عنوسة الرجال شعور بالإحباط

من طرف **المتمردة** الأحد مارس 21, 2010 11:14 pm

عنوسة الرجال شعور بالإحباط

دمشق - سمر وعر:

تعتبر مشكلة عدم الزواج من أبرز المشاكل الاجتماعية التي أخذت تتفاقم في
المجتمعات العربية خلال العقود الأخيرة وتقف وراءها أسباب اقتصادية
واجتماعية متشابكة أدت إلى زدياد عدد الفتيات والرجال الذين فاتهم قطار
الزواج فأصبحوا بحكم العوانس حيث إن ظاهرة العنوسة لا تعد مشكلة من مشاكل
مجتمعاتنا العربية والإسلامية بقدر ما أصبحت ظاهرة تدل عليها الأرقام
والإحصائيات، ولم تعد العنوسة مقتصرة على الفتيات اللاتي تجاوزن سن الزواج
في بلادهن بل تجاوزتها الى الرجال فقد أصبحنا نجد أن أعدادا كبيرة من
الشباب تجاوزت أعمارهم العقد الثالث ولم يتزوجوا، وقد حالت بينهم وبين
تحقيق هذا الحلم ظروف وصعوبات، ما جعلنا نبحث اليوم في موضوع عنوسة الرجال
أسبابها وعلاجها .

تنطفئ شمعة حياتهم وتذبل زهرات شبابهم على الرغم من أن الموروث الاجتماعي العربي
يرفض الاعتراف بظاهرة العنوسة للرجل باعتباره القادر على الزواج متى أراد
وفي أي عمر كان، إلا أن إطلالة على الواقع تؤكد غير ذلك .فالرجل العانس هو
من تجاوز الخامسة والثلاثين من عمره دون أن يتزوج أو دون أن يظهر أنه مقبل
على ذلك في وقت قريب ورغم الإصرار على أن “العنوسة” لقب نسائي فقط فإن لغة
الأرقام تؤكد أيضا معاناة الرجال منها، ففي سوريا تبلغ نسبة الرجال
العانسين 50 في المائة من الشباب تتراوح أعمارهم بين 30-،40 وفي مصر7 .29
في المائة تتراوح أعمارهم بين 35 و،40 وفي لبنان 95 في المائة تتراوح
أعمارهم بين 25 و35 وفي الأردن 9 .31 في المائة تتراوح أعمارهم 25-35 ،
وفي قطر 15 في المائة والبحرين 20 في المائة وهذا يهدد المجتمعات العربية
بالخطر والانحراف القيمي والأخلاقي .

في لقائنا مع بعض من فاتهم قطار الزواج باختيارهم أو رغما عنهم فتحوا لنا قلوبهم وحدثونا بصراحة .

عبد المجيد الحجي رجل أعمال ناجح يقول لقد فقدت الثقة في هذه الدنيا فلم يعد
يهمني أن أكون متزوجا أو أبا له أبناء رغم امتلاكي ثروة طائلة، فلا يهمني
ولا أفكر في من سيرثني بعد مماتي، فقد ضاع عمري بحثا عن المال وها قد جاء
المال فما الجدوى وختم كلامه اسألوا الظروف .

أما أمثل عبد الواحد: فهو يرفض الزواج من فتاة لها تجارب سابقة وهذا ما جعله
يتأخر في الزواج حتى أصبح في الخامسة والأربعين ولم يجد فتاته تلك، وهذا
مايشعره بالقلق والضيق خاصة مع زملائه وأولادهم لإحساسه بالحرمان، موضحا
أن عدم ثقته بالآخرين وشكه فيهم منعه من خوض هذه التجربة إلى أن وجد نفسه
وحيدا تائها في هذه الدنيا .

ويقول عمار الهيثم: بكل صراحة أنا لم ولن أتزوج أبدا لأنني خلال دراستي الجامعية
أحببت زميلة لي ولكن ظروفي المادية لم تكن جيدة، وعندما ذهبت لخطبتها بعد
حب دام ثلاث سنوات كان الرفض في انتظاري من أهلها لسوء وضعي المادي فتحطم
قلبي وضاع حلمي وما أزال عازبا .

