نتشار ثقافة الشتيمة لدى الأطفال تؤرق الأسر وتهدد الأمن الاجتماعي

انتشار ثقافة الشتيمة لدى الأطفال تؤرق الأسر وتهدد الأمن الاجتماعي

-------------------------------



للأسرة دور مهم في تقويم سلوك الأطفال

أبها: نادية الفواز

أصبحت الكلمات غير اللائقة جزءاً من القاموس اليومي لعدد غير قليل من الأبناء، بعد أن أصبح السب والشتم من الأمور الاعتيادية لدى الكثيرين في حياتنا اليومية، سواء في الشارع أو المدرسة أو العمل.
وترى المعلمة في الابتدائية الرابعة بخميس مشيط ختمة السهل أن انتشار الشتيمة ظاهرة تتردد بين الطالبات، وذلك بتأثير من الأسرة ومن الرفقة، وأبانت أنه من الضروري متابعة الطلاب والطالبات في المدارس، وإيضاح آليات الحوار وطرقه، ومساوئ الشتائم، وأن يكون الآباء قدوة في رفض هذا السلوك.
ويرجع سليمان الشهراني (معلم بمدرسة ذات الصواري بخميس مشيط) ظاهرة الشتائم إلى البعد عن الدين وضغوط الحياة وظروف الأهل الاجتماعية واحتياجات المجتمع وفقدان التربية.
وقالت المعلمة بمدارس الأبناء مها العلي "الشتائم ظاهرة عالمية وإنسانية، وتزداد في فترات الضغط الاجتماعي والظروف القاسية، وتكثر بين المراهقين الذكور عنها عند الإناث، وردود الأفعال الغاضبة إما أن تبدأ بالشتائم أو السباب أو اللعان، والشتيمة هي دائماً أقل جرحاً للكرامة، أما السب فهو أكثر إيلاماً، واللعان يتناول الوالدين والأهل، وغالباً ما تتناول الشتائم ما يمس الكرامة والشرف".
إثارة الاهتمام

وذكر استشاري طب الأسرة والمجتمع وكيل كلية الطب بجامعة الملك خالد الدكتور خالد جلبان أن تداول بعض العبارات المنافية لأخلاقيات المجتمع بين الأطفال ينقسم إلى عبارات منافية للآداب العامة وعبارات تحريضية، وعبارات تخويفية ترهيبية تهدف أصلا للإصلاح عن طريق التخويف أو التهديد، وعبارات جارحة للشخص الذي يعاني من بعض العاهات الخلقية.
وأوضح أن أسبابها ترجع إلى الشخص نفسه، فالأطفال مجبولون على حب إثارة اهتمام الآخرين خاصة الوالدين، فإذا شعر الطفل أنه جذب انتباه الآخرين بكلمة معينة، يعمد إلى تكرار العبارة، حتى تصبح عادة لديه، وبالتالي تصبح ملازمة له، ويكون هناك ما يشبه العدوى في انتقال السلوك بين الأطفال، كما أن الطفل يجد في استخدام الكلمات التي تثير انفعال الطفل الآخر وسيلة تناسب قدراته للدفاع عن نفسه.
وأضاف الدكتور جلبان أن الأسرة قد تتورط في ترسيخ بعض الكلمات المنافية للآداب لدى الأطفال عند استخدام تلك العبارات لتعديل سلوك معين، وبالتالي تصل إلى الطفل فيأخذها على سبيل الإقتداء، وقد يأخذ الطفل هذه العبارات من وسائل الإعلام، وخصوصا القنوات الفضائية التي لا تلتزم بآداب المجتمع، من خلال الرسوم المتحركة أو الأفلام السينمائية أو الإعلانات التجارية.
وأكد الدكتور جلبان أن العلاج يتلخص في استخدام أسلوب تربوي هادئ مع الطفل، وذلك بالتجاهل التام لأي عبارة سيئة، والتفاعل والمديح لترسيخ أي عبارات أو سلوك جيد، ومع مرور الوقت سيتم ترسيخ القيم الجيدة، وتنحية السلوك السيئ، على أن يكون هناك توافق بين جميع أفراد الأسرة، بما في ذلك الجد والجدة والإخوة وأيضا العاملة المنزلية.
التعبير عن الانفعالات

