدم الحب، مع استخدام الكلمات
    الجارحة القاسية في كل الأوقات·
    الدنيا تغيرت والحضارة تفرض نفسها علينا··· ولكن أمي كما هي لا تتأثر
    بشيء· تشاهد البرامج التربوية وتحضر المحاضرات ولكنها تسمع فقط ولا تتغير·
    إنها ترفض التغيير وتعتبر نفسها على حق مادامت هي الأم، وسلطتها هي
    العليا، ومن حقها التحكم بنا وفرض أسلوبها علينا·
    كم أتمنى أن تعرف رأيي بها وتحس بأنها مخطئة·
    المتميز
    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    ذكر عدد المساهمات : 883
    العمر : 54
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008
    السٌّمعَة : 22

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 11:11 pm



    «°·.¸.•°°·.¸¸.•°» دنيا الانتقام «°·.¸.•°°·.¸¸.•°»



    سعاد جواد:

    لم يكن ابني طفلا عاديا· كان وحشا صغيرا، تربى على الضرب والإهانة
    والتحقير، وكلما كبر كبرت معه وحشيته وتعمق حقده على من كان السبب في كل
    معاناته·
    أبوك يا ابني هو السبب في كل ما نعانيه أنا وأنت· هو إنسان تافه كسول لا يستحق العيش·
    بهذه الكلمات والكثير غيرها تربى ابني· كنت أرضعه الحقد على والده منذ
    ولادته، وكلما كبر قليلا غذيته بهذا الحقد وجعلته زادا مستمرا له ألقمه
    إياه في كل حين·
    لم يكن سوى طفل جميل المحيا، حلو التقاطيع ترتسم على وجهه ملامح الشقاوة
    يداري خلفها حزنا وانكسارا رهيبا· وياليتني مت قبل أن تمتد إليه يدي
    بالضرب والأذى، هكذا ألعن نفسي كلما تذكرت كيف كنت أعذبه بوحشية··· وأفرغ
    غلي وحقدي على جسده الصغير وأنا ألعن والده الذي كان السبب في عذابي·
    كنت أضربه بشدة، دون وعي، وأحيانا كثيرة بدون سبب· وكأنني بضربه أنتقم
    لنفسي من أبيه الذي أذاقني المر والأذى، على الرغم من كل تضحياتي له
    ومواجهتي لرفض أهلي لهذا الزواج·

    اختيار خاطئ

    تزوجت والده عن حب، وأي حب؟ كان عبثا بدأ في مرحلة المراهقة واستمر حتى
    أكملت الثامنة عشرة· كان يخطبني وأهلي يرفضونه، ثم يعاود الكرّة من جديد
    فيرفضونه، والسبب أن لا شهادة لديه ولا عمل، ''صايع'' كما كانوا يسمونه،
    وأنا متمسكة بهذا الصايع تمسكا جنونيا لا عقل فيه·
    أرغمت أهلي في نهاية الأمر على القبول به بعد أن هددتهم بالانتحار أو الهرب معه·
    كرهني أهلي واعتبروني مجنونة وغبية ثم زوجوني له وهم مرغمون، ثم قاطعوني
    وقالوا لي: لا تعودي من بيته إلا وأنت ميتة، لقد اخترتيه بنفسك فتحملي
    مسؤولية اختيارك·
    بعد أن تزوجنا، انتقلت للعيش معه في غرفة صغيرة لا أثاث فيها في منزل أهله
    المتواضع· اضطر إخوته للتكدس مع أخواتهم ووالدتهم في الغرفة الثانية بعد
    إخلائهم الغرفة الأولى لنا·
    منذ بداية أيامي هناك اكتشفت بأنني أكثر من غبية لأنني أوقعت نفسي في ورطة
    لا أول لها ولا آخر، فهذا المنزل المكتظ لا يهدأ للحظة واحدة أبدا، طوال
    اليوم صراخ وزعيق وكأن الجميع مصابون بالصرع· لا يعرفون الهدوء والراحة
    أبدا، الكل يسب ويشتم، كبارا وصغارا، أفواههم مليئة بالبذاءة والكلمات
    الوسخة·
    يا إلهي في أي بؤرة ألقيت بنفسي؟ وكيف السبيل إلى النجاة؟
    بحثت عن الحب الذي كنت أتوهمه فلم أجده في هذا الإنسان الكسول النائم طوال
    النهار، والذي يفيق عند المغرب فيغتسل ويأكل طعامه ويذهب إلى شلته الفاسدة
    حيث الخمر والمغازلة عن طريق الهاتف مع أمثالي من الساذجات·
    سنة كاملة مرت علي وأنا أعيش جحيما لا يطاق، لا أستطيع أن أنسجم مع هذه
    المخلوقات الفظيعة· حاولت أن أعيد المياه إلى مجاريها بيني وبين أهلي
    ولكنهم أنكروني ولم يعطوني فرصة الشكوى فلم يكن أمامي سوى الصبر على هذا
    الوضع البائس ومحاولة التكيف معه·

    فكرة بنّاءة

    قررت أن أؤثر على زوجي وأقنعه بالعمل من أجل أن يصبح له راتب فنستطيع أن
    ننتقل الى بيت لوحدنا ونخفف عن عائلته الازدحام الشديد في غرفة واحدة، فهم
    أربعة أولاد وثلاث بنات وأمهم، يعيشون في هذا البيت الصغير المكون من
    غرفتين فقط، هذا ما خلفه لهم والدهم الراحل وهم يعيشون على راتب الشؤون
    فقط·
    أمهم إنسانة ضعيفة الشخصية، لم تستطع السيطرة عليهم فانفلتوا من بين يديها
    انفلاتا سريعا منذ نعومة أظفارهم، وقد تربوا في الشوارع واحضروا معهم إلى
    بيتهم كل ما تعلموه من كلمات بذيئة وتصرفات غير لائقة·
    بعد جهد جهيد اقتنع زوجي بفكرة العمل، ولكنه طلب مني مساعدته في مبلغ من
    المال كي يقوم بفتح محل بسيط يعمل فيه، فقمت ببيع كل ما أملك من مصوغات
    ذهبية وأعطيته المبلغ ليفتح المحل· فاختار محلا لبيع العطور، وصار يتناوب
    مع العامل الذي استخدمه في إدارة المحل·
    كنت ماهرة في عمل خلطات عطرية مميزة، كما قمت بابتكار أنواع جديدة من
    البخور، صارت مطلوبة من قبل الزبائن في محلنا· تحسنت أمورنا المادية بعد
    سنة واحدة من فتح المحل واستطعنا الانتقال لمسكن مستأجر، وكأنني قد حققت
    انتصارا لا مثيل له· فرحت وسعدت وتصورت بأن حياتي ستكون طيبة مادامت
    الأمور تسير بهذا الشكل، وقد ازدادت فرحتي حين رزقني الله بهذا الطفل
    الجميل· لم أكن أدري بأن هذه السعادة زائفة وأن الاعتماد على مثل هذا
    الإنسان هو عبث حقيقي لا أمان فيه·
    اكتشفت بالصدفة بأن زوجي قد حول المحل إلى مقر لعلاقات الغرام مع هذه وتلك
    وأنه صار يضيع إيراد المحل في منحهن الهدايا المجانية حتى غرق المحل في
    الدين فقام ببيعه لتسديد تلك الديون·

    السكن في الصندوق

    مرة أخرى عدنا لمنزل أهله بعد أن عجزنا عن دفع الإيجار، وبالطبع فإنهم
    رفضوا أن يخلوا لنا الغرفة، فاضطررنا للسكن في صندقة مصنوعة من الخشب
    المتآكل على أرض ترابية مليئة بالحشرات·
    ضاقت الدنيا أمام عيني وأنا أجد نفسي سجينة أنا وطفلي في هذا القفص
    الفظيع، فماذا أفعل؟ ليس أمامي سوى الالتجاء لأهلي علهم يساعدوني في شيء·
    وكالسابق طردني والدي بعد أن أسمعني كلاما قاسيا وجارحا·
    قررت الاعتماد على نفسي والبحث عن عمل، فأنا حاصلة على الشهادة الثانوية بمعدل جيد·
    بعد بحث طويل حصلت على وظيفة بائعة في شركة كبرى لبيع السيارات· استلمت
    الراتب الأول وهو ألفان وخمسمائة درهم، فرحت به فرحا كبيرا وكأنها ثروة
    ضخمة، طلبت من زوجي أن يحضر بنّاء يبني لنا غرفة حقيقية نستطيع العيش فيها
    على أن يتم الدفع بالتقسيط·
    بعد شهرين من عملي اكتمل بناء الغرفة فأثثتها بأثاث بسيط وصارت هي بيتي
    الذي أقضي فيه كل وقتي بعد أن أعود من عملي· أما أبني فانني كنت مضطرة
    لتركه عند عمتي أم زوجي أثناء ساعات العمل الطويلة·
    كلما مرت السنون ازددت وجعا وألما وأنا أجد زوجي قد أصبح عالة علي· فهو
    ينام طوال اليوم وفي المساء يلبس ثيابه ويتعطر ويطالبني بمصروف ليقضي وقته
    مع أصحابه، فماذا يبقى لي أنا وأبنه؟ لاشيء· أحتاج للثياب والعباءات
    الجديدة أثناء العمل، وولدي يحتاج للمصاريف، ولكن زوجي لا يكترث لشيء، وإن
    رفضت إعطاءه المال بضربي بشراسة ويأخذ من حقيبتي كل الموجود فيها ثم
    يتركني نائحة وباكية حظي التعس وما أوقعت نفسي فيه·
    لا شعوريا صرت اسقط تجربتي الفاشلة مع زوجي على ابني· كنت أواجه كآبتي
    وحالتي النفسية السيئة بضربه· أضربه وأضربه فيأكلني الندم، وأبكي حتى
    تتقطع أنفاسي وأتعب فأنام·
    كلما كبر الولد صار يتعلم من أهله الكلام البذيء والتصرفات السيئة مما
    جعلني أجد مبررا جديدا لضربه للتنفيس عن معاناتي والضغوط التي تتراكم علي
    مع مر الأيام، وشعوري بأنني في وضع سيئ لا أستطيع التخلص منه·

    جني الثمار

    بلغ ابني الرابعة عشرة من عمره، عندها اكتشفت بأنني بدأت أجني ثمار تربيتي
    الخاطئة له· أصبح عنيفا وعدوانيا لا يمكن إيقافه عن مسالك الشر أو إبعاده
    عنها· يتصرف بقسوة ووحشية مع الجميع، حتى معي· بمجرد أن قوي جسمه ووجد
    بأنه قادر على الانتقام لنفسه بدأ بضربي بشكل لا رحمة فيه· وحين شعرت
    بأنني لم أعد قادرة على تحديه والوقوف بوجهه استخدمت أسلوبا جديدا معه·
    وجهت حقده كله على والده، ذكرته بأنه هو السبب في فقرنا وكل معاناتنا
    وحرماننا· صرت انفخ فتيل الحقد المكتوم بداخله نحو والده، أردت الانتقام
    منه لأنه السبب الأول والأخير في تعاستي·
    بالتدريج تحول عنف ابني نحو والده وصارا يتعاركان طوال الوقت وكأنهما
    خصمان على حلبة المصارعة· وكلما تفوق على أبيه كافأته بالمال لإشباع رغبة
    الانتقام المتراكمة بداخلي· لم أكن أتصور بأن الأمر سيتطور إلى أكثر من
    صراع بالأيدي· ولكن في أحد الأيام اشتعلت حدة القتال بين الأب وولده
    وازداد العنف بينهما فتحولا إلى وحشين كل منهما يريد أن ينهي حياة خصمه·
    فزعت فزعا شديدا وحاولت أن أمنع حدوث الكارثة، دفعت ابني بعيدا عن والده،
    ولكن الشيطان كان قد ركب رأسه فالتقط سكينا واندفع بقوة نحو والده وقام
    بطعنه عدة طعنات أودت بحياته·

    فصول قاسية

    انتهت المسرحية الدرامية بموت زوجي ودخول ابني السجن، وبالطبع فإن أهل
    زوجي طردوني من بيتهم واتهموني بأنني السبب في كل ما حدث، وهم محقون طبعا·

    خرجت من ذلك البيت الذي عشت فيه أتعس سنوات عمري وأنا محطمة تماما، أبدو
    كعجوز في الستين، لا أدري أين أذهب ومن سيستقبلني في بيته بعد كل الفضائح
    التي حصلت·
    لجأت الى منزل صديقة تعرفت عليها أثناء عملي في شركة السيارات، وقد بقيت
    علاقتي بها حتى بعدما تركت العمل بالشركة ووجدت عملا آخر براتب أفضل
    بقليل· استقبلتني المرأة بحفاوة ووقفت إلى جانبي حتى استطعت تأجير غرفة
    ملحقة ببيت قريب إلى بيتهم·
    إحساسي بالذنب نحو ابني كان يمزقني تمزيقا، فما ذنب هذا المخلوق الصغير
    حتى يدفع ثمن خطأي في الاختيار؟ صرت أتردد على زيارته في السجن، أحاول
    الاعتذار منه، ولكن لساني ينعقد، أجده يعتذر لي ويبكي أمامي بحرقة نادما
    على فعلته· أريد أن أقول له بأنني أنا السبب· أنا من علمك الحقد والعنف،
    أنا من استخدمك وسيلة للانتقام··· أنا التي تستحق هذا السجن بدلا منك،
    الدموع والعبرات تخنقني فلا أستطيع أن أنطق بكلمة·
    وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، هذه الآية العظيمة انعكست على وضع ابني
    في سجنه فقد تحول من ولد سيئ إلى إنسان متق متدين يخاف الله ويخشاه· لقد
    ربوه التربية الصحيحة التي كنت أنا المسؤولة عنها· لقد أصلحوا ما أفسدته،
    وأعادوا لنفسيته الراحة والهدوء وعلموه مهنا متعددة ليستفيد منها عند
    خروجه من سجنه·

    طلب السماح

    الآن وبعد عشرين عاما من المقاطعة والعذاب تذكرني أهلي··· أحسوا بتأنيب
    الضمير نحو الإنسانة التي أنجبوها وعاقبوها كل ذلك العقاب القاسي لأنها
    أخطأت في اختيار الزوج المناسب·
    أرسلوا لي من يدعوني لزيارة أبي الممدد على فراش الموت· فهو يريدني أن
    أسامحه، أسامحه على ماذا؟ على مقاطعتي كل تلك السنين؟ على تركي وحيدة
    أتحمل مالا يتحمله بشر؟ على كل ما قاسيته وعانيته في حياتي؟ ماذا لو أنهم
    سامحوني وساعدوني على التخلص من تلك الحياة الزوجية التعسة؟ ماذا لو أنهم
    وقفوا إلى جانبي وتجاوزوا عن خطأي··· لم أكن سوى طفلة في الثامنة عشرة،
    ليست لي تجارب ولا أعرف الحياة جيدا·
    لم أذهب إليهم ولم أقبل أن أرى والدي قبل موته، صرت قاسية مثلهم، هم علموني القسوة، الحياة التي عشتها علمتني أيضا·
    بعد مدة بسيطة أخبروني بأن والدي توفى فلم أذهب للعزاء· ثم جاءني البشير
    أخيرا بأنني قد ورثت مالا، أسرعت لاستلام حقي الذي منعوني عنه طوال تلك
    السنين· كان مبلغا كبيرا، أكبر من تصوراتي، أكبر من أحلامي، أكبر من كل
    شيء· كم كنت بحاجة إلى جزء بسيط منه كي أعيش بشكل آدمي أنا وأبني، كي أخفف
    عن نفسي الضغط والمعاناة·
    سامحكم الله يا أهلي· لن أفعل مثلما فعلتم وسأقف إلى جانب ولدي في جميع مراحل حياته كي أعوضه عن كل ما سببته له·
    المتميز
    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    ذكر عدد المساهمات : 883
    العمر : 54
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008
    السٌّمعَة : 22

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 11:13 pm


    ][®️][^][®️][ألــــــم الداء ..][®️][^][®️][


    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    يا ربي هل ستسامحني على ما فعلت في
    نفسي؟ وهل ستعيد لي صحتي وعافيتي كما كانت من قبل؟ أعلم انني قد اذنبت
    ذنباً كبيراً، وانني قد اجرمت وجنيت على نفسي، ولكني أعلم جيداً بأن رحمتك
    واسعة ومغفرتك اكبر من ذونبي كلها· أنا في أشد الحاجة للشفاء··· اتمنى ان
    اتخلص من جميع متاعبي· اتمنى ان تنتهي كل موجات الألم التي تجتاحني
    وتدمرني باستمرار· سأصبر··· نعم سأصبر لأنني أعلم بأن ربي لن ينساني وانه
    بالتأكيد سيساعدني على تخطي ما أنا فيه· ولكن موجات الألم تدمرني من جديد·
    اصرخ من شدة الألم وجسدي كله ينتفض ويرتعش ولكنني سأستمر في الكتابة، لن
    اتوقف حتى أكتب سطور حكايتي ليعرفها جميع الشباب ليحذر الجميع من الخطر
    المحدق بهم، ليكونوا اذكياء فلا يجعلوا مشاكلهم وما يمرون به من صعوبات في
    الحياة سبباً في ضياعهم·
    عشت في أسرة سعيدة، لم اكن احس بتلك السعادة إلا بعد أن خسرتها· الإنسان
    لا يحس بالنعمة إلا إذا حرم منها··· للاسف، هذه هي الحقيقة· كنا نعيش في
    رغد ونعيم، أمي وأبي وأنا وشقيقتيّ·
    والدي إنسان طيب ورائع، كل همه في الحياة اسعاد أسرته· كان رحمه الله
    رحيماً ودوداً يغمرنا بعطفه واهتمامه في كل لحظة كان يقضيها معنا، وما
    أكثر وأطول تلك الاوقات، خصوصاً بعد ان أحيل إلى التقاعد وبقي في المنزل،
    فأغدق علينا المزيد من العطف والاهتمام وكأنه يعلم بأنه سيتركنا ويرحل،
    وسنبقى نذكره في كل ثانية ونترحم عليه من اعماقنا·
    والدتي جزاها الله كل الخير لم تكن أقل من الوالد في حنانها وحبها لنا·
    انها ربة بيت لم يشغلها شيء عن العناية بأولادها وزوجها وبيتها·
    لم نكن نتصور بأن الدنيا لديها وجه آخر غير الذي عشناه· لم نكن نعرف ما هو
    الحزن، وما هي الكآبة وما هو الخوف من المجهول· لم نفكر بشيء اطلاقاً حتى
    حدث ما حدث·

