المواضيع الأخيرة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
د محمد سردار رحمه الله - 3791 | ||||
الاستشاري - 2664 | ||||
غريب الامارات - 1632 | ||||
شام - 1616 | ||||
Admin - 1570 | ||||
ام المجد - 1508 | ||||
المتميز - 883 | ||||
ود - 759 | ||||
شيماء الشام - 733 | ||||
المتمردة - 499 |
أهلا بكم
دعمكم لهذا المنتدى يكون بتبادل الفائدة وابداء الرأي نتمنى أن نتشرف بكم كأعضاء واستشاريين - بوجودكم سيكون المنتدى أجمللوحة ترحيب
أهلا بك من جديد يا زائرآخر زيارة لك كانت في الخميس يناير 01, 1970
آخر عضو مسجل زمرد١١فمرحبا بكم
أهلا بكم
دعمكم لهذا المنتدى يكون بتبادل الفائدة وابداء الرأي نتمنى أن نتشرف بكم كأعضاء واستشاريين - بوجودكم سيكون المنتدى أجملإعلانات تجارية
لا يوجد حالياً أي إعلان
جديد الاعلانات feedburner
http://feeds.feehttp://feeds.feedburner.com/akbarmontadacom/Bwkxdburner.com/akbarmontadacom/Bwkx(هذه (فتون) أجمل وأصغر بناتي).
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
(هذه (فتون) أجمل وأصغر بناتي).
كالتحفة الثمينة قدمني والدي إلى صديقه:
(هذه (فتون) أجمل وأصغر بناتي).
عندما كان الحاج (فارس) يصطاف في إحدى قرى الشام وفي دعوة غداء ريفية قضاها بين أشجار التفاح وعناقيد العنب لمحني أخطر بقامتي الشاهقة كرمح عربي انسلّ من رحم الحقول الغنّاء وعينان خضراوتان كالعشب النديّ، وطلّة متأرجحة بين الطفولة والأنوثة، استقرأ والدي الرغبة في عيني الحاج (فارس) تلتهمان حقلاً من الجمال ينضح بالربيع والنضارة.
لا أدري ماذا حدث بعد ذلك، كل ما أذكره أن الصفقة تمت على وجه السرعة وزغاريد الفرح زقزقت كعصافير المروج وقبلات معربدة بالزهو تطبعها النسوة على وجنتي (ألف مبروك، ألف مبروك).
وفي ظرف أيام أسافر إلى دنيا أخرى مختلفة تماماً عن دنياي الصغيرة التي عشت وترعرعت فيها، وزوج يكبرني بثلاثين سنة، ولأول مرة أركب الطائرة وأحلّق في الفضاء وأطل من شاهق على قريتي الخضراء وهي تختفي من حياتي إلى غير رجعة.
دخلت بيتاً فخماً فيه من الفوضوية والقدم، وعرفت أني سأعيش مناصفة مع زوجته الأولى (أم مبارك) التي أجفلت حينما أطلت من وراء الباب الموارب، ولا أدري لِمَا شعرت بالشفقة عليها، فقد كان لها سمت طيب ووجه مريح، وتبدأ حكايتي منذ دخولي هذا السجن الكئيب الذي استنزف شبابي وهدر سنين عمري حتى تركني رماد.
فماذا تفعل ابنة السابعة عشر الزهرة التي لم تتفتح بعد ولم ترصد مشاعرها تماماً، وقلبها الطري الذي مازال ينهل من رحم الأم حناناً ويتوق إلى احتضان دافئ يحتوي نزق الطفولة، يستبيحني (فارس) كجارية تتفجر فتنة، ووجبة شهيّة يلتهمها بشراهة متناسياً طقوس الحب الفطري ومشاعر الوصل الزوجي، إذ ينغمر في عربدة سوقية تسلب إنسانيتي وتذبحني من الوريد إلى الوريد، والسادية المرعبة التي أخرج منها منسلخة عن جلدي الآدمي وكدمات زرقاء في وجهي النضر، أهرب إلى ضرتي وأنا أرتجف باكية وأرتمي في حضنها فتهدهدني بحنانها وتطيب آلامي وتجفف دمعي، وكرهي لأبي يشتد يوماً بعد آخر فهو الذي ساقني إلى الموت سوق الشاة إلى الذبح، وكل ذرة في جسدي معتقلة بسجن الخوف والذعر، مسحوقة الكرامة، مهانة الكيان، وصارت عذابات اللقاء مقرونة بالضرب المبرح والوجع المضني، وأختنق في هذا الجو القاتم، فالنوافذ مغلقة والباب مقفل وعلاقاتي بالناس محرمّة وبت أعيش في حرملك قاسٍ يقمع أنفاسي ويكبت حريتي.
لم أذق لذيذ النوم أبداً، فألم الضرب وطعن القلب وجرح النفس تنحت داخلي قلقاً مستديماً، عزائي الوحيد في هذه الدنيا ضرتي (أم مبارك) التي تشاركني ألم الحرمان وقسوة الحياة وإذا بها تسرد لي قصتها وقلبها المطحون حينما غُصبت على هذه الزيجة، فهو ابن عمها وتُتهم بأنها عاشقة لو رفضت هذا العرض، كانت تواسيني ولا تغار مني بل قالت أنني الفرج لهذا القهر الذي عاشته طوال السنين، وانعطفت في حديثها نحو ابنها (مبارك) الذي يدرس في القاهرة وهو يكبرني بعامين هو سلوتها في هذه الدنيا ووحيدها الذكر مع أربع بنات متزوجات، أشارت إلى أنفها المكسور وقد لكمه زوجها قبل سنوات وشوّه أرنبته فاضطرت إلى إجراء عملية سريعة لم تعد أنفها الجميل إلى سابق عهده.
