أنت القائد لهذه الأرض/تولَّ القيادة

هل فكرت في يوم من الأيام أن تكون أنت القائد لهذه الأرض ؟ أم أنك لا زلت ترضى بأن يقودك غيرك ؟

منذ بداية حياة الجنس البشري على الأرض ، وعلى الرغم من تشابه البشر الظاهري في السمت والسلوك ، إلا أنهم تعارفوا من وقتئذ على وجود قائد يكون إمامهم ، يسيرون وراءه ويطيعون أمره ، فلماذا يريد الناس لهم قائدا ؟

لماذا القائد ؟

مع نشأة أول المجتمعات ، مع اختلاف عقليات الأفراد وطرق تفكيرهم ، كان من الصعب أن يتخذوا رأيًا واحدًا سديدًا في أمورهم المهمة ، فكان لابد من اختيار واحد منهم يرى هذا الرأي السديد في القرارات الفاصلة ، ولا يتقدم أحد على رأيه ولا يتأخر عنه ، وذلك لضمان قوة هذا المجتمع واستمرار وجوده ، حيث أن اتخاذ قرارين في أمر واحد يجعل من تنفيذهما معًا أمرًا مستحيلا ، فما بالنا بأكثر من ذلك من القرارات ، ولكن ماهي الصفات التي تجعل من هذا الفرد أو ذاك الشخص المناسب في موقع القيادة ؟

كيف أكون قائدًا ؟

لا شك أنك إذا رأيت أناسًا يولون شئونهم وعلياء أمرهم لشخص ضعيف الشخصية ، مضطرب القرار ، جبان القلب ، فإنك ستتهمهم بالخبل ، فإن القائد لابد وأن تتوافر فيه عكس هذه الصفات تمامًا ، كأمر بديهي ، فالقائد الحق يتصف بأنه قوي الشخصية ، جزل الرأي ، ثابت القرار ، شجاع مقدام ، هذه هي صفات القائد الأساسية ، والتي يمكن إضافة بعض الصفات الفرعية إليها مع اختلاف الظروف من زمان أو مكان أو غيرهما ... أما وإنه من حق كل إنسان أن يطمع في القيادة ويحلم بها ، فإنك لابد أن تكون ذا همة عالية في طلب هذه القيادة ، لتفوز بها ، وأول خطوة على هذا الطريق هي معرفة الصفات المذكورة عن القائد ، ثم سؤال نفسك : " ما الذي ينطبق علي من هذه الصفات ؟ ، وبالطبع : ما الذي لم أنل منه نصيبًا منها ؟ " ...
لا شك أننا نجد تفاوتا بين كل مجيب ، فهذا لديه الشجاعة ، ولكنه متهور ليس سديد الرأي ، وذاك عبقري الرأي جبان النفس ، وثالث ورابع وأكثر مختلفون في صفاتهم ، إذن القيادة هي التي تختار منا ، ولسنا نختارها لأنفسنا ...

الكائن المتغير :

ولكن هذا الكلام فيه نظر ، فإن الإنسان كائن قابل للتغير ، فكم من إنسان مقود ذليل تحول في لحظة إلى فارس شجاع ، وقاد نفسه أولا ثم تعدت قيادته لمجتمعه ، وبالعكس : كم من قائد عاش في القيادة فترة من الزمن ثم ما لبث أن تبددت قيادته وذهبت أدراج الرياح ، وقد اشتهرت فكرة أن الإنسان بداخله طاقة كامنة ، تتغير قوة ظهورها بتغير ظروفه وأحواله ، وقد آن الأوان لنعرف ما نستفيده من هذه القوة !

الطاقة الكامنة ( صانعة العجائب ) :

الإنسان يكون نائمًا نومًا هادئا ، مسترخيًا غير مبالٍ بالدنيا وما يحدث فيها ، وفجأة إذا أيقظه أحد وقال له : " لقد تأخرت عن ميعادك المهم " . قفز من نومه كرد فعل طبيعي بكل ما أوتي من جهد ، وحقق أرقاما قياسية في السرعة ، ليلحق بميعاده ، على سبيل المثال ، وإنسان آخر مستضعف من قبل جميع من حوله ، لا يكاد يمر عليه يومًا إلا وينالون منه ، وفجأة يجد اعتداءًا على امرأة أو رجل كبير أمام عينيه فيؤثر فيه هذا المنظر ، ويتحول لتوِّه إلى وحش كاسر ذي أنياب ، يقاتل الرجل والرجلين بل وأكثر من ذلك ، وغير ذلك : إنها الطاقة الكامنة التي تصنع الأبطال ، أو إن شئت قل : " تصنع القادة " .
كما نلاحظ أنه ليس من شروط القيادة الأساسية الصدق أو الرحمة أو غيرهما من الصفات الحميدة ، بمعنى أن القائد إذا لم تنطبق عليه هذه الصفات يظل قابلا لتولي القيادة ، فإن كان الإنسان صادقا أمينا رحيما ولكنه مضطرب الرأي لا يمتلك الشجاعة الكافية تؤول القيادة إلى ذلك الشجاع الذكي ، الكاذب القاسي ، لذا كان لزامًا على المرء حتى تستقيم الحياة أن يتحلى بصفات القيادة بجانب صفات الأخلاق الكريمة .
فإن أنت لم تبادر لتكون أهلا للقيادة ، فإن غيرك ممن هو ليس لها بأهل سوف يقتنصها ، فتندم حينها ولات حين ندم .