وترى الأستاذ المساعد في علم النفس التربوي بكلية التربية للبنات الأقسام الأدبية بأبها الدكتورة أماني سعيدة أن ظاهرة الشتيمة تأتي بسبب عدم قدرتنا على تدريب أبنائنا على التعبير عن انفعالاتهم بطريقة لائقة اجتماعيا، وعدم قدرتهم على التعبير عن مشاعر القلق والخوف والطاقات السلبية، حيث إن المجتمع يفتقد لثقافة التعبير عن الانفعالات، فيقوم الطفل بالتعبير عنها إما بالأسلوب الجسدي أو بردود أفعال حركية ولفظية، والتعبير عن الغضب باستخدام الشتائم.
وأضافت الدكتورة سعيدة أن الحل لا يكون إلا بالعودة للدين وللتربية الصحيحة، وتعليم الطفل مهارات الاستقلال والصداقة الاجتماعية والتحكم الانفعالي، وتأهيل الأمهات بالشكل المناسب على مهارات الأمومة والتربية، وإقامة دورات في الكليات والمدارس الثانوية، وتدعيم الطالبات بوسائل الحوار والقدرة على التعامل وفهم الذات والحوار مع الآخر، مع تقديم برامج تربوية للأمهات من قبل مختصين للتعريف بأساليب التعبير عن الانفعالات بشكل حضاري وأساليب الحوار، والرقابة على وسائل الإعلام، واتباع طريقة الإقناع العقلاني والمعرفي للطفل، وإيضاح الآثار المترتبة على استخدامه لألفاظ نابية، وتقديم نماذج من العلاج السلوكي بعرض النموذج السلبي والإيجابي.
عناصر مؤثرة

وتقول رئيسة قسم التربية وعلم النفس بكلية التربية الدكتورة إيمان فرغلي "مشكلة الشتائم تنبع من الأسرة ومن جماعة الرفقة والأصدقاء ومن مؤسسات المجتمع التي يتواجد الطفل بها، حيث تؤثر هذه العناصر في لغة الطفل، ويمكن أن يأخذ الطفل الكلمات السيئة من غيره دون أن يدرك معناها، كما أن العديد من الأسر تتندر بترديد أبنائها للشتائم، مما يولد في داخل الطفل الرغبة في الاستمرار، فيحفظ الطفل هذه الألفاظ، ويرددها وتكبر معه، وينقلها إلى غيره".
وانتقدت الدكتورة إيمان العديد من وسائل الإعلام التي أضحت تتغاضى عن استخدام ألفاظ الجراحة والشتائم، حتى في برامج الأطفال، مشددة على دور المربين والمربيات في المدارس في التقليل من هذه الظاهرة عن طريق إيضاح سلبياتها وأحكامها الشرعية، مشيرة إلى أن الشتائم كانت في فترة من الفترات مقتصرة على المهنيين، ولكنها الآن وللأسف انتقلت إلى المثقفين والسياسيين والمعلمين وكافة شرائح المجتمع دون رادع.
النشأة الاجتماعية

وتشير الاختصاصية الاجتماعية بمستشفى الصحة النفسية بأبها لطفية سلمان إلى أن انتشار الشتائم في مجتمع ما يشير إلى نفسية مختلة، ومؤشر على المستوى الثقافي المنخفض لذلك المجتمع، وأن تبادل الشتائم بطريقة مجانية بين الأفراد يؤكد الحاجة الكبيرة لإعادة الصحة النفسية.
وأضافت أن تبادل الشتائم سلوك اجتماعي يظهر مع النشأة الاجتماعية في البيئة التي يعيش فيها الإنسان، فإذا كانت بيئة يستخدم فيها هذا الأسلوب (الشتائم) في الدفاع عن النفس أو التعبير عن الانفعالات الذاتية التي تنشأ للتنفيس عن ذاتها، سيعبر الفرد عن ذاته وانفعالاته بهذا الأسلوب، وأما إذا نشأ في بيئة اجتماعية ثقافية متطورة، فسوف يستخدم أسلوبا آخر لإيقاف الجهة المعتدية عليه، بدلا من تبادل الشتائم والإساءة.
وطالبت لطفية بوقفة لإيجاد الحلول لهذه الظاهرة القبيحة، وخاصة أن القانون لا يعاقب السب والشتم بنفس القوة التي يواجه بها جرائم الاعتداء البدني، وشددت على أهمية دعم الجانب التربوي لدى الطفل، وتنشئته على الكلام اللطيف المهذب، وتحفيزه عن طريق الجوائز للأفعال الإيجابية، وأن يكون الكبار قدوة حسنة لهذا الطفل.