منهج التربية النبوية في اختيار الزوجة الصالحة

منهج التربية النبوية في اختيار الزوجة الصالحة.. وتربية الأولاد


محمد معصوم بن بشير رسول



في عصرنا هذا، وقد غزت الفضائيات العالمية بأقمارها الصناعية العالم
بأسره، واخترقت الحجب والستور وتغلغلت في أحضان الأسر والبيوت، رغماً عن
الرقيب، لتفرض عليها زيف حضارة هذا القرن(1)، ومدنيته، من عرى وفجور،
وعادات في غاية القبح والبشاعة، بعيداً عن الأخلاق الفاضلة والمثل
الحميدة. وأوشكت هذه المشاهد مع دوام الرؤية أن تألفها النفوس، وألا تجد
فيها ما كانت تجده أولاً من نفور وبشاعة.
وتمكن هذا الغزو الجارف من تغيير مفاهيم وعادات وأعراف كثيرة للبشر، من وجه إلى وجه، ومن حال إلى أخرى.
ونحن
المسلمين بفضل الله تعالى وكرمه لا ينال منا هذا الزيف من حضارة الغرب
ومدنيته مهما طغى، ولا يبهرنا شئ من بريقه الزائف.. لأننا نملك من هدي
الوحي والنبوة ما يقينا شر ذلك كله إن تمسكنا به..
وأمام هذه الإغراءات
الشديدة، التي تشعل النار في الهشيم، وتزيد من سعار الشهوات لتدفع بالنفوس
إلى الهاوية، ولتتحلل من قيم الفضيلة، وبالتالي لتفقد رسالتها الحقيقية
التي من أجلها خلقت .. علينا أن نحصن شبابنا وشاباتنا بقيم ومثل ديننا
الحنيف أولاً وبالزواج المبكر ثانياً.. نرغبهم فيه، نخفف عنهم تكاليفه
الباهظة من المهور وما يتبعها من أعباء كثيرة.. علينا أن نكون سنداً
ومعيناً لهم في ذلك كله.. لنصون أسرنا ونحفظها من شر هذا الوباء القادم.
ويحلو
لنا في هذا المقام، العودة إلى معين منهج التربية النبوية المباركة في
اختيار الزوجة الصالحة لنبني أسرنا بناء سليماً معافى ولنربي أولادنا
تربية فاضلة ليكونوا بحق أهلاً لحمل الأمانة، التي عجزت السماوات والأرض
عن حملها وحملها الإنسان (إنه كان ظلوماً جهولاً).
يقول عليه الصلاة والسلام في الترغيب بالزواج المبكر:
(يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن
للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) رواه البخاري.
(من تزوج لله توجه الله تاج الملك) مصابيح السنة.
(من تزوج أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر). الحاكم والطحاوي.
(يا علي ثلاثة لا تؤخرها: الصلاة أذا أتت، والجنازة إذا حضرت, والأيم إذا وجدت لها كفؤاً . والأيم المرأة التي لا زوج لها.
وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن التبتل (أي الانقطاع عن النكاح إلى العبادة) فيما رواه البخاري وجعل المرأة الصالحة خير متاع الدنيا.
ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم في صحيحه: (إن الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة).
وقال
تعالى فيما رواه (الطحاوي) عن رسول الله عليه الصلاة والسلام عن رب العزة:
(إذا أردت أن أجمع للمرء المسلم خير الدنيا والآخرة، جعلت له قلباً خاشعاً
ولساناً ذاكراً، وجسداً على البلاء صابراً، وزوجة مؤمنة، تسره إذا نظر
إليها وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله).
ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه (الحاكم).
(ثلاثة كلهم حق على الله عز وجل عونه: المجاهد في سبيل الله، والناكح ليستعف، والمكاتب يريد الأداء).
وحول
حسن اختيار الزوجة مع تشعب الدوافع في ذلك يقول عليه الصلاة والسلام فيما
رواه الإمام مسلم في صحيحه: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها
ولدينها، فعليك بذات الدين تربت يداك).
وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام
فيما رواه البخاري في صحيحه: (من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلاً،
ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقراً، ومن تزوجها لحسبها لم يزده
الله إلا دناءة، ومن تزوج امرأة لم يرد إلا أن يغض بصره، ويحصن فرجه أو
يصل رحمه، بارك الله له فيها وبارك الله لها فيه).
تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم (أبوداود).
وقال
عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن عدي وابن عساكر عن عائشة أم المؤمنين
رضي الله تعالى عنها: (تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه اخوانهن
وأخواتهن).
وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام فيما رواه الطبراني مرفوعاً:
تزوجوا الأبكار فإنهن أعذب أفواهاً، وأنتق أرحاماً، وأرضي باليسير.
وحذر
عليه الصلاة والسلام من اختيار الحسناء الجميلة التي نشأت في منبت سوء،
بقوله: (إياكم وخضراء الدمن، المرأة الحسناء في المنبت السوء).
وقال
أيضاً فيما رواه ابن ماجة عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: (لا تزوجوا
النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن
أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة خرماء مثقوبة الأذن سوداء ذات
دين أفضل)..
ووما تقدم نستخلص ما يلي:
إن خير ما تنكح عليه
المرأة، في هدي النبي عليه الصلاة والسلام، دينها وصلاحها وتقواها
وإنابتها إلى الله تبارك وتعالى وإن حسن الاختيار من أولى الدعائم التي
ترتكز عليها الحياة البيتية الهنيئة فهي التي تؤمن على نفسها ومال زوجها،
وتربية أولادها تربية صالحة في صبر وحلم ورحمة.
وهي الأنس والسعادة والمودة والسكينة في الأسر، وهي، منها، بمثابة القلب من الجسد إن صلح صلح الجسد كله وإن فسد فسد الجسد كله.
ومن
تنحى عن هديه عليه الصلاة والسلام، دفع الثمن غالياً في حياته وذريته، ومن
سعادته التي ينشدها وتغدو له، في خضم نزاعات طويلة متشابكة بينه وبينها
والأولاد، حلماً كالسراب. وهذا ما نلمسه يومياً أمام أبواب المحاكم
الشرعية(2).
فهل نلهو بعد كل هذا مع هذا السراب الخادع؟! أم ننهل من المعين النقي الصافي.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.=>

مراجع البحث:
1 كتب صحاح السنة.
2 مجموعة رسائل الشيخ محمد الحامد، المكتبة العربية، حماة سورية، ط 994.
3 منهج التربية النبوية للطفل، محمد نور بن عبدالحفيظ سويد، دار ابن كثير، دمشق 998.
4 الزوجة الصالحة، الشيخ محمد متولي الشعراوي، دار الروضة، دمشق.
5 قبس من نور محمد صلى الله عليه وسلم، د. محمد فائز المط، ط3، 974.

الهوامش:
1
لئن كانت الحضارة ثمرة كل جهد يقوم به الإنسان لتحسين ظروف حياته، كما
يقول الدكتور حسين مؤنس في كتابه (الحضارة) عن سلسلة عالم المعرفة، فنحن
بدورنا لسنا ضد هذه الحضارة سواء كانت من الشرق أو الغرب لأنها تراث
إنساني لكافة البشر ولكننا لسنا مع المدنية الغربية الوافدة إلينا عبر هذه
الفضائيات والتي تغاير أبسط المثل والقيم الدينية لدينا بل وحتى الإنسانية.
2 أقول هذا من خلال تجربة عمل لي في القضاء الشرعي منذ أكثر من ربع قرن، بحمده الله تعالى وتوفيقه.