رجل فى الأربعين ولد من جديد ..

كان في الاربعين من عمره ، وكان مدمن خمر.
كان سكيرا ، يشرب حتى الثمالة ، تلعب الخمر براسه فينهال بالضرب على زوجته ، يضربها
هي و بناتها و يطردهم من البيت بعد ان يملأ الدنيا زعيقا وصراخا.
كان الجيران يتجمعون شفقة بتلك الزوجة وبناتها و يتوسلون إليه ليفتح لهم.
كان سيئ الطباع يمضى ليله سكرانا ... بينما زوجته تسهر باكية تصلي وتدعوا له .

وفي احد الايام ، سكن بجانبهم شاب صالح ، سمع من الجيران عن ذلك الجار المزعج فقرر
على الفور زيارة هذا السكير.
طرق الباب فخرج إليه الجار يترنح متفاجئا بذلك الشاب الملتحي واقفا امامه.
صاح به : ماذا تريد ؟
قال : جئتك زائرا .
فقال : لعنة الله عليك يا كلب .. هذا وقت زيارة .
و بصق فى وجهه ..
مسح صاحبنا البصاق و قال : عفوا آتيك فى وقت لاحق.
مضى الشاب و هو يدعو ويجتهد .. ثم جاءه زائرا مره اخرى .. فكانت النتيجة كسابقتها .

لكنه لم يمل ولم يشعر بالكلل ، وهذا هو دائما حال الدعاة الى الله ، جاءه مرة اخرى فخرج
الرجل مخمورا و قال : ألم أطردك ؟ لماذا تصر على المجئ ؟
فقال : أحبك و أريد الجلوس معك .
تردد الجار المخمور ولعله احس ببعض الاحراج و قال : أنا سكران .
رد عليه : لا بأس .. أجلس معك و أنت سكران .
دخل الشاب و تكلم مع جاره عن عظمة الله و الجنة و النار .. بشره أن الله يحب التوابين .
امضى معه بعض الوقت ثم ودعه الشاب و مضى .

ثم جاءه فوجده سكرانا فحدثه أيضا بالجنة و الشوق إليها ..
و أهدى إليه زجاجة عطر فاخر و مضى .. حاول أن براه بالمسجد فلم يأت ...
فعاد إليه فوجده فى سكر شديد ..
فحدثه مرة أخرى فأخذ الرجل يبكى و يقول:
لا تتعب نفسك فأنا أدرى بحالي ، لن يغفر لى الله أبدا .. أنا لست من البشر
أنا حيوان .. سكير .. لن يقبلنى الله .. أطرد بناتى و أهين زوجتى و أفضح نفسى .
و جعل ينتحب.

فانتهز الشاب الفرصة و قال :
أنا ذاهب إلى عمرة مع بعض الاصدقاء فرافقنا .
فرد عليه متسائلا : و أنا مدمن ؟
رد عيه الشاب : لا عليك، هم يحبونك مثلي.
ثم اسرع الشاب وأحضر ملابس إحرام من سيارته و قال : اغتسل و البس إحرامك .
فأخذها و دخل يغتسل، و الشاب يستعجله حتى لا يرجع فى كلامه .
وعد لحظات ،خرج يحمل حقيبته و لم ينس أن يدس فيها زجاجة خمر .

انطلقت السيارة بالسكير و الشاب و اثنين من الصالحين و تحدثوا في الطريق عن كل ما يتعلق بالتوبة .
ثم اكتشفوا أن الرجل لا يحفظ الفاتحة ، فعلموه إياها .
ولما اقتربوا من مكة ليلا توقفوا ليناموا و نزلوا و أعدوا فراشه و هو ينظرإليهم حتى سهت
عينه فغفا ونام .. وفجأة استيقظ فإذا هم يصلون ، نظر اليهم بحسرة والم واخذ يتساءل :
يسهرون الليل يصلون و يبكون و أنا أقضي الليل دائما سكرانا ؟
سهت عينه مرة اخرى فغفا ونام .

مرت سويعات حتى صدح اذان الفجر فأيقظوه و صلوا معا ثم أحضروا الإفطار .
كانوا يخدمونه كأنه أميرهم . ثم انطلقوا .
بدأ قلبه يرق و اشتاق للبيت الحرام ..
دخلوا الحرم فبدأ ينتفض ..
سارع الخطى ..
أقبل إلى الكعبة ووقف يبكى ويتتم بقلب مكسور:
يا رب ارحمنى .. إن طردتنى فلمن ألجأ ؟
يا رب .. لا تردنى خائبا ..
خافوا عليه من شدة بكائه ..
مضى اليوم الأول ثم الثاني .. إلى أن مضت خمسة أيام والرجل قضاها كلها بصلاة و دعاء .

أخيرا قرروا العودة للديار بعد تلك الرحلة الأيمانية الجميلة.
و فى طريق عودتهم .. ودون أن يلحظه أحد فتح حقيبته .. و سكب ما كان قد تبقى في الزجاجة
من خمر و هو يبكي .
وصل بيته أخيرا ..
بكت زوجته و بناته ..
رجل فى الأربعين تاب واستقام
رجل فى الأربعين ولد من جديد ..