ويتحدث وليد أبو العلا بغصة قائلاً: أنهيت دراستي الجامعية والخدمة الإلزامية
والحمد لله حصلت على وظيفة بمرتب لا بأس به، ولكن لا أستطيع أن أفكر في
الزواج وأعتبره حلما بعيد المنال بالنسبة لي، فارتفاع المهور وتكاليف
الزواج وتأمين المنزل وطلبات الزوجة كلها تحتاج لمبالغ طائلة، ولو بقيت
أعمل ليلا ونهارا وأدخر كل راتبي أحتاج لسنين طويلة حتى أحقق جزءا من
متطلبات الزواج وعلي أن لا آكل ولا أشرب، بل أصبحت آلة لجمع النقود فقط
وربما لا استطيع أن أحقق هذا الحلم ولكم أشعر بالإحباط عندما أرى شابا
أصغر مني قد تمكن من تكوين نفسه وتأسيس عائلة، وأنا أستغرب من نفسي فأنا
لا أعاني أية صعوبات أنا متعلم ووضعي جيد ولكن لماذا لم أتزوج بعد؟ سؤال
تصعب الإجابة عنه أليس كذلك؟

كامل الخالد: (37 عاما) يقول أنا أعمل في البناء ولا استطيع الزواج لأنني لا
أتمتع بالاستقرار الوظيفي فأنا لاأملك أية ضمانات في العمل وليس لي أي
حقوق ورب العمل ربما يصرفني من عملي في أية لحظة، في وسعي تأمين منزل ولكن
بمساعدة أهلي لأن الراتب الذي أحصل عليه غير كاف ولا يساعدني على الادخار
ويمكن أن أفقده في أي وقت، لقد عرفت فتيات كثيرات وأطمح لأن تكون واحدة
منهن زوجتي لكن ما إن أصارح الفتاة بوضعي المادي حتى تصل العلاقة الى
ختامها، وكلي ثقة في أن الله سيجعل لي مخرجا .

أما بشار هواري أنا عانس بإرادتي لاتستغربوا فكما نجد في المجتمع أشخاصاً
يبذلون كل ما بوسعهم دون أن ينجحوا في الزواج، كذلك يوجد من الرجال من
يميلون إلى العزوف الاختياري عن الارتباط الأسري رغم قدرتهم على توفير كل
متطلبات الزواج وأنا واحد منهم، فالزواج في المجتمع العربي يمثل حالة من
الارتباط الشديد وله متطلبات كثيرة تلزم الشاب بالكثير من المسؤوليات لذلك
فإنني واحد من الذين يفضلون التخلي عن ذلك وأنا لاأرغب في إشراك شخص آخر،
أي امرأة في حياتي .

أما محمود حسن (38 عاما) يقول لقد ضاع العمر وأنا أبحث عن فتاة أحلم بها منذ
صغري تعرفت إلى الكثيرات ولكن لم أجد التي أبحث عنها، والذي استنتجته أن
أغلب الفتيات يبحثن عن عريس جاهز يملك المال والمنزل والسيارة وكلها
مستلزمات العصر وأنا لا أملك كل متطلبات الزواج لذلك قررت أن لاأفكر في
الارتباط إطلاقا .