ثم كشفت الثوب عن ظهرها لتريني آثار التعذيب الوحشي وسادية هذا الرجل الذي ما رحمها ولا رأف بحالها حتى وهي في أيام حملها، قلت لها ولماذا لم تستغيثي بأهلك أو تقدمي ضده شكوى في المخفر؟ ابتسمت ابتسامة تختزل سنين يأسها:
(إن فعلت فعقابي سيكون أشد).
خامرني رعب شديد، فإن المرأة التي أمامي صورة ناطقة لمأساة طاحنة تركت آثار البؤس والشقاء على وجهها الكئيب وهزالها المرضي ويديها المرتعشتين وعينيها الخابيتين، إنها تجسّد حالتي بعد سنوات المستقبل الموعودة به على كبر، لهذا ينبغي أن أنقذ نفسي قبل الأوان، فما معنى لهذه الحياة الشقية وكل ذرة داخلي تموت في اليوم ألف مرة، كيف أمضي معه الأيام وهو لا يشاركني وجبة طعام أو لحظة سمر أو حتى حديث أُنس، بات في نظري عاصفة من البغض والشر تلفني في دوامة مرهقة ويجردني من كل شيء، من حقي في أن أعبّر عن ذاتي، إذ لا ألقاه إلا ليلاً بوجهه المفترس ورائحة الدخان تفوح من جسده وتصدع رأسي فأضطر أن أكمم أنفي درءاً لغثيان يدفعني إلى التقيؤ.
كم أشتاق إلى الشام وإلى الروابي الخضراء والسماء الصافية، حيث الطيور تحلّق في الفضاء دون قيد، ما أجمل الحرية وفاكهة المواسم تنعشنا برائحتها العطرة وأنفاسنا المعبّقة برائحة التفاح والمشمش وكأن جوفنا ينبت هذا الثمر الشهي بتكوين خاص.
كم أحن إلى صديقاتي (نهلة، وسميرة، وريم) والمدرسة القريبة حينما نمشي على الرصيف المخضر وقد نبتت في بعض تجاويفه الزنابق وهرولتنا تحت المطر في النهارات الشتويّة، كم كنت أحب المطر وانبلاج قوس قزح في عرض السماء الماطرة فشتاء الشام له طعم الثلج ونكهة الدفء المتوهج من اشتعال الحطب.
بكيت شتاءً لا يجف حتى غلبني النعاس.. انصرمت أيامي الموحشة وأنا منكفئة في صمتي، حملت عدة مرات وأجهضت فما احتمل جسدي الريّان ألم الضرب، ذبلت عيناي وعافت نفسي أدوات الزينة وانطمرت أنوثتي في هذا المستنقع الآسن وكأني بي أنتحر وفي بعض الأحيان أضرب عن الطعام والشراب لعلّني أسقط في إحدى المرات ميتة من أثر الإعياء، لكن ضرتي (أم مبارك) تدعوني إلى جناحها الخاص لنشرب القهوة وتسليني في قراءة خربشات الفنجان وتصبرني قائلة (أنتِ صغيرة وجميلة، لا تغامري بنفسك حتماً سيفرج الله همّك ويجد لكِ المخرج لأزمتك، اتصلي بوالديكِ واشرحي لهما الضيم والظلم الذي تعيشينه)، لكني عندما أستنجد بأهلي لا ألقى منهم إلا الصد والإعراض.
وهكذا تمرّ سنين حياتي وأنا أتجرع الغصص والآلام وضرتي تحدثني عن أملها، حلمها، ابنها (مبارك) الذي سيتخرج عن قريب، (إنه مختلف تماماً عن والده فهو طيب وحنون ورقيق ورث عني سجاياي)، هكذا حدثتني (أم مبارك) ولفرط إدمانها الحديث عنه ولرتابة حياتنا شعرت بفضول إلى لقائه لعلّ حضوره يضفي علينا بهجة وسرور ويكسر روتين أيامنا الثقيلة إذ بتنا مولهين بانتظاره، وفي هذه السنين نضجت أحاسيسي وتفجرّت أنوثتي وادلهمت الأفكار في رأسي، فالتجربة القاسية استفزت الشر من منابت روحي وبدأت أقاوم (فارس) وافتعل أسباب الهروب منه فقد ازداد كرهي له ونفوري الشديد منه خصوصاً عندما يغرق في نوبات سعال طويلة ورذاذه النتن يذكرني بكهولته المقرفة ومرضه التعيس، وجمالي المتفجّر من بين الأشلاء وقوة قاهرة تصلب عودي وشوك المكر ينبت مع زهر الفتنة أداري خبثي المدفون بطلاوة لساني وعذب كلماتي حتى أن ضرتي أحبتني وأخذت تتأملني ذات يوم قائلة (يا خسارتك في هذا الشايب، لو ألقى عروساً لمجيد بمثل جمالك يا فتون).
تنهدّت وأنا أكتم لهباً مستعر داخلي (كيف أشعر بجمالي وفي داخلي كائن قبيح وروح مشوّهة، كراهيتي الشديدة لكل شيء حولي وكأن منبع الحب جف داخلي، هل يكفيني هذا الصنم الآدمي الذي يفتن الناس وإحساسي بالتعاسة انعكس على كل شيء).
سنوات عمري الفارغة تنصرم في تعاسة وشقاء.. حتى كانت لي مع (مبارك) قصة دامية كانت الخاتمة لعهد الضياع والحيرة.. والبداية لانطلاقي إلى الله..