    بداية المأساة

    بشكل مفاجىء وغير متوقع رحل الوالد رحمه الله· ترك كل شيء واختار جوار
    ربه· تركنا ونحن في حالة ذهول وصدمة· لم نتقبل تلك الحقيقة، كانت صعبة
    علينا· رفضناها ولم نتكيف بسهولة مع اختفائه المفاجىء··· ولولا ايماننا
    لضعنا كلنا· الوالدة جزاها الله خيراً حاولت جهدها أن تهون الصدمة علينا·
    حاولت أن تعوضنا عما خسرناه بمزيد من الحب والاهتمام· زرعت في قلوبنا
    القناعة والصبر وساعدتنا على تحمل الصدمة حتى سارت الأمور على مجراها
    الطبيعي وهدأت نفوسنا بالتدريج·
    مرت الأيام··· ثقيلة صعبة وقد ازدادت صعوبتها نتيجة الضغوط المادية التي
    اطبقت علينا· بدأنا نتخلى عن مظاهر الراحة التي كنا ننعم بها من قبل
    وشيئاً فشيئاً اخذت الوالدة ببيع بعض قطع الاثاث لتسد احتياجاتنا، فراتب
    التقاعد الذي تركه لنا والدنا لم يكن يكفي ولم يستطع مواجهة موجة الغلاء
    التي هبطت على رؤوسنا، ثم أن سوط الديون البنكية لم يكن يرحمنا فاضطررنا
    لبيع البيت الذي ضم أجمل حياتنا مع والدنا الغالي· ماذا نفعل غير ذلك؟ انه
    الحل الوحيد للتخلص من تلك الديون· بعنا البيت واشترينا بيتاً صغيراً
    قديماً شبه مهجور·
    اجتمعنا في ذلك المنزل وكان اليأس مسيطراً على نفوسنا فاخبرتنا الوالدة
    بأننا يجب أن نتجاوز كل صعوبات الحياة ويجب ان نرتقي من جديد درجات السلم
    لنعود كما كنا عليه سابقاً، وبالطبع فإن العلم هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق
    ذلك· فالاحلام والأماني ستبقى حبيسة ما لم يرافقها الاصرار على النجاح
    والتفوق·
    اقنعتنا بمنطقها فتفرغنا للعلم وتفرغت هي لتدبير شؤوننا لوحدها بلا مساعدة
    من قريب أو غريب· صارت هي الرجل وهي المرأة وهي كل شيء في اسرتنا· ثم قررت
    أخيراً ان تعمل كي تزيد من دخل الأسرة فلا نحتاج لأحد· فصارت تخرج للعمل
    على الرغم من معارضة الأهل لتلك الفكرة·

    معارضة قوية

    الغريب هو أن عمي وعمتي جاءا الينا بعد انقطاع طويل· لم يأتيا للاطمئنان
    علينا كما هو متوقع ولكنهما جاءا لتهديد الوالدة بأخذنا من حضانتها وهما
    يتهمانها بالانحلال وسوء الأخلاق لأنها تخرج للعمل وهذا بالطبع لا يليق
    بسمعتهما··· يا الهي، هل هذا معقول؟
    لم يسألا عنا منذ وفاة الوالد، ولم يساعدانا في شيء وها هما يجيئان بعد
    ذلك الغياب ليلقيا ذلك الاتهام الخطير وذلك التهديد الغريب· مسكينة أمي،
    تحملت ما لم يتحـــــمله انسان· خافت من تهديدهما وتركت العمل وجلست في
    المنزل مكتوفة اليدين·
    تقدم رجل طيب الخلق يريد الزواج من هذه الارملة البائسة· الكل إستغرب···
    ما الذي دفع بمثل هذا الرجل ميسور الحال للارتباط بمثلها؟ لقد نسوا بأن
    رحمة الله هي التي أرسلته لانقاذها في الوقت المناسب· ولكنها كانت مترددة·
    راحت تفكر وتفكر وتعيد التفكير وهي خائفة على أولادها· فإن تزوجت فهي لا
    تدري إن كان الرجل سيعتني بهم وان رفضته فإنها ربما ستحرمهم من حياة طيبة
    ووضع مادي مستقر يمكن أن يتوفر لهم· بعد تفكير طويل وصراع نفسي مرير قررت
    ان تقبل بذلك الزواج·
    انتقلنا إلى منزل زوج أمنا وقد أدركنا مع الوقت بأن قرار الوالدة كان من
    صالحنا لأن زوجها كان كريماً وطيباً معنا لم يقصر في شيء أبداً·

    حياة جديدة

    كل شيء كان طيباً وسرعان ما تأقلمت اختاي وأمي مع حياتنا الجديدة· أما أنا
    فكان وضعي مختلفاً عنهم· فقد وجدت شيئاً باعماقي يرفض الوضع الجديد· هذه
    هي الحقيقة· احسست بعقدة الذنب··· وانني مسؤول عن عدم قدرتي على العمل
    وعلى تحمل مسؤولية أسرتي وعلى زواج أمي من رجل غريب· شعرت بأنني كنت مسلوب
    الإرادة، لم أقم بما يتوجب عليّ وانني تركت أمي تتحمل المسؤولية لوحدها،
    وانني لو استطعت أن اعمل لما تركتها تتزوج رجلاً غير والدي· صحيح انه رجل
    طيب ولكنه احتل مكان والدي· هذا الشيء يوجع قلبي بشدة· حاولت اخفاء
    مشاعري··· حاولت ألا أعكر اجواء السعادة التي تعيشها أمي واختايّ··· فحبست
    كل شيء في اعماقي·
    في المدرسة تعرفت على مجموعة من الاصدقاء كنت بحاجة اليهم· اوهموني بأنهم
    يحبونني· جعلوني اشعر بأنني لست وحيداً في هذا العالم· شعرت معهم أنني
    رجل، وأنني استطيع أن اتخذ أي قرار اريده· كنت سعيداً بصحبتهم، ولم أشعر
    بأنهم يريدون جري إلى التيار الذي جرفهم من قبل· اختاروني من بين كل
    الطلاب لأنني متفوق· ارادوا كسبي لأجل مساعدتهم على الغش والنجاح في
    الامتحان· أشعروني بأنني شخص مهم للغاية وبأنهم يعتمدون عليّ، وبذكائهم
    عرفوا معاناتي الداخلية· جعلوني اصرح بها كي ارتاح اليهم أكثر واطمئن
    لصحبتهم أكثر··· حتى اصبحت متأكداً من انهم اصدقائي الأعزاء الذين يهمهم
    أمري، وهم كالاخوة بالنسبة لي، وكان ذلك شعوراً رائعاً جداً·

    بداية الانجراف

    في جلسة ودية بيني وبينهم عرض عليّ احدهم سيجارة، كانت من نوع آخر· تحداني
    قائلاً: هذه السيجارة لا يدخنها إلا الرجال الاشداء· انزعجت من طريقته
    المستفزة وأخذت من يده تلك السيجارة ودخنتها· لم أكن أدري بأنها تحتوي على
    مادة الهيروين· دخنتها وكاد أن يغمى عليّ من شدة السعال· كدت اختنق ولكني
    شعرت بعدها بتنميل وخدر في جميع اجزاء جسدي· ثم شعرت بأن عقلي قد تحرر من
    السيطرة فانطلقت الافكار سابحة في فضاء غير متناهٍ فلا استطيع الامساك
    بها· فضحكت وفرحت لأنني صرت خفيفاً لا تثقلني الاحزان··· حتى لساني صار
    طليقاً يتحدث بما يريد على الرغم من ثقله·
    كل تلك المشاعر رحلت بالتدريج وخلفت وراءها ثقل في جسدي وألم شديد برأسي وخمول وكآبة واحاسيس متبلدة ورغبة قوية لسيجارة أخرى·
    كانوا كرماء معي فأعطوني غيرها، واخبروني بأنها ستزيل جميع همومي وتجعلني
    اطير بلا جناحين متحرراً من كل الضغوط النفسية، ومن كل المشاكل التي اعاني
    منها· لقد استغلوا نقطة ضعفي··· فدخنتها بدون تردد وأنا أحلم بذلك الشعور
    الغريب الذي منحتني إياه السيجارة الأولى فعدت لبيتي متأخراً تلك الليلة·
    في صباح اليوم التالي جاءت والدتي لتوقظني كعادتها فلم استطع النهوض· كنت
    منهكاً ومرهقاً لا استطيع الذهاب إلى المدرسة، فاعتقدت الوالدة بأنني مريض
    وتركتني لأخذ قسطاً كافياً من النوم· بعد أن افقت في ساعة متأخرة من
    النهار اقترحت عليّ بأن تأخذني إلى الطبيب فأخبرتها بأنني بخير ولا داعي
    للقلق·
    تكرر الأمر معي، وصرت عاجزاً عن الذهاب إلى المدرسة· وقد لاحظ الجميع
    الارهاق والتعب وعدم الالتزام بالصلاة والتغيب عن المدرسة ورجوعي متأخراً
    كل ليلة· عاتبتني والدتي ورجتني ألا أخرج من البيت· لم اتعود أن اخالفها·
    بقيت ليلة واحدة ولكنني شعرت بآلام شديدة في انحاء جسدي وبوخز الإبر الذي
    دمرني وجعلني اصرخ بلا وعي مني من شدة الألم· جاءت أمي فزعة فوجدتني انتفض
    في سريري واصرخ قائلاً: انقذوني فذعرت وهي لا تدري ما تفعل· فدق جرس الباب
    وجاء أحد اصدقائي بعد أن اتصلت به والدتي واخبرته بوضعي· فتحت له اختي
    الباب فطلب رؤيتي فأخبرته بأنني مريض فأسرع إليّ وطلب من والدتي تركنا
    لوحدنا لدقائق· خرجت أمي وهي حائرة لا تدري ما يحدث· وفعلاً تحسنت حالتي
    بمجرد أن دخنت سيجارة احضرها لي وما هي إلا دقائق حتى عدت لوضعي الطبيعي
    وخرجت اليها لأطمئنها على صحتي وأنا اضحك وكأن شيئاً لم يكن· وكان الجميع
    مستغرباً لما يحدث معي·

    مرحلة الادمان

    زودني الاصدقاء بمجموعة من السجائر وسافروا لقضاء فترة الاجازة في احدى
    الدول، وقد كان عليّ أن انظم استخدامي لتلك السجائر حتى عودتهم ولكني
    تعاطيت السجائر بسرعة الواحدة تلو الأخرى لأنني لم استطع تحمل كمية الألم
    الذي تخلفه السيجارة بعد زوال مفعولها··· فماذا حدث؟
    لم استطع أن اتصرف، فاصدقائي خارج البلد ولا اعرف مصدراً سواهم يمدني
    بالسجائر· انتابتني حالة هيجان فأخذت اكسر اثاث المنزل وصرت امزق ثيابي من
    شدة الألم وأكاد امزق جلدي من قوة الهرش والحكة· كانت أمي حائرة في وضعي
    لا تدري ماذا يحدث لي فنصحتها صديقتها بعرضي على طبيب نفسي فرفضت، ولكنها
    عندما وجدتني ملقى على الأرض اخذتني هي وزوجها إلى الطبيب فأخبرهم بأنني
    مصاب بالادمان فصدم الجميع·
    الكل يحيطني بالرعاية والاهتمام وأنا خجل من موقفي ومن كل تصرفاتي· احاول
    أن استعيد نفسي· احاول أن اعود لآدميتي· نادم··· معذب··· متألم··· ماذا
    فعلت بنفسي؟
    اطلب صفح ربي·· وأصبر حتى اصل إلى بر الامان من جديد وتكون تجربتي المؤلمة عبرة لي في ايامي القادمة·
    لذلك قررت عرض هذه التجربة المريرة عسى أن تكون درساً لكل الشباب ليحذروا من اصدقاء السوء·
    المتميز
    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    ذكر عدد المساهمات : 883
    العمر : 54
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008
    السٌّمعَة : 22

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 11:15 pm


    |--*¨®️¨*--|رضــــا الرّوح ..|--*¨®️¨*--|

    سعاد جواد:

    تحملت أختنا المسؤولية الصعبة التي خلفها رحيل الوالد
    ''رحمه الله''· كانت هي الكبرى، طالبة في المرحلة الثانوية، ميزها الله
    بجمال هادئ رقيق· تهافت عليها الخطاب ولكنها رفضت أن تتزوج· رفضت أن تتخلى
    عن عائلتها التي ليس لها أحد، وفضّلت أن تتحمل المسؤولية مع والدتي ونسيت
    نفسها·
    نحن خمسة، ثلاث بنات وولدان هما الأصغر بيننا· أختي الكبرى كانت في
    السابعة عشرة وأنا في الخامسة عشرة وأختي التي تصغرني في الثالثة عشرة،
    أما أخواي فكان الأكبر في العاشرة والأصغر في الثامنة·
    حصلت أختي الكبرى على وظيفة بسيطة إلى جانب الدراسة المنزلية، وصارت توزع
    جهدها بين العمل المضني لساعات طويلة ثم تعود آخر النهار وهي منهكة، فلا
    تفكر بالاسترخاء والراحة وإنما تذهب على عجل لشراء ما يلزمنا من احتياجات
    ثم تعود لتشرف بنفسها على مذاكرتنا وواجباتنا، فلا يبقى لها إلا السهر
    ليلا لمذاكرة دروسها·
    حاولت المستحيل لتوفر لنا كل ما نحتاج إليه، وكان ذلك كله على حساب
    احتياجاتها الشخصية، فقد حرمت نفسها من أشياء كثيرة هي أولى بها منا·
    كنا جميعا نقدر لها كل ما تقوم به من أجلنا، لذلك صرنا نتفوق في دراستنا
    ولا نفكر في العبث وتضييع الوقت، كنا نفكر طوال الوقت بأن نصل إلى بر
    الأمان فنمد يد المساعدة لأختنا الحنونة الطيبة·
    بعد أن أكملت أنا الثانوية، فكرت بأن أبحث عن عمل لأخفف عنها المسؤولية
    ولكنها رفضت ذلك رفضا قاطعا، حلفت عليّ إن كنت أحبها حقا أن أكمل دراستي
    الجامعية، حلمها الذي لم تستطع تحقيقه بعد أن أكملت الثانوية قبلي بعام
    واحد·
    لم يكن أمامي سوى تحقيق رغبتها فدخلت الجامعة، ثم تبعتني أختي التي تليني ثم بقية إخوتي·
    بعد أن تخرجت وحصلت على وظيفة، طلبت منها أن تحقق حلمها في الدراسة
    الجامعية وألححت عليها فدخلت إحدى الجامعات الخاصة وصارت تختصر السنين حتى
    تخرجت بعد ثلاث سنوات فقط··· ماذا أقول؟ إنها مثال للاجتهاد والطموح
    والصبر·

    القرار القاسي

    تحسنت أوضاعنا المادية بعد أن تخرجنا ثلاثتنا وحصلنا على وظائف مناسبة·
    أصبحت هي في سن السابعة والعشرين، قررنا أنا وأختي التي تصغرني بأن لا
    نتزوج إلا بعد أن تتزوج أختنا الكبرى·
    كان هذا القرار صعبا وقاسيا عليها، فلم نكن نفكر بأننا بهذه الطريقة لم
    نترك لها حرية الاختيار وإنما أجبرناها على التضحية من جديد ومن حيث لا
    نشعر·
    أمام إصرارنا على رفض كل من يتقدم لنا، اضطرت هي للاستعانة بخاطبة لتعجيل
    زواجها بأي شكل، وقد قررت أن توافق على من يتقدم لطلب يدها حتى وإن لم تكن
    مقتنعة به تماما·
    تقدم لها رجل مطلق وله ولدان، وضعه المادي بسيط جدا، لا يحمل أي شهادات
    ولا يملك أي امتيازات فوافقت عليه وتزوجته من أجلنا، تضحية جديدة قدمتها
    تلك الإنسانة الرائعة والتي جبلت على التضحيات طوال حياتها·
    أحسسنا أنا وأختي بغصة ألم شديدة لأننا أسأنا التصرف بالضغط عليها لتتزوج،
    ولكن ما بدد تلك الأحاسيس هو تأكيدها المستمر لنا بأنها سعيدة جدا بزواجها
    وأن زوجها إنسان طيب ولطيف·
    بعد أن شعرنا بالاطمئنان عليها تزوجنا أنا وأختي تباعا وبالطبع فإننا لم
    ننقطع عن مساعدة إخوتنا حتى تخرجوا وحصلوا على وظائف جيدة· ثم رحلت
    والدتنا ''رحمها الله'' بعد أن أدت مسؤوليتها تجاه الجميع بكل إخلاص
    وتفانٍ·
    رزقت أختنا الكبرى بثلاثة أولاد بالإضافة لولدي زوجها اللذين اعتنت بهما
    ورعتهما بحنانها المعهود· كانت متفانية في إسعاد أسرتها، ولم تقصر ماديا
    ومعنويا مع زوجها، لا تشتكي ولا تتذمر، وهي تمتدحه أمامنا وتؤكد لنا بأنه
    من أفضل الرجال، وبالطبع فهي تحاول أن تبعدنا عن مجرد التفكير في معاناتها
    معه حتى لا تثقل علينا· عندما وصلت أختنا إلى سن الخامسة والثلاثين كان
    أصغر أولادها في الثانية من العمر، بدأ التغير في وضعها الصحي بشكل لا
    يمكن السكوت عنه· كنا نلح عليها بزيارة الطبيب ولكنها كانت ترفض وتتحجج
    بالانشغال المستمر· وفي إحدى الليالي حلمت حلما مخيفا أرعبني، شاهدت أختي
    وهي تطحن في مطحنة ضخمة وكانت تئن وتتوجع ثم تصرخ صراخا رهيبا ولا أحد
    يسمعها، مددت يدي لإنقاذها فلم أستطع فبقيت أبكي وأصرخ حتى استيقظت
    والدموع تملأ عيني·
    في نفس ذلك اليوم ذهبت إليها وأجبرتها على أخذ إجازة طارئة من العمل ومرافقتي إلى الطبيب لعمل الفحوصات اللازمة للتأكد من سلامتها·
    كان الانتظار مخيفا وصعبا حتى ظهرت النتائج المرعبة، فأختي المسكينة مصابة
    بالداء الخبيث· زلزلتنا هذه الحقيقة ولم نعد نعرف ماذا نفعل، الكل أصيب
    بالصدمة··· بالقهر··· بالجزع··· بكل ما يمكن أن يزعزع الإنسان إذا فجع
    بأحب الناس إليه· أما هي··· فقد كانت هادئة، مبتسمة، راضية كعادتها· تحاول
    أن تخفف عنا، تهدئنا، تؤكد لنا بأنها ستكون بخير وستشفى قريبا· وبأنها لا
    تحس بأي آلام· حتى وهي في مثل هذا الوضع الصعب، فهي تفكر بنا ولا تفكر
    بنفسها··· ما هذه الإنسانة؟ إنها من النوع الملائكي الذي يرتفع عن مستوى
    البشر العادي·

