في البلاك بيري : سامي هو شاب مثلي الجنس

«خلال حصة مادة اللغة الإنكليزية في إحدى المدارس الرسمية، سأل الأستاذ أحد الطلاب: «سامي يحبّ داني، من يكون سامي في الجملة؟»، فأجاب الطالب: «سامي هو شاب مثلي الجنس».

لم يدر الحديث بين الأستاذ والطالب في الواقع، بل هي حادثة «افتراضية» ألّفها طالب في أثناء انعقاد الصف، ونشرها بين زملائه داخل المدرسة وخارجها، عبر جهاز ذكي بحجم الكف، يدعى» بلاك بيري».
تحوّل الجهاز إلى ظاهرة، لم تنحصر برجال الأعمال فقط، باعتبارهم الفئة الأكثر استفادة من خدمات الاتصال الأسرع بالإنترنت الخلوي عن طريق نظام GPRS EDGE، إذ تهافت على اقتنائه الشباب، وخصوصاً طلاب المدارس والجامعات. استغنى هؤلاء عن هواتفهم الجوالة المختلفة الأنواع، وشرعوا يقتنون أجهزة «بلاك بيري»، حتى أصبح امتلاك الجهاز في بعض المدارس ضرورة «أساسية» وليس «كمالية» فحسب!
وللطلاب أسبابهم الخاصة في اقتناء الجهاز. وبغض النظر عن سماح إدارات الجامعات والمدارس بإدخاله إلى الصف أو حظره، يصل «بلاك بيري» إلى المدرسة قبل الحقيبة المدرسية، إذ يدمن الطلاب على دخول الإنترنت بواسطته، والمشاركة في صفحات الدردشة، في أثناء الحصص الدراسية.. كما أنهم يستفيدون من التطبيقات المتاحة فيه، للدردشة الفورية («بلاك بيري ماسنجر»، «ويندوز ماسنجر»، «ياهو ماسنجر»، «واتس أب»).
«شرّفت كوندليسا رايس»
رنا طالبة في الثانوية العامة. تعتبر نفسها مدمنة «فايسبوك». ومع اقتنائها لجهاز «بلاك بيري»، باتت ناشطة على الموقع على مدار الساعة. خصّصت رنا مجموعة مناهضة لمعلمة العلوم في صفها، بسبب «تصرف المعلمة السيئ معنا»، وهي تقوم بتصفّح تعليقات المجموعة، في كل دقيقة من دقائق صحوها، من خلال الجهاز.
ومع انطلاقة الحصة، ودخول المعلمة إلى الصف، تغيّر رنا وضعية اسمها في خدمة «بلاك بيري ماسنجر» لتصبح عبارة: «شرّفت كوندليسا رايس». ترفض الإفصاح عن اسم المجموعة على «فايسبوك»، مؤكدة أنها لم تذكر اسم المعلمة فيه تجنبّا لطردها من المدرسة.
أما إسراء، وهي طالبة في صف الأول ثانوي، فتستعمل الجهاز أربع مرّات خلال كلّ حصة دراسية: «أغير الوضعية وفق كل حصّة: «هلّق عنا تاريخ»، «زهق..»، «بكره الكيمياء واللي بيعلّمه». تشير إلى أن إدارة المدرسة كانت قد حذرت من إدخال الجهاز إلى الصفوف، وصادرت الإدارة، حسب قول إسراء، مجموعة من الأجهزة. وعلى رغم ذلك، نجحت إسراء في إخفاء الجهاز عن أساتذتها. تقول إنه يساعدها في الدراسة. كيف؟ بواسطته، تقول أنها تسجّل الحصة الدراسية خلال النهار، وتعود إلى التسجيلات عصراً، لتدرسها في المنزل. ولا يخلو الأمر من بعض النكات الـ«بلاك بيريّة»، كأن تسجّل إسراء صوتها وهي تقرأ نصًا في حصة التاريخ، وترسله إلى جميع زملائها الذين يملكون الجهاز.
«امتياز»
ضُبط رامي بالجرم المشهود، فقد باغته أستاذ الرياضيات وهو يستخدم الجهاز، وأمره بالخروج من الصف. يقول رامي أنه لم يتوجّه حينها إلى الإدارة، كي لا تصادر هاتفه. قصد مكتبة المدرسة، وراح يروي لأصدقائه الواقعة، ويدين تصرف أستاذ الرياضيات. فرامي مقتنع بأنّ الجهاز يساعده في حلّ العديد من التمرينات الرياضية، خصوصًا حين يجتمع الطلاب عبر الجهاز، كلّ من منزله. يحلّون التمرينات، يصوّرونها، ويرسلونها لبعضهم البعض، فيصحح كلٌ أخطاء الآخر.
أما في الصف، فيفضّل رامي دائماً الجلوس في المقعد الخلفي، ليرصد تحركات الأستاذ: «وإذا خرج عن القانون، فالكاميرا له بالمرصاد».
إلا أن التصوير ليس لتبادل الخبرات في الإطار البريء فحسب! ففي أثناء خضوع سامي لامتحان دخول إلى إحدى الجامعات الخاصة، واجه بعض الصعوبات في الإجابة على الأسئلة المطروحة. فضّل ألا يستعين بطلاب لا يعرفهم داخل قاعة الامتحان. فضّل أن يصوّر ورقة الامتحان ويرسلها إلى صديقته التي أمنت له من خارج القاعة، الإجابة على الأسئلة الصعبة. كذلك، استعان سامي بالجهاز خلال الامتحانات الرسمية في العام الماضي، ما أدّى إلى نجاحه بدرجة «امتياز»!
«مسخرة»
يرى أحد أساتذة مادة العلوم أن الجهاز بات يشكّل مشكلة كبيرة اليوم على مستوى طالب المدرسة، وخصوصاً طالب الثانوية العامة. ويلفت إلى أنه ليس بوسع الأستاذ مراقبة انتشار الجهاز بين الطلاب ومعاقبتهم، «لأن المشكلة تكمن في اقتناء الطالب لجهاز خاص برجال الأعمال!». ويرفض «الحجّة التي يقدمّها الطالب دائماً» لجهة: «بلاك بيري يساعدني في اتمام دروسي»، إذ يرى الأستاذ أن موقعه أصبح «مسخرة بين التلاميذ الذين يصورونني بالجهاز ويحمّلون الصور على موقع فايسبوك خلال الحصص الدراسية».
حتى الساعة، لا يبدو أن ظاهرة «بلاك بيري» في المدارس تتجه نحو الأفول، ولا تلوح أمارات السأم على الطلاب. ومع أن كلفة الاشتراك الشهرية بخدمة الجهاز تبلغ أربعين دولاراً ، إلا أنه يزداد انتشارا بين الطلاب. ويبدو أن الطالب بات يدخر مبلغ الأربعين دولاراً من مصروفه الشخصي، ليدفع بدل تجديد الاشتراك في كلّ شهر.
السفير