قيادة ... إلى بر الأمان :

محمد صلى الله عليه وسلم أعظم قائد مر به البشر ، فكان أشجع الناس ، حتى أنه إذا اشتدت المعركة كان الصحابة يلتجؤون بظهره ، وكان أحكم الناس ، فالله هو الذي علمه ، وبالإضافة إلى ذلك فهو الصادق الأمين ، بالمؤمنين رؤوف رحيم ، رحمة للعالمين ، جمع صفات القيادة الأساسية والأخلاق الحميدة ، فكانت أمته في وقته خير أمة أخرجت للناس ، والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ، هذا هو العصر الذهبي للقيادة الصالحة ، التي فيها القوة مع الحق ، فليس للظلم ولا العنف صوت يُسمع إلا همسا .

قيادة ... إلى الهاوية :

على طرف النقيض تولى أقوام قيادة مجتمعاتهم وهم ظالمون عتاة الإجرام ، مثل فرعون ، الذي أعجب بملكه فقال أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون ، فادعى أنه الإله فقال ما علمت لكم من إله غيري ، وزعم أنه الرب فقال أنا ربكم الأعلى ، فرغم أنه كان قائدا قوي البأس مسموع الكلمة ، إلا أنه كان جبارًا فلم تستقم الحياة ، وإنما لما علا صوت الحق لجأ إلى إظهار إجرامه فحارب الحق وطارده وعذب وبطش ، ثم ما كان له أن يهلك ، فهو قائد بصفات القادة ، إلا حينما اجتمع الناس على القائد الحق وجدوا في اتباعه فأهلك الله القائد الفاسد واستبدل موسى عليه السلام به ، وتولى من يستحق .

التطور الطبيعي :

في الواقع إن الناظر في حال الدنيا يجد أنها طالما حكمها النوع الثاني من القادة ، الفاسدين ، فظهرت تطورات لحكم هؤلاء لمجتمعاتهم حتى تعدى هذا الحكم إلى ما يعرف بالاستعمار ، ففي القرون السابع والثامن والتاسع عشر ، وربما قبلهم ، تعددت استعمارات دول أوروبا لضعاف الدول في كل من آسيا وأفريقيا ، وهذه إحدى طوام القيادة الفاسدة ، فنجح هذا الاستعمار بشكل غريب في تحديد أهدافه ، فدخل البلاد وحكم العباد واستنزف الموارد من جميع عروق الدول حتى إذا لم يبق أدنى استفادة من هذه الدول طبيعيا ، استفادوا منها وأضروا بها بشريا فأخذوا خيرة شبابها رقيقا ليعملوا في بلادهم العظمى على حد زعمهم ، وما زال الحال كذلك لم يتغير حتى تشجع القادة الحقيقيون وقاموا بالثورات على هذا الاستعمار المقيت ، أو الاستخراب على حد تعبير الدكتور / جمال حمدان ، فمرة تنجح هذه الثورات ومرات تفشل حتى تحررت غالبية هذه الدول من هذه القوى الغاشمة .

استعمار ما بعد التحرير :

في الوقت الحالي أصبح من الصعب تقبل العالم ، مع التطور الفكري وعصر التكنولوجيا ، لتوسع استعماري عسكري للقوى الكبرى ، فلجأت هذه القوى إلى سياسة متطورة أيضا تتمثل في سياسة استعمار ما بعد التحرير وهو استعمار أخطر في صورته من الاستعمار العسكري ، ويتمثل في عدة نقاط تالية :

شغل الشعوب عن الأهم بما هو دونه في الأهمية : مثل التحكم الاقتصادي في العالم وتحويل الشعوب إلى مجتمعات مستهلكة ، تحتاج إلى هذه القوى الاقتصادية في كل ثانية ، وتعمل طوال اليوم لتوفير ثمن هذه الأشياء التي تستهلكها .
نشر أفكار تخريبية مما يضيع طاقات وعقول شباب الأمم هباءًا في ما يضر ، وأيضًا نشر أفكار العولمة والقوى الكبرى ومثلها من الأفكار التي تنتزع الوطنية وحب الوطن من القلوب انتزاعًا .
الاحتلال العسكري غير المباشر بإنشاء قواعد عسكرية في ظاهرها أنها تحمي مصالح هذه القوى وترسي الأمن بين الشعوب .
الاحتلال العسكري المباشر لبعض الدول لمصالح مختلفة ، مثل احتلال الكيان الصهيوني لفلسطين اغتصابًا للمكان والموارد ، واحتلال أمريكا للعراق بهدف أخذ البترول .

تولَّ القيادة

هل عندك القدرة في أن تعد نفسك من الآن لتكون أنت وغيرك القادة الحقيقيين للحاضر والمستقبل ، وتحرروا الدنيا من الاستعمار الجديد لتكونوا مثل المحررين الأوائل ؟

إذا كان الجواب : نعم ، فأقول : استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين .
وإذا كان الجواب : لا ، فأقول لك : نم عليك ليل طويل .

هل فكرت في يوم من الأيام أن تكون أنت القائد لهذه الأرض ؟ أم أنك لا زلت ترضى بأن يقودك غيرك ؟

أنت القائد لهذه الأرض/تولَّ القيادة

أنت القائد لهذه الأرض/تولَّ القيادة

رد: أنت القائد لهذه الأرض/تولَّ القيادة