الغربة الحقيقية.. هي:

الغربة الحقيقية أن تكون حيا ترزق إلا أنك ميت وأن تكون غريبا بين أهلك في حين أنك ملكا بين الغرباء . كلام له خلفيات كثيرة كبيرة المعنى . ولكن لم يكن الملك ملكاً بين الغرباء أبداً فمن لم يسعد بين أهله لا يمكنه أن يجد السعادة مع الغرباء .
الغربة هي غربة المرء عن نفسه وهو في جلده . ليس البعد عن مكان النشأة هو غربة , بل الغربة هي لماذا إضطررت للإبتعاد , تلك هي الغربة . أعطني ذكريات جميلة , وزهرة عبيرها فواح , وكسرة خبز , فلن أشعر بالغربة . ترى هل هذا مطلب كبير . كل التراب جميل , وكل الهواء فيه ما يكفي للحياة. كثيرة تلك الأشياء التي نفتقدها ولا أدري كيف سرقت منا , وكيف سمحنا بسرقتها . ربما ونحن نبحث عن ذاتنا ؟, لست أدري ! ربما .

لقد أثرتَ فيَّ شجونا أيها المتميزُ بالطيب
وللغربةِ حديثٌ طويل
وللغرباء ليلٌ طويلٌ طويل
وللغربةِ صورٌ وأشكالٌ ومعانٍ تختلف منْ فردٍ لآخر بحسبِ طبيعةِ الفردِ من حيثُ المشاعر والأحاسيس وطريقة التفكيروغير ذلك من المقاييس.
وربما كان أشهر معنى للغربة هو غربة المرء عن وطنه، وهذا من أبسط أنواع الغربة إذْ أنه ينتهي بالعودة للوطن.
وأعظمُ أنواع الغربةِ تأثيرا في النفس هو غربة المرء وهو في حضن وطنه ، وفي جوار أحبابه وأصحابه !! كيف ذلك ؟؟
حين يعيش المرء وسط أناس يخالفونه في الفكر والمشاعر والاعتقاد، وهذه الغربة قليلٌ منْ يثبتُ تحت وطأتها وينجو من فتنتها، والفتنة هنا أن يتخلى عن مبادئه وقناعاته تدريجيا حسب حجم الضغوط من حوله ، وهنا تظهر على السطح أمثالٌ وحكم فارغةٌ من المعاني يتناقلها الفارغون من الناس مثل ( حُطْ راسَك بين الروس وقولْ يا قَطّاع الروس )
( مشْ معقولْ أنا العاقلْ وكل الناس مجانين )
( لا تهدي منْ أحببت ) وهذه الجملة هي خطأ فاحش ينسب إلى كتاب ربنا بتزويرِ وتبديلِ الآية الكريمة { إنّكَ لا تهدي منْ أحْببْت ولكنَّ اللهَ يهدي من يشاء } والفرق واضح بين الجملة والآية الكريمة، فالجملة فيها النهي عن هداية من أحببت أما الآية ففيها نفي الهدايةِ عن الرسول والنبي وَرَدّها الى من بيده مفاتيح القلوب تبارك وتعالى.

وأجمل معنى للغربة وأشمله هو ما ذكره الامام اب القيم الجوزية في قوله:-
فحيَّ على جنات عدنٍ فإنها ،،،،، منازلك الأولى وفيها المخيمُ
ولكننا سبيُ العدوِّ فهل ترى ،،،،، نعودُ إلى أوطاننا ونسَلّمُ
فجعل كل بني آدم في غربة دائمة إلى أن يرجع إلى وطنه الأصلي وهو الجنة. نسأل الله تعالى لنا ولكم عودة حميدة إلى جنات عدنٍ التي وعد الله عباده المتقين.