    موقف غريب

    الغريب في الأمر هو موقف زوجها· كأن الموضوع لا يخصه، لا من قريب ولا من
    بعيد، كأن هذه المرأة المهددة بالموت في أي لحظة ليست زوجته، أم أولاده،
    عشيرته التي لم ير منها إلا كل الخير·
    لم يكلف نفسه مشقة أخذها إلى الطبيب، ولم يراجع في معاملات تسفيرها للعلاج
    في الخارج، بل حتى لم يكلف نفسه مشقة زيارتها أثناء تواجدها في المستشفى،
    وهي تبرر له كل تصرفاته تبريرات مختلفة، مسكين أعماله كثيرة··· متعب بسبب
    التفكير· لا تلومونه· إنه لا يقصد إهمالي، الله يعلم بحجة الغائب·
    تناوبت أنا وأختي الثانية في متابعة مراحل علاجها داخل الدولة حتى حان
    موعد سفرها إلى الخارج· سألنا زوجها إن كان يرغب في مرافقتها، فاعتذر بحجة
    أن لا أحد مع الأولاد يرعاهم ويتابع دروسهم·
    كان لدي إحساس بأنه سيرفض لذلك فقد رتبت أموري على مرافقتها في جميع الأحوال·
    كم كان صعبا عليها ترك أطفالها برعاية والدهم وهي تعلم جيدا بأنه ليس
    أهلاً لتلك المسؤولية، ولكنها لم تقل شيئا وبقيت تدعو الله أن يحفظ
    أولادها ويرعاهم في غيابها·
    بعد أن سافرنا ذهبت أختنا الثالثة لتفقد الأولاد، فوجدت أن أباهم تركهم مع
    الخادمة وبقي على عادته من التغيب عن المنزل لفترات طويلة في الليل
    والنهار· ثم عرفت تفصيلات مؤلمة عن العلاقة الزوجية التعيسة التي كانت
    تعيشها أختنا مع رجل لا يحس بالمسؤولية ولا يكترث لأسرته، وهو في حالة بحث
    دائم عن العلاقات مع هذه وتلك دون مراعاة لمشاعر زوجته·
    يتغيب عن المنزل باستمرار، ولا يدري عن شيء من أمور الأولاد· حتى من
    الناحية المادية فهو لا يكتفي بعدم الإنفاق وإنما يتجاوز حدوده ليقترض
    منها قروضا مؤجلة لا يتم تسديدها·
    هذا الرجل، لم نعرف عن سلبياته شيئا قبل هذا الوقت، ولولا هذه الظروف لما
    عرفنا مقدار المعاناة التي تعيشها هذه الإنسانة الصبورة دون أن تشتكي أو
    تتذمر·
    كنت أراقبها وهي تتألم، المرض ينهش أحشاءها وهي تحاول جاهده إخفاء تلك
    الآلام الرهيبة، كنت أبكي بدلا منها، أتوسل إليها أن تخرج ما بداخلها، أن
    تصرخ، أن تشتكي، أن تفعل أي شيء ربما قد يريحها، ولكنها لا تفعل··· تبقى
    تبتسم وتقول: الحمد لله، أنا راضية بكل ما كتبه الله لي· فلا جنَّة على
    هذه الأرض، وأنا أطمع بالجنة التي في السماء·
    والله، يا حبيبتي، أنا متأكدة بأن الجنة ما خلقت إلا لأمثالك··· فأنت
    تستحقينها بجدارة، وإن لك عند ربك منزلة كبيرة، عسى أن تشفعي لنا لنكون
    معك·
    تبتسم برضا وتقول: إن شاء الله سنكون معا في جنة ربنا·
    تحسنت حالتها نسبيا فعدنا إلى الوطن، ولكن هذا المرض اللعين يبقى مختبئا في الأحشاء، يتحين الفرص للهجوم والانتشار من جديد·
    كانت أحوالها غير مستقرة، تصحو ثم تشتد أزمتها من جديد حتى جاءت لحظاتها
    الأخيرة، طلبت رؤية الجميع الذين لم يتركوها يوما واحدا، أنا وأختي وأخويّ
    وأطفالها وخادمتها التي كانت تبكي بحرقة من أجلها، إلا زوجها الذي أهملها
    حتى في لحظاتها الأخيرة· رحلت والابتسامة الصافية مرتسمة على وجهها الطيب
    الذي شع النور منه بشكل أوقف بكاءنا ونحيبنا فودعناها كعروس ستدخل قصر
    الزوجية الذي كانت تحلم به·

    إنسان غريب

    ما أثار اشمئزازنا هو أن زوجها لم يحضر مراسم الدفن أيضا، اتصلنا به
    فاعتذر وقال بأنه مشغول، مشغول بماذا؟ مشغول بسرقتها! نعم هذه هي الحقيقة،
    فبعدما عرف بأنها على حافة القبر أسرع إلى البيت وأخذ بطاقتها البنكية
    وسحب رصيدها كله، فلم يكفيه الوقت لتوديعها ولو للمرة الأخيرة·
    بعد وفاتها بأسبوع واحد أعلن بأنه تزوج من أخرى لترعى أطفاله· شهق الجميع
    وتساءلوا: هل من المعقول أن يتزوج بهذه السرعة؟ بالتأكيد كان متزوجا من
    قبل، وكان ينتظر موت زوجته ليعلن هذا الزواج بحجة الأولاد·
    ترك أولاده عند شقيقتي ولم يأت لأخذهم بحجة سفره في رحلة شهر العسل، ثم
    طال غيابه لأشهر دون أن يسأل عنهم، وعندما اتصلوا به اعتذر ووعد بأنه
    سيأتي لأخذهم·
    كان الأطفال فزعين لا يريدون الذهاب مع والدهم، فهم لا يعرفون زوجته
    ويخافون أن تسيء إليهم· في الحقيقة كان هذا هو هاجسنا كلنا، لذلك لم يعد
    أحد منا يتصل به ولا يطالبه بشيء، وتحملت أختي مسؤولية تربيتهم وكنا أنا
    وأخويّ نساعدها ماديا على نفقاتهم إكراما لأختنا الراحلة·
    المشكلة هي أننا أنا وأختي لم نرزق بالأولاد الذكور، فأنا لدي ثلاث بنات
    وأختي لديها اثنتان· فكانت الصعوبة التي نواجهها هي في تقبل أزواجنا لفكرة
    بقاء الولدين الكبار أبناء زوج أختنا، فهذان الولدان متعلقان بإخوانهم
    تعلقا قويا، ثم إنهما لا يريدان العيش مع والدهما، وأيضا فإن أمهما متزوجة
    ولا تريدهما··· فأين يذهبا؟ لم يكن لدينا خيار سوى أن نضغط على أبيهما
    ليأخذهما عنده· فجاء وهو مرغم فأخذهما وقد كان منظرهما يقطع القلب وهما
    يبكيان لا يريدان مفارقة إخوتهما وترك المنزل الذي وجدا فيه الرحمة
    والحنان·
    بقي الولدان عند والدهما لشهرين دون أن نسمع عن أخبارهما شيئا، فقلقنا أنا
    وأختي على هذين الصغيرين، فأخذنا باقي الأطفال وذهبنا لزيارتهم بحجة أن
    إخوانهم يسألون عنهم·
    لم يسمح لنا بدخول المنزل وأبقانا في السيارة لفترة طويلة ثم أرسل
    الولدين· كان منظرهما بائسا مؤلما، لم يقولا شيئا، فقط سلما علينا وانصرفا
    بسرعة خوفا من والدهما·
    لا يمكن لمخلوق يملك قلبا وضميرا حيا أن يتحمل إيذاء الأطفال··· إنهما
    ولداه··· كيف يمكن أن ينسى ذلك؟ حتى إنه لم يكلف نفسه عناء رؤية أولاده
    الثـــــلاثة أبــــــناء أختي وهم في الســــــيارة أمام باب منزله···
    فأي إنسان هذا؟
    بعد مضي سنة واحدة، وبعد أن تعلقنا بالأولاد تعلقا شديدا، خصوصا أختي التي
    تربيهم في بيتها، جاءنا أبوهم يطلب عودتهم لمنزله، هل كان دافعه الشوق
    لهم؟ بالطبع لا··· هل استيقظ ضميره الميت؟ بالطبع لا··· إذن لماذا يريد
    إعادتهم لبيته؟ السبب واضح، الرغبة في الحصول على المال··· إنه الابتزاز
    الذي تعود عليه· فهو يعلم جيدا بأننا لا نريد التخلي عن أولاد أختنا بأي
    شكل كنوع من البر لها وإراحتها في قبرها، لذلك خطا هذه الخطوة الخبيثة،
    وقد صدقت ظنوننا، لأنه عرض على أخي فكرة التفاوض والتفاهم فأدركنا مقصده·
    تملكتنا الحيرة··· ماذا نفعل؟ هل نستسلم لهذا الابتزاز؟ هل نتخلى عن أولاد المرحومة وقد تركتهم أمانة في أعناقنا؟ إنه أمر صعب·
    بعد بحث طويل استقر الرأي على تسليم الأولاد لأبيهم ومتابعتهم بشكل مستمر
    قدر الإمكان· عندما عرف بقرارنا لم يأت لاستلام الأولاد وتركهم عند أختي
    بعد أن تأكد بأننا قد فهمنا لعبته وأنها لن تنطلي علينا·
    رحمك الله يا أختي··· كيف تجرعت العيش مع مثل هذا المخلوق؟ أنت حقا إنسانة غير عادية· أتمنى أن تكون روحك العزيزة راضية عنا·


    عدل سابقا من قبل المتميز في الإثنين فبراير 22, 2010 11:20 pm عدل 1 مرات
    المتميز
    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    ذكر عدد المساهمات : 883
    العمر : 54
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008
    السٌّمعَة : 22

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 11:16 pm


    ~*¤ô§ô¤*~ هاوية الضياع .. ~*¤ô§ô¤*~


    سعاد جواد:

    امرأة غريبة الأطوار، وقفت أمام الضابط بارتباك شديد بعد
    ان تقدمت بشكوى تتهم فيها زوجها بأنه يجبرها على تعاطي المخدرات· وضع غريب
    لا يمكن تقبله بسهولة· المرأة تفرك يديها بتوتر ظاهر··· تحك جلدها بشكل
    متواصل· عيناها غائرتان تحيط بهما دوائر سوداء· شفتاها مرتعشتان، و وجهها
    شاحب يشبه شحوب الأموات·
    طلبت الجلوس للاستراحة لأنها تحس بانها ربما ستفقد توازنها وتسقط في أية
    لحظة· يساعدها الضابط على الجلوس وشرب كوب من الماء حتى تستعيد رباطة
    جأشها· تحاول جمع أفكارها بصعوبة وهي تروي قصتها الغريبة، فتقول: ان زوجي
    انسان مجرم، منحرف· لا اتجنى عليه، وستتأكدون بأنفسكم من ذلك· هو من علمني
    الإدمان لأصبح مثله· كان يضع لي المخدرات في السوائل التي أشربها ويطلب
    مني شربها بالقوة· انها قصة غريبة أرجو ان يتسع صدرك لسماعها بالتفصيل·
    يشجعها الضابط على رواية تلك القصة وهو يشير إلى الشرطي الذي يدون كل
    التفاصيل بالانتباه جيداً وعدم إغفال كلمة واحدة مما ستعترف به تلك
    المرأة·
    تكمل المرأة حكايتها قائلة: انه زواج فاشل بمعنى الكلمة· علاقة زوجية
    مريضة دامت عشرين عاماً· تزوجته عندما كنت في السابعة عشرة من عمري· هو
    يكبرني بعشرة أعوام و كان موظفاً له سمعة طيبة، جميل الشكل، لا يعيبه شيء
    فتزوجته· في البداية كانت الأمور كلها طيبة وكانت حياتنا الزوجية مستقرة
    فأنجبت ثلاثة أطفال·
    في أحد الأيام طرأت على رأسه فكرة، وأراد ان يحقق المزيد من الدخل
    لعائلتنا، فقام بافتتاح محل لبيع العطور· نجح المحل وصار إيراده يزداد
    يوماً بعد يوم، فقام بتوسيعه وتزويده بالديكورات الحديثة، مما زاد من
    إقبال الزبائن عليه، فاستقال من وظيفته وتفرغ لإدارة المحل·

    بداية التغيير

    صار مشغولاً بعمله طوال الوقت، يقضي في محله معظم ساعات الليل والنهار·
    ترك لي مسؤولية البيت والأولاد، فتحملتها طواعية تقديراً مني لجهوده وتعبه
    من أجلنا· لم أشأ ان أحمله المزيد من المشقة والمعاناة الأسرية ورضيت ان
    يكون هو متفرغاً لعمله وانا متفرغة للبيت والأولاد مادام كل منا يعمل
    لصالح الأسرة·
    بعد مدة بسيطة شعرت بأنه قد تغير نحوي· كان ذلك واضحاً من خلال عدم رده
    على اتصالاتي وعدم الاكتراث لي في شيء، سواء غضبت أو رضيت· اصبح الأمر غير
    مهم بالنسبة له، حتى في النواحي المادية· صار ممسكاً معي و لم يعد يمنحني
    ما أريده وما احتاجه كما كان يفعل سابقاً، على الرغم من ان محله كان يدر
    عليه أرباحاً كثيرة·
    واجهته··· طالبته بتفسير لما يحدث· لم يكترث لي وبقي صامتاً متجاهلاً غضبي وثورتي·
    حتى حقوقي كزوجة صار يتهرب منها ويعتذر كونه متعبا· لم استطع تصديق ادعاءاته وقررت ان اكشف الحقيقة بنفسي·
    ذهبت لزيارته في محله بشكل مفاجئ، فوجدته يتحدث مع احدى زبوناته بشكل غير
    لائق· لم يلتفت لوجودي ولم يتحرك وبقي يتحدث معها وكأنني غير موجودة·
    انتظرت على نار محرقة حتى خرجت الزبونة، عندها أعلنت عن مدى غضبي واستيائي
    لتصرفاته، فقال ببرود: انها من ضروريات العمل·
    توترت العلاقة بيننا· صرت عصبية معه وصار شرساً معي، يعاملني بحقد وكراهية
    وكأنني عدو له· صار يسمعني كلمات لاذعة وشتائم لم أسمعها من قبل، ثم صار
    يتهمني بانني انسانة غير شريفة ولا استحق الاحترام لانني أفعل أشياء تسيء
    إلى سمعته· بالطبع فهو يحاول تلطيخ سمعتي لتغطية أفعاله و يحاول اسقاط
    سلوكه الشائن علي ليضعني في موقف الدفاع عن النفس بشكل دائم ليبعدني عن
    ادانته واتهامه ومراقبته·

    المزيد من الخراب

    عرفت نواياه واحسست بان في حياته أسراراً يحاول إخفاءها عني· راقبته
    واكتشفت علاقاته النسائية المتعددة· واجهته بكل ما عرفت وهددته بكشفه أمام
    الناس فرد علي بالضرب والتهديد والإهانة والمزيد من الشتائم·
    لجأت إلى أهلي· شكوت لهم حالي مع زوجي واخبرتهم بكل ما عرفته عنه· العجيب
    هو انهم نصحوني بالصبر وعدم الاسراع في هدم بيتي! بالطبع لم أجد منهم أية
    مساندة أوتفهم لما أمر به· فهم يفكرون بصعوبة تحمل مسؤوليتي ومسؤولية
    أولادي ان حدث الطلاق··· هذا هو كل ما يهمهم· لم يكلفوا انفسهم مشقة
    التحدث معه والضغط عليه ليعود عما يفعله· لم يفعلوا شيئاً سوى نصحي بالصبر
    وعدم اثارة المشاكل وتركه لشأنه، وعللوا ذلك بان معظم الرجال يخونون
    زوجاتهم· وان هذا الوضع يكاد يكون طبيعياً، وعلى المرأة ان تتحمله حفاظاً
    على أسرتها· استغربت هذا المنطق··· فهل الأسرة هي مسؤولية المرأة وحدها؟
    طلبت منهم التحدث معه ونصحه أو تخويفه وتهديده بأن ما يفعله هو شيء حرام
    يغضب الله ويجلب الدمار له ولعائلته· لم يفعلوا ما أردت وصاروا يتذمرون من
    كثرة شكواي وعدم تحملي المسؤولية كما تفعل معظم النساء·
    لم استطع تقبل ذلك الوضع الغريب وبقيت كالنمرة المتوحشة التي تحاول ان
    تنشب أظافرها في لحم عدوها لتتمكن من السيطرة عليه· ولكني لم افلح أبداً
    في كل ما كنت أفعله·