عندما دخل (مبارك) من باب الصالون وهو يحمل حقيبته خفق قلبي بشدة واضطربت جوارحي إذ فاجأني بطلَّته الفتية وهي ترشح رجولة فائرة وتفاجأ بحورية تقف على باب الجنة، غضّ بصره وشمله ارتباك وخجل فقد انفتن بجمالي وطغيان أنوثتي فاللون الفريد من الجمال قلما يجده في بلده، هرب وكأنما يهرب من خطر مريع، لكني لاحقته بنظراتي وتابعته بإعجابي المختمر أثر أحاديث أمّه المكثف عنه، فقد كنت مهيأة نفسياً لهذا الإحساس، الصورة التي نضجت في الذهن تُفَسر الآن على أرض الواقع وأبرر لنفسي أنني زوجة أبيه محرّمة عليه ولهذا لا حرج في ملاطفته ببراءة ومحادثته باحترام وأسباب الخلوة متاحة أمامنا ومحرضة على هذا الميل.
استحوذني الشيطان ورغبة جهنمية تتنامى داخلي وتمهد لي سبيل الغواية وشعوري بالاضطهاد في هذا السجن عبّد لي طريق الانتقام، تتضارب الانفعالات كأنها البركان المضطرم ويغيب عقلي ويغفو ضميري فلا أجد غضاضة في أن أسقيه كأس الحرام.
أتردد على ضرتي في جناحها وأتزين وأتعطر لأبرز أكبر قدر من مفاتني لعلي أفوز منه بنظرة أو إشارة تمهد لي السبيل، استمرئت هذه المغامرة ورغبت في حياتي وكأنما وجوده أضرم النور في القبر المظلم، وشعرت بينابيع أنوثتي تروي جسدي وروحي من جديد لكن صده كان يقتلني ويقهر شيطاني فأزداد نفوراً من زوجي حتى أنه في آخر مرة أشبعني ضرباً ولعلي تماديت باحتيال لأثير شهيته إلى الضرب لأهرب من بين يديه بعد مقاومة وأخبط باب ضرتي في أديم الليل لأثير انتباه مبارك وأستدر عطفه، ووقفت أمام ضرتي وأنا أكشف ثوبي عن ملامح جمالي المستورة وأفتعل الألم وبمبالغة شديدة لكنه أبداً كان يتهرب مني ويتحاشى الحديث معي بل أخذ يسهر خارج البيت ولا يعود إلا لينام، وكنت أخاطب أمّه في شأنه لأتقصى أخباره وبدت متضايقة من غرابة طبعه وضيق صدره وتقلباته المزاجية وختمت حديثها (ربما يريد أن يتزوج فسأباشر منذ الغد في البحث عن عروس مناسبة له)، انقبض قلبي فقد سددت إلى صدري سهماً ساماً حطم كل أحلامي.
ولم أرتدع وكأنما الشيطان فتك بكل قيود القيم وروادع الشرف ومعايير الدين والقيم وانطمس ضميري في بؤرة آسنة حجبت عنه النور ونفس فاجرة تبرر سبيل الخطيئة وتذلل درب الفاحشة، اغتظت من عناده وجَلَده، ومقاومته الفولاذية تستفز رغبتي في الإيقاع به، واتخاذه طريق الوقاية يردع كل وسائل هجومي..
هذه الليلة أبطأ في العودة وأنا أغلي كالبركان وحمم الشوق تقلبني على جمر وأمّه تغط في نوم عميق لعله طمأنها فما بقيت بانتظاره قلقة.
إلا عينيّ الصاحيتين الماطرتين على الدوام وغربال يغلي في صدري ولوعة ممضة تقض مضجعي وضمير يجلدني لأستسلم وكأنما أدمنت اللعب في النار وخوض المغامرة المجنونة حتى النهاية.
وعندما سمعت هدير سيارته وهي تدخل الكراج، انسحبت من فراشي ومشيت على أطراف أصابعي نحو الباب وما أن دخل حتى أخذته البغتة، أجفل:
(ماذا تفعلين هنا؟)
أتنهد بارتباك وفحيح ساخن كفحيح أفعى سامة يشملني بسعير شيطاني يشعل البقايا من عقلي وضميري، ألقيت نفسي عليه وصوتي يتهدج:
(أرجوك لا تعذبني).
صفعني على وجهي بعد أن دفعني وألقاني على الأرض وولى هارباً.
أي ألسنة من لهب مشتعل تندلع داخلي كأنها رؤوس الشياطين تطلع من خبايا روحي وتدق طبول الحرب المستعرة استنفرت داخلي كل شرور الحقد والانتقام ونفخت أفاعي الكره كل سموم الخبث، هكذا إذن تنبذني وترحل، هكذا تفعل بي أيها المعتوه؟ ستكون نهايتك على يديّ.
أشعلت سيجارة لأنفث فيها غيظي وغضبي وأنا التي لم أدخن طوال حياتي، كيف أطفئ نيران حقدي وهو يغلي في جوفي غلي الحميم، كيف أرد اعتباري بعد هذه الطعنة النجلاء في فؤادي، استفز هذا المجنون كل مكائدي وحيلي في هذا الليل البهيم ودموعي المنهمرة كشتاء الشام الماطر لا تمحو كرهي ولا تبرئ جرحي، فرغبتي في الانتقام منه استحوذت عليّ بشدة، سأدمره وأحطم هذه القضبان حتى لو كان الثمن حياتي.
ارتفع آذان الفجر وأنا أتحاشى صوته وأدس رأسي تحت الوسادة كأن هذا الصوت مطرقة ثقيلة تهوى على رأسي، تناولت قرصين منوّم ورحت في غيبوبة.
