دعوة لتعلم الفهم

دعوة لتعلم الفهم







يحكى أن عجوزاً نهضت ذات صباح كعادتها. حلبت عنزتها وأوقدت نارها. وبدأت
تحضير طعامها. وإذ هي كذلك إذ بجارتها الفأرة تنقل صغارها إلى مسكن جديد
قد هيئته في مكان أكثر ارتفاعا.تناولت العجوز إفطارها على عجل وبدأت في فك
حبال عشتها استعدادا هي الأخرى للرحيل.

رأى جيرانها من أهل النجع ما تفعله، فقالوا لابد وان أحداً منا قد أساء
إلى العجوز، فسارعوا إليها يسألونها عن السبب،فقالت لهم عليكم أن تغادروا
هذا السهل إلى الهضبة المجاورة فوراً فإن المطر قادم، فكان ردهم بإستهزاء
ما هذا أوان نزول المطر وليس ثمة في الأفق ما يدل على ذلك. لا رعد لا برق
لا غيوم. لابد وأن العجوز قد خرفت. أأنزل الله عليك الوحي؟! أم رأيت ذلك
فيما يرى النائم؟!، فقالت: لا هذا ولا ذاك،بل جارتي الفأرة أفهمتني ذلك.

بقى النجع بشيوخه وأهل الحل والربط فيه في السهل، وانتقلت العجوز بعشتها
إلى الهضبة. وما هي إلا أيام قليلة حتى هطل المطر على حين غرة فغرق النجع
ونجت العشة.(انتهت الحكاية).

لقد فهمت العجوز معنى ما قامت به الفأرة، وأدركت من خلال هذا الفهم أن
هناك سببا وجيها حمل الفأرة على إتخاذ هذا الإجراء رغم ما فيه من مشقة،
وهذا درس مستفاد، علينا أن ندرك معناه، فالبيئة من حولنا كتاب مفتوح،مليئة
بالدروس والعبر فإن أحسن الإنسان التعاطي معها نجح في تحقيق العديد من
الإنجازات، وتجنب الكثير من المخاطر.

من فأرة العجوز إلى فيلة تايلاند قصص كثيرة تنبأ فيها الحيوان بفعل
الطبيعة وعجز الجنس البشري عن ذلك، تدعونا إلى وجوب تعلم الفهم،وأن ننظر
إلى ما حولنا، وأن نخلع عن أنفسنا ثوب اللامبالاة الذي هو العائق ألأكبر
نحو ذلك، ولئن نجحنا في تعلم الفهم فإن التناغم مع البيئة المحيطة بنا
وسبر أغوارها تكون نتيجة حتمية لذلك ؛ ستقودنا بدورها إلى ملاحظة الأشياء
المحيطة بنا والتعرف على ماهيتها وكنهها وتفسير حركتها ووجودها ومن ثم حسن
تصور معانيها وجودة استعداد الذهن لاستنباط وإدراك العلاقات القائمة التي
تربط بينها ومحاولة تفسيرها والاستفادة منها،وهذا هو معنى الفهم. إنها
دعوة لبناء منهج. إنها دعوة لتعلم الفهم