نظرة الناس .. أم قسوة مجتمع؟

نظرة الناس .. أم قسوة مجتمع؟

الجمعة, 6 مارس 2009


د. سهام القبندي


تكتب (سعاد.م) بدموع من دم!! أنها تبلغ من العمر سبعة وثلاثين عاماً، ولم تتزوج
وتتمتع بجمال خلاب، ومثقفة وتعليم عال، ومن عائلة مرموقة، إلا أنها أصيبت
مؤخراً بآلام في الظهر اضطرها إلى إجراء عملية جراحية، ما أثر على أداء
قدمها وطريقة مشيتها، وهي الآن تخضع للعلاج الطبيعي.
ويستمر مشوار الألم معها، فهي تعاني الآن من القولون العصبي، واضطراب
النوم، وخوف مستمر، وحسرة على شبابها وأن تسرق الأيام حلمها بالأمومة!!
وتثني على كلامها (وضحة.ع) التي تحب الحياة الاجتماعية ومتدينة ومرحة
وتحب الناس، إلا أنها في الثانية والأربعين، ولم تتزوج، بل ترفض كل من
يتقدم إليها، متزوجا كان أو أرمل.. تقول كنت سابقاًَ أرفضهم منتظرة أن
يأتيني النصيب بأفضل من ذلك.. ولكنني الآن لا أمانع الزواج من رجل لديه
تجربة أخرى وأطفال.. وتكمل رسالتها وتوضح أن من أسباب قلة فرص الزواج هو
فرط السمنة لدى الفتيات الكويتيات؟؟؟
أما «هناء» وهي في الأربعينيات من عمرها، وتشير إلى أن عدم ارتباطها
حتى الآن قد حولها إلى امرأة عصبية حادة المزاج سريعة الغضب، بل تقول بكل
صراحة أصبحت غيورة أو حسودة!!! لا تلوموني على ذلك حين أرى إحدى بنات
العائلة التي كنت أحملها في حجري صغيرة قد تزوجت، وأنا مازلت أنتظر فارس
الأحلام الذي لم يأت حتى الآن!!
أما «عائشة» فهي متوسطة الجمال من عائلة غنية وعريقة تزوجت وتطلقت بعد
ثلاثة شهور من زواجها، حين اكتشفت أن زوجها مدمن على المخدرات!! وتعانى
الآن من الوسواس والريبة من كل رجل يتقدم إليها، لأنها تخاف من تكرار
التجربة، وبالتالي تتجنب التواجد في الأماكن الاجتماعية والاحتفالات
والاختلاط بالآخرين حتى لا تتعرض للتساؤل عن أحوالها!! أو أن يتقدم لها
رجل لا تعرف عن ماضيه شيء؟
بل مأساة «وفاء» الشابة الصغيرة ذات العشرين عاماً حين تكتب عن نفسها:
حلمت بلبس فستاني الأبيض.. وحلمت أن أعيش الحب والرومانسية مع رجل
الأحلام.. وعندما تقدم لي (ع) وتكلمت أمه عن طموحاته وأخلاقه.. وجدت نفسي
أنجذب إليه سريعاً، ولأنه ابن عائلة عريقة ومعروفة مادياً.. لم تتأخر
عائلتي في الموافقة عليه فتم الزواج!! وجاءت المأساة أنني لم ألتق مع زوجي
الحبيب ونتبادل العواطف كأي زوجين طبيعيين، إلا بعد أسبوع من الزواج، وهو
اللقاء الأول والأخير!! فزوجي وكما يطلق عليه «جنس ثالث»، لم يتزوجني إلا
لأن الآخرين قد وصفوا الزواج لعائلته كعلاج لحالة ابنهم.. «فكنت أنا
الوصفة، وأنا الضحية».. ولأنه لا يطيق ملامستي.. فقد انفصلنا بعد شهرين،
وهكذا أصبحت مطلقة والأكثر مجروحة من ظلم الناس والأيام.. ألم تفكر تلك
السيدة بأن بنات الناس بشر،
ولا يمكن التلاعب بمستقبلهم لعلاج ابنها المدلل!!!
إنها قصص وحكايات حقيقية، وأبطالها أبناؤنا ومن عمق مجتمعنا.. أفرزهم
واقع المجتمع ونظرته الاجتماعية للزواج وطرق الاختيار التي تعتمد على
مجموعة من الأساليب الشكلية.. حين يبدأ أهل الزوجة بالسؤال عن الشخص
المتقدم فيجدون الإجابات «والله والنعم فيهم ومالهم صوت في الفريج».. وأن
والده يتردد كثيراً على المسجد!!! ولكن ماذا عن الابن.. ماذا عن فكر الشخص
وتوجهاته، تطلعاته، نظرته للزواج، استعداده لتحمل المسؤولية.. كلها عوامل
تغيب عن الأذهان.. ونسمع دائماً تلك الجملة «خير البر عاجلة» ثم يأتي
الطلاق بعد أشهر قليلة، ذلك أن الاستعجال بالزواج دون التأكد من مدى توافق
الزوجين على كافة المستويات وخلوهم من الأمراض العضوية والنفسية.. خاصة
الآن، ومع الحرص الشديد على إجراء فحوصات ما قبل الزواج، للتأكد من خلوهم
من الأمراض.. يأتي بالدرجة الأولى التأكد من جوانبهم النفسية والاجتماعية
