قانون التدافع وأدب الخلاف

لا
ينكر عاقل أن المواطن العربي عانى كثيراً من الكبت والقمع لإخفاء صوته
وانتزاع حريته على مدى العقود الماضية ، حتى أُوجدتْ هذه التكنولوجيا
الساحرة – الانترنت - فانطلق في فضاءها ، يسبح بلا قيود ، حيث وجد فيها
غايته للتعبير عن همومه ومشاكله ، والمطالبة بحقوقه المسلوبة ليبثها على
هذه المساحات البيضاء ، ويتحدث فيها عن رؤاه وأفكاره دون خوف من سلطان أو
مبالاة برقيب يكمم فاه ويقصيه أو يفتك به ..
ولكنها تظل حرية مسؤولة
تكفل للكاتب كرامته وفق حدود وضوابط - تنظمها ، فالخلاف فطرة ، ولكن دون
إعتداء على حقوق الآخرين والتطاول عليهم وعلى حرية أرائهم ، ولو عُدمت هذه
القوانين لأصبحت حياتنا همجاً ..

وهكذا خُلق الإنسان منذ استخلافه على الأرض ، فوضع الله له قوانين وضوابط تحكمه وتُهذّب سلوكه مع الخلق والخالق ..
يقول الحق تبارك وتعالى : " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك "
ظنّت الملائكة أن الله
سيخلق جنساً مثلها مجبولاً على الطاعة المطلقة ، واستنكروا أن يكون البشر
قادرون على هذه المهمة لأنهم سيفسدون في الأرض ويتنازعون ، ولكن الله
بيّنَ لهم أنه سيجعل هؤلاء البشر مؤهلين للتمييز والإدراك بين الحق
والباطل ، وأنه سيعطيهم حرية الإختيار فمن شاء آمن واهتدى ، ومن شاء ضلّ
وكفر وأفسد في الأرض ، ولكن هذه الحرية لو تُركت دون ضوابط لفسدت السماوات
والأرض ولبغى بعضهم على بعض ، لذا كان لابد من سنّ التشريعات التي تحكمهم
وتنظم عيشهم ، ومن هذه القوانين قانون التدافع الذي يُصلح هذا الاستخلاف
البشري ..
قانون التدافع وأدب الخلاف :
يقول الله عز وجل : (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين )
إن إختلاف البشر سنة
كونية لايمكن إلغاؤها ، ولكن كثيراً مايُتّخذ العنف وسيلة للتدافع بسبب
الجهل والغرور والتعصب وفي كثيرٍ من الأحيان انتصاراً للنفس واتباعاً
للهوى ، مما يؤدي لنشوء الصراعات والحروب فيما بينهم ، ولو أنه نُظّم ووجه
للبناء والتقدم الإنساني لكان أجدر وأنفع لعمارة الأرض ورقي البشرية
وتقدمها ..

وما حال الصراع اليوم في المنتديات ، إلا صورة واقعية لقانون التدافع الفكري في عالمنا الإسلامي والعربي ..
نعم ، نحن مطالبون بدفع
الشر بالخير ومحاربته وإزالته ، وكل يدعو لنفسه بل وكل يدّعي أن منهجه هو
الحق ، ويعتد برأيه ويتمسك به ، ولابأس في ذلك فالخلاف وارد ، بل وصحي
ليميز الله الخبيث من الطيب ، والحق غالب بتوفيق الله ، ولكن لمَ الهمجية
والعنف والتطاول على الخصم بالتجريح وسوء الأدب والتعدي على جنسه وأصله
وفصله ..؟!
كيف سيُقبل من المخالف رأي أو منطق وهو بهذا الشذوذ السلوكي والتشوه الأخلاقي في طرحه وتعاطيه مع الخصوم ..؟!
إننا نعاني من أدب
الخلاف ، ونفتقر لأدنى أساليب الحوار مع القريب فضلاً عن المخالف ، وهذا
إنحدار مؤسف يهوي بالثقافة والحضارة الأممية ، والخالق عزّ وجلّ حين وضع
لنا قانون التدافع حمّلنا مسؤولية الإصلاح والبناء والنضال من أجل إقامة
العدل ونشر الخير ، لا لمزيد من الهدم والظلم والإفساد ، ونحن كمسلمون
تتضاعف مهمتنا ومسؤوليتنا تجاه هذه المدافعة ، لأننا أحق بالاصلاح ممن ضلّ
وغوى ..

