استشارات تربوية أسرية اجتماعية estshrat for you
كي تظهر لك جميع المنتديات والمواضيع
و حتى تعم الفائدة
حتى تستفيد وتفيد غيرك
بادر للتسجيل بالمنتدى
وشكرا لك

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

استشارات تربوية أسرية اجتماعية estshrat for you
كي تظهر لك جميع المنتديات والمواضيع
و حتى تعم الفائدة
حتى تستفيد وتفيد غيرك
بادر للتسجيل بالمنتدى
وشكرا لك
استشارات تربوية أسرية اجتماعية estshrat for you
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» قصة قصيرة
انحراف وجنوح الاحداث Icon_minitimeالسبت ديسمبر 16, 2023 6:53 pm من طرف Admin

» الناجحون
انحراف وجنوح الاحداث Icon_minitimeالسبت ديسمبر 16, 2023 6:51 pm من طرف Admin

» فَوَيلٌ ثُمَّ وَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ - لِقَاضِي الأرْضِ مِنْ قَاضِي السَّ
انحراف وجنوح الاحداث Icon_minitimeالسبت أغسطس 19, 2023 4:41 am من طرف Admin

» لا شيء ينبت هنا بدون جذور
انحراف وجنوح الاحداث Icon_minitimeالسبت أغسطس 19, 2023 4:40 am من طرف Admin

» يحكى أن
انحراف وجنوح الاحداث Icon_minitimeالسبت أغسطس 19, 2023 4:34 am من طرف Admin

» المفتاح السحري الأساسي للإمساك بخيوط الحل لأية مشكلة
انحراف وجنوح الاحداث Icon_minitimeالأربعاء أغسطس 02, 2023 2:43 am من طرف Admin

» شارك الفيديو لطفا
انحراف وجنوح الاحداث Icon_minitimeالخميس نوفمبر 03, 2022 6:11 pm من طرف Admin

»  ( ١.٩$ ) بليون دولار .. وتزوجت سائقه ...
انحراف وجنوح الاحداث Icon_minitimeالخميس أغسطس 11, 2022 1:20 pm من طرف Admin

» مشكلة وحل (1) الخجل
انحراف وجنوح الاحداث Icon_minitimeالجمعة أغسطس 05, 2022 4:56 am من طرف Admin

» لحل اية مشكلة / اساسيات
انحراف وجنوح الاحداث Icon_minitimeالجمعة أغسطس 05, 2022 3:25 am من طرف Admin

» زوجات وأزواج يعترفون: هذا أطرف مقلب حصل معنا!
انحراف وجنوح الاحداث Icon_minitimeالجمعة أغسطس 05, 2022 3:19 am من طرف Admin

» إنهم أغلى ما في الحياة ، وليسوا بحجارة
انحراف وجنوح الاحداث Icon_minitimeالجمعة أغسطس 05, 2022 3:15 am من طرف Admin

» الحكي بيناتنا
انحراف وجنوح الاحداث Icon_minitimeالأحد يوليو 31, 2022 3:56 pm من طرف Admin

» كيف نتعرف على الشخصية الصعبة
انحراف وجنوح الاحداث Icon_minitimeالأحد يوليو 31, 2022 3:06 pm من طرف Admin

»  ليس مهماً أن تدخل الحمير الجامعة، المهم هو ألا تخرج منها بشهادة جامعي
انحراف وجنوح الاحداث Icon_minitimeالثلاثاء فبراير 09, 2021 3:35 am من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
د محمد سردار رحمه الله - 3791
انحراف وجنوح الاحداث Vote_rcapانحراف وجنوح الاحداث Voting_barانحراف وجنوح الاحداث Vote_lcap 
الاستشاري - 2664
انحراف وجنوح الاحداث Vote_rcapانحراف وجنوح الاحداث Voting_barانحراف وجنوح الاحداث Vote_lcap 
غريب الامارات - 1632
انحراف وجنوح الاحداث Vote_rcapانحراف وجنوح الاحداث Voting_barانحراف وجنوح الاحداث Vote_lcap 
شام - 1616
انحراف وجنوح الاحداث Vote_rcapانحراف وجنوح الاحداث Voting_barانحراف وجنوح الاحداث Vote_lcap 
Admin - 1570
انحراف وجنوح الاحداث Vote_rcapانحراف وجنوح الاحداث Voting_barانحراف وجنوح الاحداث Vote_lcap 
ام المجد - 1508
انحراف وجنوح الاحداث Vote_rcapانحراف وجنوح الاحداث Voting_barانحراف وجنوح الاحداث Vote_lcap 
المتميز - 883
انحراف وجنوح الاحداث Vote_rcapانحراف وجنوح الاحداث Voting_barانحراف وجنوح الاحداث Vote_lcap 
ود - 759
انحراف وجنوح الاحداث Vote_rcapانحراف وجنوح الاحداث Voting_barانحراف وجنوح الاحداث Vote_lcap 
شيماء الشام - 733
انحراف وجنوح الاحداث Vote_rcapانحراف وجنوح الاحداث Voting_barانحراف وجنوح الاحداث Vote_lcap 
المتمردة - 499
انحراف وجنوح الاحداث Vote_rcapانحراف وجنوح الاحداث Voting_barانحراف وجنوح الاحداث Vote_lcap 

أهلا بكم
دعمكم لهذا المنتدى يكون بتبادل الفائدة وابداء الرأي نتمنى أن نتشرف بكم كأعضاء واستشاريين - بوجودكم سيكون المنتدى أجمل
لوحة ترحيب
أهلا بك من جديد يا زائرآخر زيارة لك كانت في
آخر عضو مسجل زمرد١١فمرحبا بكم


1

https://www.jamalaltaweel.com/
أهلا بكم
دعمكم لهذا المنتدى يكون بتبادل الفائدة وابداء الرأي نتمنى أن نتشرف بكم كأعضاء واستشاريين - بوجودكم سيكون المنتدى أجمل
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان

    جديد الاعلانات feedburner
    http://feeds.feehttp://feeds.feedburner.com/akbarmontadacom/Bwkxdburner.com/akbarmontadacom/Bwkx

    انحراف وجنوح الاحداث

    اذهب الى الأسفل

    انحراف وجنوح الاحداث Empty انحراف وجنوح الاحداث

    مُساهمة من طرف الاستشاري الأربعاء نوفمبر 03, 2010 4:08 am


    اتَّفق الكثير من العلماء على أن الإجرام والجنوح نتاجٌ لعدة عوامل بيئية وذاتية معًا، ولكن أغلبها من عوامل البيئة، بينما يرى البعض الآخر أن هناك الكثير من الحالات التي تظهر فيها آثار العوامل العضوية واضحة، بحيث تعتبر دوافع رئيسة للانحراف، وتكون عوامل البيئة ثانوية بجانبها، ومن أمثلتها: العوامل المكتسَبة، ومنها عاهات الحسِّ والحركة التي كثيرًا ما تكون سببًا في شقاء صاحبها، خاصة إذا كانت جسيمة أو لم يتقبَّلها الفرد أو المجتمع، من هذه العاهات الكساح وعيوب السمع والبصر والكلام وغيرها.