وفي الصباح اتخذت خطوة استباقية، إذ مكثت في سرير أبكي وقد مزقت الثوب وكشفت عن صدري، سألني فارس مذعوراً:
(ماذا حدث؟).
بمكر ألقيت قنبلتي التي ستفجّر البيت بمن فيه:
(ابنك اغتصبني البارحة، فقد كنت ذاهبة إلى المطبخ لأشرب الماء فصادف أن دخل البيت وكلكم نيام هجم عليًَّ وفعل فعلته وهرب).
تحجرت عيناه وانتفخت أوداجه وهب كالنمر الجريح إلى جناح (أم مبارك) هائجاً هادراً في الغضب:
(أين ابنك الجبان؟).
وكاد أن يهوى على الأرض بينما هو يدور حول نفسه، ويرمي بالتحف أرضاً، لقد طاش صوابه وجن جنونه.
(أين ابنك الحقير الواطي؟)
تتلعثم أم مبارك:
(ماذا فعل؟).
المرأة في حيرة جاءت تستعلم مني مرعوبة:
(ماذا حصل يا فتون؟).
لذت بحجرتي صامتة وأنا أترقب الأحداث بتشفي، ولعل غياب مبارك لأيام جعل التهمة لصيقة فيه، فقد فسّر أباه هروبه من البيت دليل إدانة.
وعندما حضر بوغت بأبيه يهجم عليه ضرباً ولكماً وكاد أن ينشب مخالبه في عنقه لكنه تحمل الضربات صامتاً صابراً لم ينبس بحرف وتورع عن فضحي والتشهير بي، هرب من قبضة والده وأخذ سيارته وانطلق بأقصى سرعة وأمه تصرخ وتستغيث وقد سقطت مغشياً عليها.
رأيت عيونه تبكي وهو شاخص إلى السماء يشكو لله ظلامته، قد تعفف عن الفاحشة واحتسب صبره عند الله عمل عظيم.. كانت له مهابة في نفسي وألق ملائكي جعلني أكره نفسي وأحتقرها حتى هذه اللحظة.
بعد ساعات جاءنا خبر وفاته فقد انقلبت سيارته المسرعة بينما كان يصعد الجسر.
جُنت أمّه وأدخلت مصحة نفسية فقد انطفأت شمعة حياتها وخبا أملها الوحيد وانهار أباه وتحطم جبرته، وهنا صحوت على فعلتي النكراء، وجرمي وجريرتي، وسياط تلسعني كأنها صرخات شرسة توقظني من نومي كأنها كوابيس حمراء ملتهبة، مات مبارك وسره معه، مات المسكين وهو يعظ نواجذه صبراً وتعففاً حتى لا يلوث شرف أبيه ولا يغضب ربه، مات ليحميني من إثمي وخطيئتي، بكيت أسفاً وندماً، بكيت بدل الدموع دماً، بكيت بعد انقشاع الغشاوة عن عيني لأكتشف حجم الذنب الذي اقترفته في حق أمّ وإبنها، إذ ذبحت قلبها وهي التي كان قلبها مأوى وملاذ لي، طعنتها بخنجر الغدر والخيانة، غدرت بإبنها الشاب في طلوعه الأزهر ومستقبله الأشمّ، فقد قبرته بيديّ الآثمتين ولا أدري هل كان موته قضاء وقدر أم كان انتحار مع سبق الإصرار والترصد.
لقد دُفن ودُفنت معه الحقيقة!
وهكذا عشت عمري كله وأنا أسيرة هذا الذنب، تمضي سنين حياتي في حداد وعزاء، أكابد جرماً يحفر داخلي ألماً عميقاً ومتجدد الذكرى، فقد مات مبارك وماتت معه كل أحاسيسي بالحياة، لعلي نِلت عقابي، العقاب الذي يلازمني ليل نهار كلما لمحت في عيني أمّه انكساراً وحزناً ولا أدري لِمَا فعلت ذلك؟ لعله كان تصادم أقدار...
طلبت من (فارس) أن أحج هذا العام لأنقطع عن الدنيا كراهبة زاهدة لأني قاتلة قد تلطخت يداي بالدماء، لعل الله يغفر لي هذا الذنب ويعفو عني.
(هذه (فتون) أجمل وأصغر بناتي).
عندما كان الحاج (فارس) يصطاف في إحدى قرى الشام وفي دعوة غداء ريفية قضاها بين أشجار التفاح وعناقيد العنب لمحني أخطر بقامتي الشاهقة كرمح عربي انسلّ من رحم الحقول الغنّاء وعينان خضراوتان كالعشب النديّ، وطلّة متأرجحة بين الطفولة والأنوثة، استقرأ والدي الرغبة في عيني الحاج (فارس) تلتهمان حقلاً من الجمال ينضح بالربيع والنضارة.
لا أدري ماذا حدث بعد ذلك، كل ما أذكره أن الصفقة تمت على وجه السرعة وزغاريد الفرح زقزقت كعصافير المروج وقبلات معربدة بالزهو تطبعها النسوة على وجنتي (ألف مبروك، ألف مبروك).
وفي ظرف أيام أسافر إلى دنيا أخرى مختلفة تماماً عن دنياي الصغيرة التي عشت وترعرعت فيها، وزوج يكبرني بثلاثين سنة، ولأول مرة أركب الطائرة وأحلّق في الفضاء وأطل من شاهق على قريتي الخضراء وهي تختفي من حياتي إلى غير رجعة.
