أطفالنا كنزٌ من الإبداع

أطفالنا كنزٌ من الإبداع

بعض المربين يعمَدون إلى إغلاق الأبواب في وجوه أطفالهم , أو حبس الطفل في غرفة واحدة أو في مجال ضيّق كالسرير مثلاً , أو منعه من اللعب أو القيام بأمور يحبها وقد يصل ببعضهم الحال إلى ربط ابنه بحجة حمايته من الأخطار !

ومايدري أنه بذلك سيعرّضه لخطرٍ أكبر , لأن الطفل سيكبر يوماً ما وسيتخلّص من تلك القيود وسينطلق بكل لهفةٍ ليعيد اكتشاف الأشياء بطريقة أكثر جنوناً وجرأة , لا بل أكثر جهلاً بما قد تسببه له من أخطار مادية أو معنوية , ثم يبدأ المربي في إلقاء اللائمة على هذا الطفل وعلى عقليته التي هي في الأساس نتاج تركه حبيس عالمٍ ضيّق من الجهل والخوف .

الطفل منذ الولادة يحاول اكتشاف العالم من حوله حتى إذا كبر أصبحت لديه فكرة عما يحيط به من أشياء فتتطوّر خبرته ويصبح يتعامل معها بطريقة صحيحة كما عرفها هو ,وكما رأى الناس من حوله يستخدمونها .

يستخدم الإنسان منذ تكوّنه جنيناً في رحم أمه أوّل حواسه لاكتشاف ما يجول حوله وهي حاسة السمع فيعرف صوت والدته وأصوات أفراد العائلة ممن يحيطون بها ,وبعد ولادته يستعمل حاسة اللمس والتذوّق وحاسة الشمّ بطريقة فطرية أثناء الرضاعة عن طريق الفم , ثم يأتي دور العين فيميّز والدته وأفراد عائلته عن غيرهم , والطفل في الأشهر الأولى عندما يمسك بالشيء يتحسَّسهُ أولاً ,ثم إنه سرعان ما يضعه في فمه وكأن الفم هو نافذته للتعرّف على ما حوله .

من المؤكّد أن الطفل يتفاعل في بداية حياته مع بيئته في المنزل ثم يبدأ يتدرّج عند خروجه للحياة عند لقاء الجيران وذهابه إلى المدرسة ..واللعب هو وسيلة الطفل الوحيدة لينطلق في هذه الحياة , واللعب لا يشمل فقط الألعاب التي تؤخذ من المحال التجارية , بل يمكن أن يتخذ الطفل من بعض الأشياء البسيطة لعبة له مثل قنينة بلاستيكية فارغة أو قطعة فلين , وهناك طفل اجتماعي يفضل اللعب مع أقرانه وأخوته ,وقد يلعب البعض منهم في خياله بوضع دراما لشخصيات وهمية يتحاور معها وكأنها ماثلةً أمامه مما يوسِّع مدارك الطفل ويزيد من مساحة مخيّلته ..

الأطفال يُلاحظ ذكاءهم منذ الصغر , فنجدهم شديدي الملاحظة لأدقّ التفاصيل فتكون نظرتهم لبعض الأشياء مختلفة عمّا اعتاد عليه الكبار كونهم يروْنها من زاويتهم الخاصة قبل أن تتكوّن لديهم خبرة عنها , بالإضافة إلى صفات الطفل الفطرية والموروثة مثل درجة الذكاء ودقة الملاحظة ومدى قدرته على الإبتكار والإبداع والتواصل مع الآخرين .

ومن واجب المربين إتاحة الفرصة للأطفال لاكتشاف العالم وتجريب ما يحيط بهم من أشياء , بدايةً من المنزل بترك الطفل يكتشف أثاث المنزل وأدواته المختلفة ليتمكن من معرفة ما هيتها والغرض من وجودها واستخداماتها , وعلى المربي تحذير الطفل من مخاطرها إثر الإستخدام الخاطئ , ولكن بعض الأطفال يفضّل اكتشاف خطرها بنفسه ولنتركه يفعل ذلك تحت رعاية الكبار ومتابعتهم الخاصة , أو منعه بطريقةٍ مقنعة خصوصاً فيما يتعلق بالأدوات الكهربائية أوالحادة حتى لا يتعرّض لمكروه .
من المهم إعطاء الثقة للأبناء ومنحهم بعض المسؤوليات في سن مبكرة حسب قدرته ليشعر بأهميته في هذا العالم وأنه يؤثِّر كما يتأثّر , لأن مهارات الطفل ستتطوّر وتصبح أفضل كلما أعطيناه مجالاً أكبر من الحرية والإبداع .
أن تشجيع الطفل ودفعه نحو التعامل مع الأشياء من حوله بطرق مختلفة ينمي لديه ملكة الإبداع , بينما الاستهزاء بالطفل والتقليل من شأن ما يفعل أو فرض عليه طريقة معيّنة للتعامل مع عالمه كما يفضل المربي سيقتل فيه هذه الملكة كما سيصيبه بالإحباط واليأس .

إذن لا تفرض حصاراً على طفلك , ولا تحدّ من حريته ودعه ينطلق ليخلق عالمه الخاص به ...