    وقد وجد (وليم هيلي) في دراسةٍ تناولت 833 طفلاً جانحًا أن 3 % منهم يعانون من اضطرابات وشذوذ في نموِّهم الجسمي، وقد اعتبر هيلي مثلَ هذا العامل سببًا في تكوين السلوك الجانح.

    العوامل العضوية:
    كما ذكر (بتروكواي) في دراسةٍ أخرى تناولتْ (800) من المجرمين في سجن الميدا بولاية نيويورك أنه وجد أن 25 % منهم يعانون من إصابات مختلفةٍ في الرأس والسمع والأسنان، كما وجد أن 28 % مصابون بالسلِّ الرئوي، و43 % مصابون بأمراض زهرية.

    لذلك توصَّل الباحثون إلى أن وجود تلك العوامل العضوية غالبًا ما يؤدِّي إلى النقص ومحاولة التعويض؛ لتخفيف الشعور بالنقص والإحساس بالقوة.

    ومن أساليب التعويض السلبية: إخفاءُالنقص وراء ظلم الغير، أو وراء شعار المريض؛ لاستدرار العطف أو الانتقام من الأهل والمجتمع، أو للتهرب من المسؤولية، أو عن طريق الاستغراق المسرِف في أحلام اليقظة التي يبني فيها الفرد قصورًا على الرمال.

    ومن هذه العوامل أيضًا: اعتلالُ الصحة ونقص التغذية، وعدم القدرة على القيام بالأعمال المعتادة التي قد تكون عاملاً مؤثرًا يؤدي إلى الانحراف، ومن أمثلة ذلك حالة الحدث المشرَّد الذي كان لا يستطيع أن يستقرَّ في أيِّ عمل يلتحق به، وتبيَّن من الكشف الطبي عليه أنه مصاب بالقراع، وأن خجله في علَّته هذه وهي معايرة الناس له بها كان السبب في تشرُّده وجنوحه، وعندما عُولِج وشُفِي انتظم في عمله، وكذلك حالة الخادمة الصغيرة التي كانت تسرق الأطعمة من بيوت الجيران، وظهر من الكشف الطبي عليها أنها مصابة بديدان الإسكارس، وهي ديدان تعيش في الأمعاء، وتُشارِك صاحبها طعامه، ولا تترك له إلا النذر اليسير، وعندما عُولِجت انصلح حالها.

    فترة المراهقة:
    وتُعتَبر المراهقة من العوامل المؤثرة بدرجة كبيرة؛ حيث يبلغ الجنوح أقصى نسبته في مطلع المراهقة؛ أي: من سن 13 سنة تقريبًا، حيث التغيُّرات الفسيولوجية التي تصحب المراهقة، والتي لها تأثيرٌ كبير على السلوك الجانح، وخاصة إذا بدأ المراهق حياته العملية في هذه السن، وانتهى بذلك عهد الإشراف عليه في كلٍّ من البيت والمدرسة، وبدأ يتحرَّر من أية سلطة ضابطة.

    بالإضافة إلى ما يتميَّز به في هذه المرحلة من مظاهر النضج الجنسي، والذي يفتح مجالاً للسلوك المنحرف، خاصة إذا ارتبط بالجهل أو الغباء أو الضعف العقلي، أو مصاحبة رفقاء السوء.

    وللمراهقة عند الفتيات مظهرٌ خاص، تتمثَّل في آلام فترة الطمس الشهرية، والتي تجعل الفتاة أكثر استثارة، وأقل ضبطًا لنفسها، وأهم جرائمها السرقة الاندفاعية، وسوء السلوك الجنسي، وما يرتبط به من انحرافات كالهروب.


    وقد تصادف أيضًا أنواعًا أخرى من الجنوح كالسلوك العنيف والتهديد بالقتل أو الانتحار، وتكثر الانحرافات بالنسبة للفتيات في السنتين الأوليَين من المراهَقة، قبل أن تستقرَّ الدورة الجنسية، وقد يظهر الانحراف بعد ذلك إذا تعرَّضت الفتاة لصدمة انفعالية شديدة، كالفشل في الحب أو الزواج.

    وقد اتَّضح من الإحصاءات الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية أن الفترة التي يزداد فيها الجنوح، تتراوح بين المراهقة المبكرة والشباب اليافع، وأن فترة المراهقة هي الفترة الرئيسة التي يحدث خلالها السلوك الإجرامي، وأن أكثر فئات السن التي تمثُل أمام محاكم الأحداث الفترة من (15 - 16) سنة.

    أما بالنسبة لجمهورية مصر العربية فتشير بعض الإحصاءات إلى أن نسبة المتهمين في جنوح الأحداث يتراوح أعمارهم بين 12 إلى 15 عامًا، كما جاء في مقال الدكتور (سيد عويس) بعنوان "انحراف الأحداث في مصر" "مجلة الأمن العام"، أكتوبر 1958.

    العوامل النفسية:
    اتجه علم الإجرام الحديث الذي يقوم على تقصِّي أسباب الجريمة إلى دراسة العوامل النفسية ومعرفتها، فنشأ بذلك علم النفس الجنائي، الذي يقوم ببحث العوامل النفسية التي تؤدي إلى الانحراف والجريمة، وقد توصَّل هذا العلم إلى إلقاء الضوء على الدوافع الحقيقية للإجرام، والتي قد تكون خفية غير ملموسة، وللمدرسة الوضعية الفضل الأول في توجيه علم الإجرام إلى العوامل النفسية؛ لأنها اهتمَّت بدراسة شخص المجرم، وبحثت في الدوافع الحقيقية للإجرام.