دخلت بيتاً فخماً فيه من الفوضوية والقدم، وعرفت أني سأعيش مناصفة مع زوجته الأولى (أم مبارك) التي أجفلت حينما أطلت من وراء الباب الموارب، ولا أدري لِمَا شعرت بالشفقة عليها، فقد كان لها سمت طيب ووجه مريح، وتبدأ حكايتي منذ دخولي هذا السجن الكئيب الذي استنزف شبابي وهدر سنين عمري حتى تركني رماد.
فماذا تفعل ابنة السابعة عشر الزهرة التي لم تتفتح بعد ولم ترصد مشاعرها تماماً، وقلبها الطري الذي مازال ينهل من رحم الأم حناناً ويتوق إلى احتضان دافئ يحتوي نزق الطفولة، يستبيحني (فارس) كجارية تتفجر فتنة، ووجبة شهيّة يلتهمها بشراهة متناسياً طقوس الحب الفطري ومشاعر الوصل الزوجي، إذ ينغمر في عربدة سوقية تسلب إنسانيتي وتذبحني من الوريد إلى الوريد، والسادية المرعبة التي أخرج منها منسلخة عن جلدي الآدمي وكدمات زرقاء في وجهي النضر، أهرب إلى ضرتي وأنا أرتجف باكية وأرتمي في حضنها فتهدهدني بحنانها وتطيب آلامي وتجفف دمعي، وكرهي لأبي يشتد يوماً بعد آخر فهو الذي ساقني إلى الموت سوق الشاة إلى الذبح، وكل ذرة في جسدي معتقلة بسجن الخوف والذعر، مسحوقة الكرامة، مهانة الكيان، وصارت عذابات اللقاء مقرونة بالضرب المبرح والوجع المضني، وأختنق في هذا الجو القاتم، فالنوافذ مغلقة والباب مقفل وعلاقاتي بالناس محرمّة وبت أعيش في حرملك قاسٍ يقمع أنفاسي ويكبت حريتي.
لم أذق لذيذ النوم أبداً، فألم الضرب وطعن القلب وجرح النفس تنحت داخلي قلقاً مستديماً، عزائي الوحيد في هذه الدنيا ضرتي (أم مبارك) التي تشاركني ألم الحرمان وقسوة الحياة وإذا بها تسرد لي قصتها وقلبها المطحون حينما غُصبت على هذه الزيجة، فهو ابن عمها وتُتهم بأنها عاشقة لو رفضت هذا العرض، كانت تواسيني ولا تغار مني بل قالت أنني الفرج لهذا القهر الذي عاشته طوال السنين، وانعطفت في حديثها نحو ابنها (مبارك) الذي يدرس في القاهرة وهو يكبرني بعامين هو سلوتها في هذه الدنيا ووحيدها الذكر مع أربع بنات متزوجات، أشارت إلى أنفها المكسور وقد لكمه زوجها قبل سنوات وشوّه أرنبته فاضطرت إلى إجراء عملية سريعة لم تعد أنفها الجميل إلى سابق عهده.
ثم كشفت الثوب عن ظهرها لتريني آثار التعذيب الوحشي وسادية هذا الرجل الذي ما رحمها ولا رأف بحالها حتى وهي في أيام حملها، قلت لها ولماذا لم تستغيثي بأهلك أو تقدمي ضده شكوى في المخفر؟ ابتسمت ابتسامة تختزل سنين يأسها:
(إن فعلت فعقابي سيكون أشد).
خامرني رعب شديد، فإن المرأة التي أمامي صورة ناطقة لمأساة طاحنة تركت آثار البؤس والشقاء على وجهها الكئيب وهزالها المرضي ويديها المرتعشتين وعينيها الخابيتين، إنها تجسّد حالتي بعد سنوات المستقبل الموعودة به على كبر، لهذا ينبغي أن أنقذ نفسي قبل الأوان، فما معنى لهذه الحياة الشقية وكل ذرة داخلي تموت في اليوم ألف مرة، كيف أمضي معه الأيام وهو لا يشاركني وجبة طعام أو لحظة سمر أو حتى حديث أُنس، بات في نظري عاصفة من البغض والشر تلفني في دوامة مرهقة ويجردني من كل شيء، من حقي في أن أعبّر عن ذاتي، إذ لا ألقاه إلا ليلاً بوجهه المفترس ورائحة الدخان تفوح من جسده وتصدع رأسي فأضطر أن أكمم أنفي درءاً لغثيان يدفعني إلى التقيؤ.
كم أشتاق إلى الشام وإلى الروابي الخضراء والسماء الصافية، حيث الطيور تحلّق في الفضاء دون قيد، ما أجمل الحرية وفاكهة المواسم تنعشنا برائحتها العطرة وأنفاسنا المعبّقة برائحة التفاح والمشمش وكأن جوفنا ينبت هذا الثمر الشهي بتكوين خاص.
كم أحن إلى صديقاتي (نهلة، وسميرة، وريم) والمدرسة القريبة حينما نمشي على الرصيف المخضر وقد نبتت في بعض تجاويفه الزنابق وهرولتنا تحت المطر في النهارات الشتويّة، كم كنت أحب المطر وانبلاج قوس قزح في عرض السماء الماطرة فشتاء الشام له طعم الثلج ونكهة الدفء المتوهج من اشتعال الحطب.
