غاب المدير و غاب مع سعادته الختم!

الكثير منا قد جرب أن يكون موظفا ومرؤوساً أو حتى عاملا إن صح التعبير،
وجرب كيف يكون تعامل رئيس القسم أو رب العمل مع الموظفين، وخرج بفكرة معينة
عن ماهية الإدارة وما هي الأساليب التي يجب أن تكون عليها.
والإدارة في العمل لكي ينجح صاحبها لا بد أن يمتلك صفات معينة قد لا
توجد في أي أحد، ولا يمكن أن تكون لأي أحد، فرئيس العمل أو مديره ينبغي أن
يجمع بين أشياء كثيرة في شخصيته ويوافق بينها، وخصوصا إذا كان هو من سعى
إليها برغبته ودون إجبار من أحد.
ومن الممكن أن تكون هذه الصفات متعلمة ومكتسبة بالممارسة وبالتعلم من
الآخرين مهما صغرت أو كبرت وظائفهم أو أدوارهم في الحياة.
ومن يدير دفة العمل في المؤسسة أو في الدائرة الحكومية لابد أن يكون
عارفا بنفسيات البشر واختلافها مابين شخصية وأخرى، وما بين موقف وآخر، وقد
يحصل أن تجبر شخصا ما بقوة النظام على أن يؤدي عمله، ولكن أداءه عندها لن
يكون على الوجه المطلوب، فالروح النفسية والمعنوية تلعب دورا كبيرا في حسن
الأداء و في جودة العمل، ويخطئ بلا شك من اعتقد غير ذلك.
والإنسان ينبغي عليه أن يتعلم من تجارب الآخرين وخبراتهم وأن يستفيد من
أخطائهم لكي يتجنب الوقوع فيها، فالتجربة هي اختصار لأيام ومواقف وربما
سنوات مرت بأحد الأشخاص وجاءت إلينا كالهدية مغلفة ومقدمة على طبق من ذهب!
والتعيس هو من لا يستفيد من تلك التجارب ولا يتعلم منها, لمصلحته الشخصية
أولا ولمصلحة العمل والعاملين معه ثانيا.
والسعادة والراحة في العمل لا يمكن أن تتحقق لشخص واحد دون أن يشاركه أو
يتقاسمها معه أحد غيره, فهي رقم لا يقبل القسمة على واحد! ومن الصعب أن
تكون إلا بمشاركة جماعية إن صح التعبير.
والنظام قد وضع لمصلحة سير العمل لا إلى تعقيد الموظف وتقييده و جعله
غير قادر حتى على التنفس أو الحجر عليه في زاوية ضيقة لا يستطيع الحراك
فيها، فالموظف في النهاية بشر يشعر ويتنفس الهواء كما تتنفسه بقية الكائنات
الحية، ويتعرض لعوامل التعرية كما تتعرض لها بقية المخلوقات.
ولهذا يجب أن يكون رب العمل مرنا في إدارته وفي تعامله مع موظفيه، فيعمل
بمبدأ التغافل الجزئي عن بعض الأخطاء الصغيرة في العمل والتي لا تمس صلب
العمل مع التنبيه عليها بطريقة أخوية لبقة دون المساس بشخصية الموظفوكما
قال المثل الإنجليزي: إنك تستطيع أن تذهب بالحصان إلى النهر، ولكنك لن
تستطيع إجباره على الشرب!
والعمل لا يمكن أن ينجح دون إدارة ناجحة تدرك أن المركزية سبب رئيس في
فشل العمل، وعلى ذلك فالتعاون ومحاولة مشاركة الجميع وتوزيع مهام العمل على
كل الموظفين أمر مهم لسير العمل حتى مع غياب الرئيس أو المدير.
وهذاهو المدير صاحب الفكر العملي، والذي بغيابه لا يتعطل ولا يتأثر
العمل، بل كأنما هو حاضر بفكره وأسلوبه بين موظفيه.
وبعض المدراء ورؤساء الأقسام، لديهم فهم خاطئ في أسلوب الإدارة وفي
طريقة التعامل مع الموظفين فالختم الرسمي لن تجده إلا في جيب المدير فإن
غاب أو أخذ إجازة غاب مع سعادته الختم! فتتعطل مصالح المراجعين ومعاملاتهم!
ويتعطل بذلك عمل الموظفين أنفسهم.
وتجد البعض يسعي بيديه ورجليه لنيل الإدارة وهو لا يفهم أبجديات التعامل
البشري فضلا عن الإداري! فيبحث عن الوساطة والشفاعات لكي تجعل منه مديرا
كمظهر فقط لا كجوهر, وما إن يجلس فوق الكرسي حتى ينتفخ ويرتفع عن الأرض
ببضعة أمتار، ويكاد أن ينظر لمن معه من موظفين على أنهم عمال في مزرعة
والده!
وهو باعتقاده أن الإدارة عبارة عن طاولة وكرسي دوار, سيأتي يوم لا محالة
ويدور به, متناسياً أن المعاملة الحسنة والذكرى الطيبة هي التي تبقى في
الذاكرة.
وأخيرا :
فإن رب العمل ومن حيث لا يعلم أو قد يعلم، فإن تأثير تعامله السلبي أو
الإيجابي ينتقل مع الموظف إلى منزله وأسرته، فلو احتسب الأجر وفكر في مدى
ذلك ووظفه توظيفا مناسبا فسيكون له من الأجر الكثير بلا شك.