    وقدمت هذه النظرية للقارئ مجالاً خصبًا لدراسة خبرات الطفولة المبكِّرة كأساس للسلوك اللاحق، ومن هنا كان الاهتمام بدراسة السلوك الجانح لدى الطفل، وكان وليم هيلي أوَّل مَن اهتمَّ بدراسة التاريخ الأسري في تشعُّباته العديدة، وأكَّد على أهمية الحياة الانفعالية للطفولة المبكِّرة.

    كما أشار (سيدل بيرت) إلى وجود علاقة بين الطفل وبين أبويه، وهذه العلاقة لها أهمية في ظهور بعض الاضطرابات الانفعالية، فقد اكتشف أن نسبة 85 % من الأحداث الجانحين الذين درسهم يعانون من مشكلات انفعالية أو عاطفية، وكذلك فعل وليم هيلي، وروند، في دراستهما المقارنة التي أُجرِيت على مجموعة من الأحداث الجانحين، يعانون من مشكلات انفعالية نتيجة تعرُّضهم لعقَبات معينة، أو لبعض الخبرات الخاطئة.

    قد ينشأ الجنوح عن ضعف الأنا والأنا الأعلى، نتيجة عدم قدرة الفرد على التحكُّم في دوافعه والسيطرة على النزعات الانفعالية، وذلك كما ذكر (ايكهورن).

    هناك عوامل أخرى مؤثرة، مثل المبالغة في الرعاية من جانب الأم، والمنافسة بين الإخوة... إلخ.

    أما أصحاب مدرسة التحليل النفسي، فهم يفسِّرون الجريمة تفسيرًا نفسيًّا يقوم على عوامل مكتسبة، تتكوَّن خلال مراحل تطوُّر الشخصية، وبوجه خاص (مرحلة الطفولة المبكرة التي تعتبر حجر الزاوية في توجيه مصير الطفل، ومستقبل صحته النفسية والصحية).

    والمقصود بهذا القول: أن مختلف الاتجاهات النفسية الأساسية للفرد تتكوَّن خلال هذه الفترة، وتندثر بين طيَّات اللاشعور، لتصبح في النهاية بواعث كامنة ومحرِّكات لا شعورية، ويرى فريق من العلماء أن للبيئة أثرًا على تكوين بعض هذه الصراعات؛ ولكن دورها مساعد نسبيًّا، وقد يساعد على تعجيل الانفجار السلوكي.

    وهناك عامل نفسي آخر ذكره العلماء لجنوح الأحداث، وهو تشجيع الآباء والأبناء على مثل هذا الجنوح لرغبات مكبوتة لدى الآباء، ولم يجدوا سبيلاً إلى إشباعها إلا عن طريق جنوح صغارهم.

    نخلص من هذا العامل أن لكل مشكلة انحراف فرديتها الخاصة، كما أن لكلِّ طفل منحرف فرديته الخاصة أيضًا، ولذلك قد نأخذ بهذه العوامل كلها أو بعضها كما يتناسب مع تلك الفردية، علمًا بأن العوامل الذاتية متكاملة في تأثيرها على السلوك المنحرف مع العوامل البيئية، وليست هناك مشكلات انحرافية تخلو من تأثير العاملَين معًا.

    سوء الأحوال الاقتصادية:
    لا شك أن الفقر وتدهور الأحوال المعيشية ليس الدافع الوحيد لجنوح الأحداث، ولكنه الدافع الأساس بكل تأكيد، وقد تظهر حالات انحراف في أوساط غير مقيدة، وبالمقارنة نكتشف أن أطفالَ وشبابَ البيئاتِ الفقيرة هم الأكثر تعرُّضًا للانحراف، والأكثر افتقادًا للحماية والعون، فكلَّما زادت معدَّلات التهميش والأخطار انعدمت قدرة الفرد والجماعات على التكيُّف مع المحيط الاجتماعي، إلا من خلال العنف والخروج على منظومة القِيَم والقواعد السائدة.

    وفي دراسةٍ للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أظهرت النتائج أن 79,8 % من الأحداث الجانحين ليس لهم محلَّ إقامة، كما تبيَّن أن 46 % من مجموع الأسر الجانحة تعيش في حجرة واحدة، بينما يعيش 20 % في حجرتين، ولا تزيد نسبة الأسر التي تسكن في أربع غرف فأكثر عن 2,7 %، وأوضحت الدراسة أيضًا أن 46,2 % من مساكن أُسَر الأحداث الجانحين غير صالحة للسكن.

    والواقع أن تفاقم مشكلة الفقر في مصر أصبح يمثِّل خطرًا حقيقيًّا، ووفقًا لتقديرات البنك الدولي فقد ارتفعت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر.

    فقد أشار تقرير التنمية البشرية عام 1991 - 1992 إلى أن 23,5 % من سكان مصر يعيشون تحت خطِّ الفقر، وأشار تقرير 1994 إلى أن 12,6 مليون نسمة يعيشون في فقر مدقع، وتتفاوت تقديرات العاطلين عن العمل، حيث تتراوح ما بين 1,5 مليون نسمة إلى 4 ملايين نسمة.

    وقد كشفت دراسةٌ للبنك الدولي عن الفقر في مصر عن الملامح الديموغرافية للفقراء، وهي ملامح ذات آثار خطيرة، فإذا ما أخذنا فئات العمر المختلفة للفقراء نجد أن الأطفال (تحت 15 سنة) هم أفقر فئات العمر، كما تشير الدراسة أيضًا أنه مما بين كل أربعة أطفال في مصر يعيش واحدٌ منهم تحت خط الفقر.

    وفي حين تتزايد حدَّة الفقر، نجد أن أحد أوجه السياسات الاقتصادية المتَّبعة منذ سنوات هو انسحاب الدولة من مجال الرعاية والخدمات الاجتماعية، الأمر الذي أسفر - وما زال - عن تفاقم مشاكل الفقراء، بل وتعريض فئات اجتماعية أخرى لظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، الأمر الذي يهدِّد بزيادة معدلات العنف والجريمة.