بكيت شتاءً لا يجف حتى غلبني النعاس.. انصرمت أيامي الموحشة وأنا منكفئة في صمتي، حملت عدة مرات وأجهضت فما احتمل جسدي الريّان ألم الضرب، ذبلت عيناي وعافت نفسي أدوات الزينة وانطمرت أنوثتي في هذا المستنقع الآسن وكأني بي أنتحر وفي بعض الأحيان أضرب عن الطعام والشراب لعلّني أسقط في إحدى المرات ميتة من أثر الإعياء، لكن ضرتي (أم مبارك) تدعوني إلى جناحها الخاص لنشرب القهوة وتسليني في قراءة خربشات الفنجان وتصبرني قائلة (أنتِ صغيرة وجميلة، لا تغامري بنفسك حتماً سيفرج الله همّك ويجد لكِ المخرج لأزمتك، اتصلي بوالديكِ واشرحي لهما الضيم والظلم الذي تعيشينه)، لكني عندما أستنجد بأهلي لا ألقى منهم إلا الصد والإعراض.
وهكذا تمرّ سنين حياتي وأنا أتجرع الغصص والآلام وضرتي تحدثني عن أملها، حلمها، ابنها (مبارك) الذي سيتخرج عن قريب، (إنه مختلف تماماً عن والده فهو طيب وحنون ورقيق ورث عني سجاياي)، هكذا حدثتني (أم مبارك) ولفرط إدمانها الحديث عنه ولرتابة حياتنا شعرت بفضول إلى لقائه لعلّ حضوره يضفي علينا بهجة وسرور ويكسر روتين أيامنا الثقيلة إذ بتنا مولهين بانتظاره، وفي هذه السنين نضجت أحاسيسي وتفجرّت أنوثتي وادلهمت الأفكار في رأسي، فالتجربة القاسية استفزت الشر من منابت روحي وبدأت أقاوم (فارس) وافتعل أسباب الهروب منه فقد ازداد كرهي له ونفوري الشديد منه خصوصاً عندما يغرق في نوبات سعال طويلة ورذاذه النتن يذكرني بكهولته المقرفة ومرضه التعيس، وجمالي المتفجّر من بين الأشلاء وقوة قاهرة تصلب عودي وشوك المكر ينبت مع زهر الفتنة أداري خبثي المدفون بطلاوة لساني وعذب كلماتي حتى أن ضرتي أحبتني وأخذت تتأملني ذات يوم قائلة (يا خسارتك في هذا الشايب، لو ألقى عروساً لمجيد بمثل جمالك يا فتون).
تنهدّت وأنا أكتم لهباً مستعر داخلي (كيف أشعر بجمالي وفي داخلي كائن قبيح وروح مشوّهة، كراهيتي الشديدة لكل شيء حولي وكأن منبع الحب جف داخلي، هل يكفيني هذا الصنم الآدمي الذي يفتن الناس وإحساسي بالتعاسة انعكس على كل شيء).
سنوات عمري الفارغة تنصرم في تعاسة وشقاء.. حتى كانت لي مع (مبارك) قصة دامية كانت الخاتمة لعهد الضياع والحيرة.. والبداية لانطلاقي إلى الله..
عندما دخل (مبارك) من باب الصالون وهو يحمل حقيبته خفق قلبي بشدة واضطربت جوارحي إذ فاجأني بطلَّته الفتية وهي ترشح رجولة فائرة وتفاجأ بحورية تقف على باب الجنة، غضّ بصره وشمله ارتباك وخجل فقد انفتن بجمالي وطغيان أنوثتي فاللون الفريد من الجمال قلما يجده في بلده، هرب وكأنما يهرب من خطر مريع، لكني لاحقته بنظراتي وتابعته بإعجابي المختمر أثر أحاديث أمّه المكثف عنه، فقد كنت مهيأة نفسياً لهذا الإحساس، الصورة التي نضجت في الذهن تُفَسر الآن على أرض الواقع وأبرر لنفسي أنني زوجة أبيه محرّمة عليه ولهذا لا حرج في ملاطفته ببراءة ومحادثته باحترام وأسباب الخلوة متاحة أمامنا ومحرضة على هذا الميل.
استحوذني الشيطان ورغبة جهنمية تتنامى داخلي وتمهد لي سبيل الغواية وشعوري بالاضطهاد في هذا السجن عبّد لي طريق الانتقام، تتضارب الانفعالات كأنها البركان المضطرم ويغيب عقلي ويغفو ضميري فلا أجد غضاضة في أن أسقيه كأس الحرام.
أتردد على ضرتي في جناحها وأتزين وأتعطر لأبرز أكبر قدر من مفاتني لعلي أفوز منه بنظرة أو إشارة تمهد لي السبيل، استمرئت هذه المغامرة ورغبت في حياتي وكأنما وجوده أضرم النور في القبر المظلم، وشعرت بينابيع أنوثتي تروي جسدي وروحي من جديد لكن صده كان يقتلني ويقهر شيطاني فأزداد نفوراً من زوجي حتى أنه في آخر مرة أشبعني ضرباً ولعلي تماديت باحتيال لأثير شهيته إلى الضرب لأهرب من بين يديه بعد مقاومة وأخبط باب ضرتي في أديم الليل لأثير انتباه مبارك وأستدر عطفه، ووقفت أمام ضرتي وأنا أكشف ثوبي عن ملامح جمالي المستورة وأفتعل الألم وبمبالغة شديدة لكنه أبداً كان يتهرب مني ويتحاشى الحديث معي بل أخذ يسهر خارج البيت ولا يعود إلا لينام، وكنت أخاطب أمّه في شأنه لأتقصى أخباره وبدت متضايقة من غرابة طبعه وضيق صدره وتقلباته المزاجية وختمت حديثها (ربما يريد أن يتزوج فسأباشر منذ الغد في البحث عن عروس مناسبة له)، انقبض قلبي فقد سددت إلى صدري سهماً ساماً حطم كل أحلامي.
