إنها الروح

في بعض الأحيان تمر بنا لحظات نقاء نحس خلالها بالرضا عن ذاتنا ونستعرض فيها أحداثاً شكلت وقفة في تاريخنا الشخصي . يحدث ذلك وخاصة عندما تكون سريرة النفس نقية والشوائب فيها قليلة جداً فتصغر إلى درجة الذوبان في نقاء النفس . وهذا ما جعلني أكتب .

لا تقل أنك تعرف شخص إلا بعد عشرة تتلمس فيها صدقك تجاهه وصدقه تجاهك من خلال تعامله مع الآخرين وليس معك . فحين يتعامل معك شخصياً يراعي فيك أشياء قد تكون غير مستحبة للناس ولكنه يتقبلها منك ، أما حين يكون مع الجميع شخص محبوب وصادق فهذا يعني أنه صادق معك حتى ولو سمعت منه أحيانا ما لا يرضيك ولكنها تكون الحقيقة فتقبلها وأصلح من شأنك . هذا كله لأقول أن من سمعت منه هذه القصة التي أكدت أن النقاء والنوايا الخيرة والصادقة تجعل شفافية الإنسان قريبة من المطلق ولحسن الحظ أننا لا نتواصل بذلك إلا مع من يتشابه معنا وفي تزامن واحد .
تابع

المدير كان يعلم أن صديقه هذا قد قدم طلباً للهجرة إلى كندا وهو من سكان محافظة بعيدة نسبياً عن عاصمة بلده . ولكن التقاه بالعاصمة فكيف ؟!

كان المدير يقضي إجازته السنوية في القاهرة وبينما هو هنالك ولن أخبرك عن روعة ليالي الحسين في القاهرة ونسمات الليل على شاطىء النيل مما يجعل المرء في أجواء لا تذكره إلا بجمالية اللحظة . ولكن أحس فجأة بشوق عارم لرؤية صديقه الذي لا يعرف إلا إسم مدينته وليس لديه الآن رقم تليفون أو عنوان فكيف يصل إليه ،كان يفكر بهذا الشوق للقاء صديقه بحيث أنه قرر في الصباح السفر إلى دمشق للقائه وهو لا يعرف كيف ولكن هذا الهاجس كان يملأ روحه .

حزم أمتعته وذهب إلى مطار القاهرة ليحجز تذكرة سفر إلى دمشق ولكن لم يجد إلا طائرة مغادرة إلى بيروت بعد قليل . حسناً أصل بيروت ثم بينها وبين دمشق مسافة بسيطة بالسيارة المهم أن أصل هناك الآن . تصوروا هذا التسلسل في الأحداث وما سيأتي أكثر سحراً . وصل بيروت ومنها لدمشق ثم لفندق الشام أو أمية وهما ما ينزل فيهما عادة . لم يجد حجز في أي منهما ، يا الله وماذا بعد . إتجه إلى الفندق الأقرب منهما وفي نفس المنطقة حيث سكن في قريب منهما وهو يفكر ويقول في نفسه أحس بأنني سألتقي صديقي ولكنه لم يعرف كيف .

/تابع

نزل من توه إلى الشارع وسلك الطريق الذي يؤدي إلى ساحة المرجة وهو طريق مزدحم بالسيارات والمارة على حد سواء إلى درجة أنك ينبغي أن تقف في مكان معين ومتفق عليه إذا كنت على موعد مع أحد هناك كي يتمكن من مشاهدتك كيلا لا تتوه عنه . وهكذا كان يمشي في الشارع وكما قال في حديثه معنا كنت أرى وجه صديقي في جميع وجوه المارة !!!

وبينما هو منهمك في النظر لوجوه الماره إذ بصديق أمامه وكان اللقاء الحار وقوة الصداقة التي ربطتهما وعنفوان اللحظة الأخوية . وبعد أن هدأت النفوس بادره صديقه بأن كان لديه شوق لرؤيته وبأنه كان يفكر به حيث أن طلب الهجرة قد قبل وأنه مسافر بعد عدة أيام ، وأن وصوله لتلك المنطقة كان من غير تخطيط مسبق ولكن مشاعره أجبرته على سلوكه رغم أنه لا عمل لديه في هذا الشارع وأنه يجب أن يسافر إلى مدينته ليحزم أموره إستعدادا للسفر إلى كندا ، إلا أن شوقه وخوفه من السفر دون لقاء من كان بمثابة أخ له أمر عز عليه فأخبرته روحه أن توجه لدمشق وإمشي في ذاك الشارع وفي توقيت محدد لتلقى العزيز على قلبك تماماً كما حدث مع راوي القصة . أليس صدق المشاعر ورقة الإحساس ونقاء السريرة أمر يستحق أن نتمتع به ونبذل جهدا أكبر في تحصيله ونمارسه على كونه منهج حياتنا ولنا في رسول الله وصحبه إسوة حسنة .

من طرف **شام** الإثنين مايو 18, 2009 11:53 pm

سلمت يداك يا سيدي على هذا السرد الرائع
ما أحوجنا لمثل هكذا صداقة نقية و آمنة تجمع بين أصحابها
الود و المحبة و الأخلاق الحسنة .

نحن دائماً ننتظر منك المميز و الرائع
و انت دائماً لا تخيب ظننا
سلمت يا سيدي و سلمت أناملك
التي لا تكتب إلا الرائع و المفيد .

من طرف **Admin** الأربعاء يوليو 01, 2009 7:54 pm

إنها الروح

إنها الروح

رد: إنها الروح

رد: إنها الروح

رد: إنها الروح

رد: إنها الروح