والشعور بالمسؤولية تجاه قرار تكوين الأسرة والارتباط.
قد يكون هذا الاستعجال بالزواج سبباً من أسباب خوف الأهل أن يمضي
القطار، وتعاني ابنتهم كما تعاني الاخريات من عدم الزواج، فيفضل تزويجها
ثم تحاول هي التكيف مع الوضع والتأقلم معه، أو يتم تطليقها بعد ذلك، ولا
أن تحمل ذاك المصطلح القاسي «عانس».
إن هذه الأحكام المجتمعية التي فرضت على البنت أو على العائلة، تجعلها
تبدأ في الشعور بالقلق تجاه فكرة الزواج، وهي في السنة النهائية من
دراستها، وتجد الناس والجيران يتساءلون، ولا نعلم هل هو بحكم الفضول أو
لأنه ليس هناك ما يتحدثون عنهـ فيبدأون بسؤال البنت أو أمها عن زواجها،
وإن كان قد تقدم لها أحد.. حتى يظل السؤال وكأنه سيف مصلت على رقابهم،
سؤال حارق جارح، وكأن البنت مسؤولة عن تأخر قدوم العريس إلى البيت!!!
وللأسف ما إن تتزوج وبمن يكون يبدأ السؤال الآخر يطاردها ويطرد النوم من
أجفانها.. هل حملت ألا يوجد ما يبشر بوجود مولود جديد!! وتتفاقم حيرة
البنت المسكينة من جديد في البحث عن طبيب أو قارئ فنجان ليخبرها عن مستقبل
الطفل المنتظر!!!
هكذا هم الناس وهذه هي أحاديثهم التي تكون سبباً لارتكاب الكثير من الأخطاء في اتخاذ القرارات المصيرية والحياتية!!
إن حياتنا ملك لنا.. نحن أصحاب الاختيار ونحن أصحاب القرار.. نعم نحن
نعيش في مجتمع متكامل له عاداته وتقاليده ونظمة الاجتماعية، إلا أن هناك
الكثير من القرارات تحتاج منا إلى وقفة صادقة مع النفس ودراسة كافية وقرار
حكيم.
إن الناظر لإحصائيات الطلاق في مجتمعنا الصغير، إنما يصيبه الهلع من
الأرقام الفلكية لحالات الطلاق، وخاصة من ذوي السن الصغيرة، حيث يتزوج
الأبناء دون وعي كامل بمسؤوليات الزواج ومطالبه، وتأتي المعاناة بعد مرور
شهر العسل، إن الزواج يعني تكوين أسرة وأبناء ومستقبل مستمر، ويعني البناء
والعطاء، بدءاً من تنشئة الفرد، وصولاً إلى إيجاد شخص متوازن فاعلاً في
المجتمع.. لذا فهو قرار مصيري لا يأتي بالصدفة.
أما من ترى أنها قد فاتها قطار الزواج، فإن الإنسان هو صانع الأيام
والأحلام.. أعرف أن الانتظار ممل وقاتل، وإلا لكنا استمتعنا بانتظار الدور
في المستوصف، أو في زحمة الطريق، لذا علينا البحث عن الأساليب والطرق التي
تسهم في خلق التوازن النفسي والفكري والاعتدال والتوافق في رسم خط حياتنا
والتخطيط لها، علينا بالانشغال بالعمل والإنتاج وممارسة حياتنا بشكل مبدع،
علينا تكوين الصداقات والخروج من العزلة والنجاح في كل أوجه الحياة!!! إن
النجاح وحده كفيل أن يغير نظرتنا لأنفسنا ثم نظرة الآخرين إلينا..
إن الحياة دائماً ما تخبئ لنا كل ما هو جميل، لذا فإن التفكير الإيجابي
التفاؤلي يساعدنا على الابتعاد عن التشاؤم والنظر إلى الحياة بنظرة كلها
أمل ومستقبل.
عندما نخرج صباحاً للعمل نحن لا نعرف ما الذي يخبئه لنا القدر، ولكن
بإيماننا وتفاؤلنا سوف نجد أن اليوم مليء بالجمال والنجاح، وحتى عندما
تصادفنا المشاكل فإن تفاؤلنا بأن الغد سوف يكون أجمل يساعدنا على تخطي كل
الأزمات.
إن المرأة حين تقرر أن تنجح وتضع كل طاقاتها في مجال عملها، نجدها تبدع
وهذا بحد ذاته سوف يشعرها بالارتياح كونها إنسانه متميزة وناجحة وقادرة
على إدارة العمل بكل تفان واجتهاد وتصبح قيادية يشار إليها بالبنان، إن
النجاح وحده كفيل بأن يلفت إليها أنظار العالم كله.. فالناس بطبيعتهم
ينجذبون لكل ما هو لامع وجذاب وناجح.. لذا فليكن نجاحك وتميزك وقيادتك
وحسن أخلاقك وطيبتك هي السبب في جذب الآخرين لك.
إن الحياة رحلة جميلة بحلوها ومرها.. وإن قرار الاختيار أن تكون من
اللامعين أو المنطفئين هو قرار شخصي يتخذه الإنسان بإرادته سواء بوعي أو
دون وعي..