ولم أرتدع وكأنما الشيطان فتك بكل قيود القيم وروادع الشرف ومعايير الدين والقيم وانطمس ضميري في بؤرة آسنة حجبت عنه النور ونفس فاجرة تبرر سبيل الخطيئة وتذلل درب الفاحشة، اغتظت من عناده وجَلَده، ومقاومته الفولاذية تستفز رغبتي في الإيقاع به، واتخاذه طريق الوقاية يردع كل وسائل هجومي..
هذه الليلة أبطأ في العودة وأنا أغلي كالبركان وحمم الشوق تقلبني على جمر وأمّه تغط في نوم عميق لعله طمأنها فما بقيت بانتظاره قلقة.
إلا عينيّ الصاحيتين الماطرتين على الدوام وغربال يغلي في صدري ولوعة ممضة تقض مضجعي وضمير يجلدني لأستسلم وكأنما أدمنت اللعب في النار وخوض المغامرة المجنونة حتى النهاية.
وعندما سمعت هدير سيارته وهي تدخل الكراج، انسحبت من فراشي ومشيت على أطراف أصابعي نحو الباب وما أن دخل حتى أخذته البغتة، أجفل:
(ماذا تفعلين هنا؟)
أتنهد بارتباك وفحيح ساخن كفحيح أفعى سامة يشملني بسعير شيطاني يشعل البقايا من عقلي وضميري، ألقيت نفسي عليه وصوتي يتهدج:
(أرجوك لا تعذبني).
صفعني على وجهي بعد أن دفعني وألقاني على الأرض وولى هارباً.
أي ألسنة من لهب مشتعل تندلع داخلي كأنها رؤوس الشياطين تطلع من خبايا روحي وتدق طبول الحرب المستعرة استنفرت داخلي كل شرور الحقد والانتقام ونفخت أفاعي الكره كل سموم الخبث، هكذا إذن تنبذني وترحل، هكذا تفعل بي أيها المعتوه؟ ستكون نهايتك على يديّ.
أشعلت سيجارة لأنفث فيها غيظي وغضبي وأنا التي لم أدخن طوال حياتي، كيف أطفئ نيران حقدي وهو يغلي في جوفي غلي الحميم، كيف أرد اعتباري بعد هذه الطعنة النجلاء في فؤادي، استفز هذا المجنون كل مكائدي وحيلي في هذا الليل البهيم ودموعي المنهمرة كشتاء الشام الماطر لا تمحو كرهي ولا تبرئ جرحي، فرغبتي في الانتقام منه استحوذت عليّ بشدة، سأدمره وأحطم هذه القضبان حتى لو كان الثمن حياتي.
ارتفع آذان الفجر وأنا أتحاشى صوته وأدس رأسي تحت الوسادة كأن هذا الصوت مطرقة ثقيلة تهوى على رأسي، تناولت قرصين منوّم ورحت في غيبوبة.
وفي الصباح اتخذت خطوة استباقية، إذ مكثت في سرير أبكي وقد مزقت الثوب وكشفت عن صدري، سألني فارس مذعوراً:
(ماذا حدث؟).
بمكر ألقيت قنبلتي التي ستفجّر البيت بمن فيه:
(ابنك اغتصبني البارحة، فقد كنت ذاهبة إلى المطبخ لأشرب الماء فصادف أن دخل البيت وكلكم نيام هجم عليًَّ وفعل فعلته وهرب).
تحجرت عيناه وانتفخت أوداجه وهب كالنمر الجريح إلى جناح (أم مبارك) هائجاً هادراً في الغضب:
(أين ابنك الجبان؟).
وكاد أن يهوى على الأرض بينما هو يدور حول نفسه، ويرمي بالتحف أرضاً، لقد طاش صوابه وجن جنونه.
(أين ابنك الحقير الواطي؟)
تتلعثم أم مبارك:
(ماذا فعل؟).
المرأة في حيرة جاءت تستعلم مني مرعوبة:
(ماذا حصل يا فتون؟).
لذت بحجرتي صامتة وأنا أترقب الأحداث بتشفي، ولعل غياب مبارك لأيام جعل التهمة لصيقة فيه، فقد فسّر أباه هروبه من البيت دليل إدانة.
وعندما حضر بوغت بأبيه يهجم عليه ضرباً ولكماً وكاد أن ينشب مخالبه في عنقه لكنه تحمل الضربات صامتاً صابراً لم ينبس بحرف وتورع عن فضحي والتشهير بي، هرب من قبضة والده وأخذ سيارته وانطلق بأقصى سرعة وأمه تصرخ وتستغيث وقد سقطت مغشياً عليها.
رأيت عيونه تبكي وهو شاخص إلى السماء يشكو لله ظلامته، قد تعفف عن الفاحشة واحتسب صبره عند الله عمل عظيم.. كانت له مهابة في نفسي وألق ملائكي جعلني أكره نفسي وأحتقرها حتى هذه اللحظة.
بعد ساعات جاءنا خبر وفاته فقد انقلبت سيارته المسرعة بينما كان يصعد الجسر.