بقي أن أقول : إن الحرية مسؤولية وأن الله خلق الانسان حراً فكرياً وجسدياً وحتى في اختياره " وهديناه النجدين
" ، والعاقل وحده من يجيد الاختيار الصحيح ، ويحسن تقديمه وعرضه بهدوء
وأدب ، كما أنه هو وحده المسؤول عن هذا الخيار ونتائجه ومايترتب عليه من
جزاء أو عقاب ، مالم يُتعدّى على شرع الله ..

من طرف **شام** الخميس ديسمبر 10, 2009 5:25 pm

مقال رائع جداً

الحقيقة المرة عندنا

إن لم تكن معي فأنت بكل تأكيد ضدي

أيضاً البعض يستخدم مصطلح حرية الرأي بالتعدي على الآخرين بل يصل به الأمر ليمس شيء من ثوابت الدين و كله بدعوى حرية الرأي و الرأي الآخر

بل البعض يترك صلب الموضوع و يبدأ بالتهجم على كاتبه و وصفه بألفاظ خارجة عن حدود الأدب و الذوق

ثقافة الحوار قد تكون مفقودة في مجتمعنا

ما أعظم ديننا الإسلام ... نظم حياتنا و كل شؤننا ... لو إلتزمنا به حق الإلتزام لكان وضعنا أفضل بكثير !!!

من حيث النهاية أبدأ

شرع الله

في شرع الله يجب أن لا يختلف الناس , يمكن أن أكون مغايراً ولكن ضمن شرع الله , لك ما تريد من الألوان , ونسبة الذوق عندك أنت حر فيها , لك ما تريد من ألوان الطعام ولكن , حين تتوق نفسك لأكل الثوم أغلق على نفسك الباب كي لا تؤذي الناس برائحته , أنت ترى أن السيارة اليابانية أفضل من الألمانية , أنت حر ولكن في كل الأحوال لا تسرع بها وتدهس أحد خلق الله . تحب السكن في الجبال , وأحب السكن في الأودية , ستأتي إلي حين تريد أن تحصل على سمك , وسوف أتيك حين أود أن استنشق بعض الهواء النقي البارد .

يجب أن نفكر بذلك التكامل بين الأفكار المتنوعة وليس الأفكار المتناقضة . بين السالب والموجب تنافر , وبين الحار والبارد فرق لا ينطبق ولكن هناك شيء بين كل هذه الأشياء لا يختلف عليه . بين السالب والموجب تكمن الطاقة المفيدة عبر وسائل تدفق معينة ولكن لو تلامس القطبان لإحترق المصدر . وبين البارد والحار تنوع في مخلوقات الله ويحبها كل البشر , بل ويسعون إليها فيأخذ هذا ويعطي لذاك . أما فرض رأي ينفع البعض ويضر البعض فهذا غير منطقي وغير مقبول تحت اي مسمى .

دع الهواء يدخل لأن سد المنافذ سوف يخنقنا جميعاً ولكن يمكن أن نتناقش حول فتحة النافذة هل واسعة أم ضيقة , لها زجاج أبيض أم ملون , ألمنيوم أم خشب , ثم ننظر ماذا يتفر لدينا ونقوم بعمل اللازم ليضمن لنا تدفق الهواء النقي , هذا تنوع مفيد وليس تناقض يوقف فتح النافذة ليختنق الجميع .

من طرف **حور** الأربعاء يناير 27, 2010 1:19 pm

شكرا على الطرح الطيب

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

قانون التدافع وأدب الخلاف

قانون التدافع وأدب الخلاف

رد: قانون التدافع وأدب الخلاف

رد: قانون التدافع وأدب الخلاف

رد: قانون التدافع وأدب الخلاف