غاب صديقي النبيه عن مجلسنا

فقد غاب صديقي النبيه عن مجلسنا علي غير العادة

فقلت أذهب إليه وأطمئن عليه فأتيته في المساء

بعد أن أدينا صلاة العشاء فرأيته وهو مكتئب حزين كاسف البال

مقطب الجبين فقلت مهلا يا صديقي ما الذي دهاك وعن مجلس الأحباب صرفك

وزواك قال ليس لي أصحاب ولا أحباء وحق ما قال بعض البلغاء:

ما ودك من أهمل ودك

ولا أحبك من أبغض حبك.

وصدق الذي قال :

وكل أخ عند الهوينا ملاطف

ولكن ما الإخوان عند الشدائد

وقد قيل علة المعادة قلة المبالاة .

قلت هذا كلام خطير فما الذي دعا لكل هذا التغيير؟

قال أوما سمعت بالأمس أخان حسان حين استهزئ بي بين الإخوان

وليست هذه المرة الأولي فله في السخرية مني يد طولا

وكم حثدتني نفسي بالصبر علي هذا القول

ولكن قد فاض من الكيل قلت: سامحك الله أوما قرأت قول الله

]فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ[ [الشورى:40].

]وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ[ [البقرة:237].

لقد قال الحكيم ونعم ما قال:

الرجل بلا صديق كاليمين بلا شمال وكنت إذا الصديق

أراد غيظي وأشرقني علي حنق بريقي عفوت

ذنوبه وصفحت عنه مخافة أن أعيش بلا صديق.

وقد قال القائل :

أعاتب إخواني وأبقى عليهم

ولست بمستبق أخ لا أعاتبه

لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم

«الأرواح جنود مجندة فما تناكر منها اختلف وما تعارف منها ائتلف».

إن الصديق يا أخي إنسان هو أنت إلا أنه غيرك

فلا تكن في شك من أمرك ولعمري إن إخوان الصدق لمن أنفس الزخائر وأفضل العدد.

وقد قالت الحكماء: رب صديق أود من شقيق.

وقيل لمعاوية : أيما أحب إليك قال صديق يحببني إلي الناس.

وقد قالوا : حلية المرء كثرة إخوانه.

أوما دريت أن التارك للإخوان متروك وإن مضي أخوك فلا تلقي له خلفا

والمال بعد ذهاب المال مكتسب.

أو ما سمعت قول القائل:

لكل شيء فقدته عوض

وما لفقد الصديق من عوض

يا أخي : لا ينبغي أن تزهد في صديقك لخلق أو خلقين تنكرهما

طالما رضيت غير ذلك من أخلاقه لأن اليسير من الذنوب مغفور.

وقد قال أبو الدرداء : معاتبتي الأخ خير من فقده.ومن لك بأخيك كله.

أو ما سمعت قول القائل طلب الإنصاف من قلة الإنصاف.

وقول القائل لا يزهدنك في صديقك حمدت سيرته وارتضيت

وتيرته وعرفت فضله وخبرت عقله عيب تحيط به كثرت فضائله

أو ذنب صغير تستغفر له قوة وسائله فإنك لن تجد أبدا

ما بقيت مهذبا لا يكون فيه عيب أو لا يقع منه ذنب

ومن ذا الذي ترجي سجاياه كله كفي المرء نبلا أن تعد معايبه.

أخي الكريم : لا ينبغي أن توحشك فترة تجدها منه ولا أن تسيء به الظن

في كوبة تكون منه طالما لم تتحقق تغيره ولم تتنكر تنكره

وقد قيل في الحكم: لا يفسدنك الظن علي صديق قد أصلحك اليقين

له لا يؤيسنك من صديق نبوة ينبوا الفتي وهو الجواد الخدرم

فإذا نبي فاستبقه وتأنه حتى تفيئ به وطبعك أكرم .

وقد قيل :

إذا ما حال عهد أخيك يوما

وحاد عن الطريق المستقيم

فلا تعجل بلومك واستدمه

فإن أخا الحفاظ المستديم

فإن تك زلة منه وإلا

فلا تبعد عن الخلق الكريم

أخي الكريم قال أبو الأسود الدؤلي :

وكن معدنا للخير واصفح عن الأذى

فإنك لاراء ما عملت وسامع

إذا كنت في كل الأمور معاتبا

لم تلقي الذي لا تعاتبه

إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى

ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه

فعش واحدا أو صل أخاك

فإنه مقارف ذنب مرة ومجانبه

إن من حق الإخوان أن تغفر هفوتهم ، وتستر زلتهم ؛

لأن من رام بريئا من الهفوات ، سليما من الزلات ، رام أمرا معوزا ،

واقترح وصفا معجزا. فلا صديق بلا زلة

ولا جواد بلا كبوة ولا عالم بلا هفوة ولا صارم بلا نبوة.

وقد قيل لبعضهم: أي إخوانك أحب إليك ؟

قال : من غفر زللي ، وقطع عللي، وبلغني أملي .

وقال بعض الشعراء:

ما كدت أفحص عن أخي ثقة

إلا ندمت عواقب الفحص

وقال أحدهم للشافعي- رحمه الله- أو عن الشافعي - رحمه الله-

أحب من الإخوان كل مواتي وكل غضيض الطرف عن عثراتي

يوافقني في كل أمر أريده ويحفظني حيا وبعد وفاتي

فمن لي بهذا ليت أني أصبته فقاسمته ما لي من الحسنات.

يا أخي أن الشافعي- رحمه الله- يقول:

تصفحت إخواني وكان أقلهم على كثرة الإخوان أهل ثقاتي.

فكن للود حافظا وإن لم تجد محافظا وكن للخل واصلا

وإن لم تجد مواصلا وإذا لم تتجاوز عن أخ عند زلة فلن تجد من يغفر لك زلتك.

وكيف يرجوك البعيد لنفعه إذا كان الصديق عن خيرك عاجزا.

أخي الكريم: اعذر أخاك على ذنوبه واستر وغط على عيوبه

واصبر على بهت السفيه وللزمان على خطوبه ودع الجواب

تفضلا وكل الظلوم إلى حسيبه واعلم بأن الحلم عند الغيظ أحسن من ركوبه.

وقد قيل : من استصلح عدوه زاد في عدده ، ومن استفسد صديقه نقص من عدده.

وقد قيل لبعضهم : أيما أحب إليك أخوك أو صديقك؟ فقال: أخي إذا كان لي صديقاً .

وفي ختام الكلام يا أصيل يا ابن الأصيل اسمع ما يقول المولي الجليل

]فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ[

قال عَنْ عَلِيٍّ t يا أولي الألباب الصْفَح الْجَمِيل هو الرِّضَى بِغَيْرِ عِتَابٍ.

في الأثر من كلام خير البشر

«تعرض الأعمال كل يوم اثنين وخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله

شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظرا هذين حتى يصطلحا»

قد علمنا قوله صل الله عليه وسلم

«لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»

قال شفيتني شفاك الله وجزاك عني خيرا.

أسأل الله أن يمتعنا وإياكم بحسن الصحبة وأن يحفظنا

وإياكم من الكبوة وأن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضي

وأن يجعل خير عملنا خواتمه وخير عمرنا أواخره وخير أيامنا يوم أن نلقاه.