جُنت أمّه وأدخلت مصحة نفسية فقد انطفأت شمعة حياتها وخبا أملها الوحيد وانهار أباه وتحطم جبرته، وهنا صحوت على فعلتي النكراء، وجرمي وجريرتي، وسياط تلسعني كأنها صرخات شرسة توقظني من نومي كأنها كوابيس حمراء ملتهبة، مات مبارك وسره معه، مات المسكين وهو يعظ نواجذه صبراً وتعففاً حتى لا يلوث شرف أبيه ولا يغضب ربه، مات ليحميني من إثمي وخطيئتي، بكيت أسفاً وندماً، بكيت بدل الدموع دماً، بكيت بعد انقشاع الغشاوة عن عيني لأكتشف حجم الذنب الذي اقترفته في حق أمّ وإبنها، إذ ذبحت قلبها وهي التي كان قلبها مأوى وملاذ لي، طعنتها بخنجر الغدر والخيانة، غدرت بإبنها الشاب في طلوعه الأزهر ومستقبله الأشمّ، فقد قبرته بيديّ الآثمتين ولا أدري هل كان موته قضاء وقدر أم كان انتحار مع سبق الإصرار والترصد.
لقد دُفن ودُفنت معه الحقيقة!
وهكذا عشت عمري كله وأنا أسيرة هذا الذنب، تمضي سنين حياتي في حداد وعزاء، أكابد جرماً يحفر داخلي ألماً عميقاً ومتجدد الذكرى، فقد مات مبارك وماتت معه كل أحاسيسي بالحياة، لعلي نِلت عقابي، العقاب الذي يلازمني ليل نهار كلما لمحت في عيني أمّه انكساراً وحزناً ولا أدري لِمَا فعلت ذلك؟ لعله كان تصادم أقدار...
طلبت من (فارس) أن أحج هذا العام لأنقطع عن الدنيا كراهبة زاهدة لأني قاتلة قد تلطخت يداي بالدماء، لعل الله يغفر لي هذا الذنب ويعفو عني.
سين النسوة- مستشار
- عدد المساهمات : 370
العمر : 45
تاريخ التسجيل : 13/06/2008
السٌّمعَة : 9
رد: (هذه (فتون) أجمل وأصغر بناتي).
كنت تحفة ثمينة ، حتى ركبت موجة الشياطين وسخرتي ما أعطاك الله في إغضابه ، سامحك الله على هذا الفعل المشين . لقد أخطأ أباك ، ودخلت في عالم هذا الرجل الذي لم يهمه إلا نفسه ، ووجدت في زوجته حناناً لا يوصف إلا بأنه نعمة من الله هبطت عليك ، وكنت في أمس الحاجة لها ، أهكذا تردين على الحسنة بعشرة سيئات ولكل سيئة عشرة أمثالها حتى فاقت قدرة الشياطين على الإحتمال ، وحزمت كل أفعالك المشنة بالتسبب بقتل هذا الشاب ، كيف رضيت بتصور نجاح هذه الفكرة الرديئة وأنت بمثابة أم محرمة عليه ، وهل تعتقدين أن الحج سيبرئك من كل الأخطاء الله يسامح ولكن بحق الناس ، لا سيأخذون منك حقهم يوم الدين وخاصة تللك التي تركتها خلفك إلى أخر عمرها في حزن لا يخف مقداره مع السنين بل يزيد . فقط أرجو الله أن يضع أحداً من عباده في ما وضعت نفسك فيه .
د محمد سردار رحمه الله- مستشار المنتدى وكبير المشرفين
- عدد المساهمات : 3791
العمر : 71
تاريخ التسجيل : 24/12/2008
السٌّمعَة : 259
مواضيع مماثلة
» انتبهوا يا بناتي واخواتي .....
» أجمل ما قيل في اليبرق !!!
» أجمل 40 مثل عالمي
» ما أجمل كوكبنا
» أجمل ما قيل في .. عيون المرأة .
» أجمل ما قيل في اليبرق !!!
» أجمل 40 مثل عالمي
» ما أجمل كوكبنا
» أجمل ما قيل في .. عيون المرأة .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت ديسمبر 16, 2023 6:53 pm من طرف Admin
» الناجحون
السبت ديسمبر 16, 2023 6:51 pm من طرف Admin
» فَوَيلٌ ثُمَّ وَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ - لِقَاضِي الأرْضِ مِنْ قَاضِي السَّ
السبت أغسطس 19, 2023 4:41 am من طرف Admin
» لا شيء ينبت هنا بدون جذور
السبت أغسطس 19, 2023 4:40 am من طرف Admin
» يحكى أن
السبت أغسطس 19, 2023 4:34 am من طرف Admin
» المفتاح السحري الأساسي للإمساك بخيوط الحل لأية مشكلة
الأربعاء أغسطس 02, 2023 2:43 am من طرف Admin
» شارك الفيديو لطفا
الخميس نوفمبر 03, 2022 6:11 pm من طرف Admin
» ( ١.٩$ ) بليون دولار .. وتزوجت سائقه ...
الخميس أغسطس 11, 2022 1:20 pm من طرف Admin
» مشكلة وحل (1) الخجل
الجمعة أغسطس 05, 2022 4:56 am من طرف Admin
» لحل اية مشكلة / اساسيات
الجمعة أغسطس 05, 2022 3:25 am من طرف Admin
» زوجات وأزواج يعترفون: هذا أطرف مقلب حصل معنا!
الجمعة أغسطس 05, 2022 3:19 am من طرف Admin
» إنهم أغلى ما في الحياة ، وليسوا بحجارة
الجمعة أغسطس 05, 2022 3:15 am من طرف Admin
» الحكي بيناتنا
الأحد يوليو 31, 2022 3:56 pm من طرف Admin
» كيف نتعرف على الشخصية الصعبة
الأحد يوليو 31, 2022 3:06 pm من طرف Admin
» ليس مهماً أن تدخل الحمير الجامعة، المهم هو ألا تخرج منها بشهادة جامعي
الثلاثاء فبراير 09, 2021 3:35 am من طرف Admin