يعلق الدكتور طارق عبد المجيد باحث في علم الاجتماع على الموضوع من وجهة نظر
تخصصية بقوله: إذا أردنا البحث في أسباب ارتفاع سن الزواج والآثار
المترتبة عليه لابد من تحليل ظاهرة العنوسة تحليلا شاملا والنظر إليها في
ضوء التحولات الفكرية والاقتصادية والثقافية العالمية وتعني التحولات
الفكرية التغيرات التي طرأت على مفهوم الأسرة عامة وظواهرها المتمثلة في
الطلاق والتفاعلات الاجتماعية داخل الأسرة قد تغيرت المفاهيم المرتبطة
بالحياة الأسرية خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة، وأنتج عصر ما بعد
الحداثة أفكارا ومفاهيم تتعلق بالتحول بالأسرة نحو شكل مخالف ومغاير للنمط
التقليدي لها خاصة مع وجود آراء تدعو إلى أشكال بديلة للأسرة، كما أن
زيادة نسبة العنوسة بين الفتيات والشباب على السواء أدت إلى تحولات
اجتماعية أدت بدورها إلى تبديل وتغيير أنساق القيم لدى الأفراد حيث انهارت
القيم التقليدية وأصبحت قيم الأسرة وقيم الاحترام بين الزوجين وتقديس
العائلة تحتل مرتبة متأخرة في سلم القيم، وأثرت التغيرات الاقتصادية
العالمية في المجتمع المحلي وأدت إلى مشكلات نوعية في المجتمعات كالبطالة
الدائمة وندرة فرص العمل وارتفاع الأسعار لاسيما كل ما يتعلق بمستلزمات
الزواج . وفي دراسة نفسية للرجل العانس أكد الطب النفسي أن الرجل العانس
بإرادته يجد صعوبة في الارتباط النفسي والاجتماع الإنساني، وقد يكون رافضا
لتحمل المسؤولية، والبعض الآخر أعفته بيئته من تحمل هذه المسؤولية، والرجل
الذي تأخر في اتخاذ قرار الزواج إلى أن وصل إلى سن معينة يكون من الصعب
عليه بعد ذلك تغيير أسلوب حياته كالنوم والأكل والشرب والعمل وإدارة
العلاقات الاجتماعية، خاصة أن دخول المرأة في حياته كزوجة يتطلب الكثير من
التغيرات وهذا ما يخافه حيث انه عاش عقودا من الزمن على شكل نفسي معين
يصعب تغييره وهؤلاء يعانون “العزوبية المرضية”، كما أن عدم ثقة الرجل
بالمرأة نتيجة خلل نفسي شديد الخطورة ناشئ نتيجة اضطرابات العلاقة بين هذا
الرجل وأمه أو أخته أو غيرهما في سنوات الطفولة والمراهقة وهذا ما أدى إلى
تحول انعدام الثقة إلى كراهية، وهذه الحالة يصعب علاجها إذا تخطى الرجل سن
الأربعين ولن يفوتنا التذكير بأن بعض الرجال يخافون من حدوث الخلافات
الزوجية نتيجة ما يسمعونه في محيطهم يؤثر فيهم ويجعلهم عازفين عن هذه
الخطوة وهنا نقول لابد من مقترحات تساهم في الحد من انتشار هذه الظاهرة
حيث ان الحل يحتاج إلى تكاتف الأيدي وتشابكها حتى نتمكن من الحصول على
نتيجة .

إنها دعوة لتكاتف الأسرة والمجتمع للقضاء على مشكلة الظروف الاقتصادية ووضع
الحلول العلمية والعملية للبطالة وتقديم الدعم المادي والمعنوي للشباب من
قبل الأسرة والحكومات كإقامة الأعراس الجماعية وهي ظاهرة غدت موجودة في
أكثر المجتمعات حيث تشجع فيها الزواج من خلال تقديم المساعدات المطلوبة
لبناء أسرة ولن يفوتنا التذكير بضرورة تشجيع الدولة على بناء المساكن
الشبابية، وأرغب في توجيه كلمة للفتيات بشكل خاص بعدم المغالاة في طلباتهن
عند الاقتناع بالشخص الذي يمكن أن يكون زوج المستقبل مثل المغالاة في
الذهب وإقامة حفل الزفاف في القاعات الفخمة وشهر العسل في المكان المميز
إضافة للمتطلبات الأخرى، فيمكن جعل هذه المتطلبات رمزية ولن يفوتنا الكلام
على فكرة غدت منتشرة في السنوات الأخيرة في بعض المجتمعات وهي اختيار
الفتاة للزوج الذي يناسبها والقيام بخطبته و كل ذلك خطوات مهمتها الحد من
ظاهرة العنوسة في المجتمع سواء عند الفتيات أو الرجال والسعي لتخطي هذا
الأخطبوط الشرس .