‏فن "المواساة"

‏فن "المواساة"

هل يُجدي نفعًا أَن تقول لغريقٍ تغمرهُ المياه : تنفس، أنتَ أقوى مِن الماء، دونَ أن تمد يديكَ إليه لتنقذه؟ كذلِك هو الأمر حينَ يكونُ أحدهم في عمق مُعاناته، بينما أنتَ تُغدق عليهِ عبارات التحفيز التي تستفز ألمه.. إنَ حاجته للإنصات والتفهُم بصمتٍ حينها، كحاجة الغريقِ لليد.
يسهل على الشخص الحديث عن الصبر فقط في الحالات التي لا تكون فيها المُصيبة مصيبته هو شخصيا"
فن المواساة
المواساة فن و مهارة و للأسف معظم الأشخاص من حولنا لا يتقنون فن المواساة! بل غير مقتنعين بأن المواساة مهارة تتطلب جهد و ذكاء وحسن تصرف و انصات جيد و فهم عميق و جيد لمشاعر الشخص المقابل، المعظم يظن أن المواساة تكمن في قول بعض الكلمات التي يعتقد أنها قد تساعده أو تحسن شعوره! أو يبدأ بسرد سيرته الذاتية و معاركه الشخصية و كيف تغلب عليها وينسى تمامًا أن الشخص الآخر هو شخص مختلف تمامًا عنه و الشيء الذي ناسبه قد لا يناسب الطرف الآخر، بل وقد يبدأ بتكرار العبارات التحفيزية ظنن منه أنه يساعد الطرف الآخر ولكنه في الحقيقة يدمره.
" كن قويًا"" لا تستسلم"" لا تضعف""الأمر لا يستحق هون عليك"وغيرها من العبارات، حسنًا لا انكر أنها قد تكون مفيدة في بعض الحالات ولكنها في حالات أخرى ستكون سيئة جدًا، من قال لك أن هذا الشخص يحتاج أن يبقى قويًا في هذه اللحظة؟ ربما هو يحتاج للضعف، ربما كان قويًا لفترة طويلة وآن له الآوان أن يستريح ويضعف، نحن بشر و الضعف جزء منا و البكاء و الانهيار حق لنا و جزء من شخصيتنا، القوة لا تكون دائمًا خيار صحيح والضعف لا يكون دائمًا شيء سيء وسلبي! فأنت تحتاج أن تضعف حتى تعود قويًا، تحتاج أن تستلم و تتوقف للحظات حتى تجد طريقة جديدة لتبدأ من جديد.
تذكر دائمًا أن الشخص الذي أمامك له شخصية مستقلة و مختلفة عنك، الشيء لذي نجح معك قد لا ينجح معه، الألم الذي يعيشه قد لا يشبه الذي عشته -حتى ولو كانت التجربة متشابهة- في الطب هناك مصطلح يسمى " تحمل الألم" وهو يختلف من مريض لآخر أو من شخص لآخر، قد يصاب شخصين بنفس المرض وبنفس القوة وتجد احدهم طريح الفراش و منهك تمامًا وتجد الآخر قادر على النهوض، وهذا لا يعني أن الأول ضعيف و الآخر قوي، بل هذا يعود لاختلاف قدرتنا على تحمل الألم، العصا التي تؤلمني قد تقتل شخص آخر غيري.
نحتاج بشدة أن نتعلم مهارة الانصات للآخرين و محاولة فهم مشاعرهم و تقديرها قبل أن نتحدث و نعطي النصائح، وأهم نقطة لا تستهين بألم أي شخص ولا تقلل منه حتى لو كان ألم نفسي بسيط بنظرك لا تقل له هذا لا يستحق!
تم إجراء دراسة على مجموعة من الأشخاص الذين عانوا من انفصال عاطفي حيث وضعت هذه المجموعة في مكان معين و تم تعريض دماغهم لتصوير، ثم عرض عليهم صورة للشخص الذي انفصلوا عنه و تم تصوير الطريقة التي تعامل فيها الدماغ مع الصورة المعروضة، ثم عرض نفس الأشخاص لألم جسدي قوي جدًا تم وضع مصدر حرارة على أيديهم و تسبب لهم بألم لا يوصف و لوحظ أن الدماغ تعامل مع الألم الجسدي بنفس الطريقة التي تعامل فيها مع الألم النفسي عند مشاهدتهم للصورة!.
إذًا إياك أن تقول لأي شخص أنه يبالغ وأن الأمر لا يستحق.
من أقوى الاقتباسات التي قرأتها في وصف الألم النفسي كانت:
"يشبه ألم الأسنان لكنه في قلبي"
"كان الأمر يشبه انتزاع الشاش عن جرح طري"
أتمنى الشفاء و السلامة لقلوبكم وأرواحكم.