    وقد لخص (سندرلاند) نتائج مختلف الدراسات التي تناولت موضوع الفقر والسلوك الانحرافي، فرأى أن غالبية هذه الدراسات تشير بوجه عام إلى زيادة معدَّلات الانحراف والجريمة بين المنحرفين الذين ينتمون إلى طبقات اقتصادية فقيرة، وهذا يشير إلى الأشخاص الذين ارتكبوا الجريمة وأُدِينوا فيها، تم إرسالهم إلى المؤسسات العقابية والإصلاحية المختلفة، كما لُوحِظ أيضًا أن هذه الدراسات تُشِير بوجه خاص إلى بطالة هؤلاء المنحرفين قبل الانحراف أو الإجرام، أو عدم كفاية الدخل سواء له ولأسرته في حالة الجنوح؛ مما يؤثر على العلاقات الاجتماعية، ويدفع إلى الشعور بالحرمان المادي الذي قد يغذي الاتجاهات والمشاعر الخاطئة: كالشعور بالحسد والحقد والكراهية والنقص، وكل هذا يُسهِم في خلق جوٍّ مناسب لنموِّ الاتجاهات العدوانية أو السلوك الجانح.

    تفكُّك الأسرة:
    يُقصَد بتفكك الأسرة أساسًا انهيارها كوحدة؛ نتيجة انفصال الزوجين عن بعضهما بالطلاق أو ما في حكمه، أو هجر الأسرة من أحد الزوجين.

    وقد تتفاقم هذه المشكلة في حالة الطلاق بزواج أحد الوالدين أو كلٍّ منهما من زوج آخر، وكذلك فقد أحد الوالدين أو كليهما بالوفاة أو بالسجن، وقد يتمثَّل التفكُّك أيضًا في سوء علاقة الوالدين مع بعضهما البعض، بما يصاحب ذلك من خلافات وصدامات متعدِّدة ومتنوِّعة في الشكل والمدى، لذلك كثيرًا ما نجد الأطفال في هذه الظروف يشعرون بالحرمان وعدم الاستقرار الأسري، وفقدان الأمان الاجتماعي وعواطف الأسرة، وقد يتعرضون للحرمان المادي، فيجعلهم ينتظرون دورهم في قائمة المشرَّدين.

    ولا شك أن العلاقات الانفعالية في الأسرة قد تؤدي إلى انسحاب الطفل بعيدًا عن المنزل، بل ربما الانضمام إلى عصابات السرقات الصغيرة، وتضمُّ هذه العصابات المراهقين الذين لا يستطيعون الاندماج في "شِلَل" أخرى، وفشلوا في الوسط العائلي والمدارس وفي أوساط العمل أيضًا.

    وتُعتَبر أساليب التنشئة الخاطئة داخل الأسرة عاملاً أساسيًّا من عوامل الانحراف، فأكثر الأساليب التي يستخدمها الآباء في تنشئة أبنائهم تتَّسم بالرفض والتشدُّد، والقوة والإهمال، وعدم الاتِّساق في المعاملة، من خلال الشعور بالذنب والتسامح الذي يصل إلى حدِّ التساهل والتغاضي عن الأخطاء، ويترتَّب على تلك الأساليب الخاطئة في التنشئة وجود قِيَم غير مرغوب فيها اجتماعيًّا، تؤثِّر على شخصية الابن وعلى تفكيره، وتجعل منه صيدًا ثمينًا للانحراف وقد ناقش هذا الموضوع المؤتمر الدولي السادس للأمم المتحدة للوقاية من الجريمة، وأبدى عِدَّة ملاحظات حول تقلُّص دور الأسرة على الصعيد العالمي في مجال تنشئة أبنائها، وترسيخ القِيَم الأخلاقية في نفوسهم بسبب انشغال الوالدَين الزائد بالتحضُّر، الهجرة والتصنيع، وعلى الأخصِّ مراعاة الحقوق الدنيا للطفل؛ مثل: الحق في الغذاء والكساء والتعليم ورعاية الكبار.

    ومن خلال عملي فيما مضى كمختصَّة في إحدى دور رعاية الأحداث - والكلام لصاحبة الدراسة - التقيتُ بنماذج من الأطفال الجانحين، كان السبب الرئيس لانحرافهم هو تفكُّك الأسرة، وسوء معاملة الوالدين لهم.

    فقد حدث أن ماتتْ أمٌّ لطفلة في الثانية عشرة من عمرها إثر مرض خطير وتزوَّج والدها، ولسوء حظ الابنة كانت زوجة الأب شريرة، فعاملتها بقسوة وحرمتها من استذكار دروسها، وصل غدرها إلى تمزيق كتبها وإتلافها، مما أدَّى إلى رسوبها في الشهادة الابتدائية، ومما زاد الطين بلةً أن الأب لم يحرِّك ساكنًا، وكان ينصت فقط لشكاوى زوجته ولا يسمع لصرخات طفلته للاستغاثة، ولم تجد إلا أن تهرب في منتصف الليل، وتهيم على وجهها في الشوارع المُخِيفة، فعثر عليها أحد رجال الشرطة وسلمها لوليِّ أمرها، رغم عُمْق مأساتها والتي استمع إليها، وللأسف رفض الأب استلامها، وتحت ضغط زوجته اتهمها بالمروق وكان مصيرها أن أُودِعت في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية.

    ويدفع إلى الشعور بالحرمان المادي الذي قد يغذي اتجاهات مشاعر خاصة: كالشعور بالحسد والحقد والكراهية، وكلّ هذا يُسهِم في خلق جوٍّ مناسب لنموِّ الاتجاهات العدوانية أو السلوك الجانح.

    غياب الأم العاملة:
    وهناك عامل بيني مؤثِّر لا يقلُّ أهمية عن عدم وجود الوالدين في مقرٍّ واحد، ويتَّصل اتصالاً وثيقًا وهو: الأم العاملة وأثر غيابها في العمل على تكيُّف الأبناء، وعلاقة ذلك بجنوح الأحداث، وقد اتَّضح من خلال دراسة بعنوان "هل يجب أن تلتحق المرأة بالعمل أو تبقى مع الأطفال"، والتي توصَّل الباحثون الأمريكيون من خلالها إلى النتائج التالية:
    رغم وجوده 15 % تقريبًا من النساء في أمريكا اللائي لديهن أطفالٌ دون السادسة، وملتَحِقات بالعمل، إلا أن المرأة غير ناجحة في الجمع بين العملين خارج المنزل وداخله.

    فهي في صداع نفسي؛ لتحقيق النجاح في كلا الدورين - كأمٍّ وكعاملة - ولم تحقِّق لهن الدراسة الجامعية إلا النجاح في العمل فقط، وما تنجح حتى في عمل (الكيكة)، والوضع الأفضل أن تظلَّ الأم مع أطفالها، طالما هم دون سنِّ السادسة، ولا مانع من أن تعمل قبل الإنجاب أو قبل الزواج، أو بلوغ الأطفال بعد هذه المرحلة.

    تأثير الحي:
    عالج الكثير من علماء الجريمة موضوع الحي، وأبرزوا علاقته بالانحراف، وقامت غالبية هذه الدراسات على افتراض أساس يقول: إن الجنوح أو السلوك الإجرامي هما حصيلة تفاعل طويل، يحدث بين الفرد وبين ظروف بيئته من جهة، وبين الفرد وبين أفراد جماعته الأوَّلية التي يتعامل معها، أو التي يتصل بها من خلال حياة الجماعة، ومن أبرز هذه الجماعات الأولية (الأسرة) وجماعة الأصدقاء (والعصبة)، وهذه الجماعات هي التي تشكِّل الإطار العام للبيئة الأولى التي يتعامل معها الطفل خلال مراحل تنشئته الاجتماعية المبكِّرة.

    فقد أظهر (كليفوروشو)[1]، في إحدى دراساته التي تناولت خمسة إخوة أشقاء، عرَّفوا تاريخَهم الإجرامي الطويل، كيف يلعب الحي دورًا كبيرًا في الجنوح أو الجريمة، ووصف (شو) هذا الحي بأنه كان منطقة جنوح شجَّعت هؤلاء الإخوة على ارتكاب الجريمة؛ بل إن تلك البيئة كانت تحترم المجرم، وتضفي عليه طابع الرجولة والبطولة في أحيان كثيرة.

    فشخصية الفرد تتكون من خلال دورين مهمين:
    الأول: هو دور الفرد في الحي الذي يعيش فيه.

    والثاني: هو مكانة الحي بين الأحياء الأخرى، والدور الذي يلعبه الحي في المجتمع الكبير الذي يحتويه.

    فالحي الذي تتوافق قِيَمه مع قِيَم المجتمع الكبير يكون حيًّا سويًّا، يهيِّئ للطفل جوًّا يُكسِبه الشعور باحترام النظام والقانون، وحين يخرج الحي في قيمته الاجتماعية على ما هو مُتعارَف عليه في المجتمع الكبير، فإن هذا الحي يصبح مصدرًا لتكوين بعض الاتجاهات الخاطئة، ويفشل عندئذ في توجيه قِيَم الأفراد وضبط سلوكهم، وبذلك قد يُوضَع الطفل في مواقف وظروف تقوده إلى الانحراف أو الجريمة.

    أما الأصدقاء ورفقاء السوء الذين يرتبط بهم الحدث وجدانيًّا، فإن تأثيرهم قوي وخطير، وخاصة إذا كانوا منحرفين، وبالتالي يصبحون عاملاً مساعِدًا على خلق السلوك المنحرف، والأصدقاء هم الجماعة الأولى لتكوين علاقات اجتماعية جديدة ذات طبيعة مستقلَّة، تختلف عمَّا عهده من علاقات أخرى في نطاق أسرته.

    وقد تتطوَّر جماعة اللعب وتصبح عصبة جانحة، هدفها المقابلة والدفاع عن النفس، وقد تكون على شيء من التنظيم وتحدد لها أسماء وقائدًا وشعارًا معينًا، لكنها لا تشكِّل تنظيمًا كاملاً، ومع هذا فهي تشكِّل مجتمعًا صغيرًا مقفلاً، لا يقبل الغريب فيه بسهولة.

    وهناك جرائم عديدة يرتكبها كلَّ يوم أطفالٌ في عمر الزهور؛ نتيجةً للفقر الذي استشرى بين العديد من الأسر، ونتج عنه إهمالٌ في التربية، وتجاهُل مشاكل الأبناء، ثم نجد أمامنا أطفالاً يخرجون للشارع دون مرشد أو راعٍ، يشكِّلهم الآخرون ليقعوا فريسةً للإدمان، وللتخلُّص من شبح الحياة البشعة التي كانوا يعيشونها مع آبائهم وأمهاتهم؛ ليتحوَّلوا بعد ذلك إلى مجرمين.

    فقد حدث أن اتُّهم ثلاثةٌ من أطفال الشوارع لا يتجاوز عمر أكبرهم 19 عامًا، ويمثلون أمام المحاكمة ليعاقبوا على جريمة قتل، من الممكن أن تتكرَّر كل يوم.

    وتبدأ الحكاية عندما عاش رمضان مع زوجة أبيه، والتي راحت تعامله بقسوة، وتضربه أمام والده الذي لم يحرِّك ساكنًا، وهي تسعى بذلك لطرده من البيت أو دفعه للهروب، لم يجد الابن مَن يرعاه، فأمُّه تزوَّجت هي الأخرى بآخر، وأبتْ أن تصحبه معها، ولكي لا يعكر صفو حياتها، اضطرَّ إلى الخروج للشارع، وجد فيه الراحة أكثر من منزل أبيه وأحضان أمه، تعرَّف في طرقاته على بعض الصبية من أمثاله، واختاروا لهم مقرًّا دائمًا أمام مسجد السيدة زينب، حكى كلٌّ منهم حكايته للآخر، وتوصلوا في النهاية إلى أن الدنيا ترفض وجودهم، فأعلنوا رفضهم لها، وكانت هذه بداية الطريق حيث وقعوا فريسةً للإدمان، وأصبح سبيلهم الوحيد للغيبوبة والنسيان لمشاكلهم، فلجؤوا للأقراص المخدِّرة و"الكلَّة"، وبدأت المعارك يوميًّا تندلع فيما بينهم، وتسفر عن ضحايا، وأخذت الحياة تنتقل لهم من سيِّء إلى أسوأ إلى أسوأ، كانوا يتعجَّلون نهاية هذه الحياة الصعبة إلى أن جاءت النهاية الحتمية للحياة التي يعيشها أطفال الشوارع.

    حيث أبلغ أحد الأفراد عن عثوره على جثة مجهولة داخل مخزن مهجور تابع لبنك إسكندرية بمنطقة السيدة زينب، وبعد المعاينة من قِبَل رجال الشرطة تبيَّن أن الجثة لشابٍّ عمره يتراوح بين عشرين وثلاثين عامًا، ويرتدي ملابس متَّسخة، ولا يحمل تحقيق شخصية، والجثة بها آثار تحلُّل وتعفُّن شديدين بمنطقة الوجه، وبعد مجهود كبير من قِبَل رجال الشرطة، تبيَّن أن المجنيَّ عليه عامل أحذية بمنطقة السيدة زينب، وهو مُقِيم بصفة مستمرَّة في الشارع، وله علاقات بعدد كبير من أطفال الشوارع الأشقياء.

    وبعد البحث والتحرِّي تمَّ التعرُّف على مرتكبي الحادث، وهم ثلاثة من أبناء الشوارع الخطرين، واعترفوا بارتكابهم الحادث والاستيلاء على مبلغ 80 جنيهًا، وصندوق مسح الأحذية الخاص بالقتيل، حيث قام أحدهم ببيعه، وكان دافع الجريمة هو الاستيلاء على ما مع القتيل من نقود لشراء المخدِّرات.

    حكاية الصبية الثلاثة مرتكبي الجريمة أُخِذت من مقال نُشِر في جريدة الأخبار للصحفي (هاني فتحي) تحت عنوان"أطفال الشوارع ذبحوا صديقهم من أجل المخدرات!".

    فالشوارع تُعَدُّ مأوًى للأحداث الذين نشأ بعضهم في ظروف اجتماعية صعبة، تفتقد إلى أقل مستلزمات الحياة، ويكثر هؤلاء الأطفال على سبيل المثال فوق كوبري سندوب الذي يعبره الآلاف من روَّاد (مدينة المنصورة)، ونلاحظ أن عددًا كبيرًا من هؤلاء يمارسون التسوُّل في ملابس رثَّة؛ لإثارة مشاعر الناس وكسب عطفهم بالادِّعاء الكاذب والفقر والمرض والحاجة.

    إنها مأساة يومية تشاهدها وأنت تعبر الكوبري إلى المنصورة، أطفال نائمون وبجوارهم أسترة، وآخرون تحت غطاء ممزَّق، وهم يستغيثون بالمارة، وامرأة بجوارها أطفال صغار يبكون وهي تنادي بأعلى صوتها على المارة ليطعموا المساكين "الغلابة"، فهناك (مافيا) وراء هؤلاء من أباطرة الشحَّاذين والمتسوِّلين في سلْب أموال الناس بالباطل وشتَّى الطرق.

    أيضًا شارع السكة الجديدة، وهو شارع نزهة وترفيه وتسوُّق، عندما يسير أيُّ شخص مع زوجته أو خطيبته، نجد هؤلاء الأطفال يتهجَّمون عليهم ويستمرُّون في مطاردتهم بإلحاح شديد جدًّا، وفي معظم الأحيان يضطر الشخص للدفع لهم؛ ليتخلَّص من مضايقتهم، وحفاظًا على مظهره العام أمام زوجته أو خطيبته.

    أيضًا شارع عبدالسلام عارف، تقاطع كوبري في نفس مدينة المنصورة؛ حيث يوجد عدد كبير من الأطفال يمارسون التسوُّل الصريح، أو التسوُّل غير المباشر عن طريق بيع المناديل والورود ومسح السيارات، وهذا يعرِّضهم للخطر، وللأسف البعض يحرِّضهم أهلوهم على التسوُّل، فيحضرونهم في الصباح ثم يعودون لأخذهم في المساء.

    إنها مأساة لا ينبغي السكوت عليها؛ لأنها تهدد حياة الصغار بالدمار، هؤلاء الذين في الإمكان أن يصبحوا شبابًا في المستقبل يحملون مشاعل التنوير والبناء للمجتمع، فلا بُدَّ من تكثيف حملات الشرطة؛ للتقليل من انتشار مثل هذه الجرائم التي تتفاقم يومًا بعد يوم، ولا بُدَّ من تضافر جهود الدولة وتعاون كافة الأنظمة لمكافحة هذه الجريمة.

    المهنة ومجتمع العمل:
    تؤثِّر ظروف العمل بصورة مباشرة أو غير مباشرة في انحراف الأحداث، فعدم قدرة الطفل الجسمية على تحمُّل أعباء العمل قد تدفعه إلى الهرب منه، أو تؤثِّر في قدراته العقلية على استيعابه لما يُوكَل إليه من أعمال، ويكون من نتاج ذلك الشعور بالفشل، وممارسة السلوك العدائي، كما أن نوعية العمل قد تكون غير مناسبة لقدرات الحدَث الجسمية أو العقلية أو النفسية، فقد تكون نوعية العمل أكبر من قدراتهم، أو أقل بكثير من قدراتهم، ولا يكتسبون منه أية مهارات؛ فيشعرون بتفاهة ما يقومون به من عمل، بالإضافة إلى ظروف العمل الأخرى مثل: قلة الأجر، وساعات العمل الطويلة التي يقضيها الحدَث في عمله يوميًّا بما لا يتناسب مع قدراته وإمكانياته الجسمية والعمرية.

    ففي البحث الذي قام به مركز البحوث ومعهد الخدمة العامة بالإسكندرية سنة 1973 عن الأحداث الجانحين، اتَّضح أن 52 % من الأحداث استمرُّوا في العمل لمدة أقل من سنة، و32 % أكملوا سنة واحدة، و16 % منهم قضوا 3 سنوات فأكثر، وهذا يعني عدم استمرارية الحدث في عمل واحد، وما يترتب عليه من تعرُّضه لمشاعر الفشل، وعدم الاستفادة من الخبرات العلمية، وتعرُّضه للهروب الدائم من الأعمال التي يلتحق بها.

    كما أن معاملة المشرفين على العمل - والتي تتَّسم بالقسوة الشديدة - تدفع الحدَث إلى الهروب.

    بالإضافة لمجتمع العمل الذي قضى به المهنة أو الحرفة التي يعمل بها الحدَث، والتي يتمُّ من خلالها التكيُّف في صورته الناجحة، فكلُّ إخفاق أو فشل في التكيُّف مع هذا المجتمع يترتَّب عليه اضطرابٌ خطير لنفسية الحدث ولظروفه الاجتماعية، أما النجاح في العمل، فلا شكَّ أنه يقضي على عامل من أكبر عوامل الاضطرابات.

    ومن عوامل البيئة الخارجية المهمة، العوامل الأيكولوجية التي نقصد بها مناطق الانحراف والتشرُّد؛ إذ إن مناطق الجذب والإثارة والمغريات في البيئة تُعْتَبر عاملاً مهمًّا من عوامل الانحراف، فالطفل الذي هرب من المنزل أو المدرسة أو العمل يسعى إلى تلك المناطق التي يتوفَّر فيها الإغراء والإثارة، كما أن الأحياء الفقيرة أو المكتظَّة بالسكان - والتي ينتشر فيها الأماكن المهجورة ودور السينما الرخيصة - تُعتَبر بيئة صالحة لتفريغ السلوك المنحرف.

    فالمثيرات البيئية تلعب دورًا كبيرًا في انحراف الأحداث، وهي لا تُعْتَبر وحدها العامل الرئيس، ولكنها أحد العوامل التي تتفاعل مع العوامل الأخرى في ظهور السلوك المنحرف، فعندما يهرب الحدث من المدرسة أو المنزل أو العمل يجد في البيئة الخارجية مصادر الإغراء والجذب، وقد تكون تلك المناطق في بادئ الأمر مناطق يتجوَّل فيها الصغار، ولكن سرعان ما يجد الحدث فيها الفرصة المتاحة للسلوك الانحرافي، سواء كانت سرقة أو عدوانًا أو تسوُّلاً وتشردًا وتجوُّلاً بدون هدف.

    الانحراف وأمراض الطفل:
    يرى فريق من الأطباء النفسيين والمربِّين أن عدم قدرة الأطفال على التكيُّف مع مجتمعهم تعود إلى زمن الطفولة المبكِّرة، بل إن كثيرًا من المشاكل النفسية والاضطرابات السيكولوجية، من الممكن تجنُّبها لو أن الآباء والأمهات عرفوا كيف يواجهونها، ولو وجدوا مَن يساعدهم على تلك الأمور دون أن يصابوا بالقلق أو الإحساس بالذنب، وخاصة أن الاضطرابات التي يتعرَّض لها الطفل تعرِّضه إلى أن يكون منبوذًا أو سلبيًّا مع الآخرين.

    وذلك كما ترى عالمة النفس الفرنسية (فرانسواز دلتو)، وتوضِّح أن الاضطرابات تجعل الطفل ينمو في غير انسجام مع نفسه ومع المجتمع، وتظهر هذه الاضطرابات على هيئة عسر هضم ومشاكل معوية أخرى، وفقد للشهية وأرق وفتور، ولا مبالاة تجاه كل شيء، إلى جانب فقدان الطفل حبه للعب والحركة، وبهذه الطريقة يعبِّر الطفل عن مشاكله النفسية، كما أن التأخُّر في الكلام والاضطرابات السلوكية والحركية وفقدان الحيوية الشخصية - يرجع لعدم قدرة الطفل على التفاهم والتواصل مع مُحِيطِيه.

    وهذه الظواهر والأعراض، تخفَى على الأهل الذين ينتظرون بفارغ الصبر أن يأتي السن الذي يذهب فيه هذا الطفل المزعج إلى المدرسة، مُكتَفِين ببعض الأدوية التي كتبها أحد الأطباء، ويسيئون استعمالها.

    ويمكنني الجزم بأن تلك الأعراض والصعوبات التي يتعرَّض لها الطفل قبل السن الإلزامية للذهاب إلى المدرسة، لا يلتفت إليها الكبار الذين يهتمُّون بهذا الطفل، بينما كان عليهم أن يدركوا أن تلك الأعراض هي التي ستكون وراء أيِّ انحرافات مستقبلية في سلوك طفلهم؛ ولكن - مع الأسف - لم يفهموا المشكلة.

    والجدير بالذكر أن الأطفال في حاجة إلى مَن يتكلَّم معهم ويتفهَّم مشاكلهم، كما أنهم محتاجون إلى الشعور بالأمان والاستقرار، وإلى الحب والضحك أكثر من احتياجهم للأشياء العادية من مأكل وملعب، وينبغي ألا ننسى أن التقدُّم الطبي أنقذ عددًا من الأولاد من الإصابة بأمراض معدية كانت في الماضي تُودِي بهم إلى الموت، كما أن هناك أطفالاً آخرين تمَّ إنقاذهم من حمل صعب أو ولادة مبكِّرة وأيام في الحضَّانات، ورغم الرعاية الطبية التي وجدوها، إلا أنهم يشكِّلون نسبةً كبيرة في التأخُّر في الكلام، وعدم القدرة على التكيُّف مع مجتمعهم وأسرهم، بل ومع أقرانهم من الأطفال.

    ولذلك فكرتُ (والكلام لفرانسواز دلتو) عن طريق برنامج إذاعي، أن نواجه هؤلاء الآباء والأمهات، الذين تسبَّبوا في مرض أطفالهم نتيجة لجهلهم وسوء تصرفاتهم، وكانوا عقبة أمام ازدهار شخصية أولادهم، فقد منحوهم حرية أكثر من اللازم أو العكس.

    وغالبًا ما ترجع المشاكل إلى أن هؤلاء الآباء والأمهات ألقوا أبناءهم في خِضَمِّ الحياة مبكِّرًا قبل أن ينضجوا بالقدر الكافي، لدرجة أنهم أصبحوا مراهقين كبارًا، لا يعرفون كيف يواجهون ضعفهم وحضورهم، فكم من آباء وأمهات كانوا تُعَساء في طفولتهم، وغير سعداء في حياتهم الزوجية، وفاشلين في أعمالهم، وبالتالي وضعوا كل آمالهم المرجوَّة في أولادهم، وحملوهم أكثر مما يطيقون من مسؤوليات، بدلاً من خلق جوٍّ من التفاهم والأمان معهم.

    وقد اتبعت منهجًا في هذا البرنامج الموجَّه للآباء والأمهات، وهو ألا تكون الإجابات مباشرة بالنسبة للأم، وألا تردَّ على أيِّ سؤال إلا إذا كان يمثِّل أهمية بالنسبة للطفل، ونبَّهت المستمعين إلى أن تكون رسائلهم مفصَّلة؛ حتى لا يضيع خيط واحد يخدم المشكلة، وطمأنتهم على أنني سأردُّ على رسائلهم كتابة إذا لم يسمح وقت البرنامج، وستجد هذه الرسائل عناية واهتمامًا.

    وتوصلت لأول شيء، وهو أن يكتب المستمع الرسالة ولا يكتفي بالاتصال التليفوني، فالكتابة هي أوَّل خطوة نحو النجاح في حلِّ المشكلة.

    أما المرحلة الثانية، فهي أن يكون عرض الرسالة لأكبر عدد من المستمعين، فكلُّ أسرة تختلف عن الأخرى في العدد والسنِّ والمكانة الاجتماعية، والمستوى المعيشي، وأسلوب الحياة، ووضع الطفل المريض بالنسبة لإخوته؛ لأن نظرة الطفل ومشاعره ورؤيته للعالم تحدِّدها هذه الأشياء، فالطفل تتحدَّد شخصيته من المشاحنات مع أشقَّائه، ومن الشعور بالتنافس بينهم.

    لذلك؛ كان لزامًا عليَّ أن أنبِّه الأهل للمراحل السنية المختلفة التي يتعرَّض لها الطفل أثناء نموِّه، والتي قد تُسبِّب للأهل بعض المتاعب؛ حتى لا يصابوا بالتوتر أمام فشل أولادهم، ولكي لا يكون هناك سوء فهم أو تجاهل، فتمرُّ كل مرحلة سنِّية بسلام، ويكون التطوُّر بينها طبيعيًّا.

    والذي لا يعلمه الأهل والكبار أن الطفل عندما يُولَد إنما هو رجل صغير يتكلَّم، واللغة هي أداة الحوار الذي يستخدمه؛ لذلك نجد أن الكثير من مشاكل الكلام عند هذا الطفل تعود إلى عدم نمو وتطوُّر تلك اللغة.

    وأجزم أن الطفل في السن المبكرة جدًّا يفهم لغة أمه، ويشعر بكلمات الحنان والرقَّة التي يسمعها من الغير في حقِّه وتجاهه، ويجد في هذه اللغة الرقيقة الشعورَ بالأمان، ويستجيب لما يُطْلَب منه بهدوء أكثر من الصراخ والضرب، اللذين يستخدمهما الأهل لإسكات أنين الطفل، وقد يفلح هذا الأسلوب أحيانًا، لكن الطفل يشعر أنه قبل جوابه أليف في المنزل، عليه أن يَهاب سيده، ويخضع لأوامره.

    فالطفل لا ينفي سوء المعاملة الإنسانية، خاصة وأن طفل المدينة لا يُعِيره الأهل اهتمامًا كبيرًا وهو يعيش مع أمٍّ وأب ومربية، بينما طفل القبيلة يجد حوله دائمًا رجلاً مسنًّا، أو امرأة مسنَّة تغني له وتُداعِبه، وتهدهده وتُشعِره بالأمان عندما يتألم، أو بمعنًى آخر تصالحه مع نفسه؛ لذا يجدر بنا أن نردَّ على جميع أسئلة الطفل وبصدق، وأن نشجِّعه على ملاحظة كلِّ شيء، وندربه على التفكير السليم، ونعلمه ونغرس فيه حاسة النقد.

    ومن أمثلة هذه الأسئلة التي عرضها البرنامج:
    س: تتحدثين عن التفكير السليم، وأنا أتَّفق معك أن العقل السليم يفلح كثيرًا في حلِّ مشكلةٍ ما، ولكن ألا تستطيعين إعطاءنا مثالاً على ذلك؟
    في البداية أقول: إن الطفل الذي يتصرَّف بأسلوب غريب دائمًا عنده أسبابٌ لتلك التصرُّفات، إنني كثيرًا ما أسمع عن "دلع الأطفال"، كلمة "دلع" هذه نحن الكبار قد ابتدعناها مع الواقع الطفل عندما يأتي بتصرُّف غريب يحرج الجميع، ولذلك يتحتَّم علينا أولاً أن نفهم سبب هذه التصرُّفات.

    ومن أمثلة ذلك:
    طفل لم يعد يرغب في أن يعبر الطريق وحده، أو آخر يرفض ارتداء الحذاء الذي بين يديه، أو حتى يرفض السير في هذا الاتجاه، في الشارع أو ذاك، بل قد يطلب أن يركب عربة الأطفال بعد أن كان يسير جيدًا على قدميه، أو يشكو من سرعة مَن يصطحبه، حتى وإن أخذناه بعيدًا عن المنزل لمدة أيام مثلاً، فإنه عندما يعود إلى المنزل، يهرع إلى عربة الأطفال لكي يركبها.

    إن حركات "الدلع" تأتي من سوء فهم الأهل، بل إن الطفل نفسه لا يفهم نفسه؛ لأن الأب والأم لا يفهمانه.

    هذا ما أقصده بالتفكير السليم في عملية التربية، وكم من نماذج متشابهة رأيتها من حولي، لكن هذه النزوات ما هي إلا تعبير عن رغبات معيَّنة، يشعر بها الطفل ولا يعرف كيف يعبر عنها، وعادة يكونون أطفالاً أذكياء وذوي حيوية كبيرة، فكم من أطفال رأيتهم يصرخون ويرفضون كلَّ ما يُقدَّم لهم، أو يحتجُّون! وهنا أُفاجَأ بأن الأهل من حولهم يبدؤون بالصُّراخ في وجوههم، وهذا أسلوب مرفوض، وفي هذه الحالة يجب محاولة فهم الموضوع، وقد يكون لديه سبب.

    لماذا لا نفكِّر بطريقة أفضل، والأهم: "ألاَّ نعمل من الحبة قبة".
    الاستشاري
    الاستشاري
    المدير العام
    المدير العام

    عدد المساهمات : 2664
    تاريخ التسجيل : 21/03/2008
    السٌّمعَة : 111

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    الرجوع الى أعلى الصفحة

    - مواضيع مماثلة

     
    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى