الشام

من لم يزر الشام فقد فاته الكثير ، وأدعوا الله لجميع المسلمين أن يسكنونها ولو لبضعة أيام . كتب التاريخ ، على هوائها وأحجارها ونقش في قلب الجميع ، جميع المسلمون، كيف ؟

حاولت أن ألخص وأدمج وأتمنى أن أكون قد وفقت ولو أن الورق الذي أكتب عليه كان من الطبيعة التي نعرفها لبانت دموعي نافرة ، ولو أن الزمن يسجل الوقت الذي إحتجتها للكتابة لكان طويلاً جداً فهذه اللمحة البسيطة ، السريعة والتي ما هي إلا إلقاء ضوء خافت ولمدة زمنية أقل من لمعان البرق في سماء الشام على مجريات آلاف السنين التي شكلت الشام .

حين تمشي في شوارع الشام ، ورغم كل الحداثة التي فيها ، تشعر بأنك شخص آخر ، تشعر بأنك عشت فيها من آلاف السنين ، وتستغرب أن الزمن تسعة بعد الألفين . شيء غريب ، تسجل عيناك منظراً وتحس بحقيقة أخرى . تغيب عنك الحقبات كلها ، ولو تحسست ما تلبس لعرفت أنك تسير في الشام من آلاف السنين . فجأة تفلت منك الأيام والساعات والزمن ، ويبقى ضوء القمر والفوانيس التي كانت تنير الشوارع الأساسية ، وضوء الشموع الموقدة في المساجد طوال الليل .

تأخذك قدماك غصباً عنك إلى حيث سار صحابة رسول الله صلوات الله عليه وسلامه ، فتسمع آذان بلال رضي الله عنه في الفجر ، لتصحـو كل المخلوقات لصلاة الفجر من حيث يأتيك صوت بلال . يأتيك من مسجد بني أمية الكبير.، الشام كلها متعلقة به . فتسير إلى جانب الصحابة ويلقون عليك السلام فتردعليهم ، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . كيف لا وقد قال حبيب الله عنه يعبد الله فيه بعد خراب الدنيا أربعين سنة ، وذكر عن سفيان الثوري أن الصلاة فيه بثلاثين ألف صلاة ، يا الله ياشام ، يا الله يا شام ، يا الله يا شام . ما أروع هبة الله لك .

وأنت في الطريق تأتيك رائحة زهر الليمون والياسمين ، من بيوت تسمع صوت ماء بردى يسكب فيها ليتوضأ أهل البيت لصلاة الفجر ، أي لحن أجمل من صوت رقرقة ماء بردى وللوضوء ، سكينة وهدوء أرواح تطوف لتحرس أهل المدينة ، وتقبل وجوه صغارها وتترك أحلام يكبروا عليها بصوت بلال ، بلال مؤذن الرسول ، جسده في أرض الشام وصوته لا يزال يصدح في مكة المكرمة والمدينة المنورة أمعنا الله إياه في جنته .

مرت عليك ايادي عائشة ، وفيك جسد أم حبيبة بنت أبي سفيان وكلاهما أمهات للمؤمنين ، رضوان الله عليهم . فيك يا شام قبر أخيها معاوية رضي الله عليهم أجمعين . أبي الدرداء وزوجه ، وفضالة بن الأسقع ، وسهل بن حنظلة وهم من بايعوا تحت الشجرة ، رضي الله عنهم أجمعين . مخلوط بترابك سعد بن عبادة سيد الخزرج صاحب الحبيب المصطفى ، في ترابك طهر جسد سكينة بنت الحسين بن علي ، ونقاء زينب ، أم كلثوم الصغيرة والتي كان يحلو للرسول الحبيب أن يناديها هكذا لشبهها بخالتها إبنته أم كلثوم رضوان الله عليهم جميعاً . فيك صلاح الدين وسيأتي من أمثاله عندما يأذن الله عما قريب ، وعلى أطراف بردى ربوتك التي لا يزال عطر السيد المسيح وأمه البتول منتشراً في أنوف العالم أجمع رغم أنهم فقدوا حاسة الشم ولكنها رائحة متوارثة مع ثدي الأم ورحمها .

أليس للصلاة طعم أكثر في هذه الأجواء محظوظة يا شام مباركة ياشام ، من عند الله لا من عند البشر ، من لا يحبك يا شام ما عرف أدنى درجات الحب . ويخرج الجميع من أحياء وأرواح إلى فضاء الشام مع أول خيوط الشمس ، فيروا ضوء قاسيون ينسكب على المدينة ذهباً صافياً لامعاً مثل صفحة طفل صغير في فراشه يستعد لقبلة الصباح ، ليتني ولماذا التمني ، بل يجب أن أطلب من الله هذه الأمنية فمن يدري ، رباه حين أرحل إلى سمائك ، قدرني يا الله على أن أطوف كل صباح ومساء بروحي لأقبل كل الأطفال أينما كانوا فقد عشقت الصفاء والنقاء وحاولت أن ابتعد عما يعكر زجاجة الروح ، ولكني أطلب منك السماح يا الله والمغفرة ، وأنت رحمن رحيم وعلى كل شيء قدير .

قاسيون وحكايات النقاء التي شكلت ذرات أحجاره وترابه ، بل حين يهطل المطر تشم رائتحة مختلفة عن غيره من الأماكن وتعيش في رحلة أشبه بالصعود بروحك حيث ترى كل الأشياء بوضوح ونقاء تام . حكايات لأرواح عاشت فيك إلى يوم سيرث الله الأرض . وبقيت ذكراهم تورث لكل مولود مسلم وغير مسلم مع أولى تشكله في رحم أمه ، قاسيون يا مصعد الأنبياء عليهم السلام كل السلام . أحجار الغار تروي فرحها بأن إبراهيم ولد عليها ، عليك السلام يا خليل الله . وفيك يفوح عطر من ذي الكفل بقبته الخضراء ، له السلام وعليه السلام . وهناك أحجار ترك الله عليها لوناً أحمراً من دم هابيل ، مبللة بدموع ندم قابيل ، وهو يجر أخاه بعد أن قتله إلى المغارة التي صلى فيها إبراهيم الخليل وموسى كليم الله وعيسى بن العذراء وايوب الصابر وسيدنا لوط ، عليكم صلاة الله يا أنبياء الله .

وتسالون لماذا يحب كل الناس الشام .

كهف آدم عليه السلام في الأعالي ومغارة الجوع ، هذه الكلمة التي أعطت بمعناها سموا لكل جائع يطلب وجه الله ، سبعون نبي كانوا فيها سبعون نبي عليهم السلام ، ورغيف واحد فقط يدور من يد ليد وكلما وصل ليد نبي أثر أخاه على نفسه حتى ماتوا جميعاً .....

روعة الخلق لخالق مبدع بالكمال لا قبله ولا بعده وهو على كل شيء قدير أحب عباده فأحبوه وأثروا بعضهم على بعض ورحلوا محبة به . كل الخير فيك يا شام ، كل الحب فيك يا شام .

يروى أن قاسيون مدفن لسبعمائة نبي ، والبعض يقول سبعين ألفاً .

يا شام عرفت من أكون ، من تراب عطره فاق العطور ، من طرقات مكة المكرمة ومن تراب مسجد الرسول في المدينة المنورة ، وحفنة من تراب المسجد الأقصى وبعض من تراب المسجد الأموي ، معجون بزهرة ليمون وياسمين دمشقي بمياه من بردى والفرات والنيل بيد مؤذن الرسول ، وحين ولدت كحلتني أمي بماء زمزم ، أنا مسلم عربي لا يحق لي أن أتصرف إلا من حقيقة ما ورثت من الأصالة والأصالة هي كل ما ورثت . ولي الفخر .

ولقاء آخر إن أبقاني الله في الحياة فكل مدننا فيها الخير والبركة وما أكثر الحاسدين الطامعين .

من طرف **شام** الأربعاء يونيو 03, 2009 9:12 pm

يا شام عرفت من أكون ، من تراب عطره فاق العطور ، من طرقات مكة المكرمة ومن تراب مسجد الرسول في المدينة المنورة ، وحفنة من تراب المسجد الأقصى وبعض من تراب المسجد الأموي ، معجون بزهرة ليمون وياسمين دمشقي بمياه من بردى والفرات والنيل بيد مؤذن الرسول .

رائعة هي الكلمات
رائعة هي الصفات التي خصصتها للشام
من شرب من مائها و مشى في أسواقها و تنشق هوائها
يموت إن خرج منها , و إن خرج سيكون خروجه و كأن روحه تخرج من جسده
و يعيش غربته كلها و هو يذكر جمالها و روعتها و العيش في حواريها .
و عند عودته سيكون كالطفل الذي عاد لأحضان أمه بلهفة , و هي تتلهف له و لعودته .

من طرف **خسرانة** السبت يونيو 13, 2009 5:36 am

الشام

الشام

رد: الشام

رد: الشام