    اكتشاف جديد

    أجريت بعض التحريات، فعرفت بأنه استأجر شقة خاصة يجتمع فيها مع صديقاته،
    فيتناولون المخدرات والمسكرات· هددته بأنني سأفضح سره وسأبلغ عنه الشرطة
    ليودعوه في السجن فتغير معي ليقنعني بأنه تغير وانه ترك كل الأعمال السيئة
    التي يقوم بها·
    ثم صار يتقرب إلي ويتودد محاولاً اقناعي بأنه يحبني· أخذ يسقيني العصائر
    والمشروبات السائلة من يده، كنت استغرب تغيره المفاجئ، وكان قلبي لا
    يصدقه· صرت احس بالدوار وبشيء غريب يتسلل إلى جسدي، خشيت ان يكون قد وضع
    لي شيئاً في السوائل، فرفضت ان أشرب من يده شيئاً، عندها صار يضربني
    ويرغمني على الشرب، ثم أخبرني بأنني اصبحت مدمنة للمخدرات مثله وانه
    سيتهمني بتناول المخدرات ان فكرت بالتبليغ عنه، وصار يخوفني بأنه سيلقى
    القبض علينا معاً وسيبقى أولادنا بلا أب أو أم·
    منذ ذلك الوقت صرت احس بحاجتي الشديدة للعصير الذي يسقيني إياه فهو صار يريحني ويسبب لي نوعاً من الاسترخاء·
    في ظل ذلك الوضع، صرت دائمة الاسترخاء والخمول، أفكاري مشتتة لا استطيع
    التحكم بسلوكي ولا استطيع السيطرة على أمور اسرتي، عندها أنفرط عقد الأسرة
    وطار الأولاد إلى الشوارع وهم في هذا السن الحرج، كبيرهم في التاسعة عشرة،
    تليه أخته وهي في السابعة عشرة، والولد الأخير في الخامسة عشرة·
    الأكبر ترك الدراسة وتعرف على شلة من الفاسدين واصبح يغيب عن المنزل ولا
    أدري إلى أين يذهب· والبنت تمشي ''على حل شعرها'' كما يقولون، لا تفارق
    الهاتف، وتضع المكياج بشكل مبالغ به، وترتدي الملابس الفاضحة تحت العباءة
    الشفافة وتخرج كما تشاء وتعود متأخرة دون حسيب أو رقيب· أما الولد الأصغر
    فصار يتميع في حديثه وكأنه انثى· العائلة كلها ضاعت بسبب ذلك الأب الذي لم
    يحس بالمسؤولية وكان كل همه هو التمتع، وعندما وقفت في طريقه لانتشاله من
    الطريق الخطر الذي يمشي فيه قام بسحبي نحوه فجعلني مثله، فسقطت العائلة
    كلها في هاوية الضياع·
    لم يعد لي شيء أخاف عليه، لذلك قررت ان آتي إلى الشرطة وان اعترف بالحقيقة
    وليكن ما يكون فلا زوجي يستحق ان أسكت على أفعاله ولا أولادي يستحقون
    الخوف من الفضيحة، لعلي بهذا العمل أتوصل إلى حل يعيدني إلى وضعي الطبيعي
    فأتمكن من السيطرة على أولادي مرة اخرى فأعيدهم إلى جادة الصواب·
    أعرف أن الفضيحة ستكون قاسية على الجميع خصوصاً أهلي، وفي الحقيقة فانني
    لم أعد اكترث لهم، فهم لم يساعدوني يوماً على حل مشاكلي وفضلوا الوقوف
    والتفرج فقط·
    أما المعارف والجيران فبالتأكيد سيبتعدون عني وبصراحة لم يعد يهمني شيء
    سوى العودة إلى وضعي الطبيعي والتوبة والقرب من الله تعالى وهو بالتأكيد
    سيعينني على استعادة أولادي وإصلاح شأنهم·
    لم يكن سهلاً علي ان أقف أمامكم وأخبركم بأن زوجي انسان منحرف وانه هو
    السبب في انحرافي وانحراف أولادنا، ولكني للأسف مضطرة لهذا الأمر ولا أجد
    حلاً سواه·

    النهاية الحزينة

    سكتت المرأة بعد ان حكت أغرب قصة يمكن ان يسمعها إنسان· فكيف وصلت الأمور
    بهذا الرجل ليكون سبباً في ضياع زوجته وأولاده؟ انه أمر محير لا يمكن
    استيعابه بسهولة·
    أجريت للمرأة التحاليل الطبية التي أكدت وجود المخدرات في دمها بشكل يؤيد بانها مدمنة·
    وتمت مراقبة الزوج حتى ألقي القبض عليه وهو في وكر التعاطي وممارسة الزنا·
    ادخل الزوج إلى السجن بتهمة التعاطي وحيازة المخدرات، وادخلت الزوجة إلى مصح للعلاج من الإدمان·
    كانت هذه الفضائح كالمطرقة سقطت على رأس أهل الزوج والزوجة، فاحدثت فيه
    شرخاً اجتماعياً كبيراً، جعلهم يدركون دورهم السلبي في انحراف هذه العائلة
    وتركها للسقوط دون مد يد المساعدة والعون، بعد ان عرفوا بان ما أصاب تلك
    العائلة من سمعة سيئة عاد عليهم كلهم بدون استثناء واضطروا لدفع ثمن ذنب
    لم يرتكبوه ولكن لعبوا دور المتفرج السلبي، ولم يكترثوا لما سيحدث لتلك
    العائلة·
    المتميز
    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    ذكر عدد المساهمات : 883
    العمر : 54
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008
    السٌّمعَة : 22

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 11:20 pm


    ~¤¦¦§¦¦¤~ الســــقطة.. ~¤¦¦§¦¦¤~

    سعاد جواد:

    لحظات من الضعف كسرتني· لم تكن لحظات وإنما كانت عمرا
    طويلا عانيت فيه معاناة لا يحتملها بشر· كنت قويةً وتحملت كثيرا حتى
    اجتاحني الضعف وملأ كل أجزائي· صرت ضعيفة، هشة، قابلة للانجراف· شعوري
    بالاضطهاد، وشعوري بأنني وحيدة وليس لي من يساندني، وأنني غير قادرة على
    مقاومة ظروف حياتي، كل هذا وذاك دفعني لارتكاب الخطأ·
    خجلة من نفسي، لا أدري كيف الرجوع إلى رضا ربي، وكيف أتغلب على كل هذا الضعف، وكيف أنجو بنفسي مما أقدمت عليه·
    منذ طفولتي تجرعت المأساة، ولدت يتيمة فاضطرت أمي للزواج وأنا في السنة
    الثانية من العمر··· تركتني لأعيش اليتم في بيت جدي مع زوجته التي لا تعرف
    الرحمة· أذاقتني صنوف العذاب والمهانة حتى بلغت العاشرة· طردتني بعد موت
    جدي فاضطررت للعيش مع أمي·
    انتقلت من ظلم إلى ظلم، فلم يكن زوج أمي أرحم قلبا من زوجة جدي· كان
    يضربني ويشتمني لأتفه الأسباب· لا يرضى أن أشاركهم الطعام على سفرة واحدة،
    ويجعلني أتناول طعامي في المطبخ مثل الخادمات· لا يسمح لي بملاعبة إخوتي
    ولا يقبل أن تشتري لي أمي ثيابا جديدة· ولم تستطع أمي بضعفها أن تقف بوجهه
    يوما·
    كنت أذهب إلى المدرسة بثياب قديمة باهتة، وعندما حكيت لزميلاتي حكايتي
    أطلقن عليّ لقب السندريلا· وكان هذا اللقب يحزنني ويفرحني بنفس الوقت·
    يحزنني لأنني لست مثلهن، ويفرحني لأنني ربما سألقى ذلك الأمير الذي ينقذني
    من هذه العيشة الصعبة ويحملني إلى عالم الثراء والإمارة فأكون أفضل حظا
    منهن جميعا·
    عندما بلغت السادسة عشرة، تقدم لخطبتي شاب متوسط الحال لديه كراج لتصليح السيارات·
    لم تتردد أمي بالموافقة عليه وهي تحاول إنقاذي من براثن زوجها الذي كان يعتبرني مسؤولية ثقيلة يريد أن يتخلص منها بأي شكل·

    الحلم السراب

    أردت أن أعترض لأنني لم أحلم بإنسان بسيط الحال وإنما كان حلمي بفارس أمير
    غني يعوضني عن كل سنين الحرمان والعذاب التي عشتها··· ألست سندريلا كما
    تنعتني الزميلات؟ فلماذا لا يكون لي نفس مصيرها؟
    أقنعتني أمي بأن الزواج هو المنفذ الوحيد لتخليصي من زوجها الذي يزداد
    شراسة يوما بعد يوم، وأكدت لي بأن هذا الشاب هو نفسه الفارس الرحيم الذي
    سينتشلني من عذابات السنين ومن مرارة البؤس والحرمان·
    صدقت كلامها وتزوجته لأجد بأن كلامها لم يكن صحيحا· فهذا الفارس المنقذ ما
    هو إلا إنسان مؤذ وعنيف وقاسي القلب، صورة مطابقة لزوجها الذي كرهته، بل
    وأسوأ· هو إنسان فاحش، ينفق ماله على سهراته الماجنة وعلاقاته مع
    الساقطات·
    ماذا أفعل؟ ليس أمامي خيارات· على الأقل أصبح لي بيتا خاصا بي، وإن كان
    البيت قديما، متهالكا، رطبا، أثاثه قديم متآكل· لا يهمني كل ذلك، المهم
    أنه بيتي لوحدي·
    بعد مجيء طفلي الأول، قررت تعلم مهنة التجميل لأتمكن من تأمين احتياجات
    أسرتي بعد أن يئست من الحصول على المال من زوجي، فهو وبمجرد أن أطلب منه
    المال يصبح عصبيا ويبدأ بضربي وإهانتي· أما إذا سكتت عن ذلك فإنه
    يتجاهلني·
    كنت أتحاشاه قدر الإمكان، أجهز له طعامه وأكوي له ثيابه ولا أسأله عن
    سهراته خارج المنزل، ولا أسأله عن اللواتي يتحدث معهن عبر الهاتف، ولا
    أطلب منه أي شيء· كل ذلك كما قلت من أجل أن لا أتسبب لنفسي بالمشاكل،
    ولكن·· كيف أؤمن احتياجات الطفل؟ من أين أنفق على المنزل؟ فهو يشتري في
    أول كل شهر المئونة الضرورية للطعام كالأرز والزيت والشاي والسكر وغيرها
    من حاجات المطبخ، هذا فقط ما يشتريه· أما الملابس والاحتياجات الأخرى فهو
    ليس مسئولا عنها ولا يريد المناقشة في مثل تلك الأمور· لذلك قررت أن أعمل
    وأكسب المال لأشتري احتياجاتنا أنا وطفلي، وهو لم يمانع في خروجي للعمل
    شرط أن يكون ابني برفقتي·

    يد الخير

    لم يكن زوجي ملتزما بعمله وقد سلم إدارة الكراج بشكل كامل لشاب عربي متدين
    كان يعمل لديه منذ سنوات، فتحمل هذا الشاب العبء كله مقابل راتب بسيط لم
    يزد عن 1500 درهم· ولو أن أحدا غيره في مكانه لاستطاع سرقة ما يريد دون أن
    يسأله أحد· فزوجي يسهر طول الليل وينام معظم ساعات النهار ولا يذهب إلى
    الكراج إلا مساء فيجد أن الأمور كلها تسير على أحسن وجه·
    كنت أتصل بزوجي لأطلب منه بعض المال فيتهرب منّي· وقد تحدثت مع هذا الشاب
    عن تقصير زوجي معي ومع ابنه فكان يصبرني ويطلب مني اللجوء إلى الله
    والدعاء لإصلاح هذا الإنسان الضال· وقد ساعدني ببعض المال من جيبه الخاص
    بعد أن عجز في إقناع زوجي بإعطائي ما احتاج إليه·
    كان يخبرني بأن الشرع يجيز لي أخذ ما احتاج إليه من مال زوجي دون علمه
    لأنه يتعمد البخل في الإنفاق على أسرته· فأخبرته بأنني أخاف منه أشد الخوف
    لأنه يقسو كثيرا في ضربي لأي سبب، فكيف إذا اكتشف بأنني أخذت من ماله دون
    علمه؟
    مرت السنين وأصبح لدي أربعة أطفال· سبعة أعوام مرت ولم يتغير زوجي وبقي
    على حاله في عدم الإنفاق، وفي معاملته السيئة لي· لم يغيره مجيء الأولاد
    ولم تردعه مسئولية الأبوة عن سلوكه الشائن· وعلى الرغم من أن راتبي لم يزد
    عن الألفي درهم إلا أن الأمور كانت مقبولة إلى حد ما لولا الكارثة التي
    حصلت فدمرتني تدميرا كاملا·
    اكتشفت بأن ابني البكر مصاب بورم دماغي خبيث· طار عقلي، جن جنوني، فجعت،
    بكيت وتألمت ولم أعرف ما أفعل· أخذته إلى كل أماكن العلاج، المستشفيات،
    العيادات الخاصة، القرّاء، المعالجين بالأعشاب، السحرة، لم أترك بابا إلا
    وقد طرقته ولكن دون فائدة·
    فقدت صوابي وأنا أجد زوجي يتعامل مع الموقف كضيف الشرف، وكأن هذا الطفل
    المسكين الذي يتنفس العذاب في كل لحظة، لا يعنيه، ليس من لحمه ودمه··· ولا
    يمت له بصلة·
    لأول مرة منذ أن تزوجته ينطلق لساني· صرخت به أحاول أن أنقل له عذابي
    وشعوري نحو طفلي ليحس بي وبابنه، ولكنه لطمني بوحشية ووضع يده على فمي،
    كتم أنفاسي حتى كادت روحي أن تخرج تحت يديه ثم تركني في آخر لحظة وأنا
    أكاد أموت· فعل ذلك ليؤدبني فلا أرفع صوتي أمامه مهما كانت الأسباب·
    كلّفني مرض ابني الكثير من المال· اضطررت للاقتراض والاستدانة من كل الذين
    أعرفهم والذين لا أعرفهم، فالعلاج يحتاج لمصاريف في التنقل والإقامة بعيدا
    عن بيتنا في مستشفيات كبيرة ومتعددة· ولم ينفع كل ذلك في إعادة العافية
    لولدي، وبقي المسكين يعاني الألم والعذاب يوما بعد يوم·
    لا أريد أن أطيل عليكم فقد رحل طفلي بعد معاناة دامت أربع سنوات متواصلة
    وقد غرقت في الديون إلى أذنيّ بعد أن تركت عملي لعدم قدرتي على الالتزام
    بالدوام أثناء مرافقتي لولدي المريض· كنت يائسة ومحطمة لا أدري ما أفعل،
    وقد أحكمت عليّ قبضة الدائنين وصرت مهددة بدخول السجن· لم أفكر بنفسي
    وفكرت بأولادي الثلاثة الصغار، لمن أتركهم؟ أبوهم لا يكترث لهم ولا يسأل
    عنهم، وسيتزوج من أخرى بمجرد دخولي السجن وسيتعذبون كما تعذبت، فهل أسمح
    بذلك؟ بالطبع لن أقبل أبدا·

    باب الشيطان

    كل الأبواب كانت مغلقة أمامي إلا باب واحد فتحه الشيطان على مصراعيه لأتخلّص من كل مشاكلي ولأحصل على ما أريد·
    إحدى زبائني كانت تعمل راقصة في أحد الفنادق، كنت أتحدث معها عن مشاكلي
    فأخبرتني بأنها تستطيع أن تؤمّن لي عملا يدر عليّ مالا وفيرا إذا تعلمت
    الرقص وأجدته، فشكلي وقوامي يساعداني على أداء هذه المهنة·
    صرت أتدرب على الرقص، أهز جسدي لأخرج منه كل العذابات التي تراكمت في
    خلاياي· وجدت الأمر سهلا لا يحتاج إلى الكثير من المهارة، فنجحت بالاختبار
    وعينت كراقصة في أحد الفنادق·
    الرقص مهنة كباقي المهن، وليس عليك أن تفعلي أكثر منها إن لم تحبي ذلك،
    فلا أحد يجبرك على شيء، كل ما هو مطلوب منك أن ترقصي ثم تعودي لبيتك بلا
    أية مشاكل· ولن يعرفك أحد، شكلك سيكون مختلفا بعد وضع المساحيق كما أن
    صالة الرقص مليئة بالإضاءة الملونة التي لا تعطي مجالا للمعرفة، والزبائن
    كلهم من السكارى، ولن يكون سهلا أن يتعرف عليك أحدهم··· هذا ما قالته لي
    تلك الزبونة وكان إلى حد ما كلاماً مقنعاً·
    بدأت عملي وأنا أزداد احتقارا لنفسي يوما بعد يوم، احتقرت نفسي واحتقرت
    زوجي الذي دفعني لهذا الوضع المنحط أعرض جسدي أمام مجموعة من السكارى
    وأقبض الثمن، ثم أعود لبيتي بعد منتصف الليل قبل مجيء زوجي بساعة تقريبا·
    أذهب بعد العاشرة ليلا، وقد نام أولادي· أخرج كاللصوص متلحفة بعباءتي
    وأقود سيارتي إلى ذلك الفندق ثم أركنها بعيدا واستعد لتقديم فقرتي·

    تداعيات

    بعد وفاة طفلي، شعرت بيأس كبير وإحباط نفسي وتمرد على قضائي وقدري· فلماذا
    أنا بالذات أحرم من السعادة والراحة طول عمري؟ طفولتي كلها معاناة وعذاب،
    وشبابي كله تعب ومشقة· كل من تولّى أمري كان قاسيا مؤذيا لا يرحمني، ثم
    تكتمل تمثيلية حياتي باختبار من أقسى الأنواع وهو مرض ابني وفقداني له·
    فلماذا أتعذب بهذا الشكل وغيري لا يتذوق طوال حياته أي شيء من التعب
    والمعاناة؟
    هذه الأفكار هي لحظات الضعف الإيماني التي أعطت للشيطان مساحة وحرية
    ليتلاعب بأفكاري، فسلمته زمامي ليأخذني لعالم أكثر عدالة··· فأين أخذني؟
    هل أخذني لحياة أفضل؟ لا أعتقد··· فهذا المال الذي أحصل عليه وأنا أهز
    جسدي أمام أعين الرجال، وتلك العيون تسلخني بنظرات كالسكاكين تدمي
    أحاسيسي، كل ذلك يؤلمني فلست من ذلك النوع الذي يتقبل فكرة المتاجرة
    بالجسد بأي شكل من الأشكال· بالرغم من حصولي على المال فإن شعورا
    بالانحطاط كاد أن يقتلني· لذلك بمجرد أن سددت ديوني تركت تلك المهنة وعدت
    لعملي في التجميل داعية الله أن يغفر لي تلك المرحلة من حياتي فتصبح
    وكأنها حلما مزعجا ولّى وانتهى إلى الأبد·
    تعرض زوجي لحادث وهو مخمور فتوفى في الحال وانتهت الحياة التي منحها الله
    له فضيّعها بثمن بخس· قليل من المتعة والفجور وانتهى الأمر، وسيواجه عذابا
    أبديا لا نهاية له·
    بعد موته صرت أستلم إيراد الكراج، فوجئت بأنه مبلغ كبير، أكبر من توقعاتي،
    سقطت دموعي بحرقة· أين كان هذا المال وأنا أشحت من هذا وذاك في فترة مرض
    ابني؟ أين كان وأنا أكاد أدخل السجن؟ أين كان وأنا امتهن الرقص لأسدد
    ديوني؟ سامحك الله يا زوجي على كل ما كنت تفعله معي·

    أمل جديد

    بعد سنة من وفاة زوجي تقدم ذلك الشاب الذي يدير الكراج لخطبتي· يا له من
    إنسان نبيل· شعر بمعاناتي كامرأة شابة وعدم استطاعتي تحمل مسؤولية تربية
    الأولاد لوحدي· تضحية يقدمها هذا الإنسان الخلوق ليحمي هؤلاء الأيتام مما
    تخبئه الأيام لهم· إنه يستحق فتاة شابة لم يسبق لها الزواج، فلِما يقبل بي
    وأنا مثقلة بكل المسؤوليات والآثام؟ هذا ما يعذبني··· الآثام··· فهل
    سأخبره بما فعلت؟ أم أخدعه وأستر نفسي وعملي وأسكت؟ هل أرفضه؟ أسئلة صعبة
    لا يمكنني الإجابة عليها·
    أريد أن أتطهر من تلك الخطيئة، أريد أن أعيش في أجواء أسرية سعيدة مع زوج
    محب حنون· أريد أن أربي أطفالي بمشاركة إنسان يخاف الله، يعلمهم دينهم
    ويوجههم التوجيه الصحيح· كل هذه الأمنيات ستكون حقيقة إذا تزوجت هذا الرجل
    الصالح·
    ولكن··· أليس من الظلم أن أخدعه؟ هو لا يعرفني جيدا··· ولا يدري ماذا فعلت··· فهل أخدعه؟
    المتميز
    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    ذكر عدد المساهمات : 883
    العمر : 54
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008
    السٌّمعَة : 22

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 11:29 pm


    |--*¨®️¨*--| أمـــر الدنــيـــــا.. |--*¨®️¨*--|


    سعاد جواد:

    حللت ضيفة عند صديقتي التي ارتبطت بصداقتها من خلال
    تواجدنا معا في السكن الجامعي· تركت هي الدراسة وتزوجت، أما أنا فقد أكملت
    دراستي وتوظفت ولم أوفق للزواج، وبالطبع فإنني وصديقتي هذه لم ننقطع طوال
    تلك السنين عن الاتصال ببعضنا بين الحين والآخر، وقد وعدتها بالزيارة في
    أقرب فرصة ممكنة·
    اضطرتني ظروف العمل للتواجد في العاصمة لثلاثة أيام، فلم أقبل أن أسكن في
    الفندق الذي تم تخصيصه لنا، وفضلت أن أقيم عند صديقتي كفرصة للجلوس معها
    وقضاء بعض الوقت الممتع بصحبتها·
    استقبلتني صديقتي بحفاوة كبيرة فلم أشعر بالحرج في بيتها وكأنني في بيتي تماما·
    في أول يوم من وصولي كانت المائدة معدة بشكل يظهر كرم الضيافة المعروف
    لدينا· أنهيت طعامي وذهبت لأغسل يدي فمررت في طريقي بغرفة جانبية
    فلمحتها··· امرأة كبيرة في السن تجلس على سريرها وبيدها مسبحة تقلبها بين
    أصابعها، أسرعت للسلام عليها· كانت صديقتي خلفي فقامت بتعريفي بها قائلة:
    إنها والدتي! استغربت كثيرا! لماذا لم تشاركنا الطعام؟ ولماذا لم تجلس
    معنا؟ لم أخف تساؤلاتي عن صديقتي فأجابت بأن والدتها مريضة ولا تحب أن
    تجالس الآخرين·
    نظرت العجوز إلى ابنتها نظرة حارقة وقالت: لا تكذبي··· لست مريضة··· ولست
    متوحشة حتى أهرب من مجالسة الناس··· أنتم لا تريدونني معكم، أنتم لا
    تحبونني··· أنت وزوجك تكرهونني·
    ارتبكت صديقتي واحمر وجهها، ثم حاولت تدارك الموقف فسحبتني من يدي خارج
    الغرفة وهي تردد: أمي أرجوك··· لا تفعلي ذلك أمام الضيفة، ولكن العجوز
    استمرت في إطلاق موجات الاتهامات والكلمات الساخطة نحو ابنتها·
    حاولت أن أستفهم منها شيئا، ولكنها اعتذرت لي بكلمات لطيفة وطلبت مني عدم
    التفكير بهذا الأمر، ووعدتني بأن تشرح لي كل شيء فيما بعد، فالوقت سيكون
    أمامنا طويلا للتحدث، وعلي أن أرتاح من عناء الطريق، وأسرع في النوم، فعلي
    النهوض باكرا؛ لأن في انتظاري عمل كثير·
    اقتنعت بقولها وانصرفت للنوم وأنا أفكر بتلك العجوز وما تعانيه في بيت
    ابنتها· وبالطبع فإن الليلة الأولى كانت متعبة بسبب تغيير مكان النوم،
    ولكن على الرغم من الأرق الذي أصابني فقد نهضت مبكرة كعادتي·
    خرجت إلى الصالة وفي نيتي الخروج من المنزل دون إحداث أي إزعاج لأصحاب
    البيت ولكني فوجئت بأن الفطور معد لي مسبقا فجلست أتناول فطوري بهدوء·
    سمعت همهمات العجوز وهي تقترب فنهضت وسرت نحوها للسلام عليها، ابتسمت
    وسلمت علي بحرارة وترحيب شديد ثم أمطرتني بأسئلة واستفسارات عن أهلي ومكان
    سكني وعلاقتي بابنتها، ثم سكتت قليلا فقدمت لها القهوة والتمر فأخبرتني
    بأنها لم تفطر بعد· استغربت كثيرا، هل يعقل أن تقوم الخادمة بإعداد الفطور
    لي وتنسى إعداده لهذه العجوز المسكينة؟ كتمت غيظي ووضعت الطعام أمامها
    وصببت لها الشاي فبدأت بالأكل على مهل والغصة تحول بينها وبين ما تبلعه من
    طعام·
    استأذنت منها وانصرفت لشأني وأنا أفكر فيها وفي معاناتها الغريبة في بيت
    ابنتها· وبالطبع فإنني مستغربة لأن صديقتي من النوع الطيب الرحيم· فهل
    يعقل أن ترضى بمثل هذا الوضع لأمها؟
    في منتصف النهار عدت إلى منزل صديقتي، لم تكن قد عادت بعد من علمها، فقررت
    أن أذهب إلى العجوز وأتسلى معها بالحديث لأخفف عنها بعض ما تشعر به،
    ولأعرف السبب الحقيقي في معاناتها·

    حكاية الزمن

    جلست معها وصرت أستدرجها في الحديث، حدثتها عن الناس وعن تصرفاتهم الغريبة
    وعن كل التغيرات والتبدلات التي تحصل في مجتمعنا، ثم تجرأت فسألتها عن
    حكايتها فقالت: عملنا أنا وزوجي رحمه الله بجد من أجل أولادنا حتى كبروا
    وتزوجوا وتركوا المنزل· بقيت ابنتي هذه وهي الوحيدة بين إخوتها الذكور وهي
    الأصغر بينهم· رفضت أن تتزوج وقررت أن تكمل دراستها الجامعية وتفرغ نفسها
    للعمل ولرعايتنا أنا ووالدها، ولكن هذا الشيء لم يكن يرضينا فكنا نلح
    عليها بالزواج، وكان ابن عمها متعلقا بها وقد تقدم لخطبتها عدة مرات وهي
    ترفضه بسببنا، ثم اشترطت عليه أن يقيما في بيتنا بعد الزواج فوافق على
    شرطها وتزوجته· وكما تعلمين فقد تركت هي دراستها في الجامعة وتوظفت بشهادة
    الثانوية وظيفة بسيطة تشغل وقتها بها لغياب زوجها معظم أيام الأسبوع·
    لم يدم الحال وتبدلت الأمور بعد أن رحل زوجي، وبقيت أنا مع ابنتي لوحدنا
    في البيت، حيث بدأ زوجها يلح في أن ننتقل إلى العاصمة لنعيش معه، ولكنني
    لم أتقبل الفكرة أبدا· فكيف يمكن أن أترك بيتي الذي عشت فيه كل تلك
    السنين؟ ولم أغادره إلا لقضاء الحاجات الضرورية أو لزيارات بسيطة لمجاملة
    الناس أو للذهاب إلى الطبيب· إنه المكان الذي تربى فيه أولادي وكبروا
    وتزوجوا، إنه المكان الذي تتوزع في أنحائه كل ذكريات العمر الطويل الذي
    عشته فيه، فهل يمكنني تركه بمثل هذه السهولة؟ صراع عنيف عشته وأنا تحت ضغط
    الإقناع من الجميع، أولادي، زوجاتهم، ابنتي، زوجها، الجيران، الأقارب،
    الكل يحاول إقناعي بترك بيتي واختيار أحد بيوت أولادي أو ابنتي للعيش
    معهم· بعد كل ذلك الضغط وافقت على العيش مع ابنتي، ويا ليتني لم أفعل·
    فبمجرد مجيئي إلى هنا ضاق صدري وانحبست روحي وشعرت بالاختناق· طلبت منهم
    إعادتي لبيتي ولكنهم لم يرضوا وتجاهلوني، فعلت المستحيل ولكن لا أحد
    يستجيب لي·
    أنهت حديثها المؤلم ومسحت دمعها بطرف شيلتها، فمددت يدي وأمسكت بيدها وقلت
    لها: يا أمي··· أنت مؤمنة وتعلمين بأن الإنسان ضيف في هذه الدنيا، ومهما
    كان تعلقه ببيته وبأهله فإنه لا بد وأن يفارقهم··· الدنيا ليست مستقرا
    حقيقيا يستدعي أن نتمسك به·
    نظرت إلي نظرة تائهة وكأنها لا تسمعني ثم قالت: لا أدري ماذا حدث
    لدجاجاتي··· هل متن من الجوع أم أن الجارة تعطيهن الأكل؟ وماذا حدث
    لعنزاتي؟ والنخيل··· هل جاء من يخرف النخيل؟ وشجرة اللوز··· هل أطلقت
    ثمارها من فوق الجدار إلى الشارع؟ وهل تعلق الأطفال بأغصانها ليحصلوا على
    اللوز الطيب الموجود في أعلاها؟ والقطة التي وضعت صغارها خلف الصندوق
    الكبير في الحوش··· ماذا تفعل الآن؟ هل كبر صغارها؟ وأين ذهبوا؟
    والجارات··· هل مازلن يجتمعن عند دكة الباب يشربون القهوة ويتسامرن
    بأحاديث مختلفة؟
    اقتلعت قلبي هذه العجوز بحديثها ودموعها وحسراتها، فلم أستطع أن أقول لها
    شيئا، وقد شعرت أن الكلمات ستكون سخيفة لا معنى لها أمام معاناتها وثقلها
    على نفسها· فقررت أن أتدخل في محاولة لمساعدتها·
    وجهة نظر أخرى

    تحدثت مع صديقتي وسألتها عن الجفاء الحاصل بينها وبين أمها، وأنها لا
    تعاملها كما ينبغي، وحتى الخادمة فإنها لا تعتني بالعجوز بشكل جيد ولا
    تنفذ لها طلباتها، فقالت صديقتي: منذ أن جاءت والدتي إلى هنا وهي تتصرف
    بشكل غريب، لا يعجبها شيء أبدا· طوال الوقت غاضبة، لا ترضى عن أي قول أو
    تصرف· صارت عدائية، تسب وتلعن بلا سبب، تصرخ وتفتعل المرض حتى أتعبتنا
    كثيرا· حتى الخادمات أصبحن يتهربن منها لأنها تقوم بضربهن بعصاها بحجج
    كثيرة·
    لم أعد أعرف كيف أرضيها، لقد تعبت من كثرة شكواها وتذمرها، ولم أجد سوى
    طريقة واحدة فقط لأريح نفسي وأريحها، وهي أن لا أحاول الاقتراب منها أو
    إثارتها قدر الامكان، ومع ذلك فهي تتعارك مع الهواء إن لم يكن أحد معها·
    قلت لها: أنت تعلمين بأنها تفعل كل ذلك لأنها تريد العودة إلى منزلها الذي اعتادت عليه طوال عمرها·
    قالت: أنا أدرك ما تريد··· ولكن، هل يعقل أن أتركها تعيش لوحدها في ذلك
    المنزل؟ أم هل يعقل أن نعيش أنا وهي لوحدنا فيه؟ بالطبع فإن إخوتي وزوجي
    لا يقبلون بمثل هذا الوضع··· فماذا أفعل؟
    فعلا إنه أمر محير··· فالعجوز تريد العيش في بيتها ولا أحد من أولادها يستطيع ترك عمله وأسرته ويتفرغ للعيش معها··· فما هو الحل؟
    ابتسمت في محاولة للتخفيف عن صديقتي بعد أن انتابها التوتر وقلت لها: ما
    رأيك لو تبحثوا لها عن عريس يشاركها البيت؟ ضحكت وقالت: إذا وجدت عريسا
    مناسبا لها فلا مانع عندي·
    أنهيت زيارتي لتلك الأسرة ولم أستطع نسيان تلك المشكلة، وبقيت أفكر بتلك
    المرأة العجوز ومعاناتها وتمنيت لو تكون هناك طريقة لمساعدتها على العودة
    لمنزلها·

    العودة للدار

    بعد فترة من الزمن اتصلت بصديقتي لأطمئن عليها فأخبرتني بأنها قد أخذت إجازة وهي مع أمها في مدينتهم·
    سعدت كثيرا لهذا الخبر وتمنيت أن ترتاح تلك العجوز المسكينة وتسعد خلال هذه الإجازة وقد عادت لبيتها ولو لفترة مؤقتة·
    أخذتني دوامة العمل والانشغالات اليومية فلم يتسنى لي الوقت الكافي
    للاتصال بصديقتي والاطمئنان عليها وعلى والدتها حتى فوجئت بـ''مسج'' منها
    تخبرني فيه بوفاة والدتها·
    لا حول ولا قوة إلا بالله··· رحلت تلك العجوز وتركت هذه الدنيا خلفها ولم يعد لمشكلتها وجود·
    ذهبت لأعزي صديقتي في مدينتهم حيث أقيم العزاء· دخلت البيت الذي كونت له
    بخيالي صورة جميلة من خلال ما صورته لي المرحومة، فوجدته بيتا بسيطا من
    البيوت الشعبية، تمتلئ ساحته بنخلات هرمات، والدجاجات يمرحن بحرية في
    أنحائه، كما تهب رائحة الغنم بين حين وآخر· أما أوراق اللوز فقد غطت جزءا
    كبيرا من الأرض· شعرت بأن هناك ألفة غريبة بيني وبين المكان وكأنني قد
    زرته سابقا·
    جلست مع صديقتي بعد أن عزيتها وواسيتها بكلمات الصبر والاحتساب، ثم بعد أن
    انصرفت المعزيات سألتها عن حكاية موت العجوز فقالت: أمي رحمها الله كانت
    ذكية جدا، فكرت في خدعة بسيطة تعيدها لمنزلها··· ربما كانت تشعر بقرب
    أجلها، وبالطبع فهي تفضل الموت في بيتها الذي عاشت فيه معظم سنين عمرها·
    وكما علمت فهي لم تتقبل العيش بعيدا عنه، ولم يكن سهلا أن تقنعنا بإعادتها
    لولا تلك الخطة··· أنت لن تصدقي ما فعلت!
    لقد أخبرتني بأنها تملك مبلغا كبيرا من المال وكمية لا بأس بها من الذهب،
    وقد أخفت كل ذلك في مكان سري في بيتها، وقد نسيت ذلك المكان، وهي تحتاج
    لوقت طويل حتى تتذكر أين وضعت ذلك المال، وقد ذكرت مبلغا ضخما لا يمكن
    تجاهله··· ومع أنني أعرف جيدا بأن أمي وأبي لا يملكان مثل هذا المبلغ، إلا
    أنها استطاعت أن تتقن الأداء حتى أقنعتني بعدم إضاعة مثل هذا الكنز،
    فصدقتها وأخذت إجازة بدون راتب من عملي وجلست معها أشهرا طويلة بعيدا عن
    بيتي لنبحث عن ذلك المال·
    بحثت في كل مكان ولم أجد شيئا ثم بعد أن يئست من العثور عليه طلبت مها
    العودة معي فرفضت وأصرت على البقاء· كنت مستغربة وأنا أجدها قد عادت إلى
    طبيعتها السابقة، لطيفة ومرحة، لقد انقلبت أحوالها انقلابا كاملا وكأنها
    قد عادت إلى شبابها·
    قبل أيام من موتها طلبت مني المسامحة على أسلوبها السابق في التعامل معي
    وعلى كذبتها البيضاء حول المال· صدمتني صدمة عنيفة فلم أستطع تقبلها فجلست
    أبكي وألومها لأنها جعلتني أترك بيتي وزوجي وعملي من أجل كذبة اخترعتها
    لتعود لبيتها· اتهمتها بأنها لا تحبني ولا تفكر بمصلحتي وكل ما يهمها هو
    العودة لبيتها مهما كان الثمن، وصرت أعيب على هذا البيت القديم ورائحته
    العفنة والقذارة التي تحيط به بسبب الأغنام والدجاج·
    لم تغضب لغضبي وظلت مبتسمة وسعيدة، تحاول إرضائي ولم تمر إلا أيام قلائل
    حتى رحلت بهدوء وسكينة وقد تركت لي عذابا نفسيا مؤلما على عدم صبري عليها
    وعلى لومها وعلى كل تصرفاتي معها· أتمنى أن تسامحني وأن يغفر لي ربي على
    تصرفي الأحمق مع والدتي·
    سقطت الدموع الحارة من عينيها فاحتضنتها وخففت عنها وأنا في وضع غريب،
    مشاعري متناقضة، فأنا سعيدة لأن تلك العجوز قد رحلت وهي في بيتها كما تحب،
    وحزينة لصديقتي التي لم تعرف كيف تحنو على أمها وهي أمانة أودعها الخالق
    بين يديها·
    كم أتأسف لأن الناس يكونون في أشد حالات العطف والحنان على أطفالهم،
    وعندما يكبرون ويحتاجون لذلك العطف والحنان فلا يجدونه بنفس القدر· حقا إن
    أمر الدنيا·· عجيب·


    عدل سابقا من قبل المتميز في الإثنين فبراير 22, 2010 11:34 pm عدل 1 مرات
    المتميز
    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    ذكر عدد المساهمات : 883
    العمر : 54
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008
    السٌّمعَة : 22

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 11:33 pm


    |--*¨®️¨*--| كسرت الطوق ..|--*¨®️¨*--|


    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]سعاد جواد:


    كنت في السنة الجامعية الثالثة، وكانت حياتي تسير بشكل
    طبيعي، وفجأة تغير كل شيء، انقلب الاستقرار إلى ثورة كبيرة انطلقت بلا
    مبرر بمجرد أن تقدم ابن الجيران لخطبتي· فهل يستحق مثل هذا الموضوع كل هذا
    الهياج وكل تلك التصرفات اللامعقولة من أمي وأبي؟ كان ذلك الشاب أسمر
    البشرة، وماذا في ذلك؟ إذا لم يعجبهم فليرفضوه ولينتهِ الأمر· لماذا أصروا
    على تزويجي بأسرع ما يمكن؟ لماذا فكروا بالتخلص مني بأي شكل؟ والله لا
    أدري·
    بدأت الخطط والمؤامرات تحاك لتزويجي إلى ابن عمتي، فذهب والدي إليه وسأله
    إن كان يريدني زوجة له! فقال له ابن عمتي بصريح العبارة: ابنتك بمثابة أخت
    لي، كما أنني لا أفكر بالزواج·
    كانت كلماته كالطامة على والدي ووالدتي فقد هاجا وماجا لهذا الموقف، وأنا
    كنت سعيدة بما حدث لأنني كنت ما أزال في مرحلة الدراسة ولا أفكر بالزواج،
    ثم إن ابن عمتي هذا كان شابا صايعا، يعيش حياته على هواه· كان ممن لا
    يروقون لي إطلاقا· ولا أدري لماذا اختاره والدي ليكون زوجا لي؟ مع أنه لا
    يملك أية مقومات مناسبة لزوج ناجح·
    لم ينته المخطط ولم يستسلما، فقد قررت أمي إخبار عمتي بخطبة ذلك الشاب
    الأسمر لي بغرض استفزازها، فلم تفلح أيضا في مسعاها ولم تحرك ساكنا· فهل
    عدلا عن موقفهما؟ بالطبع لا·· فماذا فعل والدي؟
    لقد ذهب مجددا إلى أخته لتوبيخ ولدها على عدم رغبته بالزواج مني، فتم
    الضغط عليه من قبل والدي ووالده حتى حصلوا أخيرا على تنازله ورضاه بالأمر
    الواقع· أما أنا فقد هددت بالضرب بالعصا إن قلت كلمة واحدة· فبقيت حزينة
    أكتم حسرتي ودموعي كي لا أغضبهم·
    تمت الخطوبة في منزلنا، وكانت أول عبارة سمعتها من خطيبي هي: أنا لا أرغب بك وسأتزوج عليك في أقرب فرصة ممكنة·
    خلال فترة الخطوبة كان فظاً معي بشكل كبير، كان يوبخني لأتفه الأسباب،
    ويعيب على شكلي ويحرجني بكلمات تحط من شأني وقدري أمام أهله· فهل نصحته
    أمه باحترامي والتعامل معي بشكل لائق؟ بالطبع لم تفعل، فهو ولدها المدلل
    وهو دائما على حق حتى لو كان مخطئا·
    كنت أشتكي لوالدتي، فالأم هي أقرب الناس إلى البنت، ولكنها للأسف كانت هي
    السبب الأساسي في كل الخراب الذي حدث في حياتي؛ لأنها حادة المزاج وعصبية
    ومتحكمة بنا بشكل غير منصف، كانت تستهزئ بشكواي لها وتقول: لا تكوني
    دلوعة··· كل الرجال هكذا··· لست أفضل من غيرك··· المرأة العاقلة تصبر ولا
    تشتكي·

    حياة زوجية فاشلة

    تزوجنا بمهر بخس لم يكفني لشراء احتياجاتي فلم أقل شيئا· ثم دعا زوجي أخته
    وابنة خالته لترافقانا في رحلة شهر العسل، كي يتاح له تركي مع البنات
    ليأخذ راحته لوحده·
    عندما عدنا من تلك السفرة، انشغلت في استذكار دروسي للمرحلة النهائية في
    الجامعة، وهو كان مشغولا طوال الوقت مع صديقاته، يتحدث معهن بالهاتف أمامي
    ويتواعد معهن بلا أدنى احترام لمشاعري· كنت أشعر فعلا بأنه يكرهني ولا
    يطيق وجودي معه· كان يستمتع بإهانتي أمام أهله، حيث تشاركه والدته هذه
    المتعة وتبدأ بتوبيخي بلا سبب واضح·
    حملت بابني الأول، وكان الجميع متلهفا لأول حفيد في العائلة إلا هو، لم
    تؤثر عليه الأبوة ولم يتغير لهذا الحدث الهام في حياة أي زوجين·
    تخرجت من الجامعة وحصلت على وظيفة في كبرى الشركات براتب ممتاز، وكنت
    أتمنى أن يشعر زوجي بقيمتي وبكل ما أحققه في حياتي العملية والذي انعكس
    عليه، فقد صار يقترض مني المال فأعطيه ولا أبخل عليه وأنا أعلم بأنه لن
    يعيده لي· كان منظره غريبا وهو يتبدل ويتغير ليصبح مسكينا ورقيقا عندما
    يطلب المال، ولكنه بعد أن يستلم ما يريد ينقلب كالوحش ويبدأ بسبي وشتمي
    أنا وأهلي·
    كنا نسكن مع أهله في نفس البيت ولكن في شقة شبه منفصلة· حاولت أن أتصرف
    معهم بلطافة لكسب محبتهم· كنت أمضي معظم وقتي معهم لأن زوجي كان يخرج من
    البيت ولا يعود إلا متأخرا· وبدلا من أن أكسب محبتهم ورضاهم ازداد عدد
    الكارهين لي· فقد حقد علي أخوه عندما حصلت على رخصة قيادة فقالت له
    والدته: إن زوجة أخيك قد حصلت على الرخصة وهي لا تملك سيارة فأرجع سيارة
    أخيك لها· فغضب واعتبر ذلك كله بتدبير مني وصار لا يطيقني منذ ذلك اليوم،
    ولم ينسى حقده علي لسنين طويلة·
    تزوج هذا الأخ من فتاة اختارها بنفسه على الرغم من عدم موافقة والده، إلا
    أنه استطاع أن يقف بوجهه ويجبره على الموافقة لأنه قوي الشخصية عكس زوجي
    الذي ظلم نفسه وظلمني معه بهذا الزواج الذي تم بلا إرادة من كلينا·
    حاولت قدر الإمكان كسب زوجي عبر الاهتمام بمظهري وتجميل نفسي، ولكن زوجي
    كان غارقا في علاقاته النسائية المتعددة الجنسيات، فزادت المسافة بيني
    وبينه حتى بعد أن رزقت بطفلي الثاني·
    كان عملي هو متنفسي الوحيد فتفانيت فيه وصرت أحضر جميع الدورات، وتعرفت
    على العديد من الشخصيات· كان الجميع يرفع من شأني ويثني على ذكائي وشخصيتي
    ومظهري اللائق إلا زوجي الذي لم أكن أعجبه ولا أروق له مهما فعلت·

    معاناة مستمرة

    على الرغم من المحاولات الكثيرة من الرجال في التقرب إلي إلا أنني كنت
    أخاف من عقاب الله فلا أنجرف بتيار العلاقات· كنت أتغلب على ضعفي وعلى
    رغبتي في الانتقام لكرامتي وأنوثتي وأصبر أملا في أن يتغير الحال في يوم
    من الأيام· ومن أجل أن أتقوى أكثر ذهبت لأداء فريضة الحج مع أخي وزوجته
    ودعوت ربي بأن ينصلح حال زوجي أو يخلصني منه قبل أن يغويني الشيطان·
    بعد عودتي من الأراضي المقدسة حملت بطفلي الثالث وكنت آمل أن أشم رياح
    التغيير من زوجي ولكني للأسف لم أستنشق إلا رياح العفونة والوسخ الذي كان
    منغمسا فيه· ومما زاد الطين بلة هو أنه قد استقال من عمله بحجة عدم
    ترقيته، فجلس في البيت وصار متفرغا لأذيتي، يستفزني بأمور لا يمكنني
    التحدث بها ويريدني أن أتصرف معه كما تفعل الساقطات بما لا يرضي الله من
    الأعمال الشاذة التي لا يقبلها الدين· أوبخه فيتوب ثم يعود لأفعاله، حتى
    كرهته أكثر وأكثر وصرت لا أطيق رائحته النتنة وتصرفاته الوسخة· ولكن ماذا
    أفعل؟ هل يحق لي طلب الطلاق؟
    الشرع يمنحني هذا الحق، فلا عرف ولا دين يسمح بهذا التعامل الزوجي الحقير، ولكن أهلي لا يمكن أن يقبلوا بفكرة الطلاق ولو على جثتي·
    أنجبت طفلي الرابع وصرت أنفق على أولادي وعلى زوجي وكان الحمل ثقيلا علي·
    ساعدته في الحصول على عمل وأنا أعلم بأنه بمجرد حصوله على الراتب فإنه
    سيعود لعلاقاته السابقة، ولكن كان ذلك أرحم من وجوده المتواصل معي·
    صرت عصبية طوال الوقت لا تعرف الابتسامة طريقا الى وجهي مما جعله يشتكي
    مني أمام أهله فقال لأمه: لا أحبها وأرغب بالزواج من أخرى فشجعته أمه
    واتهمتني بأنني مجنونة وجامدة المشاعر·
    بصراحة لم يعد يهمني· كنت أحتقره ولا يمكنني الاستمرار معه، وكنت أتمنى أن
    يطلقني· ولكنه فهم اللعبة وأخبرني بأنه سيذلني وسيتزوج علي ولن يحررني من
    عبوديته أبدا·
    بعد أن يئست من أمر الطلاق قررت أن أسايره كي لا ينفذ تهديده بالزواج علي،
    فمهما كانت مشاعري نحوه فإنني لا أرضى بمزيد من المشاكل تأتي بها امرأة
    تدخل حياتنا التي لا ينقصها الدمار والتخريب·
    في تلك الفترة أتيحت لي فرصة المشاركة في مشروع كبير في أوروبا فأخبرت
    زوجي فرحب بالأمر ترحيبا كبيرا طمعا في المال الكثير الذي سأحصل عليه إن
    نجح المشروع· كان عليّ السفر لتوقيع العقد فشجعني ودفعني دفعا للسفر وهو
    يحلم بالملايين وأوصلني بنفسه إلى المطار متجاهلا أهله الذين لم يعجبهم
    دخولي في مجال الأعمال وسفري لوحدي·
    لم أنجح في المشروع لأنني دخلت فيه بلا تفكير وقد أثر ذلك على ميزانيتي
    لأنني اقترضت من البنك مبلغا كبيرا، فضاقت دائرة الديون علي وعجزت عن دفع
    مصاريف الأولاد وأقساط مدارسهم، وبدلا من أن يقف إلى جانبي فإنه كعادته
    اتهمني اتهامات كثيرة وتركني بلا أية مساعدة منه·
    جلست مع نفسي جلسة صراحة وقلت: إلى متى سأعيش مع رجل أكرهه بهذا الشكل،
    فأنا لا أجد فيه أي ميزة من ميزات الرجولة؟ فلماذا أجبر نفسي على العيش
    معه؟ لماذا لا أطلب الطلاق؟ ردت عليّ نفسي: الصبر من أجل الأطفال، فسكت
    عقلي عن التفكير، وبكى قلبي بلا دموع لأنني صرت متحجرة من الخارج، أما من
    الداخل فإنني أتقطع ألما وحسرة·

    التدخل الإيجابي

    في أحد الأيام فكرت في إقامة حفلة بسيطة بمناسبة مولد ابنتي الصغيرة·
    اتفقنا أنا ونسيبتي على الاشتراك بتلك الحفلة لأن مولد ابنتها بنفس
    التاريخ، كان الاتفاق على أن تحضر هي العشاء وأنا أحضر الحلويات والكيك،
    تدخلت عمتي وقالت: لا داعي لإحضار طعام من المطعم، سوف نطبخ في البيت·
    دعونا الأقارب ومن بينهم خال زوجي، رجل محترم وعاقل أقدره كثيرا· فوجئت
    بعدم كفاية الطعام فشعرت بالإحراج الشديد، ثم أصبح الجو ملغوما لأنني
    أشعلت الشمعة قبل مجيء أخت زوجي· ومن هنا استشاطت عمتي وأخذت توبخني لأنني
    لم أنتظر ابنتها، ولأنني لم أحضر طعاما من المطعم فقلت لها: أنت رفضت
    إحضار الطعام ووضعتني في هذا الموقف المحرج· فكان ردي لها كالنار التي
    أشعلت فتيل الكلمات الجارحة التي وجهتها إليّ فصرت أبكي بحرقة، ثم انسحبت
    من تلك الحفلة الكئيبة·
    اتصلت بخال زوجي لأعتذر له فقال لي: أشعر بأن هناك أمورا أبعد مما حدث
    فكوني صريحة معي وحدثيني· فانطلقت الكلمات من زمامها وحدثته عن كل ما
    أعانيه مع زوجي وعن تصرفاته وسلوكه معي وعن عدم رغبتي في العيش معه·
    بعد أن استمع لي قال: والله لو كنت ابنتي لضربتك ! كيف تسكتين على كل هذه الأمور؟
    لعب هذا الإنسان الطيب الدور الإيجابي لإفهام أهلي بخطورة ما يحدث لي،
    ولكن للأسف فإنهم أجابوه بأن من حق الزوج أن يفعل بزوجته ما يريد، وليس
    لها الحق بالشكوى مهما حدث·
    عندما عرفت بموقف أهلي مني قررت الاعتماد على نفسي في التخلص من هذه
    الحياة الزوجية القاتلة، فأعلنت الحرب النفسية على زوجي· قاطعته، لم أعد
    أكلمه، أهملت شكلي وصرت ألبس ثيابا باهته وأضع الزيت على شعري كي يقرف مني
    ويطلقني· هنا بدأ يحس بأنه سيخسرني نهائيا فأخذ يتأسف على كل تصرفاته معي
    ووعدني بصفحة جديدة وصار يعطيني المال، على الرغم من عدم اهتمامي بالمال
    إلا أن المبادرة كانت جيدة ولكنها متأخرة، فقد ماتت مشاعري وتحجر قلبي
    وصرت أكرهه ولا أتحمل وجوده معي مهما حدث له من تغيير· عاد للفتور مرة
    أخرى بعد أن يئس مني وصار يعاملني بقسوة من جديد، يستهزأ بي وينعتني
    بالصرصورة، الحشرة القذرة أمام أهله كلهم·
    كانت الطامة الكبرى التي حدثت في حياتي هي اكتشافي بأنني مصابة بمرض جنسي
    وذلك بسبب زوجي وعلاقاته المشبوهة مع الرخيصات· كان عليّ أن أتعالج بالحقن
    والحبوب والأدوية لسنة كاملة فتمسكت بفكرة الطلاق ولا شيء غير الطلاق·
    بقيت أصر عليه وألح وصرت أهدده بكشف شذوذيته للحصول على الطلاق فخشي من
    الفضائح واستسلم لرغبتي·
    لم ننم كلينا تلك الليلة ولم تشفع دموعه وتوسلاته الكاذبة على تغيير
    موقفي· حتى جاء موعدنا في المحكمة صباحا وتم الطلاق· أخيرا تحررت من هذا
    الطوق الكريه الذي جمعني بإنسان لم أكن أطيقه ولم يكن يطيقني، وقد عشنا
    حياة زوجية كلها عذاب ومعاناة·
    كانت مصيبتي الكبرى في مواجهة أهلي بأمر الطلاق· وكما توقعت فقد اندلعت
    الحرب في وجهي بعدما تفاجأوا بطلاقي· حاول أبي ضربي من شدة الصدمة، وقد
    طردوني أنا وأولادي من بيتهم فذهبت لأحد الفنادق وبقيت هناك لفترة حتى
    استأجرت بيتا يضمنا أنا وأولادي·
    لم يسأل أهلي عنا وتركوني لمصيري ظنّا منهم بأنني إن عانيت لوحدي فإنني ربما أفكر بالعودة لزوجي، ولكنني لم أكن أنوي العودة أبدا·

    حياة جديدة

    تقدم لخطبتي شاب من بلد خليجي مجاور، فاتحت خال زوجي بأمره فسألني إن كنت
    مقتنعة بهذا الرجل فأخبرته بأنه إنسان جيد، عرفته من خلال عملي·
    توسط رجل الخير هذا مرة أخرى ليأخذ موافقة والدي على هذا الزواج بعد أن
    سأل عن الخاطب وتأكد من حسن أخلاقه وسمعته، ولكن أهلي رفضوا ذلك رفضا
    تاما، وقالوا: إنها فضيحة كبيرة أن تتطلق ابنتنا وتتزوج مرة أخرى، فأخبرهم
    بأن ما أفعله لا يخالف الدين فأخبروه بأنهم يخافون من كلام الناس·
    بذل الرجل جهدا جهيدا حتى تم الزواج· بالطبع فإن طليقي أخذ الأولاد مني
    ليحرق قلبي عليهم، ولكني أعرف بأنهم لن ينسوني وسأبقى أمهم· لقد ظلمت
    كثيرا وآن لي أن أستريح، استراحتي هي زوج يخاف الله، يعاملني معاملة
    إنسانية نبيلة، يحترمني وهذا أهم شيء من وجهة نظري، فلا يحط من قدري ولا
    يستهزئ بي·
    أنا سعيدة جدا بحياتي الجديدة وأحمد ربي كثيرا لأنه ساعدني في كسر طوق العبودية الذي كاد أن يدمرني تماما·
    المتميز
    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    ذكر عدد المساهمات : 883
    العمر : 54
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008
    السٌّمعَة : 22

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الإثنين فبراير 22, 2010 11:36 pm


    ×?° صديقي المبتهج .. ×?°

    سعاد جواد:

    ''كل شيء جميل ورائع في حياتنا، فلماذا يبتئس الناس؟
    الهواء المحمل برائحة الملح والتراب، والرطوبة التي تعلن عن تمرد البحر
    وانتشائه، والليل المضيء بالإعلانات والأضواء· صخب السيارات وتزاحمها
    المستمر ليلا ونهارا، سخونة الأرض ولهيبها، والدوران المستمر لأجهزة
    التكييف، كل ذلك يشكل سيمفونية رائعة للحياة في هذا البلد الجميل، وكلما
    ابتعدنا عنه عدنا للشوق إليه أكثر وأكثر· إنه وطن خالد يستوعب كل الأحلام؛
    فلماذا إذا يتبرم الناس، لماذا لا يسعدون كلهم، لماذا يتأففون باستمرار؟
    إنهم لا يشعرون حقا بكل النعم الممنوحة لهم· لو فكروا قليلا··· ماذا يهم
    لو قل الرزق؟ ماذا يهم لو رحل عنهم عزيز؟ ماذا يهم لو أنهم مرضوا؟ كل هذه
    الأشياء تحدث كل يوم، فلماذا يفاجأ الإنسان بهذه الأحداث، ولماذا يتذمر إن
    وقعت له شخصيا، ألم تقع لغيره من قبل؟ فلماذا يحزن إذا حدثت له· أليس هذا
    أمر عجيب؟''
    أكمل حديثه وابتعد عني بخطوات مرحة متجها إلى البحر يبلل بمائه ساقيه كما
    يحب أن يفعل دائما· عجيب هذا الإنسان· على الرغم من صداقتنا الطويلة فأنا
    لا أفهمه··· منطقه غريب، وفلسفته عجيبة· يقول كلاما لا يقوله غيره، ويتصرف
    تصرفات غير معقولة·
    أنظر إليه وهو كالطفل يداعب الموج والرمال بقدميه فيمر الشريط بذاكرتي···
    حياته كانت مليئة بالمآسي ولكنه كان دوما سعيدا ومبتسما، وبالطبع فإنني لا
    أعرف السبب· فكما قلت لكم هو إنسان يصعب فهمه· حتى أنا صديقه، عشت معه منذ
    أن كنا أطفالا ولم نفترق إلا لأسباب قاهرة··· حتى أنا الذي أعتبر نفسي
    مسؤولا عنه وكأنني شقيقه الأكبر وأقرب الناس إليه··· حتى أنا أعجز عن
    تفسير معظم تصرفاته·

    اليتم الغريب

    أتذكر جيدا ذلك اليوم، عندما أحضروه إلى بيت جدته المجاور لبيتنا ليعيش
    معها، بعد أن طلق أبوه أمه وسافر بعيدا تاركا ولده الوحيد برعاية جدته·
    أمه أيضا تزوجت ولم تسأل عنه يوما· كان عمره ست سنوات فقط، وهو أصغر مني
    بثلاث سنين· شعرت بالتعاطف معه لأنه كاليتيم، فمع أن والديه على قيد
    الحياة إلا أنهما لم يسألا عنه أبدا·
    أحببته كثيرا لأنه كان مبتسما طوال الوقت، لا يعرف الحزن ولا البكاء· حتى
    عندما كان يلعب معنا فيسقط أو يضربه أحد الأولاد فإنه لا يبكي ويبقى
    مبتسما ينظر إلى من حوله باطمئنان·
    كنت متعاطفا معه بشدة، اعتبرت نفسي مسؤولا عنه في الشارع وفي المدرسة،
    وكان والدي يشجعني على العناية به وهو يردد دائما: مسكين هذا الولد، إنه
    كاليتيم تماما·
    عندما بلغ سن العاشرة توفيت جدته وبقي وحيدا في منزلها، كان وضعا مأساويا
    أذاب قلوبنا··· طفل في العاشرة يعيش وحيدا ولا أحد يسأل عنه·
    اقترحنا عليه العيش معنا في بيتنا فرفض· بقي لوحده فلم نقصر جميعنا في
    تلبية كافة احتياجاته وكأنه بيننا· حتى أن والدي قام بفتح باب صغير في
    السور الفاصل بين بيتنا وبيته ليسهل لنا وله الانتقال بين البيتين، ولم
    يكن ذلك الباب مغلقا في يوم من الأيام·
    عندما بلغ الخامسة عشرة صار يعتمد على نفسه في القيام بجميع أعمال التنظيف
    وغسل الثياب والطبخ ليخفف عنا تلك المسؤولية التي كانت خادمتنا تقوم بها
    بين الحين والآخر·

    الاعتماد على النفس

    على الرغم من تلك الظروف التي عاشها إلا أنه كان ناجحا في دراسته، مرحا
    سعيدا بحياته، يرضى بالقليل ولا يفكر بامتلاك ما لم يكن متاحا له·
    أنهى الثانوية وطلب من والدي مساعدته في الحصول على عمل يعتاش منه، فوجد
    له وظيفة بسيطة في شركة كبرى، فأسعده ذلك العمل سعادة لا توصف، فتحسنت
    أوضاعه بعض الشيء بعد أن صار له راتب خاص به·
    أول شيء فعله بعد أن صار لديه المال هو ذهابه للسؤال عن والدته وإخوته
    وأقربائه الذين لم يسألوا عنه يوما· صار يزورهم ويشتري لهم الهدايا
    ويمنحهم المساعدات حتى أصبحوا يستغلونه ويستولون على معظم راتبه بحجج
    كثيرة غير منطقية وهو راض وسعيد لا يفكر ولا يخطر على باله سوء النية الذي
    يخفيه هؤلاء الناس في تعاملهم معه·
    بصعوبة أقنعته بأن يختبرهم اختبارا بسيطا فيطلب منهم مساعدة من أي نوع
    ليتأكد من سلامة نواياهم ففعل ذلك كارها، وقد صدمه إعراضهم عنه ومقاطعتهم
    له من جديد، فأصبح متضايقا جداً فاقترحت عليه أن يتواصل معهم دون أن يسمح
    لهم باستغلاله حتى يتعودوا على وجوده في حياتهم دون أن يكون لذلك ثمن·
    أعجبته الفكرة وصار يتردد عليهم ويتصل بهم باستمرار دون أن يحصل على أي
    استجابة أو ود منهم فيشعر بالألم ولكنه يعود للرضا والابتسام وإيجاد
    الأعذار لهم·
    في أحد الأيام اتصل بي وكان سعيدا بشكل كبير، أخبرني بأن والده قد عاد من
    سفره وهو يقيم عنده· استغربت لهذا الأمر كثيرا، هل يعقل هذا؟ ذلك الأب
    الجاحد، تركه وهو صغير دون نفقة أو سؤال أو أي نوع من أنواع الإحساس
    بالمسؤولية الأبوية، سافر إلى بلاد معروفة بالفسق والفجور لينغمس فيها
    سنين طويلة دون أن يسأل عنه، وقد عاد بعد أن هده المرض والإفلاس، ولم يجد
    سوى ابنه ليلقي بمسؤوليته عليه··· ألا يخجل من نفسه؟
    لم يقصر الولد مع والده وظل يعتني به عناية تفوق التصور· يسهر معه طوال
    الليل ويذهب إلى عمله وهو مرهق ثم يعود فيعد له الطعام ويحممه ويعطيه
    الدواء ويأخذه إلى مواعيد العلاج بإخلاص منقطع النظير، حتى أنه من قلة
    النوم أصبح شاحبا مخيفا لا يقوى على الوقوف من شدة الهزال· أخيرا رحل ذلك
    الأب وهو غارق بالندم على كل ما فعله بابنه·

    تجربة حب

    عندما بلغ الخامسة والعشرين صارحني بميله لإحدى بنات الجيران· كان معتقدا
    بأنها تبادله نفس الشعور· ترسل له الرسائل، وتسمعه الأغنيات العاطفية
    والقصائد الغزلية، وهو ســـــعيد للغاية بتلك المشـــاعر التي تتملكه كلما
    رآها وكلما وصله شيء منها·
    كان الوضع حساسا بالنسبة لي، فأنا أعلم جيدا بأن تلك البنت من النوع
    اللعوب، وهي ربما لم تكن صادقة في مشاعرها، فلم أعرف كيف أتصرف··· هل
    أطلعه على حقيقتها؟ أم أتركه يخوض تجربته بنفسه دون أن أتسبب له بالألم؟
    فاخترت الفكرة الثانية لخوفي عليه·
    طلب من والدي أن يخطبها له ففعل والدي ما أراد وخطب له البنت فوافق أهلها
    على الخطبة وتم عقد القران شرط أن يتم الزواج بعد إنهائها الثانوية التي
    رسبت فيها عدة سنوات·
    خلال فترة الخطبة كان صديقي مثالا للإخلاص والتفاني لخطيبته وأهلها، ينفق
    كل ما لديه من أجلهم، وكان والدي ينصحه بالتوفير من أجل العرس وهو مستغرب
    من تصرفات البنت وأهلها وكأنهم لا يفكرون إلا باستغلاله قدر الإمكان·
    طالت فترة الخطبة لسنتين دون أن تظهر أية علامة تدل على جدية هؤلاء الناس،
    ثم حدث ما هو متوقع منهم، فقد صارت البنت تتهرب من خطيبها وتتجنب مكالمته
    أو السماح له بدخول بيتهم، وقد علمت شخصيا بعلاقتها بشاب آخر كانت تخرج
    معه، فلم أشأ إخبار صديقي كي لا أجرح مشاعره، فما كان منها إلا أن أخبرته
    برغبتها في فسخ العقد لحجج واهية ثم تزوجت ذلك الشاب الآخر·
    لو أن أي شاب غيره حصلت له نفس المشكلة لمات غيظاً وكمداً ولقلب الدنيا
    على رأس الفتاة وأهلها، إلا أن صديقي هذا لم يفعل أي شيء سوى أنه مر بفترة
    صمت وعزلة بسيطة ثم عاد للابتسامة مرة أخرى وهو يردد: إنها ليست من نصيبي·
    فاستغربت لطريقة تفكيره وعجزت عن فهمه، فهل يعقل أن يواجه مثل هذا الأمر
    بهذه البساطة؟

    في العمل

    في مجال عمله كان مخلصا إخلاصا شديدا، يعمل أكثر من جميع الموظفين··· يعمل
    كل أعمال القسم والكل يعتمد عليه، لا أحد يمكن ان يتصور كيف تسير الأمور
    بدونه، إلا أنه مع كل ذلك لم يحصل على أية ترقية وراتبه بقي الأقل بين
    الجميع، وهو يتحمل مسؤولية أي خطأ يحدثه غيره ولا يدافع عن نفسه أبدا
    وإنما يبقى يبتسم ويعتذر أمام المسؤولين وهو يعرف جيدا بأنه لم يخطئ أبدا،
    وإنما هو يتحمل أخطاء الآخرين بلا تذمر، حتى انتهى الأمر في النهاية إلى
    تحمله الكامل لأخطاء مسؤوله المباشــــــــر مما أدى إلى طرده من
    العمـــــل· وقد كان ســـــعيداً جداً لأن ذلك المســــــؤول شكره بحرارة
    لأنه أنقذ حياته وأسرته من الضياع·
    بقي ذلك المسكين بلا عمل ولم يسأل عنه أحد ولم يساعده أحد على الرغم من
    مساعداته المستمرة لكل من حوله، حتى أن بعض زملائه كانوا يشاهدونه في
    الشارع فيلتفتون بعيدا عنه كي لا يسلموا عليه، فهل كان ذلك يضايقه؟ كلا
    ··· كان يقول: ·· مساكين·· انشغالاتهم كثيرة·
    في إحدى المرات أخذته معي إلى السينما لمشاهدة فيلم· في السينما حدثت
    مشاجرة سببها بنت· تقاتل المتخاصمان فأخرج أحدهما سكينا وأراد أن يطعن
    خصمه، فما كان من صديقي إلا أن اندفع بسرعة ليمنع حدوث الجريمة فتلقى
    الطعنة بدلا من ذلك الشاب·
    تم نقله إلى المستشفى وهو ينزف والسكين ما زالت مغروسة في كتفه الأيسر،
    أدخل العناية المركزة، ونجا أخيرا من موت أكيد· بعد أن شفاه الله بدت عليه
    السعادة وصار يتحدث عن كونه إنسانا محظوظا وإلا لأصابته السكين في قلبه
    ولمات بسرعة·
    أول ما فعله بعد خروجه من المستشفى هو ذهابه إلى الشرطة وتنازله عن القضية
    وقد أخرج المتهم من سجنه، وبدلا من أن يشكره ذلك المتهم على فعلته لكمه
    على وجهه وهو يردد بغيظ: لماذا تدخلت؟ لماذا لم تتركني أخلص عليه؟ لقد سرق
    خطيبتي ولن أهنأ بالعيش حتى أقتله وأقتلها· ابتسم صديقي وقال له: أنت
    غبي··· ماذا تريد منها بعد أن تخلت عنك؟ إنها لم تحبك فلماذا تريد أن تقضي
    على مستقبلك من أجلها؟
    بعد عناء شديد وجد عملاً في شركة خاصة، وكعادته دائما فقد كان مخلصا
    ومتفانيا أكثر من الحد المطلوب، وقد عرف بالطيبة المتناهية لدرجة السذاجة،
    فاستغله زملاؤه كما في عمله السابق وصاروا يلقون بأعمالهم وأخطائهم كلها
    على عاتقه، وهو سعيد ومقتنع بأن الكل يحبه ولا يستغني عنه·
    بعد سنين قليلة من العمل حدث اختلاس في تلك الشــــركة وبالطبع فإن
    المسؤولية ألقيت علـــــيه فتـــــــم إيداعــــــه في السجن دون أن يتمكن
    من إثـــــبات براءتـــــــه اجـــــــتنابا لفضح الآخرين وتخريب بيوتهم·

    من أصحاب السوابق

    أنهى مدة سجنه وخرج وهو سعيد ومبتسم بعد مروره بتلك التجربة، فقد تعرف إلى
    أناس جدد لم يكن ليتعرف عليهم لولا دخوله إلى ذلك المكان بحسب قوله·
    خرج من السجن وقد أصبح من أصحاب السوابق فلا يمكن أن يحصل على عمل بسهولة،
    فدبر له والدي مساعدة مالية من الشؤون فأصبح سعيدا لأنه لن يموت من الجوع
    ولن يحتاج لأحد·
    كنت مسافرا فوصلني نبأ محزن هو سقوط بيت صديقي بعد أن أكلته الرطوبة
    والقدم، ولحسن الحظ أنه لم يكن موجودا فيه· اتصلت به لأواسيه فوجدته سعيدا
    يصف لي كيف أصبح منظر البيت وكيف جاء رجال الإعلام ليصوروا البيت ··· وأنه
    قد ظهر في نشرة الأخبار· ثم عرفت بعد ذلك بأنه حصل على مساعدة من أحد
    المحسنين لإعادة بناء البيت بشكل لائق·
    عدت من السفر وكان أول شيء فعلته هو أنني زرت صديقي فوجدته يسكن في المطبخ
    الخارجي لبيته وهو يراقب العمال بسعادة وهو يعيدون بناء بيته المتهدم·
    أخذته وذهبنا نتمشى على البحر كما كنا نفعل دائما، سألته وأنا حائر: كيف
    تتحمل كل ما يحدث في حياتك؟ قال لي وهو مبتسم: انظر من حولك، ألا تجد بأن
    الحياة تستحق أن يسعد بها الإنسان؟ ثم صار يصف لي إحساسه بكل ما حدث وما
    يحدث، ثم بعد أن أنهى جملته تركني وذهب ليلاعب الموج بساقيه وهو فرح، فترك
    في أعماقي موجا من التساؤلات الحائرة·
    هل هو سعيد حقا بعد كل ما حدث له، أي نوع من الناس هو، وهل يوجد آخرون مثله في هذا العالم؟
    المتميز
    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    ذكر عدد المساهمات : 883
    العمر : 54
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008
    السٌّمعَة : 22

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    البيوت أسرار ..  سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة - صفحة 2 Empty رد: البيوت أسرار .. سلسلة قصص واقعية من الإمارات للعبرة

    مُساهمة من طرف المتميز الثلاثاء فبراير 23, 2010 12:06 am


    *·~-.¸¸,.-~* فتاة المقــهــــى .. *·~-.¸¸,.-~*


    سعاد جواد:

    فتاة متوسطة الجمال تتحرك برشاقة بين طاولات المقهى، تؤدي
    عملها بنشاط ملحوظ بلا كلل أو ملل، تستجيب لطلبات الزبائن من روّاد ذلك
    المقهى، ومعظمهم من مدخني الشيشة وهم رجال من مختلف الأعمار والجنسيات·
    لم يكن هذا المقهى مزدحما بهذا الشكل قبل مجيء الفتيات العربيات الثلاث،
    ويبدو أن صاحب المقهى فكر بإحضارهن خوفا من الإفلاس وإغلاق المقهى لقلة
    روّاده·
    لم أكترث كثيرا لمقدم الفتيات واكتفيت فقط بالتعليق الساخر للطريقة التي
    احتال بها صاحب المقهى على الزبائن، فيا لها من طريقة مبتذلة ورخيصة لطلب
    الرزق·
    بعد فترة من الزمن لفتت انتباهي تلك الفتاة النحيلة،لم تكن أجملهن ولكنها
    كانت أكثرهن إخلاصا في العمل· لم أكن أمنع نفسي من إبداء كلمات الثناء
    والتشجيع لها، فهي بمجرد مجيئي تترك كل ما في يديها من عمل وتسرع لتلبية
    طلباتي التي حفظتها عن ظهر قلب·
    تعاطفت معها وأنا أجدها تشتكي ضيق الحال الذي دفعها للقبول بمثل هذا العمل
    غير اللائق بالمرأة لما فيه من مشقة وتعرض لمواقف محرجة من قبل الزبائن·
    فالكل يتعامل معهن وكأنهن فتيات رخيصات دون تبرير الأسباب التي دفعتهن
    للقبول بمثل هذا العمل·
    كنت أتوقع أنها غير متزوجة لأنها في الثانية والعشرين من عمرها، ولكنها
    أخبرتني بأنها قد تزوجت مرتين ولها ولدان تعيلهما· استغربت كثيراً لذلك،
    فهي ضئيلة البنية وتبدو أصغر من عمرها·
    أردت مساعدتها بأي شكل فكنت أتعمد وضع بقشيش كبير كنوع من المساعدة غير
    المباشرة لأنني كنت مقتنعا بأنها إنسانة مظلومة وأنها ليست مسؤولة عما
    وصلت إليه·
    بالتدريج أصبحت أتبسط معها بالحديث وأسمح لنفسي برفع الكلفة بيننا وكأنني
    أعرفها معرفة تامة وأفكر بأن أجعلها تشعر بالأمان لتخفيف إحساسها بالقهر
    والغربة· تعاطفت معها لسبب آخر أيضا هو أنها من نفس جنسية زوجتي التي
    أحبها كثيرا·
    لم يخطر ببالي أبدا أن هذه الفتاة البسيطة الطيبة يمكن أن تقلب موازين
    حياتي كلها رأسا على عقب· إنها أخطر مما كنت أتوقع· ليتني لم أعرفها يوما·
    لقد أصبحت بفضلها كبالع الموس لا يستطيع أن يهضمه ولا يستطيع أن يتقيأه
    ولا حل سوى بقائه في الأحشاء يقطعها على مهل شيئا فشيئا·
    رجل في سنّي وفي مركزي، هذا هو المطلوب بالنسبة لأمثالها، فهي تعرف كيف
    تصطاد فريستها بذكاء خارق لا يتناسب مع بساطة شكلها· رجل يحسب ألف حساب
    لكلام الناس ولسمعته ويخاف على أسرته وعلى كيانه، رجل فقد حماسة الاهتمام
    وحرارة الحب في أسرته، فغلبه السأم وحاصره الملل والروتين اليومي فصار
    عرضة للوقوع في الخطأ· هي مراهقة الخمسين والخوف من سن اليأس· ولا يمكنني
    تبرير فعلتي بكل هذا الكلام، فقد وقع ما وقع ودفعت الثمن غاليا جدا·

    اللقاء المنتظر

    كانت تلح عليّ أن نتحدث في مكان آخر غير المقهى· أخبرتني بأنها تريد أن
    تروي لي حكايتها الغريبة ومعاناتها الصعبة، ففكرت بأنه لا مانع من أن
    ألتقي بها لنتحدث فقط·
    التقيتها يوما في مكان عام حسب طلبها، فالت لي إنها بحاجة لإنسان يستمع
    إلى وجعها، فدفعتني الأحاسيس الإنسانية لسماعها· كانت في إجازتها
    الأسبوعية، تغدينا معا وجلسنا نشرب الشاي في مطعم على شاطئ البحر· سألتها
    عن حكايتها، تنهدت بحرقة وقالت: قبل سنوات تزوجت ابن عمي بلا رغبة منّي،
    كنت في الخامسة عشرة من عمري· حرموني من دراستي وحكموا عليّ بدخول دائرة
    الجحيم وأنا مازلت طفلة لا أعرف ما معنى الزواج ولا أعرف ما هي مسؤولياته·

    ابن عمي هذا شاب سكير فاشل قاسي الطباع وسيء الخلق، أذاقني المر ضربا
    وتجريحا· يعمل في محل النجارة الذي يملكه والده، يحصل على بعض المال
    فينفقه على بائعات الهوى وجلسات السكر والمجون، والمال لا يكفي لينفق
    عليّ، وإذا طالبته بشيء ثار وضربني بقسوة·
    صبرت عليه ثلاث سنوات بعد أن رزقت منه بولد ولكن الصبر لم يعد يجدي، فقررت
    أن أطلب الطلاق لأتخلص منه وأنقذ ولدي من أب لا يصلح للأبوة أبدا·
    حصلت على الطلاق بعد معاناة شديدة وعذاب، ولكنني حرمت من ولدي، لأن أهلي
    رفضوا أن يتحملوا مسؤوليته، وقرروا تركه مع والده رغم علمهم بأنه لا يصلح
    لمثل هذه المسؤولية، فعشت عذابا من نوع جديد وهو حرماني من فلذة كبدي·
    بمجرد أن انتهت عدتي تم الضغط عليّ من جديد وتم تزويجي من رجل كبير في
    السن من غير جنسيتي فذهبت معه إلى بلده وعشت نوعا جديدا من العذاب· رجل
    بخيل شحيح له زوجة شرسة وأولاد كأنهم وحوش أذاقوني أصناف العذاب التي لا
    تخطر على البال، صبرت وتحملت كي لا أطلق من جديد فيتهمني الجميع بأنني
    إنسانة فاشلة لا تجيد التعامل مع الزوج ولا تستطيع التكيف مع ظروف حياتها·

    رزقت بولد واحد، حاولت أن أعوض به نفسي عن حرماني من ولدي الآخر وحنيني الكبير له·
    بعد أقل من ثلاث سنوات عدت الى بلدي وأنا أرملة ومعي طفلي الصغير وكمية
    بسيطة من المال لا تكفي لضمان المستقبل· عدت لأفجع بولدي الأول وقد تحول
    إلى طفل مشرد يعيش في الشوارع يستجدي ويسرق ليحضر لوالده المال لينفقه على
    لهوه وملذاته·
    حاولت إنقاذ ابني من حياة الضياع فأخذته إلى بلدة بعيدة وأدخلته مدرسة
    داخلية هو وأخيه كي أضمن تعليمهما وتربيتهما بشكل سليم، وبالطبع فإن تلك
    المدرسة تتطلب أجورا مرتفعة لذلك قررت المجيء إلى هنا والعمل في أي مكان
    لأحصل على المال الكافي لضمان مستقبل هذين الصغيرين، وبما أنني لا أملك
    أية شهادة فلم تسنح لي فرصة أخرى سوى العمل في المقهى الذي يضمن لي أجراً
    مناسباً بالإضافة لما أحصل عليه من بقشيش جيد من أمثالك من المحسنين·
    أثرت بي كثيرا وتألمت من أجلها··· شابة في مثل هذا العمر وتعاني كل تلك المعاناة، صدقتها وتمنيت مساعدتها بأي شكل·

    قريبا من الخطاء

    تعددت لقاءاتنا وصرنا نتحدث في مواضيع كثيرة، لا أدري لماذا انجرفت بتلك
    اللقاءات وأنا مقتنع بأنني لا أفعل ما يشين· فأنا لا ألتقي بها إلا في
    مكان عام وهذا يكفي من وجهة نظري فما المانع في أن أخفف عنها الشعور
    بالغربة؟ إنها مواساة إنسانية لا ضرر فيها·
    مع الأيام صارت تلح عليّ لزيارتها في مسكنها عندما لا تكون الفتيات
    الأخريات موجودات وهي تعدني بوجبة شهية ستعدها لي بنفسها· اعتذرت منها مرة
    ومرتين وثلاثا ولكنني في النهاية استجبت لدعوتها وذهبت لشقتها واختليت بها
    وحصل بيننا ما حصل·
    إنها سقطة وزلة لم أتوقعها من نفسي، فأنا رجل مستقيم، لم أقترب من
    المحرمات طوال حياتي، تزوجت وأنا في مقتبل العمر من فتاة عربية جميلة،
    أحببتها حبا شديدا، وأنجبت لي خمسة من الأبناء والبنات، تزوج اثنان منهما
    فأصبحت جدا· أنا بصراحه إنسان سعيد مع أسرتي لا ينقصني شيء أبدا، فلماذا
    انجرفت مع هذه الإنسانة بلا تفكير عاقل؟
    ملأني الإحساس بالخزي والندم وقررت عدم الذهاب إلى ذلك المقهى وعدم اللقاء
    بتلك الفتاة وعدم الرد على اتصالاتها بعد أن استدرجتني لمنزلق ندمت عليه
    ندما شديدا·
    كنت أعتقد بأن الأمر انتهى بعد أن طويت تلك الصفحة نهائيا من حياتي وكأنها كانت مجرد كابوس صحوت منه ولا أريد أن أتذكره من جديد·
    مرت أشهر لا أدري عددها بالضبط· أحسست بالراحة لأن الفتاة لم تلح كثيرا في
    الاتصال ولم تسبب لي المشاكل مع أنها تعرف مكان عملي وهاتف منزلي·

    حلم مرعب

    ما كان يتعبني هو حلم غريب كنت أحلمه باستمرار، أراها كالمجنونة تحمل
    بيدها لفافة سوداء تركض خلفي وهي تعوي كالذئبة تحاول إمساكي وأنا أهرب
    منها من مكان الى آخر· أدخل بيتي وأغلق النوافذ والأبواب بإحكام معتقدا
    بأنها اختفت، افتح دولاب الملابس فتخرج منه بشكل مفاجئ، أفزع وأضربها
    فتلقي اللفافة السوداء على وجهي فتتحول إلى كلب يعضني من رأسي ويسيل لعابه
    القذر فوق وجهي فأصرخ وأنهض من نومي وأنا في غاية القرف والفزع، فأحمد ربي
    أنه مجرد حلم، وأنني لن أرى تلك المخلوقة من جديد لأنها أصبحت مثل النقطة
    السوداء التي تلوث حياتي كلها·
    ما كنت أخشاه حصل فعلا· تحقق ذلك الحلم المخيف وظهرت تلك المخلوقة بشكل
    أرعبني· كنت منهمكا في عملي، فوجئت بها تقف أمامي، فزعت من رؤيتها، اعتقدت
    بأنني أحلم من جديد، ولكنه للأسف كان واقعا لا مفر منه· سألتها: ماذا
    تريدين؟ قالت: أريد أن أطلعك على سر يخصك··· إنه أمر خطير لا بد لك أن
    تواجهه··· سأنتظرك بعد نهاية الدوام في نفس المكان الذي كنا نجلس فيه من
    قبل لابد أنك تتذكره جيدا·
    قالت كلماتها ثم خرجت وتركتني وأنا أرتجف بانفعال غير عادي، أتساءل··· ماذا تريد مني؟ وأي شيء تخبئه لي؟
    ذهبت إلى ذلك الموعد وأنا مرغم، أشعر بالخوف والرعب، وكأن غربان الشؤم
    كلها تنعق بداخل رأسي· وجدتها تنتظرني· كان وجهها بشعا يشبه الحلم الذي
    كنت أراه دائما· كانت ممتلئة بشكل واضح، لم تستطع العباءة التي ترتديها
    إخفاء بطنها المنتفخ·
    قلت لها: ماذا تريدين؟ قالت: لا تتعجل واستمع جيدا لما سأقوله لك· أنصحك
    أن لا تنفعل كثيرا لأنني سأطلعك على أمر خطير· أتذكر ما حدث بيننا ذلك
    اليوم؟ لقد هربت من مواجهتي لأنك لا تريد أن تتحمل مسؤولية فعلتك، عموما
    فقد صبرت وتحملت كل شيء لوحدي، وقد خرج الأمر من يدي الآن، فولدك الذي في
    أحشائي سيولد قريبا وليس سهلا أن أتحمل الأمر لوحدي·
    جفلت وصرخت بصوت مكتوم: ماذا تقولين؟ قالت ببرود: نعم إنه ابنك· هذا ما
    يجب أن تعرفه· قلت لها: اسمعي··· لن أتقبل مثل هذه اللعبة السخيفة· هل
    تعتقدين بأنني ساذج لأصدق ما تزعمين؟ نظرت إليّ بثقة وقالت: أنا أذكى مما
    تتصور··· لديّ تسجيل كامل بالصوت والصورة لما حدث بيننا، فإن أنكرت بنوة
    الطفل فسأقدم الشريط للمحكمة· أمامك الآن خياران، إما أن تتزوجني وتعترف
    ببنوة الطفل، وإما الفضيحة التي ستزلزل حياتك كلها· أنا لا أريد أكثر من
    ولد يحمل الجنسية ليكفلني مدى الحياة ونفقة ستدفعها لي مع تأمين سكن مناسب
    لنعيش فيه أنا وولدي··· فهل هذا كثير؟ هذا و··· إلا ستكون فضيحتك على
    الملأ، فكر على مهلك فلن أستعجل الأمر لأنني صاحبة الحق ولن أضيع حقي وحق
    ابني··· أفهمت؟

    مصير مظلم

    غامت الدنيا بعيني وكدت أسقط على الأرض مغشيا عليّ من شدة الصدمة، أيعقل
    هذا الأمر؟ هل يمكن أن تكون هذه المرأة التي تصورتها ملاكا طيبا، تصورتها
    مخلوقا مظلوما معذبا يستحق الشفقة والرحمة، هل يعقل أن تكون بهذا القدر من
    الخبث والدناءة؟ هل قامت بالتصوير حقا؟ يبدو أنها كانت تعد لكل شيء، وأنها
    قد أحكمت خطتها لأقع في مصيدتها التي أعدتها بعناية فائقة· ماذا سأفعل؟
    وكيف أتصرف؟ إنه أمر محير تعجز العقول عن تصوره·
    مرت عليّ فترة قاسية وصعبة من المعاناة والتفكير وأنا حائر وغارق لا أدري
    ما أفعل، فلو نفذت هذه المرأة تهديدها ستضيع كل حياتي، أسرتي وعملي
    وسمعتي·
    قـــــــــررت أن أصـــــبر حتى تلد فلربمــــــا جــــــاء ذلك الولد
    وفـــــيه شيء مني يجعـــــلني أرضى للاعـــــــتراف ببنوته، فمهما
    يكــــــن الغلطة غلطتي وعليّ أن أتحمــــــــــلها ولا ذنب لطفل صغير
    فيها·
    الشيء الذي صدمني صدمة جديدة هو أن الولد لا يشبهني أبدا لا من قريب ولا
    من بعيد فأنا أسمر وملامحي معروفة، زوجتي كما ذكرت أمرأة عربية بيضاء وجاء
    أولادي كلهم بملامح قريبة إلى ملامحي، ولكن هذا الطفل أبيض وشعره أشقر
    وعيونه ملونة، إنه حتى لا يشبه أمه لأنها تحمل سمرة بسيطة أيضا، فكيف
    أعترف ببنوته وأنا متأكد تماما بأنه ليس ابني؟ يا إلهي ماذا أفعل؟ إنه ثمن
    باهظ أدفعه لقاء غلطة واحدة··· فكيف أتصرف؟ هل أتزوج من امرأة ساقطة؟ وهل
    أعترف ببنوة طفل ليس من صلبي؟ أم أتقبل الفضيحة فأخسر أسرتي وأطرد من
    عملي؟
    تحريت الأمر فعرفت بأنها فعلا تملك شريطا مسجلا وعرفت بأنها على علاقة مع
    شاب أجنبي تخرج معه باستمرار· لم يكن أمامي سوى حل واحد هو أنني تفاوضت
    معها ومع عشيقها لعقد صفقة أتخلص بها من هذا الموقف المحرج· دفعت كل
    مدخراتي لأحصل على ذلك الشريط وعلى اعتراف خطي منها بتدبير تلك المكيدة
    بي·
    ماذا أقول؟ لقد جنيت على نفسي···ودفعت الثمن·
    المتميز
    المتميز
    مستشار معتمد
    مستشار معتمد

    ذكر عدد المساهمات : 883
    العمر : 54
    تاريخ التسجيل : 11/04/2008
    السٌّمعَة : 22

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    صفحة 2 من اصل 2 الصفحة السابقة  1, 2

    الرجوع الى أعلى الصفحة

    - مواضيع